المسؤولية الجزائية عن استخدام القوة المفرطة أزاء متظاهري الفلوجة

                                        

                                        د.أكرم عبدالرزاق المشهداني*

  المسؤولية الجزائية عن استخدام القوة المفرطة أزاء متظاهري الفلوجة

استخدمت قوات الجيش العراقي الجديد الرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين السلميين في الفلوجة يوم الجمعة 25 كانون الثاني الحالي، مما أودى بحياة 7 من الشهداء وأكثر من 50 جريحا من بين المتظاهرين. وقد أثارت هذه الحادثة ردود فعل غاضبة على الصعيدين المحلي والدولي، فبرغم اعتراف رئيس الحكومة في وقت مضى بمشروعية مطاليب المتظاهرين، إلا أن إطلاق جنوده النار العشوائية على المتظاهرين أدت إلى تصعيد الموقف وتأزيم الوضع.
لقد كان المفروض بقطعات الجيش وهي تخوض غمار عمل مدني وليس عسكري أن تتقيد بالقواعد الانسانية والقانونية في التعامل مع متظاهرين مدنيين، وكان عليهم أن يستذكروا موقف الجيش المصري الذي زجت به سلطة حسني مبارك ليكون بمواجهة الشعب إلا أن الجيش المصري رفض استخدام العنف والرصاص ضد المتظاهرين السلميين فكسب حب وود الشعب المصري وبدلا من أن يرميه المتظاهرون بالحجارة والأحذية رموه بالورود وكتبوا العبارات الوطنية على الدبابات دون اعتراض من الجنود.
 لقد استغرب كثيرون من إصرار الحكومة على (عسكرة) و (تجييش)  الوضع الأمني والزج بالجيش في أتون العمل الأمني المدني. فالمعلوم أن لكل من الجيش والشرطة مدرسته الخاصة في التعامل بالسلاح الناري وفي معالجة المواقف الحرجة، فالجيش مؤهل بالأساس لملاقاة (عدو) وليس (مواطن)، لذلك أساس عمل العسكر في استخدام السلاح تقوم على نظرية (إرم لتقتل) (Shoot to kill) بينما العمل الأمني والشرطي يقوم على اساس مبدأ (إرمٍ لتلقي القبض) (!!Shoot to apprehend) ، حيث ان السلاح في عمليات الشرطة هو آخر العلاج، وحتى استخدام السلاح فإنه يمر بمراحل أولها استخدام الوسائل العنفية العادية، وبعدها إن أضطر يستخدم السلاح بالهواء، أو الرمي بين الرجلين للقبض على مجرم خطير هارب أو فار، وقد نظم قانون رقم (176) لسنة 1980 (قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة) أحوال وحالات استخدام القوة او العنف او السلاح الناري طبقا لأحوال الخطورة وكالآتي:
1.حددت المادة الأولى مهام قوى الأمن الداخلي بالآتي: (م1: تختص قوى الأمن الداخلي بالمحافظة على النظام والأمن الداخلي، ومنع إرتكاب الجرائم، وتعقيب مرتكبيها، والقبض عليهم، والقيام بالمراقبة المقتضاة لها، وحماية الأنفس والأموال، وجمع المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي وسياستها العامة، وضمان تنفيذ الواجبات التي تفرضها عليها القوانين والأتظمة).
2.أحوال استخدام القوة:
نصت المادة 2 على أنه (يجوز لرجل الشرطة إستعمال القوة بالقدر اللازم دون السلاح الناري:
أولاً – لإداء واجباته بشرط أن تكون هي الوسيلة الوحيدة لمعالجة الموقف أما إذا كان مرتكبو الجريمة ثلاثة أشخاص فأكثر، فعليه إستحصال موافقة رئيس الوحدة الإدارية المختص، إن كان ذلك ممكنًا، وفي حالة عدم إمكان إستحصال الموافقة، فلأقدم مسؤول عن القوة في محل الحادث إستعمال هذه الصلاحية، على أن يخبر رئيس الوحدة الإدارية بأسرع وقت.
ثانيًا – لغرض القبض على متهم صدر أمر القبض عليه وحاول المقاومة أو الهرب).
3.استخدام السلاح بالقدر اللازم:
  نصت المادة الثالثة على أنه:
(أولاً – يجوز لرجل الشرطة إستعمال القوة دون السلاح الناري أو إستعمال السلاح الناري بالقدر اللازم بلا أمر من السلطات المختصة: –
1 – في حالة الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله.
2 – في حالة مطاردة مجرم أو متهم مسلح.)
 
4.استخدام السلاح الناري:
ونصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة على أنه:
  (ثانيًا – يجوز لرجل الشرطة إستعمال السلاح الناري إذا أريد به دفع أحد الأمور الآتية ولو أدى ذلك إلى القتل عمدًا: –
1 – فعل يتخوف أن يحدث عنه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
2 – خطف إنسان.
3 – الحريق عمدًا.
4 – القبض على مجرم أو متهم بجريمة معاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد إذا قاوم هذا المجرم أو المتهم عند القبض عليه أو حاول الهرب.
 5 – إحتلال أو تدمير المكان الذي تستقر فيه قوى الأمن الداخلي.
6 – إحتلال أو تدمير الأماكن أو المعدات أو الممتلكات المسؤول عن الحفاظ عليها أو تعريض حياة الأشخاص في هذه الأماكن إلى الخطر الجسيم.
7 – إرتكاب جريمة تخريب عمدي للمرافق الحيوية العامة.).
 
5.أحوال استخدام السلاح بأمر أعلى:
حيث حددت المادة الرابعة من القانون المذكور أحوال استخدام السلاح بأمر من الأعلى وكالآتي:
 (مادة 4: يجوز لرحل الشرطة إستعمال السلاح الناري بأمر من وزير الداخلية، أو من يخوله أو المحافظ، أو القائمقام، أو القائد العسكري في المناطق المعلنة فيها الحركات الفعلية أو لغرض إخماد الإضطرابات التي من شأنها تهديد النظام والأمن العام).
 
لقد بات استخدام "القوة المفرطة" The use of excessive force   أو إساءة استخدام السلطة الأمنية، من قبل الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون أمراً خطيراً يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، وإخلالاً بمبادئ  الإدارة السليمة والقانونية للأزمات الأمنية، بل إنه يسهم في تعقيد الحالة الأمنية بدلا من حل أزمتها، كما إنه يُعرّض القائمين عليه للمسائلة القانونية والإنضباطية.
 
وليس هناك من تعريف محدد لمصطلح "القوة المفرطة"، لكن المصطلح عموماً  في دلالاته المنطقية والقانونية يعني إستخدام القوة سواء البشرية أم المادية، خارج حدود الحكمة، والمعقولية، تجاوزاً لحدود المقبول والمنطقي في معالجة الظرف الأمني الطارئ أو الأزمة الأمنية. وبعض الخبراء يقولون انه يعني أي تجاوز لحدود الضروري من القوة للقبض على المشتبه بهم والحفاظ على سلامة الشرطة والمارة.
 
ومن المعلوم ان القوانين التي تنظم عمل اجهزة الشرطة في العالم تخوّل الشرطة استخدام القوة بالقدر اللازم في احوال فرض الامن والنظام او مطاردة الخارجين على القانون، وتنظم صلاحيات الشرطة في استخدام القوة لحفظ الامن والنظام. ولكن عادة هذه القوانين لا تسمح بالتجاوز او الاستخدام المبالغ فيه للقوة، فإستخدام القوة لفضّ الأفعال اللاقانونية أو المُهددة للأمن، يجب أن يكون في الحد الأدنى وبالحدود اللازمة فقط لتحقيق غرض مشروع تقتضيه متطلبات الأمن والنظام.
 
وقد تكررت في كثير من بلدان العالم حالات رد الفعل العنيف والمتجاوز للحدود، في مواجهة مواقف أمنية معينة بأكثر مما يتطلبه الواقع الأمني للحالة، وباتت تصرفات الشرطة توصف من قبل وسائل الإعلام بـ "الوحشية"، أو الخروج عن القانون، أو بما يشكل انتهاكا مباشرا للقوانين داخل قوة الشرطة. وكثير من الدساتير أو التشريعات تمنع استخدام القوة المفرطة لما يتضمنه هذا الاستخدام من تهديد لحياة الناس، وانتهاك لحقوق الإنسان، ومبالغة لا موجب لها في إطار تنفيذ متطلبات حماية الأمن الداخلي وفرض السيطرة والاستقرار.
 
إن الإستخدام المفرط للقوة بجانبيه المادي والمعنوي، سواء باللجوء للعنف المضاد، أو استخدام وسائل قمعية لاموجب لها إزاء الموقف الحاصل، أو باللجوء للتهديد النفسي أو الإرهاب المعنوي، أدى في كثير من الدول إلى حوادث مؤسفة ما كان يجب أن تقع وبخاصة حين تُفقدُ أرواحٌ أو يُجرح أشخاصٌ أبرياء دون مسوّغ قانوني، وغالبا ما يقترن استخدام "القوة المفرطة" في فعاليات فض حوادث الشغب والاعتصام والتظاهرات وأعمال الاحتجاج، ويعد الاستخدام المفرط للقوة أحد أوجه التقصير أو سوء السلوك المهني في الأداء الشرطي، بل يعدّه كثير من الخبراء أحد أوجه "الفساد الشرطي"، وخاصة حين يبني عليه إجراء إعتقالات لأسباب غير قانونية، أو التخويف، أو القمع السياسي، أو ممارسة العنف المضاد الذي يصل لحد التعذيب والايذاء الجسدي.
 
منظمة العفو الدولية ادانت الاستخدام المفرط للقوة من جانب القوات الامنية في العديد من الدول واصدرت قرارا عام 2007 عن (سوء سلوك الشرطة في العديد من بلدان العالم) وبالأخص البلدان سلطوية الأنظمة، وعن سوء إستخدام القوة أو السلطة (Abuse of power or authority). وأدانت المنظمة عام 2010 قيام الشرطة البريطانية بإستخدام الهراوات والضرب المبرح للمتظاهرين ضد إجتماع مجموعة الـ 20 (قمة لندن)، وهناك في المملكة المتحدة منظمة مستقلة تعرف باسم (اللجنة المستقلة للشكاوى عن سوء سلوك الشرطة)، تحقق في حوادث استخدام القوة المفرطة من جانب رجال الشرطة. وتشجع منظمة العفو الدولية استخدام التسجيل الفيديوي لاعمال الشرطة في فض التظاهر والشغب لتقديم الادلة ضد المتورطين باعمال سوء استخدام السلطة.
إن أي تجاوز لرجل السلطة، لحدود اختصاصه وواجبه بسوء نية يجب أن يعلم بأنه يرتكب أفعالاً تخالف القوانين مخالفة واضحة بحيث يترتب على ذلك ارتكابه لجرائم من نوع الجنايات والجنح فهنا لا يستطيع أن يثبت بأنه كان حسن النية لأنه يستطيع أن يفطن لأفعاله غير القانونية وهنا لا بد من مسائلته جنائياً ومدنيا وتأديبياً ويكون شريكاً مع مصدر الأمر غير المشروع فلا يستطيع أن يحتج أمام القضاء بأنه حسن النية عند ارتكابه لتلك الأفعال المخالفة للقوانين مخالفة واضحة.
على الحكومة أن تعيد النظر في استراتيجيتها الأمنية في مواجهة الشعب، فالجيش لم يوجد لكي يقف بالضد من الجماهير كما تفعل النظم الدكتاتورية بل هو وجد للدفاع عن الوطن ضد الأخطار الخارجية، وعلى الحكومة أن تسحب القطعات العسكرية وتنتهي من سياسة تجييش الوضع الأمني، وبذات الوقت عليها أن تمتص النقمة الشعبية للمتظاهرين المحتجين من خلال:
1.اتخاذ الاجراءات القانونية الجزائية العادلة بحق من أطلق النار، وبحق من أمر بإطلاق النار وأن تكون المسؤولية تضامنية صعودا الى أعلى الرتب والمناصب.
2.تحديد هوية من قاموا باطلاق النار عشوائيا او قصدياً بجمع البنادق المستخدمة ومضاهاتها من قبل الادلة الجنائية لتحديد مطلقي العيارات التي اصابت الشهداء والجرحى.
3.إحالة المذنبين بتهمة القتل العمد الى المحاكم الجنائية ولضمان الحياد وتطمين المواطنين ينبغي أن تحال القضية الى جنايات الأنبار حسب الإختصاص المكاني. لأن احالتها الى المحاكم العسكرية من خلال المجالس التحقيقية ستؤدي الى ضياع الحقائق، واثارة غضب الشارع المحتقن أساساً.
4.أتركوا الأمن لأجهزة الأمن (الشرطة) واسحبوا الجيش من المدن والنواحي والقصبات، ولينصرف الجيش لمهامه الأساسية.
*خبير في الشؤون الامنية والقانونية

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

910 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع