د.صلاح رشيد الصالحي
الإبل والجمل والناقة في النصوص الاشورية
لوح من النحت البارز يمثل معارك بين الاشوريين وقوه عربية تعود اللوحة إلى عهد اشوربانيبال
أن أول ذكر لكلمة الإبل اقترن باسم مملكة ايبلا أو إيبل أو إبلا القديمة (Ebla) (تل مرديخ في سوريا) وثقافتها آمورية، وتأسست إيبلا في الالف الثالث ق.م، ومعنى أسم إيبلا أو إبلا من الإبل لان بعض أسماء المدن أخذت من أسماء الحيوانات (عجل = عجلون ...) وحرف (أ) الأخير من الاسم إيبلا مضافة معروفة باللغة السومرية التي تعتبر أقدم لغة مكتوبة ولهذا السومريين لا يقولون بابل انما بابلا واشنون اشنونا ، وهكذا يمكن اعطاء عدة معاني لكلمة إيبلا أو إبلا منها الابل وهو اسم ليس عدنانيا لأنه لا اشتقاق له ولا مفرد وكانت إيبلا مشهورة بالجمال لأنها في اطراف بادية الشام والمعروف ان الجمال كانت معروفة منذ الالف الثالثة ق.م ، كما ان (ābēl () تدخل في اسماء الاماكن الفلسطينية القديمة، ولفظة أبيلا يعطي معنى (مجرى الماء أو المرج)، وتشترك مع الاسماء الأمورية التي تبدأ بـ (ibl) و (ibil) و (yabil) من (ybl) (wbl ) بمعنى (ليجلب) ، وباللغة العربية تدخل مع حرف الجيم لتشكل جبل (Gaibal) وفي فلسطين هناك منطقة جباليا، وهكذا عدة اشتقاقات وليس هناك راي مقنع.
أما تسمية الجمل التي وردت في أواخر الالف الثانية ق.م فقد وردت للأول مرة في نصوص تجلاتبليزر الأول (1115-1074) ق.م باسم جمالو (Gammalu) وترجمة إلى (حمار الصحراء).
وعند ذكر أشار شلمانصر الثالث معركة القرقار(Qarqar) عام(853) ق.م أشار إلى جندبو (جندب) (Gindibu) الزعيم القبلي العربي ومعه (1000) جمل، وهنا استخدمت في النص اسم انشي – جمالو (ANŠE-gam-ma-lu) وهو نفس الاسم الذي سبق وان اطلق على الجمل منذ عهد تجلاتبليزر الأول، فالاسم من مقطعين انشي (ANŠE) تعني حمار باللغة السومرية، وجمل هي قريبة جدا من رمل بقلب حرف (ج) إلى (ر) ، وفي المسلة السوداء للملك شلمانصر الثالث شكل جمل بسنامين وهو معروف في أفغانستان وآسيا الصغرى اطلق عليه اردو، اما في عهد تجلاتبليزر الثالث إلى جانب اسم الجمل هناك أيضا اسم آخر وهو انقاتي (a-na-qa-(a)-ti/te) وغالبا ما وجدت في النصوص الاشورية الحديثة هذا الاسم عادة يعتبر العربية المبكرة في اللغة الأكدية، وهي قريبة من العربية (nāqat-) (ناقة) (انثى الجمل)، وذكر الاسم في نقوش تجلاتبليزر الثالث بصيغة انشي-انقاتي (fANŠE.a-na-qa-a-te) لتكون أول إشارة لعرب شمال الجزيرة العربية، وقد تم قبول هذه الفكرة من قبل الباحثين في الاشوريات.
لكن هناك تجاهل في معرفة اشتقاق كلمة ناقة(nāqat-) بمعزل عن الجذر السامي ينق (YNQ) بمعنى (مص) أو (رضع)، وعلى ما يبدو الأكثر احتمالا أن كلمة ناقة (nāqat-) مشتقة من (يناقة) (yanāqat-)، وهي تختص بـ(الرضاعة)، أو (مرضع) بمعنى (الجمل) أي (ناقة)، لأننا نعرف ان الناقة تقدم الحليب وهو غذاء رئيسي للأطفال البدو وكبارهم.
أن فقدان المقطع الأول (Y) لا يمكن تفسيره، ربما بأن يناقة و يا ناقة yanāqat- ~ yā nāqat-) (* جاء نتيجة لحذف (yā) وبقيت (nāqat-) والحذف معروف بشكل عام باللغة العربية، لان حرف(Y) (يا) في جذور اللغة العربية غير مستقر فحرف (يا) يستعمل للنداء وكثيرا ما ينادي البدو قطعان الجمال بأصوات لها دلالتها واحيانا يطلق على الجمل أو الناقة أسماء مثلما يطلق على الأشخاص، واحيانا أخرى (يا) تأتي للترجي كأن نقول (يا الله... يا محمد. الخ)، في بعض الأحيان يتم حذف الالف كما في اسم ادوماتو (Adummatu) (دومة) وهو اسم مكان معروف في المصادر الآشورية ويظهر في النصوص العربية باسم (دومة الجندل).
أن تعدد الأسماء التي اطلقت على الجمل والناقة في عهد تجلاتبليزر الثالث لأنه حيوان عربي واخذت الأسماء من مناطق تواجدها لدى القبائل العربية التي قاتلها الملك الاشوري وغنم من العرب الاف من الجمال نقلها إلى اشور، كما لو اننا ننقل حيوان الاما (يشبه الجمل ويعيش في أمريكا الجنوبية) إلى مناطقنا فسوف نطلق عليه اسمه الأصلي في حالة المفرد والجمع والمذكر والمؤنث وهكذا، ولكن ما هو جذر كلمة ناقة (a-na-qa-(a)-ti/te) التي وردة في نصوص الملك الاشوري، من الواضح مرتبط مع الجذر ينق (YNQ) ، ربما الكلمة مستعارة من السامية الغربية في بلاد الشام، وفي التوراة وردة كلمة ناقة (جماليم مينيقوت) (mallīm mēnīqōt )(التكوين32: 16) وترجمة منيقوت إلى العربية بكلمة (ناقة).
وأيا كان الأمر، فإن الجمال في عهد تجلاتبليزر الثالث يجب أن تبقى دليلا على العلاقات بين الآشوريين والعرب في القرن الثامن ق.م سواء كانت ضمن قائمة الجزية أو المصادرة خلال الحرب والكلمة (a-na-qa-a-te) أو ناقة (nāqat-) العربية مشتقة من الجذر السامي ينق (YNQ)، واعتبر الجمل حيوان للنقل وحمل الاثقال وكان للآشوريين وحدات عسكرية صحراوية تستخدم الجمال في التنقل وحمل مستلزمات القتال، ولكن يبقى سؤال هل كان الجمل ضمن قائمة الطعام لدى الشعب الاشوري؟ في الحقيقة كان الجمل لدى البدو حيوان النقل والركوب والقتال ويقدم لهم الصوف والحليب، وأيضا يدخل ضمن قائمة اللحوم لدى البدو، بينما لا يوجد نص اشوري يذكر لحم الجمل كوجبة طعام، ومن المحتمل في عهد الملوك الاشوريين المتأخرين كان لحم الجمل يقدم للجنود في مناطق القتال، وهذا مجرد اقتراح لم تذكره النصوص الاشورية.
4802 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع