المركز العربي الألماني / الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية

                                        

                        د.ضرغام الدباغ

             

المركز العربي الألماني / الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية

مقدمة

هذا البحث هو جزء من أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية (العلاقات الدولية) تقدمت بها لجامعة لايبزغ عام 1982 للحصول على شهادة الدكتوراه، وفي تلك السنوات، أنشرها اليوم لمصداقية التحليل الذي قدمته قبل نحو 36 عاماً. وجود هذا الكيان الجرثومي في قلب الأمة هو بهدف إبقاؤها مريضة تعاني من تبعات وجود هذا الكيان .

وكنت قد ذكرت ذات يوم لأستاذي المشرف، أن الكيان الصهيوني، إسرائيل هو أشبه بمريض فيه علل وأمراض كثيرة، ويعيش على الحقن والمعدات التكنيكية، تمتد عشرات الخراطيم إلى جسده السقيم الموضوع خطأ في المكان الخطأ، ويراد منه أن يعيش ليسلب حق أمة في الوحدة والتقدم. وفي أي يوم ولأي سبب تنقطع هذه الخراطيم التي تمده بأسباب الحياة، فإن هذا الكائن سيموت، وليس بالضرورة بالوسائل الحربية، ولكن لأن الوسائل لم تعد تكفي لأن يعيش هذا الكيان.

الجهات التي استنسخت هذا الكيان، ستتقبل الأمر (نهاية هذا الكيان) كقضاء وقدر، فقد فعلوا كل ما يمكن، وأكثر مما يمكن، ولكن لكل جهاز طاقة تحمل، وأعود للتشبيه، هناك توصيلات كهربائية (Cabel) لها قدرات متفاوتة في توصيل الطاقة، والقليل منها مصمم لتوصيل الطاقة بقدرات عالية، وإسرائيل هي عبارة عن شريط تمديد (كيبل)، كما هو جسد مريض متهالك، سوف لن يتحمل كيانه المصطنع على هذا التحميل السياسي والاقتصادي والحضاري، فسيسقط كمصير واستحقاق تأريخي.

خلال عملي الدبلوماسي، كنت التقي بدبلوماسيين من شتى البلدان، والدبلوماسيون في مجالسهم الخاصة، قد يفصحون لك عن قناعتهم الشخصية حول أمر ما، بهذه الدرجة من الوضوح والصراحة أو تلك. ولطالما التقيت بدبلوماسيين بمراتب متقدمة كانوا يهمسون في أذني، أن الجميع يعلم ويدرك أن مصير إسرائيل هو محتوم الزوال ..

إسرائيل كيان يستفز القانون الإنساني قبل القانون الدولي، ويستفز الكرامة، وأفعالهم لا تقبلها حتى الكلاب المتوحشة في الغابة، والعالم بالكاد يقبل مشاهدة العنف، فكيف بشلال لا يتوقف من العنف المتوحش الهمجي ..؟ .. أليس في عملية التصويت، (ولست في مجال تحليله)، دليل ساطع أن العالم قد أصابه القرف والغثيان من هذا الكيان وممن يدافعون عنه ..! وستنتفي الحاجة إليه ذات يوم حتماً ..

دون أدني ريب، أن الحكماء في هذا الكيان إن كان فيه حكماء، سيعتبرون أن يوم التصويت في الأمم المتحدة (21 / كانون الأول ــ ديسمبر / 2017)، هو البدء بالعد العكسي لزوال واختفاء هذا الكيان عن المسرح العالمي ليصبح أثراً بعد عين ..!

إن في زوال هذا الكيان عبرة كبيرة، تدركها اليوم كل شعوب العالم، أن لا تقبل الاغتصاب والقتل والإرهاب الإجرامي الذي تمارسه دولة عظمى متقدمة تصنع حيواناً / روبوتاُ آلياً ينبح ويعض ويحمل السلاح ويطلق النار على السكان بدون تميز.


إسرائيل وكيل وممثل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية

في تحليل للاتجاهات الأساسية لإسرائيل، من المطلوب التعرف على الجوانب القانونية والنظرية الآيديولوجية التي تتحكم بالفعاليات السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا الكيان. إن الأفكار والنظريات الصهيونية السائدة في هذا الكيان، والذي تتحكم في فعالياته الخلفية للنظريات والأخلاقيات التي تتأسس عليها الدولة. وتسعى إسرائيل إلى تحقيق الأهداف النظرية للصهيونية.

" والصهيونية هي تيار بورجوازي رجعي / يهودي، معادية في جوهرها للاشتراكية، متطرفة واستعمارية. وهذا التيار يدعم الدين ويخدم الإمبريالية والرأسمالية العالمية " لذلك " فإن الفعاليات الصهيونية هي جزء ثابت من الاستراتيجية الإمبريالية الشاملة، وتحقيق الخطط الصهيونية ممكنة فقط من خلال الاستراتيجية الإمبريالية " . (1)

وفي عصرنا الراهن، فإن واحدة من المعايير في حركات التحرر الوطني في موقفها إزاء الإمبريالية وفي النضال ضدها كجزء من العملية الثورية الكبرى التي تهدف إلى تصفية الإمبريالية، فإن إسرائيل، وهذا جزء من طبيعتها، أداة مهمة في أيدي الإمبريالية لا سيما الولايات المتحدة لإضعاف الحركة الثورية العالمية وبصفة خاصة في الوطن العربي.

وأنتجت إمبريالية الولايات المتحدة الأيدولوجيات الرجعية وتدعم موقف الرجعية والأكريليكية (Klerikalism) والشوفينية المتطرفة في ذلك تلعب الصهيونية الدور الرئيس " إذ تنكر الآراء الاشتراكية العلمية وتقف من الاشتراكية والتحولات الاشتراكية والتقدمية على الدوام موقفاً معادياً " . (2)

وقد كتب لينين عن هذه الأهداف العدوانية للشوفينية المتطرفة والقوى الدينية قائلاً : " في السياسة الخارجية، تجهد نفسها وتتسابق لكي تتفاهم مع حكومة إمبريالية من أجل تحقيق أهدافها النهائية " . (3)

وقد انعكس ذلك في تأسيس دولة إسرائيل من أجل خلق " دولة إمبريالية صغيرة " في الشرق الأوسط وإلى منبع رئيسي للصرعات المسلحة ولعدم احترام حقوق الشعوب، وعلى الرغم من أن إسرائيل قد قبلت في الأمم المتحدة وفق شروط وهي لم تفرض على أي دولة من الأعضاء. وفي ذلك لابد من ملاحظة بيان ممثل الحكومة الإسرائيلية أمام لجنة السياسية الدائمة في الأمم المتحدة بقبول قرار الأمم المتحدة في 29/ 11/ 1947 (حول الحدود وقرارها في 11/12/1948 حول تقسيم فلسطين واحترامها. (4)

ويمثل تصريح وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة مائير، أمام الأمم المتحدة عام 1967 ذروة التحدي للأمم المتحدة وهي تعكس سياسياً وأخلاقياً جوهر هذه الدولة عندما قالت " ماذا يعني القرار الذي نرفضه إذا نجح في التصويت ..؟ إنه ليس دبابة تطلق علينا النار ". (5)

إن القوام الصهيوني لدولة إسرائيل ينعكس في سياستها الخارجية وفي تعاونها وتنسيقها مع الإمبريالية العالمية حيث تحولت إلى أداة مهمة في استراتيجيتها حيال الشرق الأوسط وفي سياستها الداخلية، فقد عرفت هذه الدولة وطبعن طابعها من حيث أنها خلقت مجتمعاً عنصرياً وجدت انعكاساتها في قوانين الدولة. وتلك هي بعضها:

ــ إن إسرائيل هي واحدة من الدول النادرة التي ليس لها دستور، وهذا يمنح الدولة الامكانية للقيام بأعمال غير ديمقراطية وكذلك عدم تحديد مساحة الدولة أو بالأحرى الخارطة السياسية. و " إسرائيل من الدول القليلة التي تطرح حدوداً جديدة تطالب بها. وهي في سياستها الخارجية تذهب أن على الدولة أن تناضل حتماً من أجل حدود تتناسب مع متطلباتها. والحرب والتفوق العسكري هي من الأساليب لذلك ليس هناك اعتبار لحقوق الشعوب الأخرى، والحرب والتصعيد هي ضمانة وحماية للحدود ". (6)

ـــ إن الرفض المتعمد لتشريع دستور، هو تعمد تجاهل حقوق قوميات وأديان أخرى، وفي إسرائيل هناك 159 قانون ساري المفعول تمنح الطابع العنصري لهذه الدول ضد المسلمين والمسيحيين العرب. (7)

وكمثال على ذلك، أن إسرائيل وفي غضون 25 سنة الماضية، استولت على أكثر من 80% من أراض تعود للعرب وطردت مئات الألوف منهم خارج أرضهم وبلادهم. (8)

وفي 5/ تموز/ 1950، وفي 1/4/1952 شرعت إسرائيل قوانين لكافة اليهود في العالم وفيها تجيز ازدواج الجنسية، وتعد أي يهودي أينما كان هو إسرائيلي وإن لم يطالب ويحرز الجنسية الإسرائيلية ولا يقيم في إسرائيل. (9)

وتدل الحقائق التاريخية على أن الدولة المدعمة بقوة من الإمبريالية العالمية لم تتوصل إلى نظام سياسي واجتماعي فحسب، والتي هي صورة مصغرة من الدول الإمبريالية الكبرى، بل أداه استراتيجية مهمة لها منذ تأسيسها وحتى الآن.

وحتى عام 1956، كانت الإمبريالية البريطانية والفرنسية تمثل القوة الأكثر نفوذاً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لإسرائيل. ففي العام 1956 خاضت إسرائيل مع هذه الدول الحرب ضد مصر من أجل تحقيق أهداف الإمبريالية تجاه الحقوق الشرعية في تأميم قناة السويس. ومنذ أواسط الستينات، استلمت الولايات المتحدة دور المجهز والممون الرئيسي للسلاح وكان هذا لسببين رئيسيين:

• كرد فعل على تعاظم قوة حركة التحرر الوطنية وملامحها البارزة المعادية للإمبريالية، ومن أبرز ظواهرها، هي الأعداد المتزايدة من البلدان العربية التي تنتهج طريق التطور اللارأسمالي مع التوجهات الاشتراكية,
• الاهتمام الاستعماري المتزايد لإمبريالية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. (10)

وقد بذلت الولايات المتحدة منذ الخمسينات، المساعي الحثيثة والكبيرة من أجل أن تحول دون أن تنتهج بلدان الشرق الأوسط المنهج التقدمي في تطوير مجتمعاتها. ولكن تلك المساعي لم يكتب لها النجاح بسبب التناقض الصارخ بين المصالح الإمبريالية وشعوب المنطقة، وكان ذلك دافعاً لزيادة دعمها لإسرائيل. (11)

ومنذ عام 1965، تحول الدعم الأمريكي من المستوى السياسي والاقتصادي إلى الدعم العسكري الواضح والصريح مع نوايا عدوانية قوية، وبالضبط منذ أن أتضح الخط الاشتراكي في مصر وتصاعد وتطورت وتيرة العلاقات المصرية ــ السوفيتية، ومع البلدان الاشتراكية وبشكل متكور من العلاقات. (12)

وبذلك تحولت إسرائيل بصورة تامة إلى أداة في السياسة الخارجية الأمريكية واستراتيجيتها الشاملة، وأضحت هدفاً لتهديد مصر التقدمية، وهي ترمي إلى خلق علاقات جديدة في الشرق الأوسط من أجل المضي في خططها العدوانية " وهي بذلك تستخدم موقعها في الشرق الأوسط كعنصر ضغط للتأثير على علاقات الاتحاد السوفيتي على الاصعدة الاستراتيجية " . (13)

وحرب حزيران / 1967 خير مثال على تلاق المصالح الاسرائيلية والأمريكية، إذ غدا معروفاً أن الخطط العدوانية ضد البلدان العربية قد جرى تخطيطها في قيادة الأركان لحلف الناتو والاستخبارات الأمريكية ( (CIA نسقت أعمالها في الشرق الأوسط، كما عمل وقاتل طيارون وضباط وخبراء أمريكان إلى جانب إسرائيل، وكانت الأهداف الرئيسية تتمثل في إسقاط الأنظمة التقدمية، وتوسيع المجال الحيوي الإسرائيلي، وتقوية نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل وأكثر من ذلك، فقد كانت الأوساط الإمبريالية تتوقع أن الحرب ستقلص وتضعف من نفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط. (14)

وأوضح أحد قادة إسرائيل(أيغال ألون) وهو وزير دفاع سابق، أن أحد الأسباب الجوهرية لحرب حزيران / 1967 قائلاً: " أولاً أن إسرائيل قد أصبحت بتوجهها الرأسمالي وتحولت إلى دولة إمبريالية صغيرة، والآخرين (سورية ومصر) إلى دول وطنية قومية ــ تقدمية وتنتهج طريق التطور اللارأسمالي في تطوير مجتمعاتها والذي يحمل سمات وتوجهات اشتراكية معادية للإمبريالية . (15)

وبعد ذلك بست سنوات، وفي تشرين الثاني / 1973، صرح الرئيس الأمريكي نيكسون أمام السفراء العرب في واشنطن " أريد أن أبلغكم أن أمن إسرائيل هو أمر فوق ما نستطيع مناقشته " . (16)

وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أكثر وضوحاً بقوله: " إن إسرائيل لا تحتمل حرباً لتسعة أيام دون الاعتماد على الولايات المتحدة "، إذن فإسرائيل في هذه الحالة لابد ان تكون ذات أهمية فائقة للإمبريالية العالمية والولايات المتحدة بصفة خاصة. وفي الجدول أدناه نلاحظ المساعدات الأمريكية إلى إسرائيل.(17)

الجدول رقم 38: المساعدات الأمريكية إلى إسرائيل

   

المصدر سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص221

وكمثال آخر لتنامي أهمية إسرائيل في استراتيجية الولايات المتحدة الشرق أوسطية، هو الدعم العسكري والاقتصادي الكثيف التي تجاوزت عام 1979 ال 2،4 مليار دولار، وهو بالطبع مبلغ يعاد كل ما دفع لإسرائيل من مساعدات أمريكية منذ تأسيسها وحتى عام 1972. (18)

وتعبئ إسرائيل طاقاتها البشرية في قواها المسلحة، وتضعها في خدمة الإمبريالية:

• تمتلك إسرائيل قوات مسلحة ضخمة، وسكان مدربين على الحرب، ويستدعى 10% من سكان إسرائيل إلى الخدمة العسكرية. (19)
• تتراوح نفقات الجيش الإسرائيلي بين عام 1967 إلى العام 1973 كمعدل 25 ــ 30% من الناتج القومي الإجمالي، وهذا يمثل ضعف التخصيصات المماثلة في الولايات المتحدة. (20)
• تلعب الصناعات العسكرية الاسرائيلية دوراً مهماً ولها امتدادات عريض وعميقة مع الاحتكارات الامريكية. وحتى بداية السبعينات، كان يعمل في هذه الصناعات 100،000 عامل وهذا يمثل 10% من قوة العمل الإسرائيلية و32% من العاملين في الصناعة بصفة عامة. وفي العام 1971، ناهز تصدير السلاح من إسرائيل 11% من مجموع الصادرات الإسرائيلية. (21)
• في عام 1979 تواصل تصدير السلاح إلى الأنظمة الفاشية والديكتاتورية والأنظمة الرجعية في أميركا اللاتينية بما قيمته 1 مليار دولار، وتقدم إسرائيل هذه القوة والامكانات في خدمة الاستراتيجية الامريكية الشاملة والتي لا تتناقض مع مصالحها، وبنفس الوقت تتفق مع الآيديولوجية الصهيونية كقاعدة رئيسية.
1. العمل ضد حركات التحرر الوطني، ومن هنا فإن إسرائيل تلعب دوراً مهماً ووسيلة من أجل حماية وضمان التطور في البلاد العربية تحت النفوذ الأمريكي، وإعاقة تعميق العلاقات مع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية. (22)
2. تحتل إسرائيل مكانة مهمة في استراتيجية الولايات المتحدة الشاملة، كما تلعب دوراً في إحباط النفوذ السوفيتي في المنطقة، كما أنها الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه، وتضع قوتها وامكاناتها في خدمة الولايات المتحدة وتنتهج سياسة معادية للسوفيت في وسط بحر من العرب الراديكاليين ". (23)
3. وبفضل الدعم الأمريكي والمساعدات، ومن خلال الاحتكارات الدولية والصهيونية العالمية، وأيضاً من خلال هجرة الكادر المؤهل إليها، تطورت إسرائيل إلى دولة رأسمالية حديثة، وأن تلعب دوراً إمبريالياً تحت مظلة الحماية لتمارس دوراً يهدف لبسط السيطرة الامريكية ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل وفي مناطق أخرى من العالم ولا سيما في أفريقيا، ثم صعدت من تصدير الأسلحة وفي ذلك استخدمت الولايات المتحدة إسرائيل في تقاسم الأدوار والفعاليات، وكانت إسرائيل وما تزال تقف إلى جانب القوى الغاشمة المضطهدة لشعوبها في القارة الافريقية. (24)
وتركز إسرائيل في علاقاتها الخارجية على الدول الرجعية المتطرفة في أفريقيا مثل النظام العنصري في جنوب أفريقيا، والتي ترسل إليها الاسلحة وتساعدها على اضطهاد وقمع حركة التحرر. (25)

وإلى جانب مساعي إسرائيل التوسعية في أفريقيا وتشويش العلاقات مع البلدان العربية، فإن العلاقات الاقتصادية تبقى مهمة أيضاً، وهنا تشير الاحصاءات أن الصادرات الإسرائيلية إلى أفريقيا قد تضاعفت من 13،11 مليون دولار عام 1963، إلى 24 مليون دولار عام 1967، وكانت حصة جنوب افريقيا وأثيوبيا (في العهد الإمبراطوري حتى عام 1974 ) 3،4 مليون دولار. (26)

ومع تصاعد تيار حركة التحرر الوطني في القارة الأفريقية ووصول حركات تقدمية إلى الحكم والتي لها وزن داخل منظمة الوحدة الأفريقية، ومن خلال مبادرات الأقطار العربية، فقدت إسرائيل الكثير من علاقاتها. فحتى عام 1975 لم تبق سوى ثلاثة أقطار لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهذه هي: جنوب أفريقيا، كينيا، وليبريا. ولكن عزلة إسرائيل تواصلت في أفريقيا. (27)

واستخدام اسرائيل في السياسة الامريكية وشنها الحروب العدوانية، أدين في هيئة الأمم المتحدة ورفضتها أعداد متزايدة من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، وتصاعد عزلتها وأدينت سياستها التوسعية، كما تعرضت للمقاطعة. ولا تمتلك إسرائيل العلاقات الدبلوماسية مع البلدان التالية:

1. كافة الدول العربية عدا مصر.
2. كافة الدول الاشتراكية عدا رومانيا.
3. كافة أقطار أفريقيا عدا: جنوب أفريقيا، ليبريا، كينيا.
4. كافة أقطار المؤتمر الاسلامي عدا تركيا.
5. البلدان الغير منحازة مثل نيكاراغوا.
6. بلدان أوربية أخرى مثل: اليونان، أسبانيا.

ويكتب الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون عن التوجه الجديد في الاستراتيجية الامريكية المقبلة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط : " إن واجب إسرائيل المهم في الاستراتيجية الامريكية المقبلة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط " إن واجب إسرائيل المهم، عليها العمل مع الأنظمة المعتدلة في المنطقة ضد حركات التحرر الوطنية، وأن تعمل كما نطلق عليها في الولايات المتحدة مهمة الحفاظ على ضغط التوازن في المنطقة " . (28)

هذه الملاحظة تكتسب أهمية خاصة تستحق الانتباه إذ يستخدم الرئيس نيكسون عبارة واجب(Aufgabe) وليس دور(Rolle)، وفيما له علاقة بوظيفة إسرائيل، وهذا الواجب يكمن في أن إسرائيل ستقوم في المستقبل أيضاً بتمثيل مصالح الولايات المتحدة واحتكاراتها ودركي أمريكي في المنطقة، في علاقة تكاملية كل جانب يكمل الآخر، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي ووزير الخارجية لاحقاً موشي ديان، حول " الارتباط المصيري " مع الولايات المتحدة ويؤكده عندما يكتب: " إن الحكومة الأمريكية قدمت مساعدات عظيمة لإسرائيل، لقد أرسلت لنا الأسلحة وقدمت الدعم الاقتصادي والعسكري، ولا يسعنا أن نفكر، كيف سيكون حالنا إذا كانت حكومة الولايات المتحدة لم تقدم لنا هذه المساعدات، ولا نستطيع أن نفكر ماذا سيكون حالنا لو أن الولايات المتحدة تتحول عنا في يوم من الأيام " . (29)

ومن هذه الكلمات نشاهد بوضوح أن إسرائيل خائفة على الرغم من أنها كدولة رغم ذلك تعتدي على الدول المجاورة لها وتطرد الشعب الفلسطيني من دياره لمساعدة أمريكا مباشرة، ولكن ليس من المنتظر أن تتحول الولايات المتحدة عن هذه السياسة وأن إسرائيل قادرة دائماً على إحراز النجاحات طالما أنها تتمتع بدعم الإمبريالية .

وتشير الدراسات بصفة عامة أن الرأسمالية في المرحلة الثالثة من أزمتها، وأن الاشتراكية تحرز مكاسب ونجاحات، كما أن العديد من البلدان في العالم الثالث بما فيها أقطار الشرق الأوسط تتبع التوجهات الاشتراكية، وأن التنسيق بين هذه الاقطار تعمق من أزمة الرأسمالية العالمية وقوتها العظمى الولايات المتحدة. وأن الولايات المتحدة ومن خلال تحولات عديدة ذاتية وموضوعية تفقد النفوذ الإمبريالي وكذلك الدول العميلة السائرة في فلكها في المنطقة (30) وأن هناك حلاً عادلاً دائماً سيأتي إلى أقطار الشرق الأوسط.

هوامش 

1ـ إيرليش، في: الصهيونية الحقيقة والاختلاقات، موسكو 1980، ص112
2. إيرليش، في: الصهيونية الحقيقة والاختلاقات، موسكو 1980، ص112
3. Lenien, W.: Die Werke; Band 22; Berlin 1974; S. 144
4. سلام، م: من رودوس إلى جنيف، بيروت 1974، ص59
5. العابد/ ي: السياسة الخارجية الإسرائيلية، منظمة التحرير الفلسطينية بيروت 1968، ص142
6. دييف: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975،ص55
7. لارني، م: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص141
8. بيلفايس، ك: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص152
9. لاديكين: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975، ص 98
10. بن فورت، دان أوري: تأسيس وتطور القوات الجوية الاسرائيلية، بيروت 1972/ ص 224
11. Safran, N.: Israel the Imbattled Ally, Harvard University Press 1978. P. 581
12. بيرس، شمعون: حروبنا مع العرب، بيروت ـــ، ص93
13. Safran, N.: P. 582
14. مجموعة مؤلفين: التاريخ المعاصر للبلدان العربية، موسكو 1976، ص 473
15. ألون، أيغال: تأسيس ونمو الجيش الإسرائيلي، بيروت 1971، ص220
16. هيكل، محمد حسنين: الطريق إلى رمضان، بيروت 1975، ص 221
17. سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص221
18. سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص221
19. مجموعة مؤلفين: التقصير، بيروت 1974، ص35
20. سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص78
21. سلمان، س: نفس المصدر السابق، ص78
22. بريماكوف، يفغيني: تشريح نزاع الشرق الأوسط، دمشق 1979، ص223
23. Quandt, W. : Decade of Decision, Universty of California Press, P. 223
24. تارابراين: الاستعمار الجديد في أفريقيا، موسكو 1975، ص166
25. توركوتينكو: جنوب افريقيا، موسكو 1979، ص26
26. عروكي، يحي: العلاقات الاقتصادية الخارجية لإسرائيل، بيروت 1971، ص16
27. تارابراين: الاستعمار الجديد في أفريقيا، موسكو 1975، ص168
28. Nixon, R.: So haben wir den Frieden frloren, Hamburg 1980, S. 103
29: Dayan, M.: Die Geschichte meines Leben, München 1976, S. 405
30. ايرليش، ف: الصهيونية، الحقائق والاختلاق، موسكو 1980، ص154

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3268 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع