جودت هوشيار
الأخلاقيات هي الأختيار الطوعي لما لا يمكن أن يفرض بالقوة، و لذلك يترك الأمر للصحفيين أنفسهم لا للحكومات أو السلطات لأن يضعوا المعايير لمهنتهم
د. رﺷﻮرت آﻴﺪر
معهد اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ
يعتقد بعض الصحفيين أنه على حق دائماُ ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، ويظن ان حرية التعبير عن الرأي تسمح له أن يكتب ما يشاء عمّا يشاء . و يكتب احيانا ما لا يستحق الكتابة أو ما لا يجوز نشره ، بل و اكثر من ذلك يعتقد انه معيارالحقيقة وان ما يكتبه هو عين الحقيقة , مهما أشتط في كتاباته .
بيد أن الصحافة – و هي السلطة الرابعة – شأن أية سلطة أخرى مفسدة ، و الكثير مما ينشر في صحافتنا لا يتسم بتلك المعايير التي يعمل بها الصحفيون في البلدان الديمقراطية العريقة ، التي ترسخت فيها معايير اخلاقية صارمة في الصحافة المهنية الحقة .
ان ما يميز الصحفي عن غيره من المواطنين هو امكانية توصيل افكاره الى جمهورعريض من القراء .وأذا كانت هذه الأفكار تتضمن أساءة أو اتهاماً او نشهيرا لشخص او لمجموعة اشخاص او لمنظمة او شركة أاو تشويها و تزويرا للمعلومات و الحقائق او حتى خطأ ما ، فأن نشرها يلحق الضرر يمن يتحدث عنه الكاتب .
و من اجل تفادي مثل هذه الحالات فأن الصحفيين و الناشرين - في المؤسسات الصحفية الرصينة ، التي تؤمن بحرية الصحافة و المسؤولية الأخلاقية للصحفي وضعوا طواعية مجموعة من " المعايير الأخلاقية للأداء الصحفي "، المنظمة للسلوك المهني وتتألف من المباديء و الممارسات الجيدة ، التي تحدد ما هو صحيح يجب اتباعه و ما هو مضر- يعاقب عليه القانون - فيما يكتب أو بتعبير آخر ما هو مسموح بالكتابة عنه و ما هو محظور .
هذه القواعد ليست مطلقة و قد تتباين الى هذا الحد أو ذاك بين المجتمعات المختلفة نظرا لتباين القيم الأجتماعية والثقافية والظروف المحلية . لذا فأن لكل مؤسسة صحفية أو صحيفة واسعة الأنتشار في الغرب " ميثاق شرف صحفي" خاص بها يتضمن فلسفتها و مبادئها التي تعمل على أساسها ، وقد تختلف فلسفات المؤسسات الصحفية الا انها تجمع على الألتزام بالحقيقة والدقة والموضوعية و الحياد و المسؤولية امام القراء . و ينبغي اتباع تلك الأخلاقيات خلال الحصول على المعلومات و تقييم أهميتها ثم توصيلها الى الجمهور .
ان القوانين الخاصة بالعمل الصحفي في العديد من البلدان الديمقراطية تجعل من تطبيق يعض هذه القواعد ملزما " الامتناع عن نشر الافتراءات ، عدم التحريض علي مخالفة القانون الخ " وتترك الجزء الاخر لحسن نية و فطنة الصحفي نفسه وأعتقد ان افضل صيغة لهذه القواعد هي تلك صاغها الناشر البريطاني ديفيد راندال – حيث قال انها " مجموعة القواعد التي يجب ان يلتزم بها كل صحفي محترم او يحس بالخجل عندما لا يلتزم بها ."
و هذه القواعد لا يقتصر على الصحفيين فقط ، بل على الكتاب و الأدباء و الشعراء الألتزام بقسم منها ، حيث لايجوز لأحد منهم الأساءة لشخص أو لمجموعة أشخاص أو مؤسسة و ما الى ذلك .
ان الصحفي المهني ، الذي يتحلي بالمسؤولية و يعرف قدر نفسه و مكانة صحيفته يسعى جاهدا لعدم الأخلال بهذه القواعد ، دون تشريعات أو قوانين ، مما يجنبه المشاكل و يرفع من شأنه في عيون القراء و يحظى بأحترام الذات و أحترام الآخرين له . ترى ما هي هذه القواعد؟
كما اشرنا فيما تقدم لا توجد لائحة موحدة ملزمة لـ" المعايير الأخلاقية للعمل الصحفي " و لكن ثمة معايير أخلاقية عديدة مشتركة تعمل بموجبها المؤسسات الصحفية و الصحفيون في بلدان العالم يمكن حصرها في البنود التالية:
1 - احترام الحقيقة وحق الجمهور في معرفة الحقيقة :
هذا االمبدأ هو أول وأهم واجب للصحفي وحجر الزاوية في أخلاقيات مهنة الصحافة . ان جوهر عمل الصحفي هو تقصي الحقيقة و توصيل المعلومة والخبر الصحيح من مصادره الموثوقة للقارىء والمشاهد والمستمع دون تشويه أو تحريف.
لا صحافة و لا صحفي مهني من دون حقائق . و اذا كان الصحفي يود ان يخترع القصص عليه ان يكتب القصص الخيالية ، اما اذا كان يريد اقناع الناس و التاثير في عواطفهم فأن عليه ان يعمل في مجال الاعلان او العلاقات العامة و ليس في الصحافة الأحترافية . .الصحفي سواء اكان مراسلا ام مندوبا ام محررا ام ناقدا رياضيا فأنه يتعامل مع الحقائق قبل كل شيء.
تقول نكتة روسية ان ثمة خمس درجات للكذب ، - الكذبة العادية والكذبة الصارخة والكذبة الصارخة جدا والإحصاء والاقتباس. "نصف الحقيقة " غالبا ما يكون كذبة كبيرة أسوأ من الأفتراء أو الأختلاق. هناك العديد من الأساليب الديماغوجية التي تسمح بالكذب يأستخدام نصف الحقيقة و بالأقتباس الأنتقائي . و التركيز على بعض التفاصيل الثانوية و الصاق التهم والأستناد اليها في الهجوم والأنتقال للتجريح الشخصي . ولن يكون ما يكتبه الصحفي – في مثل هذه الحالات - صحافة بل شيئا آخر.
لذلك فالصحفي الذي يشعر بالمسؤولية لا يحق له قانونا ان يكتب نصف الحقيقة و يتجاهل النصف الآخر ، ومن حق القراء الأطلاع على المعلومات الدقيقة الكاملة من اجل تشكيل الصورة الحقيقية للأحداث و الأحتفاظ بثقة الجمهور ومن دون هذه الثقة لا توجد صحافة جديرة بهذا الأسم .
.2 – الألتزام بالموضوعية :
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ھﻲ إﺣﺪى أھﻢ اﻟﻘﯿﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻹﻋﻼﻣﻲ،التي تضمن اﻟﺘﻮازن واﻟﻤﺼﺪاﻗﯿﺔ واﻟﺤﯿﺎد واﻟﻨﺰاھﺔ. ورغم صعوبة تحقيق كل أبعاد الموضوعية ، الا ان الصحفي يستطيع أن ﻳﻜﻮن ﻣﻮﺿﻮﻋﯿًﺎ إذا أراد، وﺳﻌﻰ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ.
حين يقوم الصحفي بجمع المعلومات حول موضوع ما ، عليه ان لا يحاول بأي ثمن أثبات أو دحض وجهة نظر معينة . و هذا لا يعني بأن الكاتب لا يستطيع ان يقوم بجمع الأدلة في محاولة لأثبات فرضية معينة و لكن اذا كانت الشواهد و الأدلة ، التي جمعها تخالف فرضيته، عليه التخلي عن رأيه المسبق و أن لا يحاول تعديل الحقائق لتتناسب مع و جهة نظره .
أي إخلال بالمضمون من شأنه تشويه صورة الصحافة والصحفي نفسه والجهاز الإعلامي الذي يعمل فيه .
2- عدم الخلط بين الرأي و الخبر:
عدم خلط الرأي بالخبر، إحدى أبجديات العمل الصحفي ، فالخبر ملك القارئ، والمقال ملك صاحبه ، باعتبار الأول عنوانا للحقيقة و الثاني مجرد رأي أو زاوية من زوايا النظر الى الحقيقة أو الحدث.
والصحافة المهنية هي التي تذكر أولاً الأخبارالمعتمِدة على المصادر الموثوقة وشهادات العيان، ثم تنشرالآراء والتحليلات ان وجد ، مع الحرص على تقديم آراء متعددة.
كيف نفرق بين الخبر والرأي؟
" الخبر حر .. والرأي مسؤول"، بمعنى أن الخبر ملك للحقيقة و معياره الدقة ، فالمحرر مُلزم بنقله دون تشويه او تحريف أو حذف أو أضافة ، . أما الرأي فهو يعتمد تصوُّراً واحداً عن الحدث و معياره موضوعية الكاتب . ويختلف الناس في آرائهم و تصوراتهم ؛ لأن كل واحد يرى الحدث ويفسره من زاويته هو، ومما يتوافر لديه من معلومات.
3 - عدم اللجؤ الى طرق ملتوية في الحصول على المعلومات:
هذه الفقرة ، ربما هي الأكثر أثارة للجدل . و من الواضح ان المعلومات التي يحصل عليها الصحفي عندما يكشف عن هويته و يعلن أنه يمثل الجريدة الفلانية ، تختلف كثيرأ عن تلك التي يحصل عليها لو أنتحل هوية شخصية أخرى . فالأنسان - أي انسان - عندما يتحدث الى الصحفي و يعرف ان ما يتحدث عنه سينشر ، يحاول أن يبدو موضوعيا ، حريصاً على تقديم صورة ايجابية عن نفسه ، في حين أنه لو تحدث الي شخص آخر فأنه يقول ما يحلو له وقد يكذب او يبالغ . و بتعبير آخر فأن المعلومات المستقاة منه لن تكون موثوقة و لا يمكن الأعتماد عليها ولا يجوز نشرها .
كما لا يجوزالحصول على معلومات أو صور من خلال التخويف أو المضايقة أو الملاحقة ، ويمنع نشر مواد صحفية من مصادر أخرى لا تلتزم بهذه المتطلبات.
و عموما فأن الصحفي المهني يقدم نفسه بصفته الصحفية و يصرح بأنه يجمع المواد لمقالة أأو تحقيق صحفي ، ما عدا الحالات الأستقصائية عن شخص او مؤسسة ، و حتى في مثل هذه الحالات لا يتم أستخدام المعلومات المتحصلة مباشرة ، بل لأجل التمهيد لعمل لاحق و ليس للنشر .
.4- التعامل المهني مع مصادر المعلومات .
الالتزام بتحري الدقة في توثيق المعلومات، ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة كلما كان ذلك متاحا أو ممكنا طبقا للأصول المهنية السليمة التي تراعى حسن النية.
و على الصحفي الألتزام بحماية مصادر معلوماته ، و عدم أفشاء الأخبارالسرية للناس أو لزملاء المهنة ، لأن ذلك قد يؤدي الى بعض الضرر لهذه المصادر ، أو يجعلها تحجم عن الكلام مستقبلاً، مما يضر بمستوى سريان المعلومات الى المجتمع ، . و تأريخ الصحافة زاخر بحالات تم فيها مقاضاة الصحفيين و لكنهم لم يكشفوا عن مصادر معلوماتهم.
و اذا كان الصحفي قد اتفق مع مصدر المعلومات على شرط معين او اكثر فأن عليه أحترام الأتفاق و عدم أنتهاكه بأي حال من الأحوال .. و اذا كان مصدر المعلومات اشترط عدم نشرها فلا يجوز للصحفي النشر ، و حتى عندما يطلب المصدر نشر المعلومات فى توقيت معين فعلى الصحفي أن يحترم هذا الوعد من أجل الأحتفاظ بثقة المصدر .
5– عدم الخلط بين النشاط السياسي و العمل الصحفي:
لا ينبغي للصحفي العمل في أية وظيفة أخرى ، إذا كانت تؤدي إلى الإخلال بأمانة الصحفي وصحيفته. والصحفي ورؤساؤه يجب أن يعيشوا حياتهم الخاصة بطريقة تحميهم من تضارب المصالح، سواء أكان ذلك حقيقيا أم ظاهريا. إن مسئوليتهم تجاه الجمهور لها الأولوية قطعا. وهذه هي طبيعة مهنتهم.
وبحسب مجلة "النيو يوركر" فإن العديد من الجرائد في الولايات المتحدة "لا تسمح للصحفيين بالتعبير عن آرائهم للعامة، أو المشاركة في التظاهرات أو تعليق أزار انتخابية أو ملصقات على خلفية سياراتهم".
ومن جهة آخرى، هنالك العديد من المؤسسات الإعلامية حول العالم يعمل فيها صحفيون ناشطون في الأحزاب السياسية وفي بعض الأحيان يتم تعيين هؤلاء الصحفيين بسبب انتمائهم السياسي.
و في كل الأحوال ، فأن الانتماء السياسي يجب أن يكون خارج نطاق العمل الإعلامي.
ومن مسؤولية الصحفي الاجتماعية عند تغطية قضايا ساخنة، تمثيل التنوع في المجتمع، والبقاء على مسافة واحدة من الأجندات السياسية وتوعية المواطنين بلأحداث الجارية.
6- تصحيح الأخطاء
الصحفي كاي انسان آخر معرض لأرتكاب الأخطاء . و اذا أخطأ او حرّف الحقائق أو تسرع في أستخلاص الأستنتاجات ، عليه ان يبادر من تلقاء نفسه الى تصحيح ذلك قبل أي شخص آخر وأن ينشر التصحيح في المكان نفسه الذي نشرت فيه المادة موضوعة التصحيح . ربما يعترض رئيس التحرير على ذلك و لكن على الصحفي ان يحاول نشر التصحيح و هذا أضعف الأيمان .
7- عدم استخدام المهنة كسلاح.
في حالة وجود أي نزاع مع شخصية أو منظمة ما ، يميل بعض الصحفيين الى استخدام مهنته كسلاح للتخويف احيانا، ومع ذلك، لا ينبغي له أن يفعل ذلك بأي حال من الأحوال مهما كان الأغراء قوياً ، و الأسوأ من ذلك حين يستخدم الصحفي موقعه للأبتزاز و هذا يدخل في باب الجرائم .
و اذا كان الخبر او الحدث يستحق النشر حقا ينبغي الكتابة عنه و ليس التهديد بنشره. اما اذا كان الحدث لا يستحق النشر ، فمن الضروري عدم اللجؤ الى التهديد، الذي يسيء ببساطة الى الصحفي نفسه و صحيفته و مهنته .
8 - عدم استغلال المهنة للحصول على مكاسب شخصية:
يحظر على الصحفي استغلال مهنته في الحصول على أي هبات أو تبرعات مالية أو عينية أو مساعدات أخرى مهما كان نوعها أو صورتها ، من جهات أجنبية أو محلية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أن الرشى و الهدايا، والمجاملات، والرحلات المجانية، والمعاملة الخاصة أو الامتيازات من أجل النشر أو لإخفاء المعلومات. . كل هذا يمكن أن يؤدي إلى تنازل الصحفي عن أمانته وعن أمانة صحيفته. ولا يجب على الصحف قبول أي شيء له قيمة مادية مجانا.
و على الصحفي تجنب الكتابة عن الاسهم او السندات التي يعلم أنه سيستفيد منها هو أو أقاربه المباشرون
إن الصحفي الذي يستخدم وضعه المهني لأغراض شخصية أو أنانية أو لدوافع أخرى غير جدير بالمهنة ويفقد ثقة الجمهور .
9 – عدم الخلط بين المادة الاعلانية والمادة التحريرية:
لا يجوز الخلط بين المادة الاعلانية والمادة التحريرية ، ولا بد أن يتضح الفرق بين الرأي والاعلان ، فلا تندس على القارئ آراء وأفكار سياسية ودعائية في صورة مواد تحريرية
ويجب أن يتم النص صراحة على المادة الأعلانية ، (سواء التحريرية أو غيرها) بأنها اعلان.
10 – أحترام الأشخاص و خصوصياتهم :
يتعين على الصحفي خلال عملية جمع الأخبار وتقديمها ، احترام الأشخاص وخصوصياتهم بعدم الخوض فيها وعدم نشر أسرارهم العائلية أو المهنية اوالأخبار الكاذبة عنهم ، التي تنال من سمعتهم وكرامتهم أو مكانتهم الأجتماعية أو السياسية ، نتيجة خلاف في الرأي أو تحريض من جهة ما أو من أجل الابتزاز المالي . وعلى الصحفي لا يحاول انتهاك حق الشخص في الاحتفاظ بحياته الخاصة بعيدا عن الأخبار. لأن التطفل على الحياة الخاصة للأشخاص مرفوض تماما ويحاسب عليه القانون في معظم ، ان لم يكن في كل دول العالم .
جودت هوشيار
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
360 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع