د.علوان العبوسي
معارك مينائي البكر والعميق
تحية طيبة وبعد
طلب مني الأخ سيف الالوسي تزويده بمعارك مينائي البكر والعميق ، وقد وعدته بذلك وجاء تلبية طلبه متأخرا لأسباب عدم توفر المادة العلمية والمهنية لهذا الطلب من جهات التنفيذ لحين توفرها من الاخوة الكاتب العميد الركن البحري رياض عبد المجيد العبوسي والسيد المشرف فنياً صفوت كامل بكتابهم دور القوة البحرية في الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988 ، سيتم نشر الموضوع على ثلاث حلقات وبتصرف بسيط.
د علوان العبوسي
الحلقة الأولى
الوصف العام والأهمية السوقية لمينائي البكر والعميق 1
عام
تُبنى الموانئ النفطية بشكل عام على سواحل الدولة التي تطل على المياه العميقة أسوة بمواني الشحن الأخرى وفي مناطق تسمح أعماقها ومتقرباتها بدخول الناقلات بمختلف حمولاتها. وترتبط الموانئ النفطية مع آبار النفط بأنابيب ومحطات ضخ لغرض إيصال النفط الخام إلى أرصفة التحميل فيه.
في بلدان كثيرة ومنها بلدان الخليج العربي قد لا تتوفر الأعماق الملائمة على السواحل لإنشاء الموانئ النفطية مما يستوجب بناء موانئ نفطية في المياه العميقة أو على جزر طبيعية بعيداً عن الساحل وتبنى هذه الموانئ على جزر اصطناعية تربط بالأنابيب النفطية ومحطات الضخ أما مع آبار النفط على اليابسة أو مع حقول النفط البحرية التي تنشأ هي الأخرى وسط البحر لغرض استخراج النفط من أعماق البحار.
في منطقة شمال الخليج العربي حيث ضحالة الأعماق وتداخل المياه الإقليمية وتضارب المصالح الاقتصادية والبحرية لجأت بعض دول المنطقة إلى بناء الموانئ النفطية على
جزر اصطناعية في المياه العميقة لتمكين ناقلات النفط من الوصول إليها ولا سيما الدول المتضررة جغرافياً التي لا تمتلك مياهاً عميقة قرب الساحل ولا تمتلك جزراً طبيعية في المياه العميقة مثل العراق، الذي قام بإنشاء الميناء العميق ثم ميناء البكر على جزر اصطناعية بعيدة عن الساحل لغرض إيصال نفطه إلى المياه العميقة وتمكين الناقلات من شحن حمولاتها من النفط الخام.
الميناء العميق
يسمى الميناء العميق بميناء (خور العمية) نسبة إلى الخور الذي يقع فيه وجاءت كلمة العميق للدلالة على عمق المياه في هذا الخور قياساً بالأعماق الضحلة قرب السواحل.
يقع الميناء العميق على بعد (15) ميل بحري أي (30) كم من رأس البيشة وفي الإحداثيات (َ47 29 ْ شمال / َ30 48 ْ وقد قامت شركة نفط البصرة بإنشائه من الفولاذ والسمنت واستغرق بناؤه أكثر من ثلاث سنوات منذ عام 1959، وشحنت منه أول ناقلة نفط في 28 نيسان 1962.
الميناء العميق هو عبارة عن مُنشأ على شكل منصة تتكون من خمسة جزر اصطناعية متصلة مع بعضها تحوي الجزيرة الوسطى على بناية ذات خمسة طوابق ومحطة تحتوي على مكائن زيت الغاز اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية. ويحتوي الميناء على جميع الوسائل اللازمة لشحن ناقلتين في آن واحد كما يحتوي الميناء على شقة لنزول السمتيات. ويرتبط الميناء بأنابيب نفطية تمتد إلى قاع البحر من الساحل العراقي إلى منظومة الضخ على منشآت الميناء.
ميناء البكر
يقع ميناء البكر إلى الجنوب من الميناء العميق بمسافة (6) أميال بحرية وفي الإحداثيات (َ41 29 ْ شمال/ َ30 48 ْ شرق) وعلى مسافة (19) ميل بحري (36) كم من رأس البيشة. وقد تم بناؤه بعد نجاح استثمار حقل الرميلة الشمالي وكذلك بسبب التطور العالمي في زيادة حجم الناقلات حيث صمم لاستقبال الناقلات العملاقة التي تصل حمولتها إلى (350) ألف طن.
بدأ تنفيذ المشروع عام 1973، وعلى مدى (26) شهراً وقد أنجز بمرحلتين الأولى بطاقة (50) مليون طن سنوياً والثانية بطاقة (30) مليون طن سنوياً وبذلك تكون طاقته الإجمالية (80) مليون طن سنوياً يمكن زيادتها إلى (120) مليون طن عند تنفيذ المرحلة الثالثة التي توقفت بسبب العدوان الإيراني على القطر.
الميناء عبارة عن جزيرة كبيرة متكاملة لتصدير النفط يبلغ طوله كيلو متر واحد ويحتوي على أربع منصات تحميل ثلاثة منها تتمكن من استقبال ناقلات النفط حمولة (350) ألف طن والرابعة تستقبل ناقلات النفط ذات حمولة (80-350) ألف طن. ترتبط هذه المنصات ببعضها بجسور تسمح بتنقل الأشخاص إلى المواقع المختلفة من هذا المنشأ.
ميناء البكر
الأهمية السوقية للميناءين
كان الميناءان -وباعتبارهما هدفين معزولين في البحر-يتعرضان إلى القصف الجوي المعادي وعمليات التخريب من قبل العدو الإيراني ومنذ الأسبوع الأول للحرب. مما استدعى وفي البداية - وبناء على التوجيهات الصادرة من القيادة العامة للقوات المسلحة-وضع قوة حماية صغيرة عليهما لغرض المراقبة والرصد والتبليغ عن الحوادث في
المنطقة. إذ كان العدو يستفيد من منشآت الميناءين للتمركز فيهما مستفيداً من خصائص صواريخ الهاربون التي تطلق من زوارق الكومبتيانت (زوارق إيرانية فرنسية الصنع تحمل ستة صواريخ بحرية ) من حالة الوقوف في ظل الميناء وبذلك تستطيع معالجة قطعنا عند خروجها ودخولها من وإلى خور عبد الله دون أن تتمكن هذه القطع أو محطات الرادار الساحلية من اكتشاف زوارق العدو ومعالجتها.
يشكل الميناءان منفذان حيويان ومهمان للعراق إذ يعتبران من أهم المنافذ البحرية الوطنية إن لم يكونا الوحيدان لتصدير النفط العراقي، إذ من خلالهما يتمكن العراق من تصدير نفطه بواسطة الناقلات إلى العالم وخاصة إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا بالإضافة إلى المنافذ الأخرى التي تقع ضمن أراضي الدول الأخرى وهي خط أنبوب النفط عبر تركيا (ميناء جيهان) وخط بانياس عبر الأراضي السورية والمعطل منذ بدء الحرب العراقية الإيرانية. ويتمكن العراق من تصدير ما مقداره حوالي 105 مليون برميل يومياً.
123. يعتبر الميناءان بموقعهما قبالة ساحل العراق امتداداً له كما يحددان بشكل أو بآخر المياه الإقليمية العراقية والمنطقة الاقتصادية. أما من الناحية العسكرية فيعتبران تسهيلات متقدمة للقوة البحرية العراقية. كما يشكلان أهم المراصد البحرية والجوية المتقدمة لرصد حركة السفن والطائرات سلماً وحرباً.
الدفاع عن مينائي البكر والعميق
إن موقع مينائي البكر والعميق وأهميتهما الاقتصادية والعسكرية يجعلهما يشكلان هدفان سوقيان فهما معزولان بحكم بعدهما عن الساحل إضافة إلى أنهما معزولان عن بعضهما بحكم المسافة الفاصلة بينهما مما يجعل التعاون بينهما وإسناد كل منهما للآخر محدوداً في حالة تعرض أحدهما أو كليهما للهجوم المعادي.
الاعتبارات الخاصة في الدفاع عن الميناءين
كلفت قيادة القوة البحرية وضمن واجباتها التي حددتها القيادة العامة منذ اندلاع الحرب الإيرانية العراقية بحماية الميناءين والدفاع عنهما. وكان لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار المبادئ والاعتبارات الآتية في تصميم المعركة الدفاعية عنهما:
إن الميناءين بموقعيهما المشار إليهما أعلاه يشكلان هدفان معزولان في البحر يبعدان عن أقرب قاعدة بحرية بأكثر من (65) ميلاً بحرياً وهذه المسافة تستغرق زمنا يتراوح بين (3-4) ساعات للوصول إليهما ليلاً باستخدام أسرع القطع البحرية والتي تصل سرعتها إلى (30) عقدة أي (60 كم/ساعة) وهو وقت ليس بالقصير سيما إذا أضفنا الوقت اللازم لتهيئة القطع للإبحار والقتال والذي يستغرق ساعة أخرى تقريباً.
· بسبب ما جاء أعلاه فإن قوة الدفاع عن الميناءين يجب أن تكون كافية وقوية ومتوازنة بما يكفي للصمود والقتال بقوة وإفشال أي هجوم معادي مهما يكن حجمه لحين وصول التعزيزات والإسناد.
· لغرض تمكين قوة الميناءين من الصمود أمام مختلف الهجمات المعادية يتطلب الأمر أن تفتح على الميناءين قوة متجحفلة تضم مختلف الصنوف (قوات خاصة ومدفعية م/ط ومشاة ورشاشات متوسطة وضفادع بشرية ووسائل فنية للرصد والمراقبة والإنذار المبكر ليلاً ونهاراً).
· أن يكون الدفاع عن الميناءين من جميع الجهات بالإضافة إلى الدفاع الجوي والدفاع ضد الضفادع البشرية وعمليات التخريب تحت الماء.
· إن هذا التجحفل جعل قوة حماية الميناءين ذات حجم كبير (فوج مشاة تقريباً) وإن تموين هذه القوة بالأعتدة والأرزاق والوقود ومواد التحصين جعل ذلك من الواجبات الصعبة والمعقدة. فمثلاً تطلبت التحكيمات نقل مليوني كيس رمل، مع تصور أن ذلك يتطلب نقل الرمل نفسه لعدم توفره في منطقة الميناءين، كما اقتضى الأمر أيضاً إدامة هذه التحصينات بنقل مواد إضافية بين آونة وأخرى.
· إن المحافظة على المعنويات لقطعات معزولة تقاتل باستمرار ومعرضة كل يوم تقريباً للهجوم الجوي والسطحي وتحت الماء من الأمور المهمة التي أخذت بنظر الاعتبار والتي أمكن تحقيقها من خلال الزيارات اليومية وتفقد هذه القطعات من قبل القائد وهيئات الركن بصورة مستمرة إضافة إلى العناية بأمورها الإدارية وتبديل أفرادها مرة كل أسبوعين وعلى سبيل المثال فإن قائد القوة البحرية العميد البحري الركن عبد محمد، ومدير شعبة الحركات البحرية العقيد البحري الركن ناظم عبد مصطفى، زارا الميناءين خلال تعرض الميناءين لهجوم جوى مكثف نهاراً وقضيا الليل الذي حصل خلاله تعرض معاد على الميناءين بواسطة الزوارق المعادية وتمكنت القوة من صد الهجوم المعادي. ثم
عاد القائد وضابط الركن العقيد البحري الركن زهير علي العبادي، في اليوم التالي بعد أن قضيا نهارين وليلة بين قطعات الميناءين.
فكرة الدفاع عن الميناءين
تقوم فكرة الدفاع عن الميناءين على أساس الصمود والدفاع في كل ميناء من جميع الجهات ضد الزوارق والقطعات المحمولة بحراً وضد الضفادع البشرية وأعمال التخريب تحت الماء والتصدي للهجمات الجوية والقطعات المحمولة جواً بواسطة الأسلحة المفتوحة على الميناءين والصمود لأطول فترة ممكنة لحين وصول التعزيزات وتقديم الإسناد لقوة الميناء والتي تعتمد على زج القطع البحرية المسلحة السريعة لصد الهجوم وتدمير قوة العدو.
في الظروف الجوية الملائمة وفي فترات تصاعد الهجمات ضد الميناءين يتم الاحتفاظ بزوارق الصواريخ وزوارق المدفعية، راسية في ميناء البكر للاشتراك بصد الهجوم فوراً وإسناد قوة الميناءين.
أما بالنسبة لهجمات الضفادع البشرية وأعمال التخريب تحت الماء فقد كانت تعالج باستخدام المفرقعات والرمّانات اليدوية التي تلقى في الماء ليلاً وعلى فترات زمنية مختلفة لمعالجة أفراد الضفادع البشرية المعادية الذين يقتربون إلى الميناءين ليلاً سباحةً باستخدام وسائل الغطس والعوم تحت الماء.
استطاعت القوة البحرية الاحتفاظ بالميناءين طيلة مدة الحرب ولم يتمكن العدو خلال ثمان سنوات من احتلال الميناءين سوى مرة واحدة ولمدة ثمانية وأربعين ساعة فقط من خلال سلسلة من المعارك المستمرة رغم أن الميناءين تعرضا لكثير من التعرضات المعادية سيما بعد شباط 1986، حينما تمكن العدو من العبور إلى قاطع الفاو إذ لا يكاد يمر يوم واحد ما لم يحاول العدو الهجوم على كلا الميناءين أو أحدهما، إلا أنه كان يرد على أعقابه ويتكبد خسائر فادحة في القطع البحرية والزوارق والأشخاص. وسنتطرق في المباحث التالية من هذا الفصل إلى نماذج من معارك الميناءين.
معركة الميناءين الأولى (25 ت 2-3 ك 1 1980)2
استهدف العدو مينائي البكر والعميق منذ بداية عدوانه على القطر وباعتبارهما هدفين معزولين في عمق البحر بعيداً عن الساحل فقد تعرضا للقصف الجوي والتخريب بعد أن
انسحب منتسبو وزارة النفط والمنشأة العامة للموانئ العراقية منهما، مما تطلب وجود قوة حماية عليهما لغرض المراقبة والرصد والتبليغ عن الحوادث والفعاليات في المنطقة.
في يوم 25 ت2 1980، تعرضت قوة ميناء البكر لقصف جوي شديد وهبط عدد من الطائرات السمتية المعادية عليه وقامت بأسر القوة وإنزال قوة معادية على الميناء. واستغل العدو هذا الحادث بشكل إعلامي واسع النطاق لتغطية الخسائر والهزائم التي تعرض لها في جبهات القتال الأخرى. وفي ضوء هذا الموقف فقد قامت القوة البحرية بتأليف أربعة قوات واجب، وحددت مهام كل قوة في التصدي للعدو وتطهير ميناء البكر وإنزال قوة حماية مناسبة مع أسلحتها ومعداتها على كل من الميناءين.
التأليف
في ضوء تطور الموقف فقد تألفت أربعة قوّات واجب أنيطت بها مهام مختلفة وكما يأتي:
· قوّة نقل قطعات مسك مينائي البكر والعميق مع احتياجاتها الإدارية مؤلفة من زورق دورية وزورق جمع الطوربيد (استبدل فيما بعد بسفينة مقاومة الغواصات ((AS75 وأسندت هذه القوة ليلة 25/26 ت2 بقوة إسناد مؤلفة من الزورق الصاروخي ((R14 مع زورق الدورية ((P125.
· قوّة استعادة السيطرة على ميناء البكر وتتألف من زورق الصواريخ ((R21 ثم عززت فيما بعد بزورقي الصواريخ ((R20 و((R15 بالإضافة إلى زورق الدورية ((P125 وزورق الدورية ((P121.
· قوّة تعزيز ثانية لمسك ميناء البكر ولتعزيز قوة حماية الميناء العميق وتتألف من سفينة الإنزال ((L121 وسفينة مقاومة الغواصات ((AS75.
· قوة الإنقاذ وتتألف من سفينة الإنقاذ عكا، مع ساحبتين من الموانئ وثلاث طائرات سمتيه (سوبر فرلون) وأربع طائرات سمتيه ((MI-8 وطائرتين (إلويت 3).
المهمة
كلفت قوات الواجب بالمهام الآتية:
· تكون مهمة قوة الواجب في (133-أ) أعلاه هي إيصال قوة مسك مينائي البكر والعميق مع كافة مهماتهم من أسلحة وموارد إدارية.
· تكون مهمة القوة في (133-ب) أعلاه تعزيز قوة مسك مينائي البكر والعميق وصد أي قوة معادية تتدخل لمنع تنفيذ الواجب.
· تكون مهمة القوة في (133-ج) أعلاه هي تدمير قوة العدو التي هبطت على ميناء البكر لحرمانها من تحقيق أهدافها.
· تكون مهمة القوة في (133-د) أعلاه هي إنقاذ الأشخاص من أطقم قطعنا البحرية التي أصيبت وإنقاذ قطعنا المعطوبة.
الموقف
بعد معركة 25/26 ت2 ازداد نشاط العدو البحري بالقرب من سواحلنا خلال ساعات الظلام مستفيداً من الميناء العميق وميناء البكر لإخفاء وحداته من الكشف الراداري.
136. خلال هذه الفترة توقفت محطة رادار رأس البيشة نهائياً وانخفضت كفاءة وقدرة محطة أم قصر الفنية، مما أدى إلى حرمان مقر قيادة القوة البحرية من رصد تحركات العدو ونشاطه في منطقة شمال الخليج العربي، واضطر هذا المقر إلى طلب الاستطلاع الجوي للمنطقة الذي قام على شكل خطة استطلاع، إلا أن هذه الخطط لم تنفذ في حينه وبالتالي أصبحت الصورة لدى مقر مركز القيادة الرئيسي للقوة البحرية (م ق ر ق ب) غير واضحة لما يدور في منطقة شمال الخليج العربي.
استفاد العدو من الظروف الواردة آنفاً فاستطاع القيام بهجمات بواسطة سفن السطح والطائرات على ميناء البكر والميناء العميق، استطاع من خلالها إحداث أضرار كبيرة في المنشآت العلوية للميناءين.
كلفت قيادة القوة البحرية والدفاع الساحلي من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة بوضع قوة مرتبة على كل من الميناءين وقد لوحظ بعد ذلك أن العدو قام بنشاط واضح تمثل في الاستطلاع بواسطة السمتيات والقصف بواسطة القاصفات المقاتلة والسمتيات بهدف إضعاف الروح المعنوية لهذه القوة والقيام بغارات عليها والهجوم على الميناءين بواسطة الزوارق والسفن.
نتيجة لذلك فقد تم إجراء تقدير موقف للتوصل إلى حل هذه المعضلة وتم التوصل إلى القيام بإرسال قوة واجب تكون في المنطقة (مستفيدة من كلا الميناءين للاختفاء والغش الراداري) عند آخر ضوء لنصب كمائن لسفن العدو وتدميرها عند اقترابها من المنطقة.
إن موقف قوات الطرفين حتى ساعة نشوب المعارك في يوم 27ت2 محسوباً في ضوء نتائج المعارك التي سبقت تنفيذ هذه المهمة.
سير المعركة-الصفحة الأولى
صدر أمر الحركات الرقم (13) في 21 ت2 1980 وبموجبه أُسند إلى قوة مكونة من مجموعتين بإمرة الرائد الركن ضفدع بشرى مؤيد عبد الغفور الآلوسي، يعاونه النقيب ضفدع بشرى عصام عبد المنعم، بالقيام بمسك مينائي البكر والعميق لتأمين حمايتهما المحلية على أن يتم تنفيذ ذلك بمرحلتين:
المرحلة الأولى
· تتضمن القيام باستطلاع مبكر مع الضياء الأول بواسطة طائرة سمتيه إلويت/3 وفي نفس الوقت يتحرك زورق الدورية إلى العوامة رقم (11) وبعد التأكد من خلو الميناءين من العدو تتم عملية إنزال قوة بواسطة زوارق الروتورك )زورق مطاطي بمحرك يستخدم غالبا من قبل الضفادع البشرية ) على الميناء العميق للتأكد من خلوه من العدو وبعدها تتم عملية تحريك زورق الدورية لإنزال المعدات والتجهيزات اللازمة.
· يتحرك زورق جمع الطوربيد مع (روتورك) ويحمل بقية قوة مسك الميناءين والتي تتضمن باقي الأسلحة والأعتدة وأدوات التحصين. وقد زودت القوة بكل ما تحتاجه من أسلحة خفيفة ومعدات ومواد لإنزال القوة وأسلحتها ومعداتها على الميناءين.
بالساعة 415 من يوم 25 ت2 بوشر بتنفيذ عملية مسك مينائي البكر والعميق فتحرك زورق الدورية (P125) وزورق جمع الطوربيد باتجاه البحر فوصلت القوة إلى العوامة (17) بالساعة 750.
بالساعة 635. من يوم 25 ت2 قامت طائرة الوت باستطلاع مينائي البكر والعميق وأفاد تقرير الاستطلاع بأن كلا الميناءين أصيبا بأضرار مع وجود حرائق لا تزال مشتعلة ولم يشاهد أفراد للعدو على الميناءين.
صدرت الأوامر إلى سفينة مقاومة الغواصات ((AS75 بالإقلاع باتجاه البحر لنقل الأفراد المتواجدين على سطح زورق جمع الطوربيد، الذي تعذر عليه تنفيذ الواجب، وقد تم إقلاعها بالساعة 1400 ووصلت بالساعة 1825 إلى منطقة تنفيذ الواجب. غير أنها لم تستطع إنزال القوة والمواد لسوء الأحوال الجوية وبقيت حتى اليوم التالي، حيث أنهت واجبها بالساعة 1255 يوم 26 ت2 بدأت فعاليات العدو حيث قام باستطلاع منطقة الميناءين بواسطة طائرة سمتيه.
بالساعة 1400 يوم 62 ت2 صدر أمر الحركات الشفوي بتهيئة قوة الواجب المؤلفة من زورق الصواريخ (R21) وزورق الدورية ((P125 للتمركز قرب العوامة رقم (17) لتقديم الإسناد لقوة مسك مينائي البكر والعميق وتحركت القوة بالساعة 2230، قبل ذلك بـ
15) دقيقة تعرض ميناء البكر إلى قصف مدفعي من السفن المعادية، عند ذلك صدرت الأوامر إلى قاطع أم قصر لتعزيز القوة بزورق صواريخ آخر وكلف الزورق الصاروخي (R20) بهذه المهمة، استمر قصف مدفعية العدو حتى الساعة 148. بعدها انسحب العدو. وبقيت قواتنا في المنطقة حتى الساعة 500. من يوم 27 ت2 حيث صدرت الأوامر إلى قاطع أم قصر لسحبها. وفي الساعة 700. وصلت القوة إلى قاعدة الخليج العربي.
بالساعة 745. يوم 27 ت2 قام العدو باستطلاع مينائي البكر والعميق بواسطة سمتيه فتحت النار على قوة مسك الميناءين وقد طُلب إلى قاطع الدفاع الجوي الثالث إرسال طائرة لمعالجة السمتية غير أنه اعتذر عن تلبية الطلب بحجة أن السمتية ستنسحب قبل تمكن طائراتنا المقاتلة من الوصول إلى المنطقة. وقد استمرت الطائرة بفعاليتها حتى الساعة 810. وانسحبت باتجاه 140 ْ وقد نجم عن هجومها إصابة زورق الروتورك في ميناء البكر، الذي يعتبر وسيلة التنقل الوحيدة بين قوتي مسك الميناءين.
بالساعة 1400 يوم 27 ت2. ولغرض معالجة فعاليات العدو لتوقع قيامه بهجوم بواسطة سفن السطح على الميناءين نتيجة للاعتقاد الذي عززه فعاليات الاستطلاع الجوي المعادي بواسطة السمتيات التي قام بها العدو، صدرت الأوامر إلى قاطع أم قصر بتأليف قوة واجب مؤلفة من زورقين صاروخين زائداً زورق دورية لدفعها إلى مينائي البكر والعميق والإرساء عليهما والاستفادة منهما في الاختفاء لمباغتة العدو عند اقترابه.
بالساعة 1500 يوم 27 ت2 استأنف العدو فعاليته تجاه ميناء البكر باستخدام ثلاث سمتيات قامت بالحوم حول الميناء، وقد طلبت معالجتها من قبل قاطع الدفاع الجوي الثالث الذي اعتذر عن تنفيذ الطلب، لكون الأحوال الجوية غير ملائمة في تلك اللحظات، غير أنه لبى الطلب في الساعة 1535 حيث وصلت طائراتنا بعد أن استطاع العدو إنزال قوة معادية على ميناء البكر وانسحبت السمتيات المعادية تاركة القوة التي أنزلتها على ميناء البكر والتي اشتبكت حال نزولها مع قوة مسك ميناء البكر وتبلغنا بعدها بأن العدو استطاع آسر آمر قوة مسك ميناء البكر و (8) أشخاص من المراتب واستشهاد أحد المراتب أثناء الاشتباك وسقوط سبعة أشخاص آخرين في البحر ولم يبق من القوة سوى المخابر وضابطي صف استمرا بنقل الموقف أولاً بأول. بعدها صدرت الأوامر إلى آمر قوة المسك الموجودة على ميناء العميق بالتوجه إلى ميناء البكر لإسناد القوة المتبقية ومحاولة القضاء على العدو قبل أن يتمكن من الانسحاب. غير أن عطل زورق الروتورك حال دون تنفيذ الواجب.
استمرت الرسائل الواردة من ميناء البكر توضح الموقف وأخبرونا بأن العدو يستخدم القاذفات والأسلحة الخفيفة وقد استطاع الانتشار في منشآت الميناء وتحكم فيها ما عدا
القسم الأول والثاني من الشمال وبأن المتبقي من القوة لا تعرف مصير آمر القوة النقيب ضفدع بشرى عصام عبد المنعم.
الصفحة الثانية
بالساعة 1610 يوم 27 ت2 80 أقلعت قوة مؤلفة من زورقي الصواريخ ((R21 و((R14 مع زورق الدورية ((P125 حيث وصلت القوة إلى العوامة رقم (17) بالساعة 1730 وبقي زورق الصواريخ ((R14 عند العوامة (17) بينما اندفع زورق الصواريخ ((R21 إلى البحر باتجاه الميناء العميق معقباً زورق الدورية ((P125.
بالساعة 1735 صدر أمر حركات شفوي بتهيئة (10) ضفادع بشرية مسلحين بقاذفات ورشاشات بأمر الرائد ضفدع بشري منذر جمال طاهر، لإرسالها لتعزيز قوة ميناء البكر وفي هذا الوقت وصل زورق الدورية ((P125 إلى الميناء العميق وحمل القوة بقيادة الرائد الركن ضفدع بشري مؤيد عبد الغفور، وتوجه إلى ميناء البكر كما صدر أمر إلى قاطع أم قصر، لتهيئة زورق صاروخي ثالث يندفع عند العوامة (23) وقد تنسب زورق الصواريخ ((R20 للقيام بهذا الواجب.
بالساعة 1820 يوم 27 ت1 باشر الزورق الصاروخي ((R20 بالتقدم إلى العوامة (9) لمعالجة أي أهداف معادية وبالساعة 1847 أقلعت طائرة سمتيه سوبر فريلون لنفس الغرض وكان واجب هذه القوة تدمير أي سفينة معادية تحاول الاقتراب من ميناء البكر لسحب القوة المعادية من الميناء.
بالساعة 1855 يوم 27 ت2 تم تجهيز زورق دورية يحمل قوة مؤلفة من (24) شخصاً، وبالساعة 2023 أقلع باتجاه البحر لكنه جنح بالساعة 2100 بالقرب من القاعدة.
156. بالساعة 1907 انسحبت القوة المتبقية من ميناء البكر ووصل زورق الصواريخ ((R21 بالقرب من العوامة رقم (5) بعد ذلك وبالساعة 1950 عادت الطائرة السمتية سوبر فريلون دون العثور على أهداف معادية.
بالساعة 2110 يوم 27 ت2 تعرض زورق الدورية ((P125 أثناء اقترابه من ميناء البكر، إلى رمي كثيف من اتجاه الشرق فصدرت له الأوامر بالانسحاب والدخول إلى قناة خور عبد الله. وصدر أمر آخر إلى الزورق الصاروخي ((R21 الذي كان موقعه على اتجاه (70) ْ مسافة (5/2) ميل من عوامة رقم (5)، بمراقبة المنطقة ومعالجة الأهداف المعادية التي تظهر في المنطقة خلال انسحاب زورق الدورية ((P125 ظهر هدف معادي غير أن زورق الصواريخ لم يتمكن من مشاغلته بسبب فقدان الاتصال مع زورق الدورية الذي تعرض إلى هجوم مدفعي معادي أدى إلى إصابة آمره بجروح مع بعض أفراد طاقمه الأمر الذي جعل آمر قوة الواجب يعتقد بأن الهدف الذي ظهر هو زورق الدورية. وفي
نفس الوقت ظهر هدف آخر قريب جداً من ميناء البكر واختفى بعد قليل مما جعل (مقر القيادة الرئيسي للقوة البحرية) يتوصّل إلى استنتاج أن الهدف قد رسي على ميناء البكر، وعليه يجب مراقبته ومنعه من الانسحاب ومعالجته بواسطة زوارقنا ((R21 و((R20 عند أول ضوء كما أبلغت قوة حماية الميناء العميق بوجود هذا الهدف وطلب منها التبليغ عن تحركاته وقد أكدت هذه القوة مع الضياء الأول ليوم 28 ت2 80 بأن الهدف موجود ويشاهد بالعين المجردة راسياً على ميناء البكر.
بالساعة 215. يوم 28 ت2 أقلعت سفينة مقاومة الغواصات لنقل القوة الموجودة على زورق الدورية ((P121 الجانح وإيصالها إلى الميناء العميق ولكنها اصطدمت بالرصيف وأصيبت بأضرار واستبدلت بالكاسحة ((M412 التي تحركت بالساعة 350. بعد أن تم تحميلها بقوة تعزيز أخرى، إضافة إلى القوة الموجودة على زورق الدورية ((P121 غير أن زورق الدورية استطاع بالساعة 315. العوم وتوجّه بالقوة التي يحملها إلى الميناء العميق. كلف زورق الصواريخ ((R21 بجلب القوة المتبقية من قوة ميناء البكر وتقديم الإسناد المدفعي لزورق الدورية لكنه تعرض عند اقترابه من ميناء البكر إلى قصف مدفعي كثيف فتم سحبه إلى العوام (5).
بالساعة 705 يوم 28 ت2 اكتشف زورق الصواريخ ((R14 الهدف المعادي على مسافة نصف ميل، وجرى تبادل إطلاق النار بالمدفعية معه كما تم إطلاق صاروخ عليه ولم يصبه، واستمر الاشتباك بالمدفعية حتى الساعة 720. وبالنظر لتفوق الزورق المعادي بسلاح المدفعية (يحمل الزورق المعادي مدفع 76 ملم ومدفع 40 ملم موجهين بالرادار يحمل زورق الصواريخ ((R21 مدفع (30) ملم انسحب زورق الصواريخ ((R21 إلى العوامة (5) لفتح المسافة بينه وبين الهدف المعادي، وباشر بمراقبة الهدف والتهيؤ لمعالجته بالصواريخ بالساعة 747. وصلت إلى نفس الموقع الكاسحة ((M412 وزورق الصواريخ ((R14 الذي صدرت له الأوامر بالعودة إلى قاعدة الخليج العربي، بعد أن تعرض لهجوم جوي معادي بالساعة 816. تسبب في حدوث حريق في أحد محركاته تمت السيطرة عليه.
بالساعة 900. يوم 28 ت2 بدأ العدو بتكثيف نشاطه الجوي مستهدفاً تدمير قطعاتنا البحرية أو دفعها إلى الخلف لفسح المجال أمام الزورق المعادي بالتملص والانسحاب.
لغرض إجبار الزورق المعادي على الابتعاد من ميناء البكر فقد طلب استخدام طائرة سمتيه ميغ/ 25 لمعالجته بالصواريخ وتم تقديم الطلب بالساعة 900. غير أن الطائرة وبعد استحصال الموافقة وطيرانها عادت ثانية ولم تنفذ الواجب لصدور الأوامر لها من قاطع الدفاع الجوي الثالث بالعودة إلى القاعدة.
ازدادت كثافة الهجوم المعادي حتى وصل تواجد طائرات العدو فوق وحداتنا البحرية من (8-10) طائرات مقاتلة قاصفة وأصيبت الكاسحة ((M412 بثلاث صواريخ شبت فيها الحرائق نتيجة لذلك.
بالساعة 1159 يوم 28 ت2 أقلع الهدف المعادي من ميناء البكر بسرعة عالية وتم اكتشاف حركته من قبل قطعاتنا. وفي نفس الوقت ظهر هدفين بحريين في المنطقة وبوقت قصير تمت مهاجمتهم من قبل زورقي الصواريخ ((R21 و((R20 بهجوم متعاقب أدى إلى تدمير الأهداف المعادية الثلاثة.3
بالساعة 1300 صدر الأمر إلى زورق الصواريخ ((R15 بالتوجه إلى البحر لإسناد الزورقين ((R21 و((R20 وبالساعة 1325 أصيب زورق الصواريخ ((R21 أثناء اقترابه من الهدف المعادي الغارق (على أثر صدور أوامر له بذلك لمحاولة أسر بعض أفراد طاقمه) بصاروخ جو/سطح أدى إلى إصابته واحتراقه حيث انفجر بعد (50) دقيقة. ونظراً لوجود طاقمه في البحر فقد صدرت الأوامر إلى زورق الصواريخ ((R20 بالتقدم وانتشال طاقم زورق الصواريخ ((R21 لكنه تعرض هو الآخر إلى هجوم جوي بالصواريخ أدى إلى نشوب حريق فيه انفجر على أثره الزورق بعد أن استطاع الطاقم تركه.
بالساعة 1215 من يوم 28 ت2 كان مركز حركات القوة البحرية يطلب تعزيز الحماية الجوية التي ثبت عدم فاعليتها بشكل ملحوظ تجاه طيران العدو الذي استطاع بسهولة الوصول إلى سفننا وتدميرها. وكان القاطع يعتذر في كل مرة بسبب عدم ملائمة الأحوال الجوية في منطقة العمليات.
الصفحة الثالثة
تنفيذاً للتوجيهات الخاصة بضرورة وضع قوة مرتبة على ميناء البكر ولتعزيز القوة الموجودة في الميناء العميق فقد صدر أمر حركات على ضوء تطور الموقف في المنطقة بالساعة 1800 يوم 28 ت2 بتأليف قوة من (2) سفينة (سفينة الإنزال L27 وسفينة مقاومة الغواصات AS75 واجبها إيصال قوة لإعادة مسك ميناء البكر وقوة لتعزيز الميناء العميق لحرمان العدو من مسكها. ولم تستكمل الاستحضارات حتى الساعة 150. من يوم 29 ت2 مما ترتب عليه وصول القوة مع الضياء الأول إلى منطقة التنفيذ وقد توصل مقر القيادة الرئيسي للقوة البحرية إلى أن ذلك يعني تعرض هذه السفن إلى موقع أمين لم يكن هناك خيار للقيادة في تأجيل هذه العمليات كما أخذ بنظر الاعتبار بأن الهجوم الجوي المعادي ستجري معالجته من قبل قاطع الدفاع الجوي الثالث الذي تم التنسيق معه قبل تنفيذ العملية.
بالساعة 500. يوم 29 ت2 وصلت القوة إلى ميناء البكر وقامت سفينة مقاومة الغواصات باستطلاع الميناء والتأكد من عدم وجود أي قوة معادية فيه وبالساعة 615. باشرت سفينة الإنزال بالرسو على ميناء البكر وأكدت على الحاجة إلى غطاء جوي ونقل هذا التأكيد إلى قاطع الدفاع الجوي الثالث الذي اعتذر عن تنفيذ الطلب ونظراً لحالة البحر السيئة لم تتمكن سفينة الإنزال من الإرساء على ميناء البكر.
بالساعة 625. يوم 29 ت2 بدأ العدو هجومه الجوي على قوة الواجب وتم التأكيد على قاطع الدفاع الجوي الثالث لتأمين الحماية الجوية لوحداتنا لكنه اعتذر. بالساعة 645. بدأ الاشتباك بين قوة الواجب وطيران العدو. أصيبت سفينة مقاومة الغواصات بالساعة 0600 على أثر ذلك فقدت السيطرة على نفسها أكدت قوة الواجب للمرة الثالثة على ضرورة تأمين الحماية الجوية لها وإن كثافة الطيران المعادي قد ازدادت. طلب آمر سفينة الإنزال بالساعة 745. يوم 29 ت2 قطر سفينة مقاومة الغواصات والتوجه بها إلى ميناء البكر لتنفيذ واجب إنزال القوة وحصلت الموافقة أثر ذلك وصدرت له الأوامر بالاستمرار بقطرها بعد انتهاء الواجب والعودة إلى القاعدة وأبدى آمر سفينة الإنزال حماساً في تنفيذ الواجب مؤكداً بأنه سيقوم بذلك مهما سيكون الثمن وبأن معنويات القوة عالية. وفي الساعة 830. خلال محاولته الإرساء على ميناء البكر تعرضت سفينته إلى هجوم جوي كثيف نجم عنه إصابة السفينة بثلاث صواريخ.
بالساعة 915. ظهرت طائرتنا المقاتلة في المنطقة واشتبكت مع الطائرات المعادية (أي بعد ساعتين و (40) دقيقة من ظهور الطائرات المعادية وتدميرها لسفينة الإنزال وإصابتها سفينة مقاومة الغواصات وإفشال العملية الأساسية وهي إنزال قوة لمسك ميناء البكر ولتعزيز قوة ميناء العميق).
بالساعة 1025 يوم 29 ت2 باشرت سفينة مقاومة الغواصات ((AS75 المصابة بصاروخ بالانسحاب بصعوبة بالغة رغم وجود هجوم جوي معادي كثيف وبعد نفاذ معظم أعتدتها وعطل أحد مدافعها.
استمر العدو بفعاليته البحرية شرق ميناء البكر والعميق ففي الساعة 1620 يوم 1 ك 1 قام العدو بإدخال سفينة حربية كبيرة (فرقاطة) اكتشفت باتجاه 90 ْ ومسافة (15) ميل من الميناء العميق. كلفت طائرة سمتيه سوبر فريلون بمعالجتها وأقلعت باتجاهها بالساعة 1630 وتمكنت بالساعة 1835 من تدميرها بصاروخين.
بالساعة 1030 من يوم 3 ك 1 اقتربت سفينة معادية من ميناء البكر وقامت بالرمي بالمدفعية عليه وأقلعت طائرة سوبر فريلون لمعالجة الهدف المعادي عادت دون مشاهدته. بالساعة 1500 من نفس اليوم أبلغتنا قوة حماية الميناء العميق بأنها تشاهد سفينة كبيرة
تحرسها سفينة صغيرة تتحرك في خور موسى في الوقت الذي كان العدو يقوم بمظلة جوية فوق موقع الأهداف المكتشفة فأرسلت طائرة سمتيه سوبر فريلون بالساعة 1630 لمعالجة الأهداف المكتشفة واستطاعت بالساعة 1705 تدميرها بصاروخين.
بالساعة 2130 يوم 3 ك 1 صدر توجيه من القيادة العامة للقوات المسلحة إلى مقر قيادة القوة البحرية بإرسال طائرة سمتيه لإعادة الهجوم على الهدف الذي تم إصابته بالساعة 1705، كما صدر أمراً إلى الطيار في حالة عدم عثوره على الهدف معالجة أي أهداف معادية يكتشفها في المنطقة، واستطاع بالساعة 2300 يوم 3 ك 1 اكتشاف هدفين متوسطين في مدخل قناة خور موسى الداخلية فأطلق صاروخ على كل هدف أصاباهما إصابات مباشرة.
الصفحة الرابعة
بدأت عملية الإنقاذ لأطقم السفن التي دمرها العدو اعتباراً من الساعة 1415 يوم 28 ت2 حيث أرسلت طائرة سمتيه سوبر فريلون، أعقبتها طائرة أخرى بالساعة 1445 من نفس اليوم وأنيطت مسؤولية عملية الإنقاذ بقاطع أم قصر تحت إشراف م ق ر ق ب واشترك بها عدد من الضباط البحريين سواء على الطائرات السمتية أو على سفن الإنقاذ العائدة إلى مصلحة الموانئ العراقية.
بالساعة 1645 يوم 28 ت2 استطاع زورق الصواريخ (p15) انتشال طاقم الزورق الصاروخي (R20) والبالغ عددهم (34) شخصاً ووصل إلى قاعدة الخليج العربي (ق خ ع) بالساعة 1926 يوم 29 ت2 كما اشتركت سفينة الإنقاذ بواجب الإنقاذ حيث كلفت بقطر الكاسحة (M412) إذا كان ذلك ممكناً إلا أنها لم تعثر على الكاسحة في المنطقة بين عوامة (5-7) وبعد أن اكتشفت الكاسحة فشلت سفينة الإنقاذ في سحبها لأن معظم بدن السفينة كان غارقاً. وعادت إلى القاعدة في الساعة 600 يوم 29 ت2 1980.
اعتباراً من الساعة 1000 يوم 29 ت2 استمرت عمليات البحث باستخدام الطائرات السمتية التي ألفت منها قوة الإنقاذ الجوي لإنقاذ الأشخاص الموجودين على سطح البحر. استطاعت بالساعة 1045 من انتشال (29) شخصاً وبذلك بلغ مجموع الأشخاص الذين تم إنقاذهم (70) شخصاً بضمنهم آمر قوة الواجب ونائب ضابط وأحد الشهداء.
بالساعة 1745 يوم 29 ت2 خرجت ساحبتين عائدتين إلى المؤسسة العامة للموانئ العراقية للبحث عن سفينة الإنزال والكاسحة اللتان أصيبتا بالمعركة لكنها لم تعثر على سفينة الإنزال وقامت بالمرور على ميناء البكر وجرى تفتيشه من قبل المراتب الموجودين على إحدى الساحبات وتم رفع العلم العراقي على الميناء. أما الساحبة الأخرى فقد قامت
بإنقاذ النائب الضابط وانتشال جثة الشهيد المذكور في الفقرة (176) أعلاه بعد ذلك عادت الساحبتين إلى قاعدة الخليج العربي صباح يوم 30 ت2 1980.
الدروس المستفادة
أبرزت هذه المعركة بأن عملية مسك مينائي البكر والعميق في البداية بقوة مرتبة بهذا الحجم الصغير والأسلحة الخفيفة لكل منهما لا يؤمن الغاية المطلوبة للأسباب الآتية:
· إن القوة التي خصصت غير قادرة على حماية الميناء تجاه الهجوم الجوي المعادي الذي استطاع تأمين فائقية جوية على سماء المنطقة ولما تمتلكه قوته الجوية من أسلحة ذات قوة تدميرية كبيرة (قنابل زنة 1500 رطل ـ 1000 ـ 500 رطل ـ صواريخ نوع (ما فرك) يستطيع بواسطتها تدمير المنشآت العلوية لكلا الميناءين.
· إن القوة لا تستطيع صد أي هجوم معادي سواء كان بالمدفعية أو بصواريخ سطح/سطح من سفن العدو الحربية، فكلا السلاحين يستطيع العدو استخدامهما من مسافات بعيدة باتجاه قوة مسك الميناءين التي لا تمتلك سوى بعض الأسلحة الخفيفة ذات المديات القصيرة بالإضافة إلى القاذفات والرشاشات المتوسطة.
· كان بالإمكان وضع خطة لحماية الميناءين تعتمد على ما يأتي:
v وضع نقاط مراقبة تزود بوسائل كفؤة وأجهزة اتصال تؤمن المراقبة والاتصال مع قواعدنا البحرية.
v عند ورود أية معلومات عن اقتراب العدو سواء بواسطة سفن السطح أو الطائرات تجري معالجتها نهاراً بواسطة الطائرات الاعتراضية والسمتيات سوبر فريلون وأما ليلاً فيجري بواسطة زوارق الصواريخ وطائرات السوبر فريلون حسب ما يفرضه موقع اكتشاف الهدف وأماكن تمركز زوارق الصواريخ والسمتيات.
خلال تنفيذ واجب إعادة مسك ميناء البكر تم تكليف بعض القطع البحرية بواجبات لا تتلاءم مع مواصفاتها التعبوية والفنية أدى إلى عدم تمكنها من تنفيذ تلك الواجبات إضافة إلى تدميرها أو إصابتها بأضرار كم حدث لكاسحة الألغام ((M412.
كان من المفروض أن يجري صباح يوم 28 ت2 إعادة تقدير الموقف للقرار على سحب القطع الزائدة وخاصة الكبيرة منها، وقد يكون عدم الإلمام الجيد بقدرة العدو الجوية على مهاجمة السفن والاعتماد على تأمين غطاء جوي لسفننا من قبل قاطع الدفاع الجوي الثالث
مع الأخذ بنظر الاعتبار إصرار المقر الأعلى على إنزال القوة على الميناءين مهما كان الثمن خلافاً لرأي قيادة القوة البحرية، أدى إلى أوضاع قادت إلى النتائج السلبية التي أدت إلى فقدان ثلاث قطع وهي زورقي صواريخ وكاسحة ألغام متوسطة وإصابة زورق صاروخي ((R14 وهذا بدوره أثر على سير المعركة لاحقاً.
إن عدم توفر وسائل بحرية أخرى خفيفة وسريعة فرضت علينا هذا الاستخدام لتنفيذ الواجب. من الأسباب الرئيسية والمهمة لخسائرنا التي حدثت يوم 28 و29 ت2 هو عدم توفر الحماية الجوية، وأن تأخير تقديم الإسناد الجوي قد سبب تحولا حادا في سير المعركة وأعطى الفرصة لطيران العدو لفرض سيادة جوية فوق منطقة العمليات ولمدة ساعتين و (40) وقد استطاع خلالها تحقيق إصابات مؤثرة بقطعنا البحرية أدت بصورة مباشرة إلى إفشال إعادة مسك ميناء البكر في تلك المعركة.
لم يعط مقر القيادة الرئيسي للقوة البحرية حرية العمل في التوقيتات وبالأخص في عملية يوم 29 ت2 على الرغم من المعرفة السابقة بأن الوحدات المكلفة بواجب إنزال قوة إعادة مسك ميناء البكر (سفينة الإنزال وسفينة مقاومة الغواصات) ستصل في الضياء الأول وهذا سيساعد طيران العدو بالتعرض لها، غير أن العملية استمرت على أساس إن ذلك يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن ومهما كان الثمن. إن ذلك يعني أن القيادة العامة هي السبب المباشر لما حدث.
أظهرت معركة يوم 29 ت2 بأن استخدام القطع البحرية الكبيرة لنقل قوة إعادة مسك ميناء البكر خطأ والذي كلفت به سفينة الإنزال وسفينة مقاومة الغواصات إلا أن عدم تيسر وسائل أخرى بديلة فرض استخدام هذه السفن مما عرضها إلى التدمير.
إن التأخير في عملية الإنقاذ أدى إلى زيادة الخسائر بالأشخاص والمعدات والسبب يعود إلى عدم وجود وسائل وخطة إنقاذ مهيئه مسبقاً لمثل هذه الظروف ولم يكن هناك أي تنسيق مسبق مع القوة الجوية، علماً بأن عمليات الإنقاذ في البحر ذات طبيعة معقدة تتطلب إمكانيات كفؤة وتدريب جيد وتعاون فعال مع القوة الجوية يتم التدريب عليها وإتقانها منذ زمن السلم.
أثبتت هذه المعركة أن منطقة شمال الخليج العربي غير ملائمة لاستخدام سفن كبيرة وإن العمليات فيها يجب أن تعتمد على ما يأتي:
· منظومة مراقبة راداريه ساحلية فعّالة ورصد جوي كفوء.
· دفاع ساحلي متكامل (مدفعية وصواريخ ساحلية).
· زوارق صواريخ سريعة.
· زوارق مدفعية مناسبة (35 ملم ـ 76-100 ملم).
· سمتيات مسلّحة بصواريخ ضد سفن السطح.
· منظومة إنقاذ وإخلاء سريعة.
· إن الوحدات في هذه المنطقة يجب أن تعمل تحت غطاء جوي فعال قادر على تأمين الاستطلاع والإسناد ومهاجمة سفن السطح بفعالية وقدرة عالية.
ثبت بشكل قاطع بأن حماية مينائي البكر والعميق عملية صعبة بسبب تواجد عدو يمتلك حرية عمل ومرونة توفران له مهاجمة وضرب الميناءين ليلاً ونهاراً وإن الرد الوحيد عليه هو تدمير منشآته النفطية بطريقة أو بأخرى كردع له والأهم هو إعداد قوة متوازنة من حيث الحجم والتسليح لتكليفها بمثل هذا الواجب.
أثبتت هذه المعركة بأن مقاتلي قوتنا البحرية يمتلكون الإصرار والعزيمة على تنفيذ الواجبات وبمعنويات عالية جداً حيث سطر أبطال هذه المعركة ملحمة نادراً ما حدث مثيلاً لها في تاريخ المعارك البحرية.
تم تلافي السلبيات التي ظهرت خلال هذه المعركة لاحقاً وبأسرع وقت مما مكن القوة البحرية من الاحتفاظ بالميناءين وحرم العدو من الاستيلاء عليهما وتكبده خسائر كبيرة كما سنلاحظ في المعارك اللاحقة.
----------------------
1- خرائط الأدميرالية البريطانية 1235-2858.
2- جريدة الحرب لشهر آب وت2-1980.
3- ثبتَ فيما بعد أن أحد هذه الأهداف هو زورق صواريخ نوع كومبتانت.
يتبع....
515 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع