د.صلاح الصالحي
ختم أسطواني من عهد شار-كالي- شرى الملك الأكدي (2254 – 2230) ق.م
شكل 1: ختم كاتب الملك ابني-شاروم
يعود الختم الأسطواني أعلاه إلى عهد الملك شار-كالي-شرى (Shar-Kali-Sharri) معنى اسمه (ملك كل الملوك)، وهو الأبن الرابع للملك نرام- سين (Naram-Sin) (2291-2254) ق.م، حكم (25) عاما، وتسلسله خامس الملوك الأكديين، وقد وصف نفسه بأنه باني (الايكور) (= بيت الإله انليل)، وادعى الإلوهية امتدادا لادعاء والده نرام-سين حيث وجد اسمه على ختم اسطواني مسبوقا بعلامة النجمة ( ) دليل الإلوهية (dingir)، اما الختم فهو مثل العديد من الاختام المماثلة الأخرى من فترة الوركاء (اوروك القديمة) (Uruk)، فقد كان للأختام العديد من الوظائف المهمة مثل: وظيفة تميمة واقية فيما يتعلق بالأشخاص أو الممتلكات، والمصادقة على نص هام مكتوب، وختم العقود مثل البيع والشراء والتبني، أو كعلامة هوية لمعرفة المرسل سواء كانت بضاعة أو رسالة، أو لمنع العبث بالجرار التي تحوي الزيت أو الخمور أو الحبوب، وحتى ختم الأبواب المغلقة لضمان عدم فتحها، وغالباً ما يتم ارتداؤها على شكل عقد أو دبوس أو في معصم اليد، وعموما هذا الختم مثال مثير للإعجاب من حيث النقش الدقيق والفن الرائع، ويجعل منه أحد روائع فن الزخرفة الذي تميز به العهد الأكدي، فالمعروف ظهور الأختام الأسطوانية كان في نهاية فترة أوروك حوالي (3500-3100) ق.م، وبدأت تستعمل في ختم الوثائق المكتوبة الأولى منذ ذلك العهد وحتى الآن، ولكن حاليا يستعمل التوقيع أوبصمة أصابع اليد بدلا من الأختام.
شكل 2: الختم من حجر الكلوريت
صنع الختم الأسطواني من حجر الكلوريت (Chlorite) (حجر الكلوريت من معادن سيليكات ويكون لونه اخضر ويعثر عليه في الصخور النارية والمتحولة والرسوبية)، ويعود تأريخه إلى عهد الملك شار-كالي-شرى، حجم الختم من حيث الارتفاع (3 سم وتسعة ملم)، وقطره (اثنان سم وستة ملم)، نقش عليه مشهد اثنين من الأبطال العراة وبدون قبعة مقرنة للدلالة على انهما آلهة، وهما نصف راكعين وبشكل متناظرين، وكلاهما يحمل جرة يتدفق منها الماء كرمز للخصوبة والوفرة، إنها أيضا تمثل صفة إله النهر إنكي/ إيا، وهما يعتبران أرواح المياه الجارية وربما البطلين العاريين هما مساعدين في استمرار تدفق المياه، وفي الوسط حيوانين من نوع جاموس الماء وهما يرويان عطشهما من مياه الجرتين، تحت المشهد نرى تدفق نهر بين الجبال ممثلة بشكل خطين وكأنهما صخور على ضفتي النهر، وتوجد لوحة في مركز الختم بين قرون الجاموس تحمل نقشا بالكتابة مسمارية: (الإله شار-كالي-شرى، ملك أكد، ابني-شاروم، الكاتب، خادمه)، يعود الختم للكاتب ابني-شاروم (Ibni-sharrum) كاتب الملك شار-كالي-شرى، ويعتبر هذا الختم من ابرز الأمثلة على الكمال الذي حققه النحاتون في فترة حكم الأكدي، وقد عثر على الكثير من الاختام في عصور مختلفة سواء لكتبة الملوك، أو العاملين في القصر، أو تجار، أو مخصيين (سا ريش)، أو حكام تابعين، وكلها تحمل اسم الملك واسم صاحب الختم كما هو في الختم اعلاه، ومن الطبيعي نستدل من هذه الاختام معرفتنا بحكم الملوك والعاملين في فترة حكمهم.
اما الجاموس فهي حيوانات رمزية في الفن الأكدي، ظهرت لأول مرة في عهد سرجون مما يشير إلى وجود علاقات مستمرة بين الإمبراطورية الأكدية ومنطقة ميلوخا (Meluḫḫa) البعيدة أي وادي السند الحالي (باكستان)، فهناك بعض الأختام تناولت موضوعات من وادي السند (Indus) وهي واضحة في قسم مجموعات آثار الشرق الأدنى في متحف اللوفر في باريس مثل ختم يحمل نقش تمساح وآخر عليه شكل فرس النهر وكلا الحيوانين لا وجود لهما في العراق قديما، كذلك جاموس الماء أصله من هناك، ربما احتفظ بهذه المخلوقات الغريبة في ذلك الوقت في حدائق الحيوان، ولا يبدو انها تأقلمت في العراق في نهاية الالف الثالثة ق.م، ولم تظهر في الاختام حتى في عهد الإمبراطورية الساسانية (539) ق.م، وقد ابرز النقش على الختم وبعناية فائقة عضلات الجاموس القوية والقرون الطويلة وهي مرفوعة إلى الأعلى، ان هذا الختم نموذج لأسلوب الفترة الأكدية المتأخرة، فقد كانت الأختام من هذه النوعية يختص بها حاشية العائلة المالكة أو كبار الشخصيات وربما تم صنعها في ورشة عمل خاصة تم حجز إنتاجها لهذه النخبة.
3657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع