د. نسرين مراد
منذ أواخر سنين القرن العشرين بدأ الفكر الطائفي يطل على المنطقة، ويتغلغل إلى عقول مكونات الشرق الأوسط. هنالك أنظمة تقليدية قائمة علناً على المحاصصة الطائفية، وأخرى تتبع المنهجية الطائفية ضمنياً أو على استحياء.
طرأت أنظمة جديدة على دول المنطقة تتبنى الفكر الطائفي أساساً، في تنفيذ السياستين الداخلية والخارجية، تتبع في ذلك أساليب علنية صارخة، وأخرى سرية أشد مكراً ونحساً.
على المدى القريب، هنالك ارتباك واضطراب وعدم استقرار يحل بالشعوب المصابة بمرض أو وباء الطائفية.
على المدى البعيد تتأثر المنطقة والإقليم والعالم سلباً بالمنهجية النشاز، الناجمة عن اعتبار الطائفة معياراً كلياً أو رئيسياً، أو حتى جزئياً، في التعامل مع الذات والغير. الطائفية قادرة على افتعال حروب أهلية حارقة للاقتصاد والحياة، وأخرى بين الدول عبر الحدود، وأخيراً تقفز كالشرر المتطاير لتصل إلى باقي أنحاء المعمورة.
الآن وباء الطائفية يواصل الانتشار والتفاقم، ويهدد السلام المحلي والإقليمي والدولي، في الصميم لكل منها. تساهم الحكومات والمنظمات والأحزاب السياسية والأفراد، في إذكاء نار الطائفية وشحذ سيفها.
ترى تلك الفئات أن ذلك يسهل عليها عملية البطش والفتك، عندما يحين الوقت المناسب في المكان أو الأمكنة المناسبة. وسائل وأبواق الإعلام والدعاية تواصل اللعب على وتر الطائفية، بلا مسؤولية ولا تحسُّبٍ لما سيجري لاحقاً.
تقريباً، باتت كل وسائل الإعلام تلعب دوراً سلبياً في تأجيج نار الطائفية. أضحت الشعوب وقوداً سهلاً للطائفية، حيث دخل الوباء كل بيت وساحة ومرفق خاص وعام. بدأت الطائفية تعشعش في عقول وحسابات الأفراد الحياتية اليومية.
تستغل القوى الطامعة المتربصة، تفشي وباء الطائفية المدمر لحياة ومستقبل الشعوب والأمم المصابة بالوباء. تنشر الدول الطامعة نفوذها باستغلال حالة التمزق والتردي الاقتصادي والتفكك الاجتماعي. تسود ثقافات ونفوذ تلك الدول، حيث بدأت تتحكم في توريد وتأمين لقمة عيش الأفراد والجماعات.
تلاهى أبناء الأمة عن تطوير وتحديث وتنمية أنفسهم، بالتناحر الطائفي المقيت. يحدث ذلك على مستوى التجمعات الصغيرة والكبيرة، حتى تصل إلى مستوى الدول والشعوب والأمة بأكملها.
الطائفية المستشرية تأخذ من الأفراد والجماعات عقولها وكفاءاتها وإبداعاتها وطموحاتها وإنتاجها، تضعها على رفوف البطالة والموت البطيء. تترك الطائفية شعوبها على قارعة الطريق، تنتظر عوناً مشروطاً مذلاً من الخارج، من الدول المسيطرة إقليمياً ودولياً.
السكوت على تفشي وباء الطائفية، يحاكي الصمت أو اللامبالاة بتفشي الأوبئة الخطيرة الخبيثة، مثل الجدري والكوليرا والجمرة الخبيثة.
لذلك تجب مقاومة ومعالجة وباء الطائفية بكل الطرق المتاحة. يتم ذلك عن طريق خلق مبادرات محلية وتعاون دولي مسؤول، لكبح جماح القوى التي تؤجج الطائفية. يجب نشر الوعي لدى الأفراد والجماعات المستهدفة بالطائفية الخبيثة، ومحاولة تحصينها ومنع ووقف انتشار الوباء فيها.
انتشار الوباء لن يرحم أحداً، لا المجرم المتورط، ولا البريء، ولا المعتدل المسالم. الشرق الأوسط كما يبدو مقبل على فترة من الاحتكاك والاشتباك الطائفي الشامل. قد يتركز الاشتباك في منطقة إقليمية واسعة في منطقة شرق حوض البحرين المتوسط والأحمر، وضفاف الخليج العربي؛ وقد يتحرك ليشمل مناطق جديدة عبر المنطقة والعالم.
يجب الشروع الفوري في وضع خطة يلتزم بها الجميع، من شأنها الحد من النشاط الطائفي، الفردي والجماعي اللامسؤول. لا يكون ذلك باستخدام العنف والقوة والقوانين الصارمة. معالجة هذا الوباء بالطرق السلمية والثقافية والحضارية، أكثر جدوى وأعم نفعاً وأطول مدىً.
حقيقةً، لقد خرج مارد الطائفية من قمقمه، لكنه هزيل إذا ما اتُّبعت الوسائل الناجعة والأصلية المتأصلة، للسيطرة عليه وكبح جماحه. على كافة الدول والجماعات والمجموعات، أن تلزم أنفسها ببرامج ومواثيق وعهود تراعي أهمية تحقيق السلم المدني المحلي والإقليمي والدولي للجميع.
تبقى هنالك حفنة من مثيري الشغب وعشاق إثارة الفتن والفوضى، يترعرعون عليها نفسياً وأيديولوجياً. يمكن وقف هؤلاء عند حدود لهم، بالطرق القانونية التقليدية.
1030 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع