الراتب الغائب.. الأضحى يأتي خافتاً في بيوت موظفي إقليم كوردستان

شفق نيوز/ بينما تقترب أيام عيد الأضحى المبارك، يعيش آلاف المواطنين في إقليم كوردستان، وخصوصاً موظفي الدولة، حالة من القلق والانكماش المالي، بسبب تأخر صرف رواتبهم الشهرية، مما ألقى بظلال ثقيلة على استعداداتهم للاحتفال بالعيد.

هذا الواقع المالي الضاغط لا يؤثر فقط على القدرة الشرائية للأسر، بل يهدد بإضعاف نسيج العادات الاجتماعية والتقاليد المتوارثة في مثل هذه المناسبات.

غياب الراتب.. تغييب للفرح

يبدأ بشتوان باقي، وهو موظف حكومي، حديثه لمراسل وكالة شفق نيوز، بإشارة مباشرة إلى السبب الجوهري وراء ضعف الاستعدادات للعيد هذا العام، قائلاً:"قمنا بشراء بعض المواد، لكنها لا تُقارن بما كنا نعدّه في الأعوام السابقة، السبب واضح: عدم صرف راتب شهر ايار، والمشكلة التي تسببت في عدم إرسال بغداد للرواتب دفعتنا للاقتصار على المستلزمات الضرورية جداً فقط."

و يشير باقي إلى أن ارتفاع الأسعار المعتاد في الأعياد يزيد من الضغوطات على الأسر، خاصة في ظل اضطرار العوائل لشراء مكونات "صبحية العيد" الأساسية مثل: القيسي، الفاصوليا، اللحم، الرز، بالإضافة إلى مستلزمات استقبال الزائرين من حلويات وشاي، حتى في حال عدم القدرة على شراء الملابس الجديدة.

تكاليف تتزايد.. وحاجة لا ترحم

من جانبه، يصف سلام أحمد، (موظف آخر) في حديثه لمراسلنا، حجم الأعباء المتزايدة قائلاً: "أجد نفسي أعمل طوال السنة كي أصرف في العيد، حتى وإن قررنا الاقتصاد أو الامتناع عن الشراء، فهناك مستلزمات لا يمكن الاستغناء عنها، بل وبعضها أكثر من ضروري."

يشير أحمد إلى أن تنظيف المنزل، إعداد وجبة صباحية مميزة، تحضير مستلزمات استقبال الضيوف، دفع العيدية للأطفال والأقارب، والخروج إلى أماكن الترفيه، جميعها متطلبات أساسية للعائلات خلال العيد، لكنها باتت عبئًا ماديًا يفوق القدرة في ظل غياب الراتب.

الأسواق تئن تحت وطأة الرواتب المتأخرة

وفي قلب سوق السليمانية، ينقل آسو عمر، وهو جزار، مشهدًا مختلفا لمراسلنا ؛ فرغم استقرار أسعار اللحوم، إلا أن حركة البيع ضعيفة. ويعلّق قائلاً: "لا أعتقد أن الأسعار قد ارتفعت، لكن المشكلة الحقيقية هي الرواتب الجيوب الفارغة تجعل من كل حاجة حتى الرخيصة غالية في نظر المتسوق."

و يضيف: "أسعار اللحوم لم تتغير عن الاسبوع الماضي، لكن الناس عاجزون عن الشراء بعد تأخر الرواتب لأكثر من 35 يومًا، وأصبح المواطن يضطر للمفاضلة بين حاجاته الأساسية، وتبقى اللحوم في المرتبة الأخيرة."

تراجع التقاليد تحت ضغط الاقتصاد

في قراءة أعمق، يرى الباحث محمد أحمد خلال تصريح له لوكالة شفق نيوز، أن تأثير الأزمة المالية لا يقتصر على السوق، بل يمتد ليهدد بعض الرموز الثقافية والاجتماعية للعيد، قائلاً: "كل عادات العيد تتطلب استعدادات مالية. مثلاً، ارتداء الزي الكوردي صباح العيد تقليد راسخ، لكن أسرة مكونة من خمسة أفراد تحتاج إلى 175 ألف دينار على الأقل، وهو مبلغ كبير لعائلة تعتمد على راتب لم يصرف بعد."

ويتابع: "بعض العوائل قد تكتفي بالفاصوليا والرز دون اللحم في وجبة صباح العيد، وهذا إخلال واضح بعادة متجذرة لدى العوائل الكردية. حتى الزيارات للأقارب خارج المدينة، التي كانت تتم في اليوم الثاني من العيد، قد تتراجع بسبب كلفة النقل، الملابس، والهدايا."

عيد بلا ملامح.. إلا القلق

تكشف الشهادات الواردة في هذا التحقيق عن صورة قاتمة لعيد الأضحى هذا العام في مناطق إقليم كردستان.

عائلة لم تشترِ الملابس، و أخرى استغنت عن اللحوم و ثالثة لم تزر أقاربها كما جرت العادة.

ورغم استقرار بعض الأسعار، تبقى الأزمة الجوهرية كامنة في الغياب المزمن للراتب الذي يُفترض أن يكون حائط الأمان المالي للمواطنين.

هل تنقذ الرواتب ما تبقى من بهجة العيد؟

أمام هذا الواقع، يتساءل المواطنون: "هل سيكون هناك حل؟ وهل يمكن للحكومة أن تصرف الرواتب قبيل العيد لتلحق العائلات بعضًا من الاستعدادات؟"

فبين فرحة منتظرة وقلق مالي حاضر، يبقى المواطن الكردي أسيرًا لدورة متكررة من الأزمات، تسرق من المناسبات بريقها، وتحمّله فوق طاقته كل عام.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1125 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع