إيران تستشعر الخطر وتخطئ برد الفعل

                                                        

                               ضرغام الدباغ

إيران تستشعر الخطر وتخطئ برد الفعل

يحكى أن تاجرا موسراً رأي في منامه، أن ملك الموت قادم ليقبض روحه، ففر من بغداد قاصداً سامراء يوم كانت هي عاصمة الخلافة. والسير إليها يستغرق عدة أيام، وفي الطريق كانت هناك خانات لأستراحة المسافرين والقوافل. وفي منتصف الرحلة، وبينما كان التاجر يستريح من وعثاء السفر، أتى بقربه شيخ مهيب ليجالسه، فرحب به التاجر، فسأله الشيخ إلى أين أنت ذاهب ..؟ فأجابه التاجر، " أنا قاصد سامراء لأهرب من ملك الموت الذي يبحث عني " ... فأبتسم الشيخ، وقال له " أنا ملك الموت ذاهب لبغداد لأقبضك، وها أجدك أنت من يبحث عني".

مشروع الثورة الإسلامية الصفوية يهرب من حقيقة بارزة أمامه المتمثلة بفشل ذريع لحق به فلم يعد ينفعه لا طبيب نطاسي ولا علاج فنطازي. ربما ما زال ... (نقول ربما)... بعض من وقت لانسحاب منظم، هو أفضل من انسحاب أقرب للهزيمة المبعثرة ..! . فبعد انطلاقة بدت مبهرة، أبهرت العرب والمسلمين، فيها الكثير من العداء اللفظي للإمبريالية وإسرائيل، وكلام معسول جميل عن تحولات اجتماعية مهمة مرتقبة، ولكن هذه الآمال العريضة بدأت تتلاشى والاحتمالات تتبدد مبكراً في الواقع، ولم نشهد أي تحولات داخلية، بعد أن صدعوا رؤوسنا ببحار الاقتصاد الإسلامي وأزهار ورياحين الديمقراطية الشوروية في حين كانت الترجمة الواقعية لهذه الأحلام القمع هي بلا هوادة وإعدام وإبادة كل صوت معارض بما في ذلك تلك القوى المهمة الفاعلة في محاربة النظام الشاهنشاهي. فكانت افتتاحية إرهاب الجمهورية الإسلامية أن بطشوا بشيوعيو حزب تودة، المناضلين الأصلب لعهود الرجعية الملكية، ثم اردفوهم بمجاهدي خلق المناضلين المضحين في عهد الشاه، والمناضلين في إسقاط نظام الشاه وإقامة الجمهورية الإسلامية، وأخيرا وليس آخراُ أنقضوا على الحركة الوطنية الديمقراطية الإيرانية (البزركان وصحبه) التي شاركتهم الحكم في أعقاب سقوط نظام الشاه، أما الحركات القومية غير الفارسية (من الأكراد والعرب والآذريين والبلوش والتركمان) فليس لها غير الموت الزؤام، فأمعنوا فيهم قتلاً وتصفيات.
النظام الإسلامي الإيراني يتربع على قمة الأنظمة التي تقتل، تغتال، تعدم لأسباب سياسية، وتتفوق على غيرها من دول الطغيان والاستبداد في تربعها على مركز الصدارة بين الأنظمة التي تقمع شعوبها، فالقدر الأكبر من حالات تنفيذ عقوبة الإعدام شهدتها إيران (2020) بواقع 507 حالة. وقد نفذت إيران في العقود الأربعة الأخيرة مئات أحكام الإعدام بتهم منها زعزعة الأمن وتهديد استقرار الدولة، ولا تزال طهران مستمرة في تنفيذ أحكام الإعدام بكثرة رغم الإدانات الدولية وشيوع الفقر، وهجرة العقول والأيدي العاملة (يتصدر الإيرانيون قوائم اللجوء السياسي)، وإفلاس الدولة. ونهاية هذه الثورة اللفظية تساقطت الستر عنها وبعد 43 عاماً ثبت لنا في الواقع المادي، أن هذه الثورة لم تحارب إلا العرب والمسلمين وفشلت في أن تكون عنصر إيجابي في المنطقة، بل واصلت دورها البارز كمخلب قط للعالم الغربي في توازنات المنطقة. (1)
السقوط الأعظم بتقديري هو أنها سقطت (كنظام "ولاية الفقيه" ديني ثيوقراطي) لدى الشيعة أنفسهم، سقطت في أذربيجان والعراق وسورية، وقبلهم في إيران نفسها، فلم تعد المرجعيات تقنعهم، وسياسة التخلي عن المصالح الوطنية لمصلحة السيادة الفارسية، والتخلي عن الرباط القومي، لصالح الدولة الإيرانية المتعددة الأعراق والقوميات .. والتخلي عن الأهداف الاجتماعية / الطبقية، لصالح خرافات لا أساس مادي لها، فهذه فرضيات لم تعد مقبولة. وهكذا نسف الواقع الموضوعي أصباغ وبهرجة الشعارات وطوباويتها، والآن غدت القوة المسلحة، بل وبأشكالها المفرطة، والأجهزة الأمنية والأدوات القمعية هي الأداة الوحيدة المعبرة عن الدولة، وخط الدفاع الرئيسي عن نظام الملالي الآيل للسقوط. وكشف عن الهوية الأساسية لهذه الدولة القمعية، واللبوس الديني لا يمحو صفتها الفاشية، قمع في الداخل وتوسع في الخارج، هذا هو جوهر الدولة الفاشية، هي دولة لا تأخذ بنظام التطور اللارأسمالي، دولة قمعية أسوء بأضعاف مضاعفة عن نظام الشاه. ما تغير هو أن الحكام أستبدلوا البدلة الحديثة بالعباءة الدينية ..... فقط ..!
القيادة الإيرانية تدرك أن أوراقها احترقت، والسقوط سيكون له تبعات ولواحق ….. فمالعمل .....؟ مرة كتبت أن فلسفة الفارسي أن بوسعه أن يؤذ ... لذلك يفتخرون اليوم أنهم قادرون على غلق باب المندب ومضيق هرمز وهذه تستطيع دولة من الدرجة العاشرة فعلها بإغراق سفينة في الممر الملاحي الضيق، وخاصة في مضيق هرمز، ووضع ناقلة نفط مهترئة بباب المندب يهدد بتلويث البيئة البحرية، ويمكن إصلاح الموقف بساعات. يفتخرون أن لدينا هنا وهناك مليشيات تعبث تقتل وتفجر وتخرب، هذه يعتبرها المسئولون الإيرانيون منجز كبير... ولا يتصور درجة احتقار الناس لهم وكراهيتهم.
وعقل الملالي بحكم تركيبته وتكوينه، لا يتجه للمشكلة مباشرة وأن يبحث عن حلول واقعية لها ... ففي أواخر شهر آذار / مارس، عقدت إيران اتفاقية مع الصين عرف من موادها المنشورة، تسليمها مطارات وموانئ البلد للصين، أما البنود السرية، فهي تدخل في حقل " ما خفي كان أعظم ". والناس في إيران أدركوا ما وراء الأكمة، فخرجوا ساخطين منددين، والسلطات الإيرانية لا تجد (كما هي دوما كذلك)، سوى إطلاق القوى الأمنية لإخماد سخط الجماهير، وفعلاً تمكنوا من إخمادها، التي سوف لن تكون الأخيرة، ولكنهم سوف لن يتمكنوا من وقف العملية التاريخية المتمثلة بتراكم الثورات والانتفاضات، وهذه ستبلغ ذات يوم حداً سوف لن يكون بمقدور قوى أمنية التعامل معها.
ونظام الملالي لم يقدم على هذه الاتفاقية تفهماً منه للنضال ضد الإمبريالية بالطبع، فهذا النظام، وقبله النظام البهلوي (1925 ــ 1979)، والقاجاريون (1779ــ 1925) من قبلهم، كانوا قد وجدوا في الارتباط بالغرب ضمانة لبقاء لدوام سلطانهم، في خضم الدوامات السياسية في الشرق الأوسط وأواسط آسيا، ولكن نظامهم كان أعجز من أن يواجه الحقب الاستعمارية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأستبدل بنظام رضا بهلوي، الذي كان قد التحم كنظام وكأهداف سياسية بصفة كلية مع الإنكليز ومخططاتهم. فالأرتباط بالغرب هو شيفرة الأنظمة الإيرانية منذ أكثر من 250 عاماً، تواصل في زمن الشاه، وبعد أن عمد الأمريكان بقلة ذكاء على إزاحة النظام الملكي الشاهنشاهي، تحت قناعة أن النظام الشاهنشاهي أخذ يتطلع للتوسع إقليميا، ونظام تحت هيمنة الملالي وبالشعارات الدينية الطائفية قادر على تمزيق كيانات الشرق الأوسط وبث عناصر الفرقة بينها، مما يمهد للكيان الصهيوني فرص البقاء والتجذر في المنطقة، ونجح هذا المخطط ولكن جزئياً، بسبب محدودية قدرات نظام الملالي عجزه عن إيصال الخطط إلى نهاياتها المطلوبة، إضافة أن النظام غطس في مشاكل داخلية : اقتصادية / اجتماعية / ثقافية عميقة هو أعجز من أن يجد لها الحلول الناجحة المقبولة.
إذن فالفشل الشامل كامل الأبعاد :
فشل داخلي في تقديم نمط حياة أفضل لعموم الشعب الإيراني.
الفشل في المحيط العربي والإسلامي.
الفشل في إقناع أبناء الطائفة الشيعية، بأنهم النظام المرتجي.
الفشل في إقناع الحلفاء التاريخيين (الغرب الرأسمالي) أنهم حليف موثوق ولهم وزن في الشرق الأوسط.
صحيح أن عالم العلاقات الدولية المعاصر مليء بالفخاخ والتآمر، وتسعى الدول إلى تعزيز كياناتها بطرق شتى ...! وهناك قاعدة أكيدة، أن التحالف بين طرف قوي وطرف آخر أقل قوة / ضعيف، فسيكون مآل التحالف لصالح القوي، لأن الوسط القوي قادر أن يؤثر على الوسط الضعيف، فالطرف القوي سيوظف قدرات الأضعف لصالحه، وهنا بيت القصيد، فعلى الدول أن تكون حذرة في الحفاظ على كياناتها، داخليا بإجراءات عديدة، وكذلك خارجياً. والنظام الإيراني يعاني من مشكلة خطيرة، أنه ككيان سياسي قائم على تعدد أعراق، وثقافات، واقتصاد منهك. وأنه في التحالف يبحث عن قوى يتراصف خلفها لحماية كيانه.
وبتقديري أن النهج السياسة الأصح يتمثل :
ــ أولاً عدم اللجوء إلى أطراف خارجية لحل مشكلات داخلية، فهذه خطيئة كبيرة ترتكبها أي دولة في حل لمشكلاتها. فالحليف / الصديق الخارجي سوف لن يفعل ذلك كهبة مجانية، بل مقابل مكتسبات يحققها على أصعدة مختلفة.
ــ يتعين على الدولة الإيرانية خلق أجواء لا تضطر إي من الشعوب المنضوية في إطار الدولة إلى البحث عن هويتها الوطنية والقومية خارج إطار الدولة، والدولة الإيرانية ترتكب الكثير جداً مما ترغم تلك الكيانات بالبحث عن نفسها خارج إطار الدولة.
ــ ومن ذلك أن إيران (دولة الملالي) لا تنفك منذ أن تأسست عام 1979 عن تهييج المسائل العرقية والثقافية / الدينية (على ضعفها وبطلان صلاحيتها) في البلدان المجاورة دون أن تفكر أنها بذلك تشعل نيران سياسة سيمتد لهيبها إلى إيران نفسها..! ففي هذه الحالة هي كمن يقرب النار من بيته ..!
ــ تلعب الدولة الإيرانية بالعامل النووي وتناور وتداور وتقطع الحوار ثم تعود للحوار.. مع أن العنصر النووي لن يطور أوضاعها نحو الأفضل، والدليل متوفر أمامها يشير بوضوح إلى أن النووي لن يلغي مشكلات قائمة أو هي تحت الرماد، وإيران تعلم أن هناك من الدول من عمد بنفسه إلى تفكيك قدراته النووية. الأسلحة لا تجلب الأمن والسلام، وحيازة أسلحة دمار شامل، تعني احتمال دمار شامل يصيب من يمتلك هذه الأسلحة. أم هي (إيران) تريد كسب الوقت والتأثير في ملفات أخرى ...! هذا الأمر يراوح في مكانة منذ عقود دون نتيجة ..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
• الحق أن أحد مفكري الحزب الشيوعي السوفيتي (أوليانوفسكي) كشف في مقال مهم له، في مجلة السياسة الخارجية الألمانية كشف بوقت مبكر في أول أعوام الثمانينات (1980 /1981)، عن كشف مبكر للهوية الرجعية للثورة الإسلامية، وأن لا يوجد سبب واحد يضعها خارج معسكر الإمبريالية العالمية، وإن كانت هناك خلافات فهي سطحية وغير جوهرية، وأثبت ذلك بشكل دامغ.
• القرار رقم ١١٨ اج صادر من الكونغرس ومجلس النواب الأمريكي يدعم تطلعات الشعب الإيراني بإقامة جمهورية إيرانية ديمقراطية علمانية غير نووية...إنهاء إرهاب النظام الإيراني..تم إحالة القرار إلى لجنة الشؤون الخارجية للتنفيذ.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1027 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع