احمد الحاج
دعايات ضخمة وما من إنجازات!
كثير من جيل السبعينات والثمانينات ما زال يذكر مسلسل (فارس بلا جواد ) الذي تناول حقبة الاحتلال الإنكليزي لمصر وهو من بطولة محمد صبحي ، وقد تم عرضه في رمضان عام 2002، هذا المسلسل تناول قضية لم يسبق أن تناولتها الدراما العربية لا من قبل ولا من بعد، ألا وهي قضية "بروتوكولات -خبثاء - صهيون" والتي يشكك بصحتها أو بنسبتها أو بصيغتها أو بزمان ومكان تدوينها وظهورها ، كثيرون وأبرزهم عبد الوهاب المسيري ، مؤلف موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية)، اضافة الى حادثة دنشواي، ومعاناة المصريين بسبب الاحتلال ، يومها كان متوقعا للمسلسل بأن يحقق نجاحا باهرا وعلى المستويات كافة ، الا أن الدعاية الخارجية الامريكية ، والصهيونية المضادة للمسلسل ، فضلا على الدعاية العربية المؤيدة له ، والتي سبقت عرضه بأسابيع قد أسهمت كلها بفشله فشلا ذريعا ، لأن مستوى الدعاية المسبقة المضخمة ولاسيما من قبل الولايات المتحدة ،والكيان المسخ ، واتهام المسلسل بأنه يعادي السامية ،وأنه سيعرض أمن الكيان للخطر ، وسيعيد الثقة الى المواطن العربي ، و يفضح مخططات الماسونية ، وينصر القضية الفلسطينية ، ويصحح مسار التاريخ الحديث ،وينصف ضحايا - الاستدمار - الخ " حتى كنا نعد الأيام والساعات لمشاهدته ،كلها قد أفشلت المسلسل ، وأصابته بمقتل ، وبالفعل فقد كانت الحلقات الاولى منه غاية في الروعة والترقب الا أن الحلقة الرابعة على ما أذكر ، وفور ظهور ، محمد صبحي ،بحركاته البهلوانية المعتادة - الحقيقة أن هذا الممثل غاية في الروعة مسرحيا، إلا أنه في منتهى التهافت سينمائيا وتلفزيونيا - وبعد أن كبر البطل ، سقط المسلسل قياسا بالدعاية الكبيرة التي سبقت عرضه ، وقد أقر صبحي بذلك مرارا في لقاءات عديدة ...
وبالقياس على ما سبق فإن الدعاية المفخمة وغير المسبوقة لإنجازات الحكومة العراقية الحالية ولم يمض على تشكيلها سوى أسابيع قليلة، وكيف أنها ستكافح الفساد ، وستحيل الفاسدين الى القضاء ، وستعمل على تعيين الخريجين ،وعلى زيادة رواتب الرعاية الاجتماعية ، وزيادة مفردات الحصة التموينية ، وأنها ستبني ، وتعمر ، وتحد من السلاح المنفلت ،وستعمل على اعادة النازحين ، واعمار المناطق المدمرة ...الخ ، ولاسيما في صفحات معروفة والى وقت قريب جدا ، بكثرة الذباب الالكتروني الذي تحول فجأة من القدح الى المدح ، ومن الذم والشتم الى الثناء بكل ثقة وحزم ، كلها ستسهم بالتقليل من شأن كل الانجازات - في حال تحققت واقعا ، جزئيا أو كليا - لأن حجم الدعاية الهائل سيكون وبكل حال من الأحوال أكبر من الانجاز ذاته مهما كان كبيرا - إن تحقق هذا الانجاز أساسا ، ورأى النور واقعا ، ولم يبق مجرد حبر على ورق قياسا على ما مضى من تجارب ووعود وعهود قطعتها الحكومات السابقة تباعا والنتيجة = لا ابو علي ولا مسحاته ، أو أواعدك بالوعد ، واسكيك ياكمون - ومت يا وديع حتى يأتيك الربيع !
فالرجاء التخفيف من حدة الضجيج والتفاؤل الزائد عن حده لحين انقضاء الـ 100 يوم الاولى ، واقرار الموازنة لعام 2023 ، ليتبين فجرها وخيطها الابيض من الاسود ، وتفعيل كل أو على الاقل جل ما يتم الحديث عنه حاليا من دون أن نرى شيئا ملموسا ، لأن الدعاية البراقة التي رافقت الحكومة الحالية تحديدا ، ليس لها نظير على مر الحكومات السابقة ، ومنذ عام 2003 وبما يثير التساؤل عن سر هذه الدعاية الكبيرة والمبكرة جدا وكلها بصيغة " يكلك راح يزيدون الحصة ... يكولون راح يعينون الخريجين ، يكلك رواتب الرعاية ، والمتقاعدين راح تزيد ..وهلم جرا ) فلا تكونوا فرسانا بلا جياد ، وانتظروا ، وتريثوا ، وقفوا على الحياد ، حيث لامدح ولا قدح ، لحين تحقيق ولو 10% إن لم يكن أقل مما يتم إعطاء الوعود المعسولة بشأنه ، وقطع العهود المهولة حوله .
ودعونا نسأل ونتساءل، ويحق لنا ذلك ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، وماذا بعد التوصل الى أن مستشفياتنا تمرض الأصحاء ؟!
وماذا بعد الاعتراف المتأخر جدا ، بأن "من يدخل مستشفياتنا صاحيا فسوف يمرض أسوة بمريضه !!"، وماذا يعني الافصاح عن إنها تعاني من نقص حاد في الادوية ، والتجهيزات ،والمعدات الطبية ، إما لعطلها ، واما لتقادمها ، وأما لحوسمتها في وقت ما ، وإما لعدم وجودها اصلا ، أو لكونها من مناشيء - طك عطية - فهل سيشهد العراق وبعد كل هذه الاكتشافات المذهلة ، نهضة صحية ، وثورة طبية ، تقلب عالي التجاهل، والاستخفاف بحياة وأرواح المواطنين ، والتقصير بحقوقهم ، سافله من خلال بناء أكبر عدد من المستوصفات ، والعيادات الشعبية ، والمستشفيات الحكومية النموذجية ، والاهم هو سد النقص الحاصل في أعداد الأطباء ، والعمل على اعادة الطواقم الصحية الكفوءة ، والخبرات الطبية التي يشهد لها القاصي والداني بالنزاهة والكفاءة ، و قد هاجر الآلاف منها تباعا ، نتيجة الظروف المادية،أو من جراء الاغتيالات، والدكات ، والكوامات العشائرية ، والاعتداءات شبه اليومية، أم ترانا سنكتفي بتوبيخ، ومعاقبة الطواقم الطبية المهملة والمقصرة اداريا، ونقلهم الى أماكن أخرى بعيدة ، ليكون الاجراء الثاني ، والثانوي بعد الاكتفاء السابق طيلة سنين بتغيير اسماء المستشفيات فقط لاغير ،مع ان العبرة بالمضامين وليس بالعناوين ، ثم ماذا بأيدي الطواقم الطبية ازاء بناء ، وإعمار المستشفيات ، وتجهيزها ، وتطويرها ، وتزويدها بالادوية ، والمستلزمات الطبية اللازمة، أنهم مجرد موظفين في دوائر ومؤسسات صحية حكومية !
ومؤكد أنني لن أمدح مع المادحين ، ولن أصفق مطلقا مع المصفقين ، بناء على مقاطع فيديو ، أو وثائق مسربة في هذه المنصة أو تلك ، ولايلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ، حتى أرى بأم عيني ، مستشفى حكومي انموذجي جديد بكامل معداته وتجهيزاته وطواقمه الطبية يبنى في كل محافظة عراقية، مع تأهيل القديمة ، ولاسيما منها المخصصة للأطفال ، والنساء ، ومرضى السرطان ، والامراض الخطيرة ، عافانا الله تعالى منها واياكم .
أما عن نقص الخدمات الطبية ، وشح الادوية ، فكلنا نعلم ذلك جيدا ، وقد عايشه ، وشاهده ، وعاناه معظمنا ، بل وقد فقد من جرائه عزيزا أو اكثر من الاصدقاء ، والمعارف وذوي القربى بسببها ، وعلى مدار 32 عاما - منذ ايام الحصار الامريكي الغاشم - ولاجديد تحت شمسك ياعراق ، بإستثناء التهليل ، والتصفيق المتزايد بناء على تسريبات فيس بوكية ، ومقاطع فيديوية ، وسوالف مقاهي ، وأبواق ومنصات تطبل ليلا ونهارا ، قبل أن ترى ما يتم تداوله ورقيا ، وسيبرانيا ، حق اليقين ، وعين اليقين ، لعلها تحظى بمنصب ما ولو في ذيل القائمة ..ولو على الهامش !
وغني عن البيان بأن كل رؤساء الحكومات السابقة ، كذلك الوزراء ، والنواب ، والمحافظين، وعلى مدار 20 عاما سبق لهم وأن تحدثوا كثيرا عن حتمية مكافحة الفساد، وتفعيل القوانين ،وإحالة المتورطين الى القضاء ، وإعادة المفسوخة عقودهم ، وتثبيت أصحاب العقود ، وصرف المستحقات المالية للمحاضرين ، وحصر السلاح بيد الدولة ، ووقف النزاعات العشائرية ، ومراقبة المنافذ الحدودية ، ومتابعة النقاط الجمركية ، وتنظيم عائداتها ، وحوكمة ملفاتها، والعمل على اعادة الاموال المنهوبة ، واستعادة الاثار العراقية المهربة، ووقف تهريب النفط ، وإنهاء ملف النازحين ، واعادة اعمار المناطق المدمرة ، والحد من تهريب المخدرات ، وإعادة تأهيل وتشغيل المصانع المتوفقة، وتحسين الكهرباء والخدمات ، وتشغيل العاطلين ، وتحسين الواقع الزراعي ، وبناء الموانئ ، والمطارات ، وما الى ذلك من وعود ذهبية ، ذهبت كلها أدراج الرياح ، وكل حكومة تأتي تحمل المسؤولية كاملة لسلفها ، لتقع في ذات الخطايا ، وتستنسخ نفس الأخطاء ، وتسير في ذات الطريق المظرم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وحذو القذة بالقذة ، وخلال أقل من عامين من عمرها الافتراضي ، وما حكومة تصريف الاعمال السابقة ، والتي لطالما جعجعت بمكافحة الفساد ، ومعاقبة المفسدين ، ولوحت الورقة الاصلاحية ، وبقانون الأمن الغذائي ، وبنزع السلاح المنلفت والمؤدلج والموازي ، وبالكشف عن قتلة المتظاهرين ، ليتضح بعد زوالها ، غير مأسوف عليها، بأنها الأكثر استغفالا وفسادا - وتطنيشا - و إهمالا في تاريخ العراق !
وأختم بأن الحكومات الناجحة في أرجاء المعمورة ، هي تلك التي تفتتح من المشاريع النافعة،والمجدية ، واقعا ما يفوق عدد الجلسات،والاجتماعات،والمداولات ، والتصريحات ، والبيانات ، التي ملها الشعب ، وسئمت منها الجماهير ، وإن كنت أعجب فعجبي من حجم التطبيل الاعلامي الهائل ، ولما ينجز شيء منظور على أرض الواقع بعد ، وكلها وحتى كتابة السطور عبارة عن " كتابنا وكتابكم " و " قيل وقال " ،وعلى قول أجدادنا - لا دكول سمسم ، حتى تلهم- فيا أيها المطبلون ، والراقصون ، والمجعجعون ، والفرحون ، حسبكم وعلى قول الشاعر :
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً ...ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـ زَوِّ دِ
اودعناكم اغاتي
4348 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع