هل ستشن إسرائيل حرباً على جنوب لبنان؟

الدكتور صبحي ناظم توفيق
عميد ركن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ العسكري
1 نيسان 2024

هل ستشن إسرائيل حرباً على جنوب لبنان؟

الموقف العام في المنطقة
بينما توشك إسرائيل على شنّ آخر هجماتها البرية في قطاع غزة على مدينة "رفح" المعقل الأهم والأخير، في ظل توقّع مقاومة حماسية مؤذِية بحق القوات الغازية.. وفيما توقفت الضربات الصاروخية والمُسَيّراتية نحو القواعد الأمريكية في كل من العراق وشرقي سوريا إثر الردع الذي أنجزه الأمريكيون ازاء عدد من قادة فصائل المقاومة العراقية المرتبطة بإيران... وبينما ظلّت جبهة هضبة الجولان السورية المحتلة على ضآلة فعالياتها منذ 8 أكتوبر 2023 جراء الإستهدافات الإسرائيلية المتزايدة على الأرض السورية التي ما زالت بين يدي نظامها، والتي طالت قياديين ومستشارين إيرانيين ولبنانيين، وأوقفت مطارات دولية من العمل منذ شهرين، مع إلتزام دمشق بالإستنكار والوعيد بأنها -كعادتها منذ عقود- تحتفظ بردها في المكان والزمان المناسبين.
وفي حين لم يقتدر تحالف "حارس الإزدهار" الدولي بزعامة أمريكية ردعَ الحوثيين في شنهم المزيد من الضربات البالستية والمُسَيّراتية والكروزية على السفن التجارية والحربية وإرهاق حركة الملاحة الدولية بشكل ملحوظ، فإننا نتلمّس تصعيدات خطيرة تتسلّق سلالم المواجهات اليومية التي باتت تسجل العديد من القصفات المتنوعة نهاراً وليلاً على أهداف متباعدة تغطي عشرات الأهداف العسكرية أو ذات الطابع المزدوج بإستثمار الطرفين أسلحتهما الثقيلة بالرمي المباشر أو المُرَكّب، ناهيك عن المقذوفات الإسرائيلية الذكية والمحمّلة على طائراتهم المأهولة والمُسَيّرة وقِطَع قواتهم البحرية.
وهنا يأتي موضوعة الإنذار الإسرائيلي نحو حزب الله اللبناني السائر صراحة تحت راية الجمهورية الإسلامية وحرسها الثوري منذ تشكيله لإياه سنة 1982، لسحب قواته وأسلحته والعاملين تحت إمرته إلى شمالي نهر الليطاني تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 لسنة 2006، وإلاّ فان تل آبيب سترغمهم عليه بإستخدام القوة المسلحة، مهما كانت أشكال الضغوط والدعوات والرجاءات التي تمارسها واشنطن وباريس ولندن وسواها على تل آبيب.
تشكيك بحق الإنذار الإسرائيلي
ولكن هل نعتبر هذا الإنذار الإسرائيلي جدياً يحتمل تحقيقه؟ أم أنه مجرد عرض عضلات بإتباع سياسة التلويح بإستخدام القوة المسلحة؟؟
فالشكوك تفرض ذاتها في أنه ربما ليس بتلك الجدّية، لأسباب عديدة، أهمها:-
1. إسرائيل ما زالت تحاول إنهاء حربها على قطاع غزة التي قاربت شهرها السادس، لذلك يفترض أن لا تقدِم على فتح جبهة حرب مستدامة قد تطول وترهق قواتها المسلحة وإقتصادها المُتعَب.
2. حليفة إسرائيل وداعمتها الأمريكية تبدو غير راضية أو مؤيدة لهذه الخطوة الخطيرة، والتي يحتمل معها أن تُغضِب إيران فتتحرك في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عُمان، فتضطر واشنطن للولوج حيالها في هذا الصراع.
3. حزب الله اللبناني هو الذراع الأقوى والمدعوم الأعظم من إيران في عموم المنطقة، وقد صرفت عشرات المليارات لتطويره وتقويته إلى هذا المستوى الرصين، لذا يحتمل أن تقف إلى جانبه بقوة السلاح أكثر من وقوفها مع أي فصيل آخر يرتبط بها في الشرق الأوسط برُمّته، ولذلك يتوقع أن تأمر فصائل المقاومة العراقية وسواها من الفصائل المذهبية المنتشرة في البقاع السورية للتحرك كلٌ في ساحته دعماً لحزب الله اللبناني، وبذلك تتعدد الجبهات المفتوحة على إسرائيل والقواعد الأمريكية على السواء في عموم المنطقة بشكل قد تربك القيادة الإسرائيلية.
ولكن من ناحية معاكسة، نرى أن إسرائيل طوال تأريخها، بعد أن تقوّت منذ أواسط عقد الخمسينيات وفاقت بقدراتها العسكرية جميع الدول الدول العربية المحيطة بها، أنها تحقق تهديداتها بإستثمار قواتها ذات القدرات الفائقة، إذْ لا ننسى إحتلالها كل صحراء سيناء في غضون 4 أيام من أكتوبر 1956، وإحرازها إنتصاراً مُذهِلاً في حرب حزيران 1967 فحسب، بل وحتى حينما بوغتت للمرة الأولى في حرب رمضان 6 أكتوبر 1973، وإنهائها لصالحها في غضون 3 أسابيع على الجبهتين السورية والمصرية وأرغام مصر وسوريا على وقف النار والجلوس على طاولة مفاوضات إنتهت بقبولهما شروطها لإحلال السلام النسبي معهما.. والثانية يوم مباغتة "حماس" الجريئة لها بعملية طوفان الأقصى فجر يوم 7 أكتوبر 2023، والتي بعده بيوم واحد فقط أعادت مبدأ المبادأة/المبادرة بين أيديها، جاعلاً حماس يتخذ وضع الدفاع ويفقد الكثير لغاية يومنا هذا.
جدية الإنذار الإسرائيلي
ولكل ذلك ولأسباب أخرى يطول تفصيلها، نرى الإنذار الإسرائيلي أقرب ما يكون إلى الجد بشكل يفوق مجرد التهديد والتلويح بإستخدام القوة، للأسباب الأتية:-
1. أثبتت الشهور الخمسة الماضيات أن تهديدات قادة حزب الله اللبناني بشأن محو إسرائيل ووحدة الساحات كانت بعيدة عن الوقائع، والعمليات التي نفذوها على شمالي أرض فلسطين المحتلة لم تكن مؤذية ومُرهقة، وقصفاتهم الصاروخية رغم تطويرطُرُزها ومضاعفة أعدادها لم تكن مؤثرة سوى بحدود 05%، لذلك يتوقع أن لا تكون تهديداتهم اللاحقة أخطر من سابقاتها.
2. إيران تنصّلت عملياتياً من أفعال حزب الله اللبناني حين صرحت مِراراً بأن قادته لا يأتمرون بأوامرها، وهم أحرار في إتخاذ قراراتهم حسب رؤاهم العملياتية.. لذلك فلا إحتمال من تورّط طهران إلى جانبه إذا إتخذت تل آبيب قرار المواجهة المباشرة ونشبت حرب مفتوحة معه.
3. رغم تصريحات واشنطن المُعلنة وعدم تأييدها غزواً إسرائيلياً لجنوبي لبنان خشية التصعيد في المنطقة، فإن من المستحيل أن لا تدعم إسرائيل حال تعرّض شماليّها المكتظ بالبشر والعمران والموانئ لقصفات مؤثرة، لذلك فوجود الأسطول السادس الأمريكي ببوارجه ومدمراته ومشاة بحريته (المارينز) في شرقي البحر المتوسط والقاصفات الأمريكية العملاقة وبعيد المدى، يجعل الولايات المتحدة كفيلة لإجهاض تحركات حزب الله وأتباعه وتدمير قواعده وأسلحته الثقيلة.
4. يُعَدّ إندلاع حرب في جنوبي لبنان لصالح إسرائيل إعلامياً، كونه سيبعد الأنظار عن مجريات الأمور في قطاع غزة، ويوجّه الأنظار نحو الساحة اللبنانية.
5. اللوبي الصهيوني ومنظماته ورؤوس أمواله الترليونية متوغلة في الولايات المتحدة وذات تأثير عميق على قرارات واشنطن السياسية والستراتيجية والمالية.. لذلك من الإستحالة أن يحصل تراجع أمريكي عن إسناد إسرائيل سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وتسليحياً وإقتصادياً، وبالأخص أن الرئيس "جو بايدن" لا يتمتع في هذه الأيام بوضع مريح عبر الإستفتاءات المُعلَنة مع قرب الإنتخابات الرئاسية المقررة في أواخر العام الجاري، والذي يرغمه على مجاراة الصهاينة ودولتهم الممثلة بإسرائيل.
6. ربما 90% من الشعب اللبناني، بمن فيهم سكان الجنوب ذي الأغلبية الشيعية، لا يبتغون أية حرب، لِما ذاقوه من ويلات ودمار خلال غزو لبنان في حربَي 1982 و 2006 على يد الوحشية الإسرائيلية.. لذا فهم أضحوا يُجِاهرون بتَصَدّيَهُم لأي قرار يورطهم في هذا الخِضَم، ويهددون ليس بالمظاهرات الحاشدة فحسب، بل حتى رفع السلاح ومنع مقاتلي الحزب من العمل في مناطق المواجهات... وهذا ما يضيف نقطة ضغط جماهيري لصالح إسرائيل في عزمها بالضغط على حزب الله وإرغامه على قبول شروطها، بالتهديد لفتح جبهة حرب ضروس معه إذا لم يذعن.
7. إسرائيل أبقت فرقتين برّيّتين فقط من جيشها المنفتح في قطاع غزة، متأهبتين للتوغل في "رفح" قريباً، فيما حشدت فرقتين مع لواء "غولاني" قبالة جنوبي لبنان، وإحتفظت بـ3 فرق بمثابة قوة ضاربة لتطوير مجالات غزوه البري، ناهيك عن أن قوتها الجوية المؤلفة من مئات المقاتلات/هجوم أرضي متأهبة للغرض المنشود، إلى جانب مئات أخرى من المُسيّرات ذات التكنولوجيا العالية، وجميعها سيعمل في ظروف سيادة جوية AIR SUPERURITY مطلقة في أجواء لبنان من دون رادع يُذكر، بما فيه أسلحة حزب الله للدفاع الجوي... وعلى العكس من ذلك فإن الأجواء الإسرائيلية ستظل صعبة الإختراق سوى بضربات ضئيلة التأثير بفضل السيادة الجوية من جهة، وفاعلية دفاعاتها الأرضية التي برهنت قدرتها العالية في الأشهر الخمسة المنصرمات.
8. ولكن هذا ليس معناه أن تشن إسرائيل حرباً واسعة على حزب الله وجنوبي لبنان في قادم الأيام القريبة، لأنها قد تٌحرَج إذا ما أُبرِم وقف لإطلاق النار مع حماس، وأعلن حزب الله اللبناني موقفاً مشابهاً أزاء إسرائيل... ولكن الأخيرة تبدو أنها سوف لن ترضى إلاّ بتحقيق ما تحاول فرضه على هذا الحزب اللبناني الذي لا يمتّ إلى دولة لبنان المتراجعة سوى بالإسم.
الخاتمة
ومؤخراً تسرّبت أنباء غير مؤكدة تشير إلى إستعداد قادة الحزب وقفاً للقتال ونزعاً للسلاح في جنوب لبنان، والرضا بعمل قوات "يونيفيل" المنتشرة هناك تحت الراية الأممية، وبالمشاركة مع وحدات الجيش اللبناني قبل المباشرة بالترسيم النهائي للحدود البرية... ولكن تل آبيب إسرائيل ما زالت تصرّ على ضرورة تسليم حزب الله اللبناني جميع أسلحته إلى الجيش اللبناني قبل الولوج بأي تفاوض على أية إتفاقات رسمية معه ومع الحكومة اللبنانية، والتي تؤزم الموقف المُتَضادّ بين الطرفين لصعوبته البالغة والمحرِجة لقادة حزب الله وإيران.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع