قصة (العشق الجامح) الجزء الاول

بقلم احمد فخري

قصة (العشق الجامح)الجزء الاول 

دق جرس المنبه فاستيقظت نور القمر من منامها وضغطت على الزر لتسكت ازيزه المدوي إذ صار يزعجها وكانه مثقب كهربائي يخترق الجمجمة ليصل الى دماغها بالرغم من علمها يقيناً ان ذلك هو الوقت المعتاد الذي تستيقظ فيه كل يوم ما عدى ايام الجمعة طبعاً، حين تتمكن من النوم لفترات اطول. فجأة جائها صوت مخيف مرعب يهز كيانها. انه صوت امها الذي يتبدل حسب موقع عقارب الساعة. ففي الصباح الباكر من ايام الاسبوع يكون مزلزلاً مرعباً يخيف اكبر نمرود متجبر. وفي باقي الاوقات فانه يشبه اعذب الالحان يصل مسامعها كصوت زقزقة العصافير وخرير الماء وعطر الياسمين. برحت سريرها ووقفت امام المرآة الطويلة المثبتة على خزانتها في غرفة نومها بالطابق العلوي وراحت تسبل شعرها وتتثائب فتنظر باعجاب الى قوامها الرشيق حين قالت، "يا سلام يا نور القمر كم انت جميلة؟ يا ترى من الذي يستحق كل هذه الفتنة وهذه الرشاقة وذلك القلب الذي يتوق للعشق والهيام؟ اوووووف متى اراك يا فارس احلامي؟ متى ستأتي ممتطياً فرسك الابيض لتنتشلني من معاناتي وشوق روحي اليك بالرغم من انني لم ارك سوى في احلامي؟ وفجأة جائها صوتٌ مخيف من الخلف يقول،

الام : الا زلت واقفة امام المرآة يا تافهة. هيا تلحلحي وارتدي ملابس المدرسة فسوف تأتي جنان بعد قليل لتجرك من لجامك.

نور القمر : اوف يا امي، لماذا تتحدثين معي بهذه الصيغة؟ هل انا حصان كي يكون لي لجام؟ انت تعرفين جيداً انني فتاة انيقة رقيقة مرهفة الاحاسيس بالاضافة الى اني من الطالبات النجيبات المتفوقات في الدراسة.

الام : متفوقات في الدراسة؟ اجل هذا صحيح انت قلتها وانا صدقتها. كيف إذاً تحصلتِ على مُعَدّل 82 لهذا الشهر كي تصبحي الرابعة على الصف؟ هيا تحركي والا سوف آخذ تدابير شديدة اخرى قد تندمين عليها.

نور القمر : لا، لا ساتحرك، اتركيني انت فقط وسوف اتبعك للطابق السفلي يا ست الحبايب يا حبيبة.

الام : اجل اضحكي عليّ بهذه الكلمات الفارغة لانك تظنين انني ساذجة مثلك. ساسبقك للمطبخ، هيا لا تتأخري مفهوم؟ والا...!!!!

نور القمر : مفهوم يا امي مفهوم. ياساتر يا ربي! اين ونشأت؟ في ثكنة عسكرية مثلاً؟ هل كان اسمك عريف جبر؟ الذي من...

قاطعتها امها بحزم وقالت،

الام : اغلقي فمك واستعجلي، كفاك ثرثرة ماسخة.

نزلت الام للاسفل فدخلت نور القمر حمامها المحاذي لحجرتها وراحت تغسل وجهها واسنانها وتمرث شعرها وتصففه ثم عادت الى الغرفة فترتدي الزي الموحد. نظرت في المرآة ثانية وقالت، "بالرغم من الزي الموحد البغيض الذي يشبه ملابس الزبّالين فانتِ لازلت اجمل فتاة بالمدرسة يا قطر الندى". فجأة سمعت امها تناديها من الاسفل. أفأفت وامسكت بحقيبتها الجلدية ثم اسرعت بالنزول على السلم لترى صديقتها المقربة جنان قد وصلت وجلست على احدى كراسي المطبخ. وقفت امها امامها وقالت،

الام : لقد تأخرتِ ايتها الاميرة النائمة. اجلسي وتناولي افطارك بسرعة والا ستعاقبك الست جستين على التأخير.

نظرت نور القمر الى صديقتها وسألتها،

نور القمر : متى وصلت؟

جنان : منذ اول انذار جيم اطلقته امك. لقد دخلت وسمعت صفارات الانذار تعصف بالاجواء.

نور القمر : إذاً ساتناول افطاري على عجالة ونخرج في طريقنا الى المعتقل. الا تأكلين معي؟

جنان : لقد تناولت افطاري قبل ساعة من الآن. هل ترغبين ان اصبح بدينة مثل سميرة الدبة؟

نور القمر : لا، اعوذ بالله، سميرة الدبة مفرطة البدانة والقبح. يا ترى من الذي سيرضى بها؟

جنان : ربما سيأتي شخص يطمع بمال ابوها فيتزوجها.

نور القمر : ثم يقوم بخيانتها مع واحدة رشيقة جميلة انيقة مثلي.

الام : كفاكما هذا الكلام التافه. هيا اخرجا فالجرس سوف يقرع بعد 25 دقيقة من الآن.

نور القمر : يا ماما يا ماما المدرسة ليست بعيدة من هنا، والسير على الاقدام يتطلب 10 دقائق فقط.

الام : ولكن بالطريقة المائعة التي تمشيان بها فانكن سوف لن تصلن الا بعد ان يقرع الجرس بساعة.

نور القمر : اوف يا امي كم انت نقاقة. اعان الله عبّودي المسكين عليك. بالمناسبة اين هو؟

الام : ابوك ذهب مبكراً الى مديرية التقاعد ليستفسر عن سبب تأخر الراتب.

قبّلت نور القمر والدتها وخرجت مع صديقتها متجهتان الى المدرسة. وفي الطريق قالت،

نور القمر : اليوم حلمت به من جديد. رأيت نفسي جالسة على طرف بركة ماء اغسل شعري وانا عارية تماماً فرأيته يقترب مني راكباً مهرةً جميلة بيضاء. لم اخجل من جسدي العاري ابداً، بل وقفت امامه وأمسكت بيده ليهبط من فرسه ويحظنني بحنان. قبلني قبلة ساخنة اصابتني بالدوار وكدت اسقط على الارض على اثرها. بعدها رحنا نرقص رقصة (الڤالص).

جنان : رقصة الماذا؟

نور القمر : الڤالص يا جاهلة. كما هي في مقطوعة الدانوب الازرق للموسيقار يوهان شتراوس. الا تعرفينه؟

جنان : في بيتنا نستمع فقط لمعزوفة (الدانوب الاسود) لحضيري ابو عزيز.

قهقهت نور القمر وقالت،

نور القمر : كم انت طريفة ودمك خفيف يا جنان.

جنان : وانت كذلك يا نور.

نور القمر : كم من مرة يجب ان اكرر عليك؟ اسمي ليس (نور)، ليس نور فقط، بل هو نور القمر، انه اسم مُرَكّب.

جنان : حسناً لا تغضبي، انا آسفة جداً. اعتقدتُ اننا صديقتان حميمتان فاردت ان اناديك باسم مختصر.

نور القمر : اسمي مركب ولا يختصر مثل عبدالله وعبدالاله ومحمدعلي والله ويردي. فهل يجوز ان نختصر الله ويردي مثلاً؟

جنان : طيب عزيزتي طيب لا تزعلي فانت نور القمر. ولكن اخبريني، كيف خطر ببال امك حتى سمتك بهذا الاسم؟

نور القمر : الذي منحني اسمي هو والدي عبودي لانه رومانسي جداً وكان يحب امي كثيراً ويتغزل بها على نور القمر لذلك قرر ان يطلق علي ذلك الاسم.

جنان : تقولين (كان يحب امي). هل توقف عن حبها الآن؟

نور القمر : انه لازال يحبها لكنني لا اعتقد انهما لا يزالون يمارسون... انت تفهمين ما اقول.

جنان : ها قد وصلنا بوابة المدرسة، انظري الى العريف رسمية تقف وكأنها كلبة مكلوبة تتأهب كي تنقض على من تتأخر من الفتيات.

نور القمر : اعان الله العم ابو نجم المسكين عليها. كيف يتحمل زوجة مثل العريف رسمية؟ يا ترى، هل تعتقدين انه يضاجعها؟

جنان : دعكي من هذا الموضوع الآن. هيا لندخل المدرسة، بقي من الوقت اقل من دقيقتين.

بعد ان قرع الجرس دخلت الفتيات الى صفوفهن فجلست نور القمر على الرحلة الامامية الاولى بينما جلست صديقتها جنان بمؤخرة الصف في آخر رحلة بنفس الخط والسبب في ذلك هو عدم التوقف عن الدردشة بينهما اثناء الحصة بالرغم من تذمر المدرسات المستمر. حتى بآخر المطاف اضطرت المعاونة تفريقهما بهذه الطريقة كي يكفّا عن الكلام. دخلت الست جستين ذات الاربعين عاماً بشعرها الاشقر القصير وبشرتها البيضاء كالحليب وانفها السكسوني المدبب، نظرت للطالبات وقالت، " Sit down". جلست الطالبات على رحلاتهن واخرجن كراريسهن فابتدأ الدرس. وبعد مرور ثلاث محاضرت متتاليات سُمِعَ الجرس من جديد فخرجت الفتيات الى الساحة في فرصة امدها 10 دقائق. جائت جنان من آخر الصف واقتربت من رحلة صديقتها نور القمر وسألت،

جنان : هل انت بخير؟

نور القمر : لا يا جنان، اشعر بانتفاخ في دماغي من تراكم المعلومات التي انصبت بداخله.

جنان : وانا كذلك. زيادة على ذلك، اشعر بعطش قاتل. دعنا نخرج للساحة لشرب الماء.

نور القمر : هيا اسبقيني انت الى (السبيل) وسالحق بك بعد ثوان.

خرجت جنان فبقيت نور القمر بداخل الصف تعدل من هندامها ثم خرجت لتبحث عن صديقتها جنان لكنها لم تجدها في الساحة. ذهبت الى ما تسميه الفتيات (السبيل) وهي عبارة عن خمسة صنابير ماء تشرب منها الطالبات فلم تجدها هناك ايضاً. "يا الهي اين ذهبت المجنونة؟ ربما رجعت الى الصف ولم المحها تمر من امامي. يبدو انني اصبت بالخرف المبكر او الزهايمر المزمن. ساذهب الى الصف لالتقيها هناك".

رجعت نور القمر الى الصف والقت نظرة بداخله فلم تجد احداً هناك. اين تاهت الحقيرة، بدأت اقلق عليها؟. لماذا ذهبت الى مكان مجهول ولم تخبرني عنه؟ اجل، اجل الآن تذكرت، لقد طلبت منها مدرسة الرياضيات الحضور الى غرفة المدرسات لامر ما. لا بد انها ذهبت غرفة المدرسات ولم تجد المجال كي تخبرني. ساذهب الى هناك واستفسر من المدرسات". دخلت غرفة المدرسات فوقفت امامها ست كوكب عبد الله مدرسة الدين فقالت لها،

نور القمر : عفواً ست، انا ابحث عن زميلتي جنان. لقد بحثت عنها بكل مكان ولم اجدها. ربما كانت مفقودة.

ست كوكب : او ربما سقطت اذناك من رأسك ولم تسمعي رنين الجرس. هيا الى صفك يا فتاة ودعيني اذهب الى صفي.

نور القمر : حسناً ست كوكب. انا آسفة.

خرجت نور القمر من غرفة المدرسات مسرعة وسارت بالممر كي تعود الى الصف السادس (ج). واثناء سيرها كانت تنظر الى اليمين والى اليسار والى الخلف عسى ان تلمح صديقتها جنان بزاوية معينة، لكنها ارتطمت بشخص ما وكادت ان تسقط على الارض من اثر الصدمة فتراجعت الى الوراء ونظرت امامها لترى رجلاً وسيم الوجه طويل القامة ذو قوام رشيق لديه خطان جميلان من الازلاف البيض يحيطان بوجهه، يرتدي ملابس في غاية الاناقة. قالت له وهي تتلعثم،

نور القمر : انا آسفة يا استاذ. لم اقصد ان... اقصد انني لم أراك امامي.

الرجل : تقصدين انك كنت تنظرين في كل الاتجاهات ما عدى الطريق أمامك.

نور القمر : اجل استاذ. سامحني استاذ. يجب علي ان اشرب... اقصد ان ارجع الى البيت... اقصد الى صفي. فلقد دق جرس الباب... اقصد دقت اجراس الفرصة.

الرجل : هيا ارجعي يا فتاة بسرعة.

نور القمر : شكراً استاذ. سامحني استاذ. وداعاً استاذ.

تركت ذلك الرجل وواصلت هرولتها نحو الصف وهي تفكر وتقول، يا الهي كم هو وسيـــــــــــــــم. يا ترى هل سيقوم بتدريسنا؟ لو كان كذلك فانا لم اعهد باي مدرس من الذكور يدرس بمدرسة اناث. ربما كان والد لاحدى الطالبات إذاً! لا هذا ليس ممكناً فهو بالكاد 35 او 40 سنة لا يمكن ان يكون اباً لاحداهن، اوف كم هو وسيم! ربما هو الفارس الذي احلم به كل يوم!

رجعت الصف فوجدت صديقتها جنان جالسة بمكانها في مؤخرة الصف. استدارت لترى المُدَرّسة تنظر اليها بغضب، قالت لها،

المدرسة : لطيف منك أن تنضمي إلينا جلالتك، اين كنت؟

نور القمر : كنت في غرفة المدرسات يا انسة اتحدث مع ست كوكب.

المدرسة : حسناً اجلسي مكانك وافتحي كتاب التاريخ.

جلست نور القمر خلف منضدتها ثم التفتت الى الخلف فرأت جنان تنظر اليها وتشير بيدها بمعنى (اين كنت؟) فردت على باشارة من عندها وقالت، (انت، اين ذهبت؟). لكن مدرسة التاريخ ضربت على منضدتها بالعصى الغليظة التي تحملها وقالت بصوت مرتفع. "نـــــــــــور القمر اديري رأسك الى الامام وافتحي كتابك والا".

استمر الدرس 45 دقيقة بينما لم تتمكن نور القمر سوى التفكير بذلك الرجل الوسيم الذي اصطدمت به خارج غرفة المدرسات. وفورما انتهى الدرس وخرجت الفتيات الى الساحة التقت الصديقتان من جديد فسألتها،

نور القمر : اين ذهبت يا جنان؟ بحثت عنك بكل مكان فلم اجدك حتى اصطدمت بفارس احلامي.

جنان : ذهبت الى غرفة المعاونة لاسلمها شهادة طبية لغيابي بالاسبوع الماضي. ولكن من هو فارس احلامك وما هو شكله؟

نور القمر : اسكتي، اسكتي يا جنان، لقد اصطدمت به بصدفة عجيبة تشاهدينها فقط في الافلام التركية. رجل شاب وسيم طويل القامة رشيق البنية لديه زلفين بيضاء على جانبي رأسه ووجهه الفاتن. الله، كم هو جذاب. انه امر لا يصدق.

جنان : هل هو بعمرنا؟

نور القمر : لا هو اكبر منا بقليل.

جنان : يعني بسن طلاب الجامعة؟

نور القمر : لا اكبر من ذلك. ربما 35 سنة او اكثر بقليل.

جنان : هل جننت يا نور القمر؟ ما اسمه وما عمله؟

نور القمر : لا اعلم عنه شيئاً. فقط علمت انني وقعت بحبه.

جنان : هذا اسمه انتحار عاطفي. هذه تراجيديا الهية لـ (دانتي). ماذا لو كان متزوجاً او لا يبادلك نفس المشاعر؟

نور القمر : هذا لا يهم. لا يهم ابداً فانا متيمة بحب فؤاد.

جنان : لكنك قلت انك تجهلين اسمه!

نور القمر : انا اطلقت عليه ذلك الاسم لانه سرق فؤادي. لذلك يجب ان يكون اسمه فؤاد. انا متأكدة من ذلك.

جنان : انت مجنونة حقاً.

وبتلك اللحظة سمعتا صوت الجرس فعادا الى الصف.

<<<<<<<<<<

في الايام التي تلت كان اغلب حديث نور القمر يتمحور حول حبيبها الخيالي فؤاد. ففؤاد سيعجب كثيراً بفستانها الجديد وفؤاد سيفخر بعلاماتها المتفوقة وفؤاد ينام الى جانبها كل ليلة وفؤاد خبير في تقبيلها وفؤاد يعرف كيف يضاجعها. لكنها لم تتمكن من مقابلته ولو مرة واحدة ولم يتسنى لها ان تتعرف على اسمه الحقيقي حتى مرت ثلاثة اشهر من تلك الحادثة حين طلبت مُدَرّسة التأريخ من جميع الطالبات البحث في المكتبة العامة عن حقيقة التتار وهل هم نفسهم المغول؟ فخرجت نور القمر وجنان سوية مع باقي طالبات الصف الى المكتبة للبحث عن المغول والتتار والرد على اسئلة المدرسة.

دخلتا المكتبة وسالتا مشرفة المكتبة عن كتب التأريخ فاشارت اليهما بالذهاب الى الرف السابع في الردهة اليسرى من الصالة الثانية والبحث هناك. فانفصلت الصديقتان لتذهب كل واحدة باتجاه مختلف. سارت نور القمر وحدها وصارت تبحث بين الرفوف بينما ذهبت صديقتها جنان باتجاه آخر ولم تلتحق بها. بقيت نور القمر تبحث بعناوين الكتب بين مئات الكتب التاريخية حتى عثرت بعد وقت طويل على كتابين يغطيان تلك الحقبة من الزمن فانفرجت اساريرها وسحبتهما كي تستعيرهما من المكتبة وتعود ادراجها. اختارت طريقاً مختصراً بين صفوف الكتب المتراصة في الردهة الاولى وهناك شاهدت من بعيد صديقتها جنان تتحدث الى رجل طويل القامة. لم تتمكن من التعرف على وجهه لانه كان يقف بينها وبين الشباك الذي تدخل منه اشعة الشمس فكان يشكل خيالاً داكناً اقرب الى السواد. اقتربت منهما قليلاً محاولة التعرف على الرجل واذا به فؤاد اجل انه حبيبها فؤاد ولكن، ما دخل فؤاد بصديقتها جنان ولماذا يتحدثان سوية؟ هل كانت جنان تعرفه مسبقاً ام انها تعرفت عليه بعد ان اخبرتها نور القمر عنه وعن وسامته؟ هل هو حديث بريء بينهما ام انها متيمة به هي الاخرى؟ او ربما صارت تهواه من شدة ما سمعت عنه منها! "يا الهي لا اصدق ذلك، انها صديقتي المقربة فكيف تخونني بهذا الشكل القبيح المقرف؟ لا، لايمكن ذلك. ربما كان حديثهما بريئاً وانا قمت بتضخيم الامور كعادتي. ولما لا اضخمه وانا متيمة بحبه واخاف عليه من ان يرتمي باحضان فتاة غيري؟ يجب ان اتقرب منهما اكثر لاتأكد منه".

اقتربت منهما بضع خطوات الى الامام فرأت صاحبتها جنان تحتظن فؤاد اجل انه فؤاد لا لبس في ذلك. لقد تأكدت من وجهه ومن تقاطيعه الجميلة. صعد عداد الحرارة لديها وصارت تغلي بداخلها. "لقد تأكدت الآن ان نوايا صاحبتي سيئة وليس مثلما توقعت. اجل سرقته مني تلك الحقيرة وجعلته يقع بحبها. كم هي خائنة، سوف لن اسامحها ابداً. لقد خرجت من حياتي الى الابد. انت انتهيتِ من حياتي يا جنان يا بنت محمد. ساتركك ضائعة كالكلاب يا حقيرة. سارجع الآن الى المَدْرَسة. دعها تتهنى بحبيبها الجديد لانني سوف لن اكلمها بعد اليوم".

خرجت نور القمر من المكتبة دون ان تستعير الكتب التي كانت تنوي ارجاعها معها من المكتبة بل رمتها على الارض وعادت وهي تستشيط غضباً. دخلت الصف فسألتها مُدَرّسَة التاريخ،

المدرسة : هل عثرت على شيء؟

نور القمر : اي شيء تقصدين ست؟

المدرسة : تقولين اي شيء؟ ولماذا ذهبت الى المكتبة إذاً؟ انا اسألك عن الكتب يا هانم.

نور القمر : آه الكتب، كلا ست لم اجد شيئاً هناك. فتشت بكل الرفوف ولم اجد اي شيء فرجعت ادراجي.

المدرسة : حسناً اجلسي بمحلك، سنرى ماذا وجدت زميلاتك.

جلست نور القمر خلف الرحلة وفجأة سمعت الباب يطرق وتدخل جنان تحمل كتاباً بيدها. سألتها المدرسة نفس السؤال فاجابت بانها عثرت على كتاباً واحداً فقط. اشادت بها وامرتها بالرجوع الى محلها. وعندما مرت برَحْلة صديقتها في الصف الامامي همست باذنها،

جنان : لماذا رجعت الى المَدْرَسَة من دوني؟

لكن نور القمر ادارت رأسها الى الحائط على يسارها ولم تجب على السؤال فاصيبت جنان بصدمة كبيرة. لماذا لم تجبني؟ هل غضبت مني لانني تأخرت بالمكتبة؟ سأسألها عندما نخرج في الفرصة. فور وصولها الى رحلتها سمعت الجرس يقرع فركضت الى صاحبتها لتسألها،

جنان : ما خطبك يا فتاة؟ لماذا لم تجيبيني من خلف انفك ونظرت بعيداً حين سألتك؟ هل بدر مني شيء ازعجك؟

لكن نور القمر لم تجب بل اغلقت كتبها وغادرت رحلتها لتخرج من الصف وكأن صديقتها لم تكن موجودة ابداً. لحقت بها جنان وبقيت تسير خلفها وتقول،

جنان : انتظري يا نور القمر، توقفي ارجوكِ اريد ان اتحدث معك، ارجوك توقفي.

ولما صارا بوسط الساحة التفتت نور القمر الى جنان وقالت بغضب شديد،

نور القمر : الآن عرفت كم انت حقيرة وخائنة للعشرة. لا اعرف كيف وثقت بك كل تلك السنين وتوقعتك صديقتي المقربة. من اي معدن انتِ؟

جنان : ماذا بدر مني؟ ارجوك اخبريني فانت تصيبيني بالجنون بهذا الكلام الجارح. انا لم اخنك ولو مرة واحدة بحياتي. كيف تقولين عني ما قلتِ؟ انا جنان يا نور القمر. جنان حبيبتك.

نور القمر : جنان التي سرقت فارس احلامي. جنان التي هرعت خلسة لتخطفه مني (خطافة الرگالة) وتجعله يحبها. جنان التي كانت تفرح لفرحي اصبحت مصدر حزني والمي.

جنان : لا زلت لا افهم عن اي فارس احلام تتحدثين يا مجنونة؟ انا لم اسرق اي احد منك.

نور القمر : لا تنكري يا حقيرة. لقد رأيتكما تتعانقان.

جنان : نتعانق؟ نتعـــــــــــانق؟ هذا مستحيل، متى واين ولماذا؟

نور القمر : في المكتبة. رأيتك من بعيد وانت تعانقين فؤاد.

هنا بدأت جنان تضحك بصوت مرتفع وكادت تصاب بسكتة قلبية من شدة الهستيريا. نظرت الى صاحبتها وقالت،

جنان : انت تتحدثين عن خالي. ما اغباني. لم اتوقعك تغرمين بخالي يا مجنونة.

هنا انخفض صوت نور القمر وصارت تتحدث ببطئ شديد وبهدوء حين قالت،

نور القمر : هل- قلت- خالكِ؟

جنان : اجل خالي حبيبي. انه اعز انسان عندي. صحيح انا عانقته في المكتبة لانني التقيته بمحض الصدفة فتحدثنا ثم عانقته من جديد ورجعت لابحث عنك يا غبية.

نور القمر : خالك اسمه فؤاد اليس كذلك؟

جنان : خذلتك عيناك يا زرقاء اليمامة. كلا خالي اسمه عصام.

نور القمر : اعطني اسمه الكامل لو سمحت؟

جنان : عصام ماجد الياسر.

نور القمر : عصام ماجد الياسر. الله - اسم جميل وفيه موسيقى.

جنان : اجل، لكنني سوف لن ادعك تتعرفين عليه ابداً.

نور القمر : لماذا يا صديقتي. الا تعرفين كم احبه. لا لست احبه بل اعشقه بل انا متيمة بحبه. لماذا لا تريدين مساعدتي؟ الا يقولون الصديق وقت الضيق؟

جنان : ببساطة لانك فتاة طيبة وجميلة وتستحقين افضل منه بكثير. فهو زير نساء كبير.

نور القمر : انه متزوج إذاً، اهذا ما تقولين؟

جنان : كلا، انه اعزب. لكنه يملك اسطولاً كبيراً من الحبيبات اللواتي وقعن بشباكه. لذلك لن ادعك تصبحين واحدة منهم.

نور القمر : انا لا يهمني ذلك ابداً لانني سوف اجعله يغرم بي انا وحدي فقط وسوف لن ترى عينه امرأة اخرى سواي.

جنان : بل سيدوس على قلبك كما فعل مع الكثير من النساء في السابق. البعض منهن كن متزوجات فتطلقن بسببه لكنه لم يتزوجهن بعد ذلك. فخالي لن يتزوج ابداً لانه لا يؤمن بمؤسسة الزواج ويعتقد انها مضيعة للوقت.

نور القمر : سوف ترين يا صديقتي العزيزة كيف سارمي عليه شباكي التي ستبقيه سجيناً بداخل قلبي الى الابد.

جنان : الآن اصبحت صديقتك العزيزة. وقبل قليل اتهمتيني بابشع التهم. الخيانـــــــة؟ احقاً قلت خيانة؟

نور القمر : اسفة حبيبتي. توقعت كل شيئ الا ان يكون خالك.

جنان : اسمعي مني يا نور القمر، انت في طريقك للسقوط بين فكي الفهد. سوف يأكلك وانت حية. لا تسيري بهذا الدرب فهو طريق واعر ومسدود.

نور القمر : لا عليك، انت فقط عرفيني به واتركي الباقي على نور القمر. ولكن اخبريني كم عمره؟ انه 35 سنة اليس كذلك؟

جنان : بل هو 45 سنة يا عزيزتي.

نور القمر : وما الضير في ذلك؟ سادعه يقع بحبي وساحبه لاخر يوم في حياتي حتى لو كان عمره75 سنة.

جنان : اقسم بالعشرة انك معتوهة.

نور القمر : اعلم انني معتوهة ولدي شهادة تثبت ذلك من مستشفى جاك عبودي.

مر اسبوعان على ذلك النقاش بين الصديقتين ولم يتغير شيئ. فنور القمر تضغط كثيراً وبالحاح كبير على جنان كي تمنحها رقم هاتف خالها عصام لكنها ترفض رفضاً قاطعاً كل مرة. وفي الآخر هددتها بانها ستسأل امها عن رقم الهاتف فلانت جنان خوفاً من الفضائح واعطتها رقمه لتتخلص من نقيقها. وفي ذلك اليوم رجعت نور القمر الى بيتها واغلقت باب غرفتها عليها ثم اضافت رقمه على هاتفها النقال واتصلت بذلك الرقم فسمعت الهاتف يرن ثم سمعت الاجابة بصوت انثوي يقول "الو" فاغلقت الخط على الفور ظناً منها انه صوت والدة صديقتها جنان. بقيت تفكر وتفكر وتحاول ان تتذكر صوت ام جنان لكنها لم تفلح. هنا بدأ عقلها المنحرف يصور لها قصص جهنمية فتخيلت ان من رد على مكالمتها هي احدى عشيقات حبيبها عصام. اجل انها عشيقته التي بات معها ليمارس الجماع. وكما قرأت في علم الحيوان، (الجماع هو سلوك جنسي حيواني يقوم فيه الذكر بإدخال الحيوانات المنوية إلى جسد الأنثى، مباشرة في جهازها التناسلي. هذا جانب من جوانب التزاوج). إذاً كان يتزاوج معها ولكن إذا لم تتخصب بويضتها فسوف لن تحمل وسوف استطيع ان امتلكه لنفسي عندما يتزوجني. ولكن حتى لو حملت الفتاة منه فبالامكان ان اغفر له ذلك لانني احبه بجنون. نظرت الى هاتفها من جديد وضغطت على الرقم مرة ثانية فسمعت الهاتف يرن وصار قلبها يخفق بسرعة عالية مع كل رنة، عسى ان يجيبها بنفسه هذه المرة. وبعد ثلاث رنات متتاليات جائها الرد على المكالمة بصوت رجل. استمعت للصوت وهو يقول الو الو الو من الطالب؟ تذكرت صوته عندما اصطدم بها خارج غرفة المدرسات وقارنته بالصوت الذي على الهاتف الآن. ابتسمت وانفرجت اساريرها وصار قلبها يخفق من جديد بشكل متسارع. انه هو فارس الاحلام، حبيب قلبها الذي تحبه اكثر من نفسها الرجل الذي جعلها مستعدة لان تضحي بحياتها من اجله. قالت،

نور القمر : عصام!

عصام : نعم انا عصام، من الطالب؟

نور القمر : الم تتذكر صوتي؟

عصام : بكل صراحة لا. فانا لا اذكر ان تحدثت الى صوت ملائكي مثل صوتك الجميل عبر هاتفي.

نور القمر : لا لم يكن عبر الهاتف. لقد التقينا في المدرسة. كنت انت وقتها ترتدي بنطالاً رصاصياً وسترة زرقاء غامقة وحذاءاً جلدياً بنياً يميل الى الحمار.

عصام : اجل ارتديت مثل هذه الملابس عندما ذهبت الى مدرسة ابنة اختي لاقف على ادائها بالمدرسة لكنني لا اتذكر اني رأيتك في غرفة المديرة.

نور القمر : لم يكن في غرفة المديرة بل كنت خارجها، وتحديداً بالممر.

عصام : اجل، اجل الآن تذكرتك. انت الفتاة الفائقة الجمال التي ارتطمت بي وهي تنظر الى الخلف وباقي الاتجاهات ما عدى الامام.

نور القمر : كم انت رائع بذاكرتك الجبارة يا عصام.

عصام : ولكن اخبريني، ما اسمك؟ من تكونين، ومن اين تحصلتِ على اسمي ورقمي؟

نور القمر : انا اسمي نور القمر، انا صديقة جنان المقربة في المدرسة. رأيتك عندما كنت تتكلم معها قبل فترة بالمكتبة العامة.

عصام : هذا صحيح لكنني لا اتذكر انني تحدثت اليك بالمكتبة. فقط كنت اتحدث مع جنان وقتها.

نور القمر : اجل لانني رأيتكما من بعيد ولم اشأ ان ازعجكما.

عصام : ولماذا تزعجينا؟ فانت انسانة جميلة وبامكانك ان تبعثي الانشراح بصدري لو كنت قد سلّمت عليّ، فسيكون نهاري كله نشوة وبهجة وكنت ساطير من السعادة.

نور القمر : هل حقاً اعجبتكَ لهذه الدرجة؟

عصام : منذ ان اصطدمنا ببعضنا وانا افكر بك وبجمالك الاخاذ وبنعومة صوتك الذي يشبه زقزقة العصافير. لكن مَدرَسَتَكُمْ تحتوي على مئات الطالبات ولم يسعني الوقت ان ابحث بينهم كي اعثر عليك واقدم اعتذاري.

نور القمر : ولماذا تقدم اعتذارك؟ فانت اسعدتني بذلك الصدام.

عصام : اعتذر لانني لم اسألك عن اسمك ورقم هاتفك وقتها يا حلوة.

نور القمر : الله كم ان كلامك جميل يشبه العسل. اتمنى ان لا تقول ذلك لكل الفتياة اللواتي تصطدم بهن.

عصام : وهل يعقل ذلك؟ لقد بقيت افكر فيك طويلاً بعد لقائنا لكنني لم اجد السبيل للوصول اليك. لم يخطر ببالي ان تكوني احدى صديقات جنان.

نور القمر : بل انا صديقتها المقربة جداً. نحن اكثر من اخوات. وهي التي اعطتني رقم هاتفك.

عصام : ساشكرها عندما اراها لانها اعادت الامل الى قلبي حين سمعت ذلك الصوت الملائكي وذلك الحنان الذي لم اجده حتى عند امي.

نور القمر : احقاً ما تقول؟ لماذا إذاً اجابت احدى صديقاتك على مكالمتي اول مرة؟

عصام : هذه كانت زهراء المنظفة. لكنني نهرتها وطلبت منها عدم الاجابة على مكالماتي بالمستقبل.

نور القمر : حمداً لله. تخيلتها فتاة من فتياتك المتعددات.

عصام : يبدو ان جنان نقلت عني صورة بشعة للغاية. فالواقع هو انني ابحث عن امرأة مثلك استطيع ان اعشقها واخلص لها لتبادلني العشق والاخلاص.

نور القمر : لكنني اصغر منك بكثير. الا يضايقك ذلك؟

عصام : بالعكس. إذا كنت بعمر جنان فانت لا محال 17 سنة. اليس كذلك؟

نور القمر : ساصبح 18 في حزيران القادم.

عصام : يا سلام، اجمل عمر. لكنني كبير السن كثيراً بالنسبة لك. عمري 40 سنة.

نور القمر : بل انت 45 سنة واربعة اشهر وستة ايام.

عصام : يبدو ان جنان قد زودتك بسيرتي الذاتية بكل تفاصيلها ولم تترك امراً الا واخبرتك عنه.

نور القمر : هذا لانني ضغطت عليها كثيراً ولانني احببتك من النظرة الاولى. واردتك لي وحدي. ولكي املك قلبك فيجب ان اعرف عنك كل شيء. والآن قل لي عصّومتي متى سنلتقي؟

عصام : اليوم، اضرب الحديد وهو ساخن، ما رأيك؟

نور القمر : وانا جاهزة حبيبي. متى واين؟

عصام : هناك مقهى يعجبني كثيراً اسمه شناشيل يطل على نهر دجلة هل تعرفينه؟

نور القمر : اجل اعرفه ولكن لم يسبق لي ان دخلته.

عصام : إذاً ساتوجه الآن اليه. متى ستصلين هناك؟

نور القمر : سانطلق الآن في طريقي اليه.

عصام : ارجوك لا تتأخري فانا ساكتوي بالنار لكل ثانية تتأخرين بها عني.

نور القمر : ما اجمل كلامك يا عمري. وداعاً عصام.

عصام : وداعاً حياة عصام.

انتظرت قليلاً فلم تسمع صوت اغلاق الخط سألته،

نور القمر : الا زلت هنا؟

عصام : اجل لن يطاوعني قلبي ان اغلق الخط.

نور القمر : وانا كذلك. هيا عمري دعنا نلتقي. اغلق الهاتف الآن.

عصام : حسنا حياتي.

اغلقا الخط سوية فشعرت انها في حلم جميل ولا ترغب ان تستفيق منه ابداً. لقد اعاد لها الامل بالحب وبادلها حبيبها المشاعر. انه يحبها وسوف تقضي معه باقي ايام عمرها. لقد حققت ذلك بمثابرتها وضغطها الذي لا هوادة فيه على جنان فنالت مبتغاها نحو السعادة الابدية. بدأت تغير ثيابها بسرعة كبيرة كي تلتقي حبيبها الذي ستتمسك به باظافرها واسنانها إن لزم الامر. سوف لن تدع اي شيء يقف بينهما حتى وإن كان ذلك الشخص اقرب المقربين اليها. ستمنحه عشقا كبيراً وستعطيه كل ما يريد ويبتغي. لبست فستاناً جميلاً كانت ترتديه فقط بالحفلات والاعراس والمناسبات الخاصة لانه كان يبرز احدى كتفيها فيمنحها جاذبية كبيرة. ارتدت فوقه معطفها الطويل وخرجت من البيت تحاول ان لا تدع والدتها تراها. ولما خرجت للشارع اوقفت اول سيارة اجرة خرجت امامها لتأخذها الى مقهى شناشيل. دخلت المقهى ومسحت المكان بناظريها فلم ترى عصام هناك. اختارت طاولة الى جانب النافذة المطلة على نهر دجلة. بقيت جالسة وحدها لاكثر من نصف ساعة لكن حبيبها لم يصل فتوقعت انه لم يكن جاداً في حديثه معها وانه ضحك عليها لصغر سنها. همت بالوقوف من الكرسي لتجد حبيبها يدخل المقهى لتنفرج اساريرها فعادت وجلست من جديد. اجل لقد جاء بالنهاية وهذا كل ما يهم. اقترب من طاولتها وسألها،

عصام : هل تأخرت عليك؟

نور القمر : كثيراً جداً يا عمري ولكن ذلك لا يهم. انت الآن هنا فاجلس.

عصام : هل طلبت شيئاً؟

نور القمر : اجل جائني النادل مثل الموت المستعجل وسألني اكثر من مرة، لذلك طلبت منه قهوة مرتين.

عصام : إذاً اشربي معي شيئاً حلو المذاق يناسب جمالك. ما رأيك بعصير التفاح؟ فالتفاح سيجعل قلبك يرقص لتحبينني اكثر.

نور القمر : هذا غير ممكن. لانني فعلاً احبك الى اقصى الدرجات ولا يمكن ان احبك اكثر والا فان قلبي سينفجر.

عصام : فديت قلبك الحنون يا عمري.

بهذه اللحظة جاء النادل يمسك بدفتره الصغير فقال له،

عصام : كأسين من عصير التفاح لو سمحت.

النادل : حاضر استاذ عصام.

ذهب النادل ونظرت نور القمر بوجه حبيبها وقالت له بعتاب الاحباب وهي تبتسم،

نور القمر : يا سلام، يا سلام، النادل يعرفك بالاسم. لماذا يا ترى؟

عصام : ارجوك توقفي عن ذلك الحديث. انا فعلاً كنت اخرج مع فتيات كثيرات بغية العثور على واحدة احبها وتحبني لكنني كنت اصطدم بحائط كونكريتي كل مرة لانهن جميعاً فتيات تافهات ماديات. يسعين فقط نحو المال.

نور القمر : طيب حبيبي، انا أئمن بمبدأ (اللي فات مات، وعلينا بالجديد). انا حبيبتك وحدي فقط مفهوم؟

عصام : طبعاً، طبعاً يا عمري انتِ حسن الختام. عيني لن ترى وجهاً غير وجهك ولن يحب قلبي غيرك يا اجمل فتاة بالعراق كله.

نور القمر : والآن اخبرني عن نفسك يا روميو زمانك. ماذا تعمل؟ وكيف تقضي اوقاتك؟

عصام : انا اعمل بالتجارة، يعني استيراد وتصدير. اسافر احياناً الى دبي واحياناً الى عمّان لمتابعة تجارتي. اسكن بشقة امتلكها في منطقة بغداد الجديدة ولدي سيارة صغيرة من نوع تويوتا يارس. امي وابي متوفيان وانت تعرفين اختي ام جنان. ماذا تريدين ان تعرفي اكثر؟

نور القمر : كيف اعرف انك صادق بمشاعرك نحوي؟

عصام : ليس بالامكان ان اقسم لك لان قسمي سوف لن يعني لك شيئاً لذلك سادع الايام تثبت لك صدق مشاعري ونواياي وقدر محبتي.

نور القمر : وما هي نواياك معي؟

عصام : اريد ان اتعرف عليك جيداً وان اختبر قلبي كيف يتفاعل مع قلبك ثم اوطد العلاقة معك اكثر.

نور القمر : وكيف توطدها اكثر؟ هل لديك نية بالزواج مني مثلاً؟

عصام : بالطبع هذا ما انويه ولكن يجب ان نكون متأكدين من مشاعرنا فقد تكتشفين فيما بعد انني الشخص الغير ملائم لك والعكس بالعكس.

نور القمر : كلام جميل. دعنا نستمتع بصحبة بعضنا البعض حتى نصل الى تلك المرحلة.

عصام : إن هدفي الحقيقي هو ترسيخ الثقة بيننا. فإذا لم تكن هناك ثقة لن تكون هناك علاقة. لذلك يجب ان نقوي تلك الثقة اكثر واكثر كي نستطيع ان نسكن الى بعضنا البعض ونسقي حبنا كي ينمو وينظر.

بقي الحبيبان يتحدثان لاكثر من ساعتين حين نظرت الى ساعتها وصاحت،

نور القمر : (شِــــــت)، انظر الى الوقت، يجب ان اعود الى البيت فوراً.

عصام : هل تريدينني كي اوصلك بسيارتي؟

نور القمر : لا حبيبي، ساوقف سيارة اجرة تقلني الى البيت. والآن اخبرني متى ساراك ثانية؟

عصام : اود لو اراك كل دقيقة وكل ثانية. اود لو انام نوماً عميقاً ثم افتح عيني في الصباح لاراك نائمة الى جانبي فامطرك قبلاً فتفتحين عينيك وتضعي ساعديك حول كتفي وتبادلينني القبل.

نور القمر : الله. توقف توقف سوف تجعلني اذوب ولا ارحل من هنا. انا خارجة وداعاً حبيبي.

عصام : وداعاً يا عمري. اتصلي بي.

نور القمر : سافعل.

وقفت ورسمت له علامة القلب باصابعها ثم خرجت من المقهى بينما ذهب عصام ليدفع القائمة ويتبعها بالخروج. دخلت نور القمر بيتها خلسة فوجدت والدتها جالسة بغرفة الاستقبال تتحدث مع احدى جاراتها. مشيت على رؤوس اصابعها وصعدت السلم الى غرفتها بالطابق العلوي وهي في غاية السعادة لانها اخيراً التقت بحبيبها وفارس احلامها. الرجل الذي سيسعدها ويبادلها العشق ويتزوجها لتنجب له بنات جميلات كالازهار وتقضي معه باقي ايام حياتها. وماذا عن فارق العمر؟ انه ليس مشكلة ابداً فهي اساساً لا تجد في الشباب الذين بسنها اي رجولة. انهم تافهون ولا يعرفون معنى الحب. لكن عصام هو الاول والاخير هو الخيال والحقيقة هو الحب كله حبيت فيك الحب كله وزماني كله انا عشت ليك زماني كله. دخلت غرفتها واوصدت الباب بالمفتاح ثم اتصلت بعصام فاجابها قائلاً،

عصام : بقيت اكثر من ساعتين وانا انظر الى هاتفي كي تتصلي بي. لماذا تأخرتِ؟

نور القمر : كيف تقول ساعتين ونحن كنا سوية فقط قبل 45 دقيقة؟ اجل حبيبي العشق يجعلنا نتوق لبعضنا بهذا الشكل. انا احبك كثيراً.

عصام : وانا احبكِ اكثر. هل اراك غداً؟

نور القمر : بالتأكيد ستراني. هيا اغلق الخط.

عصام : بل اغلقي انت الخط يا نور القمر يا نور قلبي ونور روحي.

نور القمر : لا استطيع ولكن يجب ان نغلقه كي يأتي الغد على عجالة فاراك فيه من جديد. وداعاً حبي.

اغلقت الخط مع حبيبها وشعور النشوة يعتريها. كانت صورة عصام مطبوعة امام عينيها. تتذكر الحديث الذي دار بينهما في مقهى شناشيل. آه يا شناشيل كم احببتك لانك يسّرت لي رؤية حبيبي. سوف يظل مقهانا المفضل وسوف نحكي لبناتنا عنه عندما نشيخ ونكبر ويصبح لنا احفادٌ كثر.

بالفترة التي تلت ذلك اللقاء، كانت اتصالات عصام الهاتفية لنور القمر مستمرة وبين فترات قصيرة جداً حتى صارت تعرف عنه كل شيء وصار يعرف عنها كل ما كان يتوق لمعرفته. بقيت العلاقة تتوطد ولقائاتهم بشناشيل تتكرر حتى قال لها باحدى المكالمات،

عصام : عندما نلتقي في المقهى لا يسعني حتى لمس يدك لاننا بمكان عام.

نور القمر : كم اتمنى لو استطيع ان المس يدك انا ايضاً.

عصام : لماذا لا نلتقي بمكان معزول؟ مثل شقتي مثلاً.

وعندما اكمل جملته لم يأتيه الرد من حبيبته لبضع ثوانٍ قال،

عصام : الو... الو... هل انقطع الخط؟ قلت لك لماذا لا نلتقي...

اجابته وقالت،

نور القمر : سمعتك يا عصام سمعتك حبيبي. اجل سنلتقي بشقتك. اعطني العنوان.

عصام : عند دخولك الى بغداد الجديدة سترين محطة بانزين على جهة اليمين. ادخلي في الشارع الموالي لها تماماً ثم على اليمين من ذلك الشارع سترينني واقفاً في انتظارك.

نور القمر : ساتي حالاً حبيبي. لن اتأخر عليك.

انتصبت من الكرسي وصارت تغير ملابسها ثم خرجت فسألتها امها عن وجهتها قالت انها ذاهبة للمراجعة مع جنان فسمحت لها بالخروج. ركبت سيارة اجرة لتنطلق بها الى بغداد الجديدة وفورما استدارت السيارة الى اليمين رأت من بعيد حبيبها واقفاً في الشارع ينتظرها. نزلت من سيارة الاجرة ومنحت السائق اجرته ثم صافحت حبيبها ليدخلها العمارة الصغيرة ذات الطابقين فيصعدا الى الطابق الاول. دخلا الشقة فنظرت حولها وقالت،

نور القمر : شقتك كبيرة وجميلة ولكن...

عصام : ولكن ماذا؟

نور القمر : ولكنها ليست منظمة بشكل جيد. تلزمها اللمسة الانثوية.

عصام : وهذا ما كنت اتمنى ان تقوليه. فانا اعيش وحدي منذ امد بعيد وليس لدي سوى المنظفة زهراء تأتيني مرتين بالاسبوع. انها تنظف فقط ولا تعتني بالترتيب.

نور القمر : لماذا؟

عصام : لانني لا اسمح لها. فانا اريد ان اجد كل شيء في مكانه كما تركته آخر مرة، حتى لو كان ذلك يعني الفوضى.

نور القمر : ولماذا لا تقوم زهراء بترتيب الاشياء من دون ان تغير اماكنها.

عصام : اتركي عنك ذلك وتعالي الى هنا.

سحبها من يدها فارتمت بين احضانه. قرب شفتيه صوب وجهها فاستقبلتهما بشفتيها وراحت تقبله ولا تريده ان يتوقف ابداً. ولما توقفا قليلاً لالتقاط انفاسهما قال،

عصام : انت تقبلين كما لو كنت محترفة بالتقبيل.

نور القمر : لقد تعلمت من التلفزيون. فانا اراقب اللقطات الساخنة بالافلام والمسلسلات خصوصاً التركية منها. هل تصدق انها اول قبلة لي في حياتي؟

عصام : اجل لاحظت ذلك لانك تبقين فمك مغلقاً اثناء التقبيل.

نور القمر : ربما ستعلمني انت ذلك. فانا شاطرة واتعلم بسرعة.

عصام : ساعلمك كل شيء يا عمري. تعالي واجلسي الى جانبي.

جلس الحبيبان على الاريكة الحمراء فارتمت بحضنه من جديد وصارت تقبله بنهم كبير فتجاوب معها وصار يدعك نهديها فامسكت بيده وقالت،

نور القمر : مهلاً حبيبي، دعنا لا نتمادى.

عصام : لكنني احبك كثيراً واتمنى لو استطيع ان ارى جسدك عارياً لانك ستصبحين ملكاً لي وانا ملكٌ لك.

نور القمر : ان ذلك سابق لأوانه. دعنا نكتفي بالقبل الآن وسوف نتطور الى المزيد فيما بعد.

عصام : لكنني اشعر انني مستعد لكي يذوب جسدي بجسدك فنمارس الحب الآن.

نور القمر : لا حبيبي، هذا اول لقاء لنا ونحن بمفردنا للمرة الأولى. فلا تفسد اللحظات الرومانسية الجميلة وتنهي كل شيء بيننا.

قالتها وهي تتوق اكثر منه بمضاجعته لانها لم تجرب الجنس من قبل. لكن شيئاً ما بداخلها منعها وجعلها تحتكم للعقل. هنا سمعته يقول،

عصام : لا، لم اقصد ذلك لكنني توقعتك ان تكوني ساخنة بالسرير فاردت ان اجرب...

قاطعته وقالت،

نور القمر : توقف حبيبي، كل شيء باوانه حلو.

اكتفى الحبيبان بالقبل الساخنة وسمحت له ان يدعك نهديها من خارج ملابسها حتى توقف عن التقبيل وقال،

عصام : نهديك كبيرتين وجميلتين، اتمنى لو استطيع رؤيتهما عاريتين. فقط نظرة واحدة سريعة.

نور القمر : ستراهما حبيبي لا تقلق. فانا لك ونهدي لك وكل جسدي لك ولكن عندما يحين الوقت واصبح ملكك.

عصام : ومتى ذلك؟

نور القمر : عندما تتزوجني طبعاً. هل تريد ان تعمل كل ذلك من دون زواج؟

عصام : لا، لا. لقد اخبرتك من البداية انني اريدك ان تكوني لي الى الابد ولكن انا لا ارى اي مانع يعيقنا من استكشاف بعضنا البعض والاستمتاع باوقاتنا حتى يحين الوقت لنرتبط بالزواج.

نور القمر : اسمع عصومتي، اتوق لشرب الشاي. هل اجد عندك شاياً؟

عصام : وهل لدي شيء غيره؟ ساعمل لك شاي رائع يعدل مزاجك.

نور القمر : بل دعني انا اخدر لك شاياً اعدّه لك بنفسي كاول مهمة زوجية اقدمها لحبيبي.

عصام : يا سلام. اول مرة ساتناول الشاي في بيتي من يد شخص آخر غير يدي. المطبخ هناك.

اشار لها باصبعه فقبلته قبلة ساخنة وقالت انها قبلة موقتة حتى تعود من المطبخ. كانت تسير بشقته حافية القدمين تتبختر وتهز بمؤخرتها وجسدها يرتعش من شدة الشوق لان تمارس معه كل ما يبتغيه. كانت تريد ان تلتفت اليه وتتعرى من جميع ملابسها لتستعرض جسدها الرشيق امامه وتقول له تعال يا حبيبي وخذني كما تريد وضاجعني. لكن شيئاً ما كان يمنعها إذ كانت تسمع صوت امها في كل مرة يقول لها اياك ان تفعلي ذلك. الرجل غريب عنك ولم يتزوجك بعد. لكن رغباتها كانت تحثها على ان تنهي شبقها الجنسي الذي طالما حلمت به في سريرها. كانت تلمس نفسها كلما خطر عصام على بالها وتتخيله يزيل طرحتها يوم الزفاف ثم يدخل بها فتصرخ من الالم اللذيذ.

بعد ان انتهت من تخمير الشاي ووضعته على صينية معدنية مع قدحين صغيرين ثم رجعت الى غرفة الصالة واذا بها تصاب بصدمة كبيرة. نظرت الى عصام فوجدته قد تخلى عن جميع ملابسه واصبح عاري الجسد ربي كما خلقتني. وقف امامها يبتسم ويقول،

عصام : دع عنك الشاي يا حبيبتي واقتربي مني كي امنحك السعادة. انظري الى قضيبي اللذي انتصب احتراماً لك ولجمالك.

رمت الصينية من يدها فسقطت على الارض لتتكسر الاقداح وانسكب الشاي على السجادة. نظرت اليه وهي لا تصدق ما ترى. ركضت الى باب الشقة لتهرب فسبقها وامسك بمعصمها وسحبه يدها لتمس قضيبه فجرت يدها بعيداً لكنه دفعها الى الخلف ليمنعها من الخروج. وقتها تذكرت احدى الدروس التي تلقتها بمدرستها في حصة الرياضة عن التدابير الوقائية التي تعملها الفتيات في حالات الاغتصاب فطبقتها بركله مباشرة على مكانه الحساس بين ساقيه ليسقط على الارض يتلوى من الالم. رجعت الى الاريكة لتلتقط حقيبتها ثم حملت حذائها من الارض وركضت به الى الباب الرئيسي للشقة وخرجت تاركة الباب مفتوحاً ورائها وعصام يتلوى على الارض. فور خروجها الى الشارع رأت سيارة اجرة قادمة من بعيد فاشارت اليها وطلبت من السائق أخذها الى بيتها. وفي السيارة كانت تراجع لحظات الشد والتوتر التي دارت بينهما ثم خطر ببالها كيف لمست قضيبه باصبعها ولو لثانية واحدة فشعرت برعشة هزت كيانها. لكنها تعلم جيداً انها فعلت ما كان يجب عليها فعله. ماذا لو نفّذت ما كان يريد منها ثم يهجرها ويبتعد عنها كما قرأت في القصص والروايات. فقد تذكرت كتاباً قرأته قبل سنة بعنوان (50 حالة اغتصاب) كلها كانت تؤكد ان الرجل سينفر من المرأة التي يغتصبها بعد ان يحصل على ما يريد. لكنه إذا ما حصل عليه بالرضى فانه سيبقى مخلصاً لشريكته فتبادله وتمنحه الحب كل مرة. تذكرت بتلك اللحظات عصام وقالت، ربما آذيته كثيراً وسوف لن يكلمني ثانية. دعه لا يكلمني، وما الضير في ذلك؟ إذا كانت نواياه غير صادقة فانا لا اريده ان يتصل بي ثانية وساارشف تلك الحادثة تحت طائل الخبرة بالشيء. وصلت بيتها فنزلت من سيارة الاجرة ودخلت الدار فقابلتها امها وسألتها،

الام : اين كنت يا فتاة؟

نور القمر : اخبرتك سابقاً يا امي، كنت لدى جنان نراجع دروسنا.

الام : ومتى خرجتِ من بيتها؟

نور القمر : خرجت قبل نصف ساعة تقريباً. لماذا كل هذا التحقيق؟

صفعتها امها بقوة وقالت،

الام : لانك تكذبين يا كلبة. لقد جائت جنان الى هنا بعد ان خرجت بدقائق. كانت تبحث عنك فطلبت منها الجلوس عندنا. بقيت بغرفة الاستقبال لاكثر من ساعة ثم غادرت الى بيتها قبل قليل. اخبريني الآن بكل صدق، اين كنت؟

نور القمر : هذا لا يهمك. اليس لدي خصوصية بهذا البيت؟ اليس لدي الحق ان اذهب اينما اشاء؟

صفعتها امها مرة ثانية وقالت بغضب كبير،

الام : لا ليس لديك الحق في ذلك. طالما كنتُ بهذه الحياة وطالما كنتِ بهذا البيت وتحت سقف واحد مع اباك ومعي فانت ستنصاعين لاوامري وتبقين تحت عيني، مفهوم؟

نور القمر : اجل، اجل مفهوم. اتركي هذه السيرة الآن.

الام : لا، لن اتركها. اين كنت؟ هيا اعلميني ومع من كنت تقضين وقتك؟

نور القمر : كنت مع حبيبي. هل انت راضية.

الام : ومن يكون حبيبك؟

نور القمر : يا امي ارجوك كبري عقلك. انا لا زلت ابنتك التي ربيتيها على الشرف والعفة والاستقامة. كل ما هنالك اني ذهبت الى المكتبة العامة ودرست هناك.

الام : ولماذا قلت انك ذاهبة لبيت جنان؟

نور القمر : لاني لو اخبرتك غير ذلك لمنعتيني من الخروج. لماذا تشددين الخناق علي هكذا. انا اختنق، انا اختنق، اتركيني بحالي.

ركضت نور القمر لتصعد الى غرفتها واحكمت الباب خلفها. تبعتها امها لكنها عندما وجدت الباب محكما طرقته بقوة وقالت،

الام : افتحي الباب يا نور القمر.

اجابتها من وراء الباب وقالت،

نور القمر : ماذا تريدين؟ انا متعبة واريد ان انام قليلاً.

الام : قلت لك افتحي الباب، اريد ان اتحدث اليك.

فتحت نور القمر الباب فدخلت امها وقالت،

الام : انا لم اقصد ان اشدد الخناق عليك يابنتي لكنك ما زلتِ في سن صغير ولا تستطيعين ان تحكّمي عقلك لتأخذي قرارات صائبة لذلك كنت اريد توجيهك. من الذي يعطيك النصائح والتوجيهات غير امك يا مجنونة.

احتظنت نور القمر امها وقالت،

نور القمر : انا آسفة يا امي، لم اقصد ان اثور بوجهك.

الام : لا مشكلة، نامي الآن حبيبتي لساعة او ساعتين وساوقضك بعد الظهر.

نور القمر : شكراً لك يا امي.

خرجت امها من الغرفة واغلقت الباب ورائها. جلست نور القمر على سريرها وصارت تسترجع ما دار بينها وبين عصام. آخ يا عصام، ماذا فعلت بي؟ لقد هيجت كل احاسيسي البيولوجية. كم كان جميلاً لو انني تركته يضاجعني. كان سيطفئ النار التي تتقد بداخل جسدي. جسدي الذي يتوق للجنس كالبركان. ليس الجنس مع اي شخص كان، بل معه هو حبيبي عصام. فناداها صوت من داخلها قال، اوف ماذا فعلتِ يا غبية؟ سوف لن يتصل بك ابداً. انا انهيت قصة حب جميلة، ما ان بدأت حتى دخلتُ عليه بغبائي الكبير لاجعله ينفر مني الى الابد. ولماذا لا ينفر مني فقد المته في مكانه الحساس. ماذا لو اصيبت ادواته بالتلف الى الابد؟ لا، لا اعتقد ذلك، فالضربة لم تكن قاسية لهذا القدر. بالدوب مسستها بركبتي. اخ، ماذا لو انني بدلاً من ذلك كنت مسستها بيدي بحنان وبردت شبقه وشبقي؟ دعك من هذا الحديث واطلبي من الله ان يجعله يحن عليك ويتصل بك ثانية يا ملكة الغباء. فلو قاطعك تماماً سوف تعودين الى حياتك المملة الجافة الخالية من الحب. يجب ان انتظر مكالمته كي اعتذر له عما بدر مني. يجب ان اصلح الامور بيننا فانا لازلت احبه بنفس القدر، لا بل اكثر من ذي قبل. ساقول له سامحني ياحبيبي ساعوضك عن المك وسافعل كل ما تطلبه مني حتى لو اردت مضاجعتي قبل الزواج. سافعل ما تفعل حتى لو تحطمت حياتي فانا اريدك بكل شوق.

<<<<<<<<<<

عصام لم يتصل بها لاكثر من سبعة ايام فعلمت انه اراد ان ينهي علاقته معها الى الابد. لكنها باليوم الثامن تسلمت مكالمة هاتفية منه على جوالها ففتحت الخط وتأهبت كي تبدأ بالاعتذار لكنه فاجأها وسبقها حين قال،

عصام : ارجوك نور القمر، ارجوك لا تغلقِ الخط بوجهي. انا اعتذر عن ما بدر مني. لم اقصد ان افعل ما فعلت. سامحيني ارجوكِ. انا لا اريد ان تخرب علاقتنا. انا في الايام التي مضت علمت انني احبك كثيراً لانك لم تتصرفي كما تتصرف باقي الفتيات حتى يسمحن لي بمضاجعتهن فيرخصن بنظري ويجعلنني ابتعد عنهن. لكنك فعلت العكس تماماً. انت نفرت من فعلتي تلك لانك فتاة شريفة. وانا ابحث عنك منذ امد بعيد.

هنا فكرت نور القمر، "يا الهي، انه يريد ان يعتذر مني وانا التي كنت انوي الاعتذار منه. انه حقاً يحبني لكن يجب ان لا انفتح امامه واستمر بدور الفتاة الشريفة. ساقوم بتمثيل الدور بذكاء حواء الذي حفر في جيناتي"،

نور القمر : هل تقصد انك نادم على ما فعلت ولن تكرر ذلك بالمستقبل؟

عصام : بل ساكرره واكرره كل يوم لاني سابعث اختي الى والدتك كي تطلبك للزواج مني. ما رأيك؟

نور القمر : هل انت صادق يا عصومتي؟ هل قلت تطلبني للزواج؟ متى ستبعثها؟

عصام : تكلمت مع اختي قبل قليل فوافقت وستتصل بامك هذه الليلة.

نور القمر : اتمنى لو اقدر ان ازغرد الآن لكن امي ستسمع زغاريدي. انا فرحانة فرحانة فرحانة يا حبيبي. انا جداً سعيدة لانني ساصبح زوجتك سامنحك نفسي وجسدي وحبي وكل ما املك. ولكن اخبرني كيف حال حبيباتي؟

عصام : من هن حبيباتك؟

نور القمر : حبيباتي التين اعتديت عليهن قبل اسبوع.

عصام : اطمئني يا زوجتي العزيزة. هن بخير ويتمنين ان يتلقين ضربة اخرى منك كل يوم.

نور القمر : ليت انكسرت ركبتي قبل ان افعلها.

<<<<<<<<<<

بعد مرور ثلاثة اسابيع اخرى من تلك المكالمة

وقفت جنان بغرفة نور القمر تنظر من الشباك من فتحة صغيرة صنعتها بيدها في الستائر لتنتظر مجيء الضيوف فسألتها،

نور القمر : ماذا ترين يا جنان؟ ارجوك اخبريني فانا أتحرق لمعرفة ماذ يجري.

بدأت جنان تتكلم بنمط مذيعات الاخبار حين قالت،

جنان : وقفت السيارة امام البيت... خرجت منها امي بعدها خرج خالو والتف الى خلف السيارة ليخرج باقات الورد التي احضرها معه... ذهب ليتحدث مع امي... ساروا باتجاه الباب الرئيسي. تحدث معها قليلاً... ضغط على زر الجرس.

بتلك اللحظة سمعا جرس الباب يرن فقفزت نور القمر وقالت،

نور القمر : لقد حضروا لقد حضروا يا الهي انا لا اعرف ماذا افعل. جاء حبيبي ليخطبني. ارجو ان يستقبلهم ابي بالحسنى فقد كان غير موافقاً عن الزيجة عندما تناقش بالامس مع امي. كان غير راضٍ على عصام لانه يكبرني سناً.

جنان : المهم ان امك تمكنت من اقناعه بالنهاية. والآن اكملي ارتداء فستانكِ ودعنا نرى ما سيحدث بعد ذلك.

ارتدت نور القمر الفستان وطلبت من صاحبتها جنان كي تحكم اغلاق السحاب من الخلف. بعدها نظرت الى المرآة وقالت،

نور القمر : جنان تعالي واصلحي المكياج. فقد خبا الكحل وكاد يختفي.

جنان : يجب ان اصلح الماسكارا والاساس اولاً. حاولي ان لا تتحركي ساقوم باللازم.

نور القمر : هل احمر الشفاه على ما يرام؟

جنان : انه جيد، جيد، لا تخافي.

نور القمر : لا اريد من امك ان ترى مهرج السيرك يدخل اليها.

جنان : وهل ستكون اول مرة تراكِ فيها؟ فانت ببيتنا تقريباً كل يوم.

نور القمر : اجل ولكن لم ادخل بيتكم بالصفة التي انا فيها اليوم. كنت مجرد صديقة ابنتهم التافهة جنان.

جنان : كفاك حديثاً ودعيني اصلح الماسكارا.

وفي صالة الاستقبال جلست والدة جنان الى جانب عصام على اريكة بيضاء بينما جلس والد نور القمر على الاريكة الثانية امامهما لتجلس والدة نور القمر الى جانبه. بدأ الحديث عن حرارة الجوي بتلك الايام وكيف ان المكيفات هي سيدة الموقف ولولاها فان الجميع سينهار من شدة الحر هذه السنة. بعد قليل استأذنت والدة نور القمر وذهبت الى المطبخ وصارت تعد العصير للضيوف. فجأة دخلت نور القمر وجنان الى المطبخ فاصدرت الام التعليمات،

الام : ستحملين الصينية وتدخلين بها غرفة الاستقبال ثم تبدأين بتقديم العصير من اليمين الى اليسار وعندما تصلين الى عصام، اريدك ان لا تنظري بوجهه ابداً. فقط ركزي على كاسات العصير كي لا تسقط عليه. بعدها تقدمين العصير لاباك ولي. مفهوم؟

نور القمر : مفهوم سيادة العريف جبر.

جنان : اما انا فساجلس الى جانب امي إذاً لكي تقدمي لي العصير انا ايضاً.

الام : هيا جنان اذهبي انت واجلسي مع امك.

بعد قليل دخلت نور القمر صالة الاستقبال حاملة صينية ملئى بكاسات العصير الاحمر الذي يحتوي على قطع الثلج التي اصبحت تصدر اصواتاً كالاجراس اثر اهتزازها. بدأت بتقديمه من اليمين الى اليسار تماما كما أمرت والدتها. اخذت ام جنان واحداً ثم صديقتها جنان ولما وصلت الى عصام سمعته يهمس باذنها بصوت منخفض، "احبك يا ملكة جمال". لكنها تجاهلت تلك العبارة وانتقلت الى والدها ووالدتها ثم اخذت كأساً لنفسها وجلست على الاريكة المقابلة للخاطبين. افتتحت ام جنان الحديث وقالت،

ام جنان : دعونا من الحديث عن الحالة الجوية في الخارج ولنتحدث الآن عن الحالة الجوية بالداخل. فاليوم جئنا نخطب حبيبتي نور القمر الى اخي الوحيد عصام، متمنين موافقتكم ورضاكم. اعلموا اننا جاهزون لكل ما تطلبون من مهر وتبعاته.

ام نور القمر : نحن لا نطمع بشيء. كل ما نتمناه هو ان يبارك الله بهذه الزيجة وان يجعل حياتهما ملئى بالسعادة والخلف الصالح.

والد نور القمر : اتمنى من الله ان يباركهما وان يعامل عصام ابنتي بالحسنى وان يعيشوا بهناء لانني اردت ان اطمئن عليها قبل رحيلي.

ام جنان : اطال الله في عمرك يا حاج. نحن نتمنى ان يمد الله في عمرك كي ترى احفادك واحفاد احفادك وكما يعلم الجميع ان الذي اعز من الاولاد هم اولاد الاولاد.

والد نور القمر : هذا ما امل فيه ان يكونوا سعداء وان يمطرونا بالكثير من الاحفاد.

ام جنان : مع ذلك اريد ان اسمع طلبكم بالمقدم والاجل.

ام نور القمر : نحن نطلب كتاب قرآن كمقدم. و5 ملايين دينار متأخر.

هنا سألت ام جنان باستغراب،

ام جنان : الا تعتقدين ان 5 ملايين دينار مبالغٌ فيه بعض الشيء؟

هنا تدخل عصام وقال،

عصام : وانا اقول 10 ملايين. فنور القمر تستحق اكثر من ذلك.

ابتسمت نور القمر وخفضت عيناها للارض فسُمِعَ والدها يقول،

والد نور القمر : إذاً على بركة الله. دعنا نقرأ الفاتحة.

قرأ الجميع الفاتحة ثم بدأت التهاني تأتي من كل حدب وصوب. طلبت ام جنان من نور القمر كي تغير مكانها وتجلس الى جانب خطيبها عصام. فوقفت وسارت نحو عصام بغنج وببطئ شديد لتجلس الى جانبه فهمس باذنها، "كم تبدين جميلة اليوم". فهمست باذنه وقالت، "انت اكثر وسامة ياحبيبي كما تخيلتك قبل ان التقيك اول مرة".

بدأت الزغاريد تعم الاجواء والكل يبتسم والكل يهنئ والكل يتمنى للعريسين زيجة سعيدة وحياة هانئة.

هل انتهت القصة بعد ان نالت نور القمر ما كانت تتوق اليه فتتزوج من عصام فارس احلامها؟ يا ترى هل ستصدق الظروف وينتهي الامر بهما بالسعادة الابدية؟ ستعرفون ذلك في الجزء الثاني والاخير من قصتنا المثيرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع