(الــ غ ـين التكريتية) تحتفي بـ(الـ ض ــاد العربية) في يوم اللغة العربية

إبراهيم فاضل الناصري

(الــ غ ـين التكريتية) تحتفي بـ(الـ ض ــاد العربية) في يوم اللغة العربية

تفاعلا مع تقاليدنا الثقافية في الحفاوة بالأيام المميزة في حياتنا الفكرية وتفاخرا بها. يطيب لي في ان اطل عليكم بهذه المقالة التي ملؤها الحفاوة والاعتزاز والفخر في هذا اليوم الشتائي المطيب برذاذ المطر، محتفيا بـ اليوم العالمي لــ اللغة العربية الذي شرّع وسن من قبل أعلى دوائر الثقافة العالمية لان يكون يومه هو في يوم 18 كانون الأول من كل عام.

ان اللغة العربية هي من اللغات الإنسانية العتيقة، الممتدة والباقية. بزغت قبل نشأة الوعي الثقافي لناطقيها ثم أنها سبقت معرفتهم للقلم. فكانت في البدء لسان ثم تطورت فصارت لسان وقلم ثم ازدهرت لتضحى هوية وشعور وفهم ثم لتظهر ثقافة عالمية.
سيما وان هذه اللغة الحيوية والحية تعد من عائلة اللغات السامية وهي لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة، متمثلة بالأكادية والكنعانية والآرامية والعبرية ثم العربية إذ أن اللسان السامي قد تفتق إلى السن عدة، كان منها لسان العرب. والذي هو أحدث هذه اللغات نشأة وتاريخاً، ولكن يعتقد البعض أنه الأقرب إلى اللغة السامية الأم التي انبثقت منها وان توأمها ومثيلها في هذه العائلة هي الآرامية فلهما نفس الاسس وفيهما نفس العناصر وهما توأم متفاعل.
ومدينة تكريت التي تحتفي معنا في يوم اللغة العربية الزاهر هي حاضرة رافدينية عتيقة قد زامن تفتقها كموئل، طفولة العنصر العربي بعد أوان بزوغه كأرومة إنسانية أو سبقه ثم ما فتئت إن تعرفت عليها واعتمدتها كلغة معتمدة لها بعد شوط من تداولها للغات اخرى غبرت وذهبت.
ومن جميل المصادفات أن تكون للمحتفى به والمحتفي مشتركات تاريخية وعلائق ثقافية فصار من المناسب لي كباحث تكريتي وانا انبرى للتحدث عن يوم العربية أن يأتي حديثي عن تاريخ العربية في تاريخ تكريت اي عن تاريخ عروبة تكريت في تاريخ العربية.
فأقول انه قد عرف لسان مجتمع تكريت العتيق لغات ولهجات والسن بقدر ترادف الامم والملل والارومات التي ظهرت فـ ازدهرت ثم اضمحلت في حياض مدنيته نعم إن مجتمع اورو تكريت الرافديني قد عرف اللغة السامية الام فالأكادية بهلجتيها الآشورية والبابلية فاللغة الإغريقية ثم الآرامية التي أولدت السريانية وكل هذا سابق للعربية.
اما عن العربية لغة الضاد في تكريت التلاد فان موارد التاريخ بينت إن أول تنشق لها من قبل مجتمع تكريت كان قد حصل مع انسلاخ المائة الاولى ما قبل الميلاد ومبتدأ الألف الأول الميلادي ، حينما حلت فيها قبيلة التيمو القضاعية قادمة إليها من الحضر قبل احتضارها فضلا عن قبيلة الازد الغسانية وقبيلة بني الحر الهمدانية ثم انها ومنذ منتصف الألف الأول قد قامت بتعزيز ذلك الوجود للسان العربي بدفقة عربية جديدة حينما حلت في ربوعها قبيلة تغلب في العام 480ميلادي ثم بنو إياد الذين حلوا فيها في العام 531 ميلادي ومن ثم بنو النمر وبنو بكر الذين حلوا فيها بعدهما . نعم إن تاريخ العربية بتاريخ تكريت اليعربية يبتدئ مع منسلخ المائة الأخيرة لعصر ما قبل الميلاد. بعد أن كانت قبل هذا تنطق بالآرامية الشامية، لغة قبائل الاتوعايا الآرامية التي وطنتها ثم ما فتئت إن صارت في الربع الأول من القرن الميلادي الأول تتكلم بالسريانية وهي لهجة مواطنيها من الشهارجة والجرامقة.
وبخصوص التعريف باللغة الآرامية التي تفوهت بها تكريت حينا من زمنها الحضري الأسبق أقول إن اللغة الآرامية هي لغة رافدينية قديمة تنتمي كما أسلفت إِلى أسرة لغوية كبيرة عرفت في أوساط علماء اللسانيات باسم اللغات السامية وأقرب اللغات القديمة إِليها هي العربية، إذ بينهما عناصر مشتركة في النطق وفي المفردات والتصريف وعرف الشرق القديم في أيامهم وحدة ثقافية لغوية لم يشهد لها مثيل من قبل بالاتساع والقوة، وحتى بعد دخول الإسكندر المقدوني وقيام المملكة (السلوقية) وانتشار الثقافة الإغريقية في بلاد ما بين النهرين، فان اللغة الآرامية بقيت سائدة ومهيمنة واستمرت بقوتها حتى عهد دخول العربية لمنطقة تكريت الجغرافية.
وأما عن تاريخ مكانة وأثر العربية في تكريت فما جاء به التاريخ خير عاكس لذلك إذ لم يقتصر إثر وعي العربية في تكريت على اللهج واللسان إنما امتد إلى الفكر والعقل والوجدان فصار لتكريت بصمات إسهام وأثر وإبداع في الآداب العربية وفي معارفها وفي علومها ولعل ما ورد من تراجم لشخصيات تكريتية في معاجم النحويين والادباء كـ أبو جعفر النحوي التكريتي الشاعر (ت594هـ) ومحمد بن محمد التكريتي النحوي الاديب (ت 618هـ) وحبيب بن خدمة (توفي 829 م) المنطقي وانطون الفصيح التكريتي (توفي 850م) هي خير مثال.
وان من العلامات الفارقة على وشاجة العلاقة المتبادلة ما بين تاريخ تكريت وتاريخ العربية هو إن اصول اللهجة التكريتية الدارجة اليوم إن هي إلا مزيج تراكمي للموروث اللغوي لسكان تكريت القدماء من بقايا الآراميين مع لهجات القبائل التي حلت عقبهم واعني التيمو والازد وتغلب وإياد والنمر لقد علقت في لسان التكريتي القح المعاصر ترسبات لغوية في الجوانب النحوية والنطقية وبعض التأثيرات من لغات الأقوام الغازية كالسلوقيين والفرثيين والساسانيين وما لحق بعدهم من تأثيرات بويهية وسلجوقية وهندية وعثمانية مظهرة عامية تكريت.
إن عامية تكريت ذات النجار العربي تختلف عن عامية المدن العراقية المجاورة كثيرا بسبب أن ترسبات الموروث اللغوي الآرامي متمكن منها بشكل غالب على الترسبات اللغوية النازلة بعده أو معه إذ ما زال اللسان التكريتي يستخدم في تداوله اليومي كلمات كثيرة ذات أصل أو رسم آرامي كما وانه يعتمد في الكلام واللفظ بعض قواعد الكلام في اللغة الآرامية (النبطية أو السريانية) مما أسس لها قواعد نحو وصرف خاصة تعتمد الإمالة والقلب والإبدال و .... مما جعلها تبدو بمصاف اللغة. إن الكلمة المنطوقة في لهجة تكريت تمتلك اتفاق دلالي وشكلي.
وأن من بين ما تأثرت به لهجة عامة تكريت هي لغة قبائل الحجاز. وفي لهجة تكريت عملية إبدال لأحرف بعض الكلمات. وفي لهجة تكريت حالات إدغام. وفي لجهة تكريت عملية إضافة للحروف على نهايات بعض الكلمات كما وفيها حالات اقلاب للحروف.
وان أهم ما يميز لهجة تكريت هو إمالة الواو الساكنة أي قلبها إلى ياء. وهناك ألفاظ فصيحة تستعمل في لهجة تكريت لكن فيها ألفاظ أخرى تغيرت إما بحركاتها أو بإسقاط حروف منها أو أخذها معاني جديدة لا علاقة لها بالمعنى المعجمي
أن لتكريت لهجةً فريدةً من نوعها تشتمل على مصطلحات لا تجدها في كل اللهجات العراقية
لهجة تكريت هي المنطق الذي حافظ عليه الأبناء وتناقلوه من أسلافهم اليعاريب مع أن الكثير من الكلمات التي اندثرت بسبب الانفتاح والامتزاج والتقادم ولكن هناك أشبه ما تكون بالقاعدة اللفظية التي تُحتِم حتى على الكلمات الجديدة طريقة لفظها وتفعيلها في الجمل المختلفة
وهكذا فأن لهجة تكريت تنحصر على أهلها الأصليين إلى درجة يصعبُ على كل من سكن تكريت من غير أهلها ان يتقنها بحرفيتها. الأمر الذي باتت هذه اللهجة تشكل رابطاً مدني عنصري انتمائي له أهمية مطلقه لكل تكريتي يدعي انه من تكريت سكناُ وانتماءاً..
وعود على بدء أقول: طوبى مضمخة بالأمجاد للغة الضاد من أهل لهجة الغين وغيتكم طيبين

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع