نزار السامرائي
الحلول المفاجئة تأتي من أصحاب أقوى الأصوات المتشددة
كان الرئيسُ الأمريكي دونالد ترمب،، الرئيسَ الأعلى صوتاً في تهديداته لإيران بين الرؤساء الامريكان، سواء فيما يتعلق ببرنامجها النووي أو الصاروخي أو المسيرات، أو دورها في دعم ذيول تتحرك وفق إملاءاتها، وترتبط برؤيتها لأمنها القومي، حيثما شعرت أن هناك خطراً خارجيا، يمكن أن يتسبب به هذا الطرف الدولي أو الإقليمي أو ذاك.
ولعل حزب الله اللبناني، القوة الأكثر تحسسا لمخاوف إيران واستجابة لرغباتها وتنفيذا لها، حزب الله يكاد يشم متطلبات إيران شماً، من قبل أن توعز له طهران تنفيذها، فكان الأكثر تفاعلا مع إيران سواء في عمليات الاختطاف لمواطنين أمريكان أو أوربيين، ثم المساومة عليهم مع دولهم، في إطار خطة مخادعة إيرانية تزعم فيها البراءة لنفسها من هذا الفعل المدان أخلاقيا وسياسيا، وتدعي قيامها بالتوسط بينه وبين ذوي المختطفين أو دولهم، لتحقيق مكسب أو مكاسب محددة.
وكذلك دوره في عمليات التهريب المزدوج أي بتهريب بعض المعدات الأوربية أو الأمريكية التي تدخل في برنامج إيران النووي أو الصاروخي، مما لا تتمكن إيران من شرائه بصورة مباشرة، أو عبر وسطاء، إلا أن حزب الله كان الطرف الأكثر قدرة على خداع الأوربيين والأمريكان من خلال عملاء يحملون الجنسيات الأمريكية أو الكندية أو الأوربية مما يتيح لهم فرص التحرك بحرية أكبر، ومن يدري لعل المجهزين يمارسون دور الزوج المخدوع، للإيقاع بالطرف المقابل.
بالنتيجة نجح حزب الله في توريد أجزاء حساسة من المعدات لإيران لمشاريعها التسليحية، وكل ذلك كان تتم تغطية كلفه المالية من عوائد تهريب المخدرات لا سيما الكبتاغون هذه التجارة المخلة بالشرف أصلا، ولا يمكن وصف قيام حزب يتبنى شعارات إسلامية بالاضطلاع بها.
لقد سجل هذا الحزب لنفسه قصب السبق على مستوى العالم أجمع في تجارة الكبتاغون عندما أصبح وكيلا لإيران "الإسلامية" ونظام القاتل بشار، فتفوق الحزب على أعرق عصابات تهريب المخدرات في أمريكا اللاتينية.
الآن من حق المتفائلين الذين صدقوا بتهديدات ترمب وبنوا عليها كثيرا من قصور الرمل، أن يتساءلوا أين تبخرت تلك التهديدات؟ لقد خدع ترمب حتى فريقه الانتخابي عندما تاجر بتلك الشعارات الفارغة، والتي حاول من خلالها إظهار ضعف الرئيس جو بايدن وعدم قدرته على التركيز الشخصي لا الرئاسي، ومن ثم ضلل ترمب فريق مساعديه ومستشاريه، وبذلك خلع عن جو بايدن، كل الشتائم التي كالها له والتهم التي وجهها إليه بأنه أفشل رئيس أمريكي في تاريخ البلاد، لأن ترمب تعامل بضعف أوضح مما تعامل به بايدن مع ايران خلال أربع سنوات من رئاسته، فذاك كان يرفع شعارات السلام والحوار، ولكنه تصرف بطريقة معاكسة، وترمب يرفع شعارات المواجهة وتسخين الأجواء، ولكنه يتخاذل قبل الجولة الأولى من المعركة.
على العموم يبدو أن ترمب يسعى من تراجعه عن شعارات القصف الجوي لإيران، إلى غايتين تتعلقان به شخصيا، وإذا تحققت له أي منهما، فخير على خير، وإذا تحققتا معا فذلك ما لم يحلم به أي رئيس أمريكي سابق، إلا الرئيس روزفلت الذي حقق الهدف الأول وهو الولاية الثالثة.
وأوباما الذي حصل على جائزة نوبل، وكان لم يمضِ عليه في البيت الأبيض إلا مدة قصيرة جدا، لم تسمح لأي طرف أمريكي أو دولي باختبار نواياه وقدراته، على إدارة السياسة الأمريكية في عالم ملتبس النهايات المدببة والنتوءات الحادة، فلا أحد يدري كيف منح أوباما الجائزة ولم يقم بخطوة واحدة تخدم السلام، ولم تنجح الجهة المشرفة على جائزة نوبل وهي جهة أكاديمية من خمسة أشخاص يختارهم البرلمان النرويجي، في إقناع أحد بمن فيهم الفقير إلى الله "كاتب هذه السطور" بوجاهة تلك الجائزة لأوباما، إلا إذا كان مبرر منحه جائزة نوبل للسلام، يرتبط بكونه الأفريقي الأول الذي وصل إلى منصب رئيس الولايات المتحدة، البلد الذي دفع رئيس سابق حياته من أجل تحرير العبيد فيه وهو لينكولن، بلد كانت منظمة كوكلوس كلان العنصرية حتى وقت قريب تلاحق الزنوج في كل مكان لمنعهم من الاندماج في المجتمع الأمريكي، إذا صح هذا فمن حقي أن أطلق عليها جائزة "نوبل التشجيعية للسلام"، فلم يتحقق من سَرابِ السلام شيء في مناطق التوتر التقليدية في العالم، بل اتسعت دائرة التوتر في مناطق كانت هادئة من قبل فهل نجح أوباما مثلا في التصدي لجرائم القاتل بشار ضد الشعب السوري؟
باختصار شديد ترمب رئيس لا يمكن التكهن بخطوته التالية، وعينه تتركز على الهدفين، الأول ولاية ثالثة وهذا يصطدم بعائق دستوري صعب، بل أصعب بكثير من خطوات ترشيحه لانتخابات 2024 التي فاز بها ودحض توقعات خصومه ومؤيديه، أما الحصول على جائزة نوبل للسلام فقد يتصادم مع شعاراته الحربية المعلنة، فكيف اختار ترمب الملف الإيراني المثير للجدل والذي تحف به إشكالات كثيرة، قد تُلقي بترمب على رصيف الفشل؟
المهم علينا ألا نتعامل مع الأصوات العالية والتي تحمل معها سهاما ورماحا ومسامير كثيرة، وقد تُخفي وراءها نوايا طيبة من قبيل "من ضربك على خدك الأيمن فقدم له الأيسر"، كما لا يجب تصوره من حمائم السلام لأنه ليس كذلك، فقد يكونع نسراً أمريكياً، غادرَ موقعه من الشعار الأمريكي، فانقض على فريسته دون سابق إنذار، وهو ما عودتنا عليه الإدارات الأمريكية السابقة التي كانت تضرب ثم توجه الإنذار.
1441 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع