خواطر مواطن عراقي ساذج

سيف الدين الدوري

خواطر مواطن عراقي ساذج

منذ اكثر من نصف قرن وبالذات منذ " ثورة 14 تموز 1958" ونحن نصفق لكل حاكم وزعيم ونهتف مع الهتافين ونركض وراء الراكضين، ندافع عن هذا الحاكم ونشتم ذاك. لم نكن نرى أي شيء سوى الاشياء التي نؤمن بها دون أن نعطي للاخرين حق الاختيار ، ولم نكن متسامحين مع من يخالفنا الرأي ، كنا نعتقد أننا على حق وغيرنا على باطل.
لقد احتوتنا الزعامات حين كنا شباباً مليئا بالحيوية والنشاط والتحدي والصحة والشوق والامل ، فلم تكن في صوتنا نبرة يأس ولا في تفكيرنا شيء اسمه شيعة وسنة او عرب واكراد وتركما او مسلمين ومسيحيين ولا في شخصيتنا علامة حزن ولا كنا نعرف الهجرة او التفكير بها . ثم أخذنا نشم رائحة الفساد والظلم والتسلط والقهر والاستبداد والقمع الذي اخذ يطفوا على السطح مع سبق الاصرار وبدأنا نرى الكوارث والنكبات.
ولاننا كنا نثق بالحاكم ونعطي الثقة مقدما ونبصم على بياض باصابعنا العشرة ، فقد كان هو يطلب منا وكنا نعطي له من مالنا واولادنا وراحتنا وحياتنا تحت شعار اوهمونا به هو الدفاع عن الوطن ، منذ ذلك التاريخ اي اكثر من خمسة عقود ازدادت النزعة الفردية والشمولية للحكام وازدادت مصادرة الرأي الآخر لدى الحكام والزعماء الذين ضحكوا علينا بخطاباتهم واحاديثهم . وتصاعدت هذه النزعة يوما بعد يوم وسنة بعد اخرى وتحول الزعيم والحاكم وجماعته الى عصابة على عيون الشعب فحرمته من متعة النظر الى المستقبل ، عصابة جعلت من العراق ضيعة لها وبقرة حلوب لهم ولاتباعهم حتى جف ضرعها.
في البداية لم نكن نجد تفسيرا واحدا مقنعا لسلوك الحاكم والزعيم وتصرفاته التي امعن فيها بتقليم اظافر حتى الذين وثقوا به وبطريقة مهينة . واتضح لنا ان هذا الحاكم الزعيم كان يتعاطى حتى مع الذين يثقون به من وجهة مصلحته الشخصية وأمنه الشخصي ولم يكن أحد منا يتصور يوما ما انه سيتصرف على هذا الاساس . كنا نتصور ان اي حاكم او زعيم يسعى لان يبقى في الحكم وذلك امر مشروع ونتصور ان مصلحته وامنه الشخصي لا تتعارض بالضرورة مع مصلحة أمن الدولة والوطن . لكن الذي لا نتصوره ان يصبح التناقض بين مصلحة الشعب والوطن ومصلحة الحاكم والزعيم الشخصية جليا وواضحا وحادا فقد اصبح هذا الحاكم يفتح عينا على امنه ومصلحته الشخصية ويغمض عينه الاخرى على مصلحة الشعب والوطن.
واتضح لنا ان هذا الحاكم الزعيم لا يريد ان يفهم ان الظلم لا يمكن ان يدوم لانه كان يعيش في شرنقة خيال كاذب يصور له ان الذين يخرجون للهتاف والتصفيق له سيقفون معه ايام الشدة ناسيا او متناسيا ان هؤلاء هم انفسهم خرجوا للذين قبله.
كنا نشاهد الرجال يصعدون الى الاعلى كالصواريخ ونشاهد آخرين يخرون فجأة كالشهب ، وحينما كنا نبدي أقل علامة من التساؤل ، لماذ صعد فلان؟ ولماذا اقصي فلان ؟ كان الجواب ان نغلق فمنا ونصمت تحت ذريعة ان للحيطان آذاناً وقالوا لنا يمكنكم أن تسألوا ولكن ليس في القضايا التي تمس الحاكم او الزعيم وقراراته وسياساته او قضايا الدولة لانها ممنوعة علينا بل ممنوعة على الجميع. وكانوا يرددون انه في سبيل الوطن يهون كل شيء.
وهكذا هانت الامور وهانت المباديء والقيم وبعدها هان الوطن وهان المستقبل واخيرا هان العراق الذي اصبح تحت اقدام المحتلين. اتضح لنا ان الزعيم والحاكم كان يلعب على كل الحبال وكان يعقد الصفقات مع كل الجهات وحينما يصل الى مبتغاه يلغي كل العهود والوعود واحدا بعد الاخر.
كنا في البداية نعتقد ان الحاكم والزعيم طيب حتى اتضح انه لايمت الى الطيبة بصلة بل نحن العراقيون طيبون. واتضح لنا انه لا يثق ولا يعطي لان الشك والاجرام مغروسان في سلوكه. واتضح لنا ان احدى اكبر مشكلاتنا كانت – الحرية – حرية ان نقول – لا – وحرية ان نرفض التنازل عن هذه الحرية ، كان الحاكم والزعيم يقول لنا دائما: ان الخبز أهم من الحرية وان الطاعة اهم من التمرد وان التصفيق اهم من العمل بل انه لم يترك لنا مساحة من الحرية فوضعنا امام خيارين لا ثالث لهما . أما ان تسكتوا او تصفقوا وترقصوا. وكانت النتيجة ان فقدنا ليس الحرية فقط بل الخبز ايضا والعمل فعمت البطالة وانتشر الجهل والفساد والافساد والرشاوي والسرقات وكثر النفاق والدجل والتملق.
بعد كل هذه العقود الستة التي عشناها علينا ان ندرك وبعد هذه التجارب المريرة ان لا نقبل خلطاً بين الاماني وبين القدرة على تحقيقها فالاهداف لا تتحقق بالاماني ولا بالكلمات والصور والشعارات والتصفيق والهتافات بل بالعمل الجاد الدؤوب من اجل التغيير الحقيقي.وعلينا ان ندرك ايضا ان المستقبل لا يرتهن بنوايا ومصائر ولا يضمنها مزاج لحظة بعينها تنطلق من الحاكم الزعيم الذي تمرس على الكذب والخديعة والغدر والخيانة . هكذا يجب ان نفكر ونتصرف مستقبلا . والمستقبل لا يتحقق الا بالديمقراطية والحرية واحترام الرأي والرأي الآخر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

996 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع