القدس العربي/كمال القاضي:أكثر من أربعين عاماً مرت على وفاة الموسيقار والمطرب العربي الكبير فريد الأطرش ولا يزال حضوره الفني متجاوزاً فكرة الغياب. فمنذ رحيله في 26 كانون الأول/ديسمبر من عام 1974 وهو حاضر في الوجدان العربي لم يتخلف صوته يوماً عن حمل المشاعر النبيلة والجميلة، العاطفية والإنسانية لجماهيره من المحيط إلى الخليج، تلك التي عاشت مجده وربيعه واستمتعت بموسيقاه وشدوه وانتشت بألحانه ورددت أغانية في كل مناسبة وطنية وعاطفية كانت للحظات الخاصة فيها وقع مثير للشجن والإحساس.
من يتتبع مشوار فريد الفني في تفاصيله ومحطاته يلمح معاناته منذ انتقاله من لبنان إلى القاهرة هو وشقيقته أسمهان فيما يشبه الشتات والمطاردة وهو سليل العائلة الارستقراطية العريقة، ومن جرب الترحال والسفر في ظروف غير طبيعية يستطيع أن يدرك المأساة التي عاشها فريد الأطرش في ظل الحرمان والبؤس والفقر إبان خروجه من وطنه وحتى استقراره في وطنه الثاني مصر. ولعل ذكر معاناة الفنان الكبير في سياق كهذا يأتي كدروس وعظات لحياة الكفاح والدأب والإصرار على النجاح ليكون ذلك النجم الغنائي الكبير متحققا في عالم الشهرة والمجد والإبداع.
لقد بدأ الموسيقار الكبير في حياته الفنية مطرباً مغموراً في فرقة بديعة مصابني مع الملحن محمود الشريف والفنان محمد عبد المطلب والفنان محمد فوزي قبل أن يتقدم للاعتماد في الإذاعة المصرية كمطرب وملحن في أواخر الأربعينيات ويجاز بامتياز فيصبح مؤهلاً للصعود كصوت جديد ينتظره مجد عظيم، ولم يخب فريد الظن فيه بالفعل فقد انتقل من نشاط الفرق الأهلية بلونها الاستعراضي إلى آفاق أخرى مفتوحة على كافة الأذواق ومختلف الشرائح الاجتماعية فاكتسب خبرات إضافية واتجه إلى تلحين بعض الأغاني لشقيقته أسمهان التي ورثت عن والدتها الصوت الجميل الشجي، وقد لمعت أسمهان وبرق نجمها فصارت دعامة قوية لشقيقها في الفن والحياة واختطفتها السينما فزادت شهرتها ما شجع فريد على الاستمرار إلا أن القدر لم يمهلها ولقيت حتفها في حادث أليم.
كانت هذه هي المحطة الأكثر إيلاماً في حياة ملك النغم الذي تجاوز الأزمة ولم يستغرق طويلاً في المحنة والحزن وسرعان ما عبر حاجز العزلة ومضى في مشواره متشبثاً بالنجاح والنجومية، وكان طبيعياً أن يلبي فريد الأطرش دعوة منتجي السينما الذين تهافتوا علية للقيام ببطولات مهمة في أفلام ذات طابع غنائي رصدوا لها ميزانيات ضخمة لتناسب الموهبة الكبرى فأنجزت بفعل التحمس للمطرب والموسيقار الكبير أفلاما مثل «انتصار الشباب» أمام المطربة شادية وأسمهان و«عفريته هانم» و«أنت حبيبي» و«لحن الخلود» و«رسالة من امرأة مجهولة» والأخير كان مع الفنانة لبنى عبد العزيز التي كانت لا تزال في طور الاكتشاف أيضاً بعد عودتها من أمريكا التي أمضت فيها سنوات للدراسة وحصلت منها على درجة الماجستير، وإزاء نجاح التجربة مع لبنى توثقت العلاقة بينه وبين السينما وجمهورها فتكررت البطولات في أفلام أخرى كثيرة شارك في عدد منها إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وهي نوعية غلب عليها الطابع الكوميدي، جاءت مغايرة لطبيعة أفلام المطربين التي اتسمت في هذه الفترة وفترات سابقة ولاحقة بالجدية كي تكون مناسبة للجو الرومانسي المستهدف من الأحداث الدرامية.
وبتأثير الموسيقى والغناء والألحان الشجية بلغت حصيلة فريد الأطرش من الأفلام السينمائية نحو سبعين فيلماً ويزيد جاء أحدها «زمان يا حب» مع الفنانة الكبيرة زبيدة ثروت في الجزء الأخير من حياتها الفنية، أي في مرحلة النضج وهذا الفيلم كان آخر إبداعات النجم الغنائي الراحل الكبير في السينما فلم يمهله القدر فرصة لمشاهدته، حيث توفي قبل أن يشاهد العرض الأول له ويلمس التأييد الكبير من جمهوره العريض الذي ارتبط بأغانيه وموسيقاه في مصر والعالم العربي قاطبة، وقد دفن فريد الأطرش في مصر تنفيذاً لوصيته وودعته الملايين إلى مثواه الأخير بمشاعر فياضة وحزن استمر طويلاً ولكنه لم ينسه قط فهو آخذ في ترديد أغانية، بنادي عليك، وأول همسه، وعش أنت، وسنة وسنتين، والربيع، والمارد العربي، وزينه، وقد أسس عشاقه جمعية لحفظ تراثه الموسيقي والغنائي مشهرة رسمياً باسم جمعية أصدقاء الفنان فريد الأطرش، كما تأسست جمعية أخرى باسم جمعية أصدقاء فريد الأطرش وأسمهان تقوم بالدور نفسه ولها الأهداف ذاتها القائمة على فكرة حفظ التراث النادر من إبداع الفنان العربي الكبير.
690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع