سنوات صدام ـ الحلقة الثالثة عشرة
ماذا وراء زيارة بريماكوف لبغداد؟، طارق عزيز يتهم المبعوث الروسي بالسعي إلى تحطيم العراق
ـ ما قصة الحصن الأرضي هذا؟ وما هذا الذي يرويه هذا الرجل الذي يدعى غالواي؟ كان صدّام ساخطاً على التصريحات التي أدلى بها نائب حزب العمّال «جورج غالواي»، الذي كان قد استقبله في شهر يناير عام 2003. فبعد عودته إلى انجلترا، أطل هذا الأخير بنفسه عبر الصحافة، مؤكداً أنه التقى بصدام في الطابق الثالث من أحد الحصون الأرضية.
وسواء أكان هذا الرجل يسعى للترويج لنفسه، أو كان الصحافي هو الذي حرّف أقواله، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد كذبة فظة. فقد كنت إلى جانب النائب أثناء زيارته للقصر الجمهوري، وتمنيت أنا المثابر على قراءة الصحافة البريطانية أن أشرح لصدام أن صحف »التابلويد« والجرائد الشعبية لا همّ لها سوى الإثارة، وبأنها قد روجّت لتصريحات غالواي.
فقد سلكنا في الحقيقة درجاً للوصول إلى الطابق الأول، وانتظرنا بعض الوقت في قاعة الانتظار، وهنا التحق بنا ناجي صبري وزير الخارجية وعبد حمود، ثم حتى نلتحق معاً بصدام حسين، نزلنا من الطابق الأول إلى الطابق الأرضي، مستخدمين المصعد هذه المرة. كان الرئيس ينتظرنا إذن في الطابق الأرضي هذا وليس في واحد من ملاجئه الأرضية.
أثناء حواره مع صدّام، كان النائب العمّالي - كما سبق لي أن قلت - قد دافع عن فكرة إنشاء قناة فضائية عراقية باللغة الإنجليزية تسمّى «عرب تي.في»، لمقاومة تأثير الوسائل الإعلامية الأنجلوسكسونية على الرأي العام. وقد اقترح أن يضع تقنيين وصحافيين بريطانيين تحت تصّرف العراقيين خدمة لهذا الغرض. وقد ظل هذا المشروع في زوايا النسيان.
وعند نهاية الحوار، دعاني صدّام حسين إلى الخروج من القاعة. وعلى مدى ربع ساعة تقريباً انعقدت جلسة مغلقة ما بين الرئيس وجورج غالواي وطارق عزيز الذي لعب دور المترجم. إني لا أعلم شيئاً عمّا قيل في ذلك اللقاء المغلق، فهل تحدثا في أمور «البزنس»؟ إنه السرّ الخفي.
وكان غالواي، الذي لا تعوزه الأفكار أبداً، قد اقترح أيضاً في خريف عام 2002 خلال ندوة للتضامن مع العراق إنشاء لجنة من الحكماء مكوّنة من ثلاثة أو أربعة من رؤساء الدول السابقين،
من أمثال الجنوب أفريقي نلسون مانديلا والزامبي كينيث كاوندا والجزائري أحمد بن بيلا. على أن تكلّف هذه اللجنة بمراقبة عمل مفتشي منظمة الأمم المتحدة، لكن لجنة الحكماء هذه لم تر النور أبداً لأنّ الأميركيين لم يمنحوها أي شكل من أشكال الشرعية.
كان غالواي، هذا المناضل الدؤوب من أجل القضية العراقية، كثير التردّد على بغداد في مهمات تضامنية. ففي خلال سنوات الحصار نظّم هذا الرجل إقامة في انجلترا للصبية مريم، وهي فتاة عراقية مصابة بداء اللوكيميا الناتجة عن إشعاعات اليورانيوم غير المخصب.
كان النائب قد قطع رحلة السفر في حافلة ذات الطابقين، كنا نتوقع أن يجد صدّام في استقباله لكنّ شيئاً من ذلك لم يكن. وكان غالواي، أثناء مروره من الأردن، قد أدلى بأحاديث لم ترق لصدّام. فردا على سؤال لأحد الصحافيين سأله فيه إن كانت نشاطاته الإنسانية بمثابة دعّم للنظام العراقي، ردّ عليه قائلاً:
- إني لا أحمل صدّام حسين في قلبي، فإذا كنت آتي إلى العراق فليس من أجل صدّام ولكن من أجل شعبه. فالشعب هو الذي يعاني وليس صدّام.
كان المكتب الصحافي قد نقل إلى الرئيس هذا التصريح المزعج، لكنّ صدّام لم يكن يميز ما بين شخصه وشعبه. كان العراق هو صدّام، وكان صدّام هو العراق، وشعر صدّام لفرط حساسيته بالإذلال. ومنذ ذلك الوقت لم يصبح غالواي مرحباً به في بغداد كما كان من قبل.
ومع ذلك فقد ظل غالواي واحداً من آخر المتحدثين مع صدّام. ففي تلك الفترة المتأزمة، لم يعد الرئيس، الذي صار »أصدقاؤه« قليلين، قادراً على التحفظ في الكلام وغالواي يرتكب جريمة المساس أو العبث بذات الرئيس.
فبالنسبة للرسميين العراقيين، كان يجب أن يكون الآخرون إما «مع» وإما «ضدّ»، إمّا «أصدقاء» وإما «أعداء». فكل موقف وسط كان يبدو لهم مشبوهاً، كان معظمهم يجهل الكيفية التي تدور بها وسائل الإعلام الأجنبية، فقد كانوا يستوعبون المظاهرات السلمية عبر العالم بمشاعر مختلطة. ومع ذلك، فقد كانت تلك المظاهرات تدعم مواقف صدّام، وقد كان بعضهم يؤكدون:
- إنه لأمر طيب هذا الذي يفعله غالواي والنشطاء الغربيون بمظاهراتهم التي تخدم قضية العراق، ولكننا كنّا نحبّذ دعماً أكثر صراحة.
كانت القيادة العراقية تفضّل بالفعل أن يتجنّد العالم من أجل العراق، وليس ضد الحرب عليها. وكانوا يتمنّون لو أن العالم قاد حملة لصالح صدّام وليس ضد بوش. فقد كانوا يرسمون الوضعية بالأبيض والأسود، بينما كانوا يملكون حجة سهلة الترويج ما بين العراقيين:
ـ انظروا، إن شعوب الكرة الأرضية تقف إلى جانبنا، بينما صار الأميركيون في عزلة!
في الديوان، كانت هذه التعبئة الشعبية تبعث العزاء في قلوبنا. ومع ذلك كان بعضُ أصدقائي في لقاءاتنا الخاصة لا يخفون قلقهم من ذلك:
ـ ما الذي يريده هؤلاء الناس الذين يتظاهرون؟ هل هم يتمنّون الدفاع عن دكتاتورية صدّام؟
كان الموقف الفرنسي، الذي لم يكن يدعم لا الرئيس العراقي ولا مشروعات جورج بوش، كثيراً ما يُساء تفسيره من قبل جزء من الشعب، ففي ذاكرته تظل باريس »صديقة« صدّام.
قبل اندلاع الحرب تضاعفت الوساطات الرسمية والسريّة التي كان هدفها في كل مرة تفادي الحرب ثم تأجيل ما لا بد ولا مفر منه. وفي ذلك السبيل لم تدّخر إحدى أسمى السلطات الروحية في العالم أي جُهدٍ... ابتداءً من الباب يوحنا بُول الثاني الذي أرسل إلى بغداد في آخر لحظة مبعوثَه الخاص إتشيغاري.
فهذا الأسقف الباسكي البالغ من العمر ثمانين عاماً، وصاحب الصوت الأجش، كان معروفاً في الفاتيكان برجل الأوضاع المتأزمة. فقد لعب في شهر مايو من عام 2002 دور الوسيط أثناء حصار كنيسة القيامة في بيت لحم التي لجأ إليها محاربون فلسطينيون.
وقد سبقت وصوله إلى بغداد يوم 11 فبراير 2003 بلبلة دبلوماسية. فقد كنت قبل الحوار الذي كان سيجري ما بين صدّام ورئيس زامبيا السابق كينيث كاواندا موجوداً في غرفة خلفية من غرف القصر الرئاسي برفقة عبد حمود وطارق عزيز، فأقبل علينا قيس مختار مدير التشريفات ليسلّم وثيقة لطارق عزيز. وكان الأمر يتعلق برسالة من وزارة الخارجية تعلن قدوم مبعوث يوحنا بول الثاني. وهو يقرأها صاح نائب الوزير الأول قائلاً:
- كيف يمكن لممثل البابا أن يصل إلى بغداد في اليوم نفسه الذي أغادر فيه؟ فأنا سأتوجه إلى روما بعد يوم غد.
غياب التنسيق الدبلوماسي هذا، في مثل هذه الفترة الحاسمة، أمر ما لبث أن باغتني وأدهشني كثيراً. وقد عزوت هذا الخلل إلى سوء نظام المصالح الرسمية العراقية.
كان مبعوث البابا يحمل رسالة مكتوبة بالإنجليزية. في العادة كان البروتوكول عندما يأتي زائر مكلّف برسالة رسمية أن يأخذ مترجم منه الرسالة بمجرد وصوله ويقوم بترجمتها إلى العربية، ناهيك عن أنه إجراء أمنيّ، فكل شيء يُعرض على الرئيس كان يجب إجبارياً أن يخضع للمراقبة والتحليل من قبل المصالح الفنية التابعة للديوان، التي كانت تفتش في تلك الرسائل عن آثار محتملة لسمّ من السمّوم أو مادة من المواد المشبوهة.
وخلافاً لهذا العرف، رفض إتشيغاي تسليم رسالته لرجال الأمن، فلعله شعر بعد نزوله من الطائرة للتو أنّ ذلك الإجراء مخالف للقواعد الدبلوماسية، ولذلك طلب منّي أن أستلم رسالة البابا من مركز السفارة الباباوية حيث كان يقيم الأسقف. في السيارة قال لي مدير التشريفات:
- سمان، أنت تتقن الفرنسية، ولذلك أترك لك عناية إقناع إتشيغاري بأن يسلّمنا الرسالة، حتى وإن اقترح ترجمتها في السفارة.
كنت قد أعددتُ ذرائعي وحُججي، لكن يا للمفاجأة! فقد سلّمني الرسول الوثيقة من دون أي صعوبة، وهو ما جعلني أتنفس الصعداء.
وقد كنت أخشى أن يحدث في الأمر بعضُ الإشكال، لكن ما لبثت مشكلة أخرى «تقنية» أن طرأت حين أراد إتشيغاري أن يرافقه إلى لقاء صدّام مستشاره فرانكو كوبُولا وسفير الفاتيكان في بغداد. كنتُ أعرف أنّ طلبه بلا طائل، ولكنّي وعدتُه بأنني سأنقل رغبته إلى عبد حمود، لكنّ هذا الأخير رفض رفضاً قاطعاً حضور السفير وقبِل بحضور كوبُولا.
فمنذ حرب الخليج العام 1991 لم يُسمح لأيّ سفير أجنبي معتمد في العراق بحضور اللقاءات الرئاسية. وكان هذا الاجراء يرمي إلى الحيلولة دون حصول الدبلوماسيين على معلومات حول الأماكن التي تجري فيها اللقاءات وحول المسارات المؤدية إلى صدّام.
وفي المقابل، كان بوسع أيّ زائر أجنبي حديث العهد ببغداد أن يتجول في العاصمة برفقة البروتوكول قبل الوصول إلى الرئيس. ومن باب الحيطة الأمنية أيضاً، لم يعد صدّام يتلقى أوراق اعتماد السفراء الأجانب، فقد أوكل بهذه المراسيم البروتوكولية إلى عزّت إبراهيم نائب الرئيس.
وعند دخولنا إلى قاعة الاستقبال مع إتشيغاري ومستشاره، أحسست كم كان صدّام حذراً وكم كان على استعداد للمقاومة والتهديد. فهو لم ينس ذلك الحوار الذي جمعه في التسعينات بأحد مبعوثي الفاتيكان، والذي اقترح عليه فيه هذا الأخير بأن يعترف بدولة اسرائيل. لكن إتشيغاري لم يأت هذه المرة إلى بغداد لكي يُعيد إحياء ذكريات أليمة، فقد أتى بوجهه البشوش وحسّه الإنساني رسولاً للسلام. وعلى الفور حدث التواصل ما بين الرجلين، ولم يطلب القس من الرئيس صراحة أن يبذل قدراً أكبر من المرونة، ولكن دعاه لأن يظل ثابتاً على النهج الذي اختاره:
- إننا نعلم أن العراق قد تعاون مع الأمم المتحدة بقبوله عودة مفتشي نزع الأسلحة، فالسلام جديرٌ بأن يُضاعف كل واحد الجهود من أجله.
وعلى الفور وافق صدّام هذا الرأي وهو يقول له:
- نحن على استعداد لبذل الجهود. فالأميركيون هم الذين يعدّون للحرب، أما نحن نريد السلام. وحتى نؤكد لكم نوايانا الحسنة فقد ذهبنا إلى حدّ توجيه دعوة لعناصر من وكالة الإستخبارات الأميركية بالمجيء إلى العراق للتحقق من معلوماتهم حول أسلحة الدمار الشامل التي يزعمون أننا نمتلكها!
بل وقد طلب صدّام من مبعوث يوحنا بولس الثاني أن يمارس الفاتيكان ضغوطه على الولايات المتحدة.
- إن رسالة السلام ينبغي أن تأتي من الأميركيين، وإني لأنصحكم باستعمال تأثيركم والذهاب للتحدث شخصياً مع جورج بوش، فقد تتمكنون من إقناعه بالتخلي عن طريق الحرب والسير في طريق السلام.
كنت أنتظر من إتشيغاري أن يقترح مبادرة ملموسة لكن بلا جدوى، فقد انصرف إلى الأفكار السمحة والعموميات حول السلام. وهكذا جاء الحوار الذي دام ساعة ونصف الساعة مخيباً للآمال. لقد أحسست أن المبعوث لم يأت إلاّ لكي يقول:
- لقد قمنا بالواجب وليحدث بعد ذلك ما يحدث!
وقد أبدى صدّام رضاه بهذا اللقاء الذي اكتسى طابع المجاملة. وعلى إثر هذا اللقاء سلّمه إتشيغاري صورة تذكارية للقائهما السابق في 1985. في تلك الفترة كانت عقيلة الهاشمي، العضو السابق في مجلس الحكومة الانتقالية والمتخصصة في الآداب الفرنسية هي التي قامت بدور المترجمة. وقد هنّأ القسُّ الرئيس على صحته الجيدة، ولم يجد صدّام بدّاً من أن يقول له على سبيل المزاح:
- أنتم أيضاً في كامل الصحة، فلو لم تكن راهباً لكنت نصحتك بالزواج ولكنت عثرت لك على عراقية جميلة!
بعض المبعوثين والوسطاء كانوا يسافرون إلى بغداد بشكل شخصي، فلم يكن رامزي كلارك، وزير العدل الأميركي السابق، يحمل أي رسالة ولم يكن مكلّفاً بأي مهمّة، بل كان يأتي بدافع التضامن ليس إلاّ، وقد كان الشخصية السياسية الأميركية الوحيدة القادرة على الالتقاء بصدام. وكان صدّام، الذي كان يحبطه عدم القدرة على محاورة المسؤولين الأميركيين، يثمّن أيما تثمين الأحاديث التي كانت تجمعه برمساي كلارك، فقد كان كلارك معارضاً شرساً لسياسة جورج بوش.
كان إفغيني بريماكوف، الوزير السابق للخارجية الروسية، آخر شخصية أجنبية يلتقي بها صدّام حسين قبل قيام الحرب بأسبوع، كان هذا الرّجل المستعرب مطلعاً على الملف العراقي وقضايا الشرق الأوسط. وكان، بصفته مديراً سابقاً لمعهد الشرق الأوسط بموسكو ومديراً لمكتب «البرافدا» بالقاهرة....
قد شارك العام 1970 في مفاوضات اتفاقيات الحكم الذاتي في كردستان ما بين صدّام والملا مصطفى برزاني والد القائد الكردي الحالي مسعود برزاني.
كان بريماكوف واحداً من الشخصيات النادرة التي كانت تخاطب الرئيس بصيغة «أبو عدي» أو باسمه الشخصي. وكان العام 1991 قد أبدى قدراً كبيراً من الشجاعة بمجيئه إلى العراق لمقابلة «صديقه» صدّام، والذي لم يكن يتردّد في انتقاده على انفراد. فقد روى لي عباس خلف، المترجم عن الروسية والذي عيّن سفيراً للعراق في موسكو العام 2002، أنه ذهب لاستقبال بريماكوف على الحدود الإيرانية. وفي طريقهما إلى بغداد قال له الروسي والبلاد ساعتها تتعرض لعمليات القصف من بلدان التحالف:
- أنظر إلى ما أنتجه نظام صدام حسين: وابلٌ من القنابل!
في بداية مارس 2003 التقى الرجلان من جديد في ظروف مأساوية. لم أحضر لقاء الفرصة الأخيرة ذاك، لكنّ ضابطاً من الديوان نقل إليّ تفاصيله، فالزيارة التي ظلت طي الكتمان لم تدم سوى بضع ساعات. وحرصاً على المزيد من الكتمان، اختار مبعوث الكرملين السفر على متن طائرة خاصة بدلاً من السفر على خطوط «الأيروفلوت». كانت إحدى سيارات «الليموزين» تنتظره في المطار، وقد قادته مباشرة إلى القصر الرئاسي.
كانت تلك آخرمحاولة لإقناع صدّام بالتخلي عن السلطة.
إذن، فقد أعاد بريمِاكوف الكرة، محاولاً سبر حالة صدّام الذهنية. أما الكيفيات واختيار البلد المستقبل فقد كان أمرها متروكاً لوقت لاحق، وقد كان هذا اللقاء، الذي جاء قبل الحرب بأيام قليلة، من أقصر اللقاءات. ومنذ البداية وضع صدّام يده على كتف زائره وقال له:
- أرجو ألاّ تكون قد أتيت لكي تحثني على الاعتزال والهجرة، أنظر في هذا الأمر مع طارق عزيز.
ثم انسحب من دون أن يضيف كلمة واحدة، بل وحتى من دون أن يودّع «صديقه»، ثم ما لبث بريماكوف أن واجه غضب طارق عزيز الذي قال له:
- بالأمس شاركت في تهديم الاتحاد السوفييتي، واليوم تريد أن تشارك في تهديم العراق، سوف نلتقي من جديد بعد عشر سنوات.
فقد كان طارق عزيز ينتقم من بريماكوف، الذي كان أثناء أزمة عام 1991 قد واجهه قائلاً:
- إنني أذكرك بأنك لست وزيراً للخارجية، بل أنت مجرد ساعي بريد ليس إلا!
كنت في ذلك المساء في القصر الرئاسي. وقد سألت علي عبدالله إن كان بريماكوف قد غادر البلاد، فأكد لي أن المقابلة مع صدّام لم تمر بسلام، فقد استدعى صدّام إلى بغداد سفيره في مُوسكو عباس خلف بشكل شبه فوري، إذ كان يريد أن يكتشف من الذي يقف من الكرملين وراء اقتراح مغادرته البلاد: بريماكوف أم بوتين؟ وقد علم من الدبلوماسي شخصياً أنّ الفكرة جاءت من الرئيس الروسي.
كان الكرملين منذ أسابيع يخضع لضغوط من واشنطن، التي كانت تعرف مصالح موسكو في العراق، فقد كان صدام بالفعل قد منح لبعض المؤسسات الروسية امتيازات بترولية قابلة للاستثمار حين انتهاء الحصار المفروض على البلاد. وقد كانت روسيا، فضلاً عن ذلك، الدائن الرئيسي للعراق الذي تراكمت ديونه إزاءها لتصل إلى ما يقرب من ثمانية مليارات من الدولارات، وبصفتها آخر «صديق» لصدام، فقد كانت روسيا تحتفظ بتأثير قوي على القيادة العراقية، على عكس ما كان عليه الشأن مع فرنسا التي كانت قد فقدت ذلك التأثير.
وبعد أن تخلى عنه الروس، أصبح صدّام معزولاً أمام الحلفاء، ففي حين كان يُبدي استعداداً لكل التنازلات أثناء الأزمة، شاءت إدارة بوش أن تفرض عليه تنازلا آخر، كانت تعلم عن يقين بأنه لن يقبل به أبداً: ألا وهو تخليه عن السلطة.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة
http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/15153-2015-02-25-17-07-52.html
533 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع