قصة كلية بغداد منذ التاسيس 1932
إعداد وتجميع: صديق الكاردينيا الدائم
على الرغم من أن المساعي لتأسيس كلية بغداد بدأت منذ عام 1928، إلا أنها لم تفتح أبوابها إلا في السادس والعشرين من أيلول عام 1932، وذلك لأن الفرنسيين الكاثوليك، الذين كانوا يمارسون نشاطهم في العراق لم يكونوا سعداء أبداً من فكرة قدوم اليسوعيين الأمريكان للعراق
لذلك فان الأب ولش نصح بان تكون بغداد هي المنطقة الوحيدة التي يمكن أن يعمل فيها اليسوعيون دون أن يثيروا معارضة الفرنسيين الذين كانوا يشكلون حجر عثرة أمام الاباء، وهذا ما حصل فعلاً.
من ناحية أخرى فان أفراد البعثة اليسوعية الأربعة الذين طلب منهم الأشراف على إنشاء الكلية في بغداد، تم إبلاغهم رسمياً بان مستلزمات البدء بهذا المشروع جُهزت بما فيها المبالغ المالية التي أعدت لتمويله، والتي كان وعد بها الحبر الأعظم في روما بتوفيرها لتسيير عمل المشروع، البالغة (50.000) خمسين ألف دولار ،إذ أصبحت جاهزة لتوضع تحت تصرفهم.
بدأت كلية بغداد بداية بسيطة ومتواضعة في دار مستأجر شرقي نهر دجلة في منطقة يطلق عليها اسم المربعة، الواقعة في شارع الكيلاني والقريبة جداً من شارع الرشيد. برعاية وإشراف الآباء اليسوعيين الأمريكان التابعين لمقاطعة نيوانكَلند، وفي ضوء نظام تعليمي عريق وطويل يمتد إلى أربعمائة عام والذي كان على اتصال بالعراق واحتياجاته التعليمية المعاصرة ومما ينبغي الانتباه إليه، هو أن الاسم الذي كان مقرراً لكلية بغداد في البداية هو
Baghdad College of the Immaculate conception،
وهذا الاسم وجد في الوثيقة التي وقعّت من قبل المؤسسين للجمعية التعليمية العراقية الأمريكية التي تشكلت في أميركا عام 1932.
لم يواجه الآباء اليسوعيون عند وصولهم بغداد أية معارضة من قبل المسؤولين في الحكومة العراقية، وذلك لارتباطهم باتفاق مسبق، وحصولهم على اذن رسمي منها بشأن مباشرتهم بالعمل، وإن كان هناك شيء من الرفض من قبل بعض المسؤولين العراقيين في البداية فقط، إلا أنه تلاشى بعد أن أثبت الآباء حسن نواياهم لاحقاً.
من جهة أخرى فأن نظرة سريعة للدستور العراقي في تلك المرحلة تقودنا إلى قناعة كاملة بان ذلك الدستور لم يعمل بأي حال من الأحوال على معارضة إنشاء المدارس الأهلية والأجنبية في العراق شريطة أن تلتزم تلك المدارس بتعليمات وزارة المعارف العراقية وأن تكون مناهجها موافقة للمناهج العامة المتبعة في العراق، فضلاً عن ذلك فأن القائمين على الدستور العراقي لم تغب عنهم مسألة حق الأجانب بتأسيس مدارس عامة أقرتها ودعتها القواعد الدولية.
وبهذا الخصوص أوضحت أحدى تقارير وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، أن الأب ولش بّين موقف الحكومة العراقية من مجيء الآباء وتأسيس كلية بغداد، ننقل نصاً ما جاء في التقرير: ((أن المسؤولين في الحكومة العراقية كانوا يحاولون تطوير بلدهم بسرعة كبيرة ويحاولون أن ينجزوا في عشر سنوات ما أنجزته أوربا في قرن، المسؤولين بالحكومة كانوا يشعرون بفخر كبير ومصممين على أن يضعوا بلدهم في مصاف الدول الأوربية بأسرع وقت ممكن، ولش يعتقد أن مثل هذا التطور السريع كان من المستحيل انجازه في تلك الظروف)).
مما سبق يبدو واضحاً، أن هذه المؤسسة التربوية بدأت بداية بسيطة جداً في عقار مستأجر احتل موقعاً متميزاً في مركز العاصمة بغداد، يطل على شارع الرشيد في محلة المربعة، وكانت يومذاك مدرسة صغيرة للغاية تشغل بناءين صغيرين، تم استئجارهما لهذا الغرض، ومن ثم زودت بالكتب والمعدات اللازمة للمباشرة بأعمال التدريس، ومما لا شك فيه أن تزويدها بهذه الكتب كان يجري بتوجيه مباشر من الجمعية التعليمية المشرفة على المهمة اليسوعية بالتنسيق مع جامعة جورج تاون الأمريكية.
ومما هو جدير بالملاحظة، أن تلك الدار لم تستوف كل الشروط الملائمة لاستمرار الدراسة فيها مدة طويلة، إذ تميزت بقلة الصفوف التي هي أصلاً مقامة في غرف صغيرة جداً ذات أرضية غير مناسبة، فضلاً عن أن الإضاءة فيها كانت سيئة وذات أثاث ومقاعد متواضعة، وأخيراً كانت الأبواب والشبابيك غير مناسبة مما جعلها عرضة للبرد والعواصف الترابية. ونظراً للازدياد المستمر في أعداد الطلبة، فأن المبنى المؤجر في المربعة ضاق بهم ولم يعد المكان كافياً لاستمرار الدراسة فيه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان للنجاح الذي لاقته كلية بغداد والقائمون عليها بفعل الإقبال الكبير عليها سبباً كافياً في أن يتخذ الآباء اليسوعيون قرارهم بنقل موقع الكلية بعد مرور عامين على افتتاحها، إذ وقع اختيار الآباء على الحافة الشمالية لبغداد في منطقة الصليخ وذلك في عام 1934، فقد تم استئجار بيت يقع على ضفاف نهر دجلة، وهي مبنية على الطراز العربي القديم ومؤلفة من طابقين مع وجود رواق حول الطابق الثاني، استخدمت قسماً من الدار كسكن للآباء في حين خصص القسم الآخر لشؤون الدراسة وما يتعلق بها.
وقد استمرت الدراسة في هذا الدار حتى عام 1936، وبعبارة أخرى أن التدريس في كلية بغداد منذ تأسيسها حتى عام 1936 كان يجري في بنايات مستأجرة إلى أن تم شراء أرض قريبة من العقار المؤجر في الصليخ من قبل الجمعية التعليمية العراقية الأمريكية، هذه الأرض الجديدة تقرر أن تكون موقعاً ثابتاً لكلية بغداد، تبعد حوالي أربعة أميال شمال مركز العاصمة بغداد وهي عبارة عن أرض زراعية تبلغ مساحتها حوالي (25) ايكر (الأيكر الواحد يساوي 4050 متر)
تباينت الآراء حول سبب أختيار الموقع المذكور لكلية بغداد، فهناك من يرى أن الآباء اليسوعيين اختاروا هذه المنطقة لعدة عوامل، أهمها موقعها الممتاز وهواؤها النقي وهدوءها الشامل وبالتالي العمل بحرية في هذا المكان الواقع في منطقة بعيدة عن مركز المدينة ومشاكل الناس وعن كل ما يعكر صفو الدراسة، مما يدل على أن الآباء كانوا يقدرون جيداً ما للموقع الصحي من تأثير على المستوى العلمي والثقافي للطلبة، فضلاً عن ذلك أنه كلما كان المكان كبيراً كلما توسع وازداد عدد الطلبة المقبولين في الكلية، الأمر الذي يتطلب حتماً تحسين كفاءة الخدمة التعليمية والتربوية المقدمة للطلبة.
في حين علل آخرون بان سبب الانتقال هذا يعود إلى رخص تلك الأراضي، إذ كانت منطقة الصليخ تقع في أطراف بغداد، وهي عبارة عن أراض زراعية وبساتين ومن الطبيعي أن تكون قيمتها المالية اقل بكثير من المناطق الداخلة في حدود ونطاق مركز العاصمة بغداد، وتؤكد الشواهد التاريخية على أن الآباء اليسوعيين هم أول من شيد بنايات كبيرة وحديثة في تلك المنطقة.
في حين كان هناك رأي آخر يتناقله الناس في بغداد يرى أن سبب اختيار هذا الموقع بالذات كان لدوافع دينية، إذ أن هذه المنطقة المسماة (الشماسية) فيما مضى كانت تحفل بعدد من الأديرة التي تضم في جنباتها عدة كنائس مسيحية أهمها، دير (درمالس) و(دير سمالوا).
مهما يكن من أمر، فان اختيار الآباء لضاحية الصليخ ربما يعود إلى دراسات تاريخية قديمة، ولكن ما يجب ذكره في هذا الموضع هو أن اعتدال مناخ المنطقة ونقاء هوائها والهدوء السائد فيها، فضلاً عن وقوعها بالقرب من نهر دجلة وأحاطتها بالبساتين، هو الرأي الأرجح وراء اختيار ذلك المكان.
وهكذا نجد أن أكثر التقارير المرفوعة إلى معارف بغداد عن طريق المفتشين الذين زاروا الكلية، وصفتها بأنها تقع في منتصف حديقة غناء تحيط بها الأشجار المختلفة من كل جانب، وهي بحكم موقعها هذا بعيدة كل البعد عن مشاكل الناس وضوضاء المدينة.
وتميز موقع كلية بغداد الجديد بإحاطته بعدد من الجيران الذين هم في مراكز السلطة في الحكومة من بينهم حكمت سليمان، الذي عمل ومنذ السنوات الأولى لانتقال الكلية إلى موقعها الجديد في جهة الصليخ على توفير الدعم المعنوي لهم ومساعدتهم في تعزيز تواجدهم فيها خاصة بعد استقرارهم في المبنى الدائم سنة 1939. إذ قام بإرسال اثنين من أبنائه للدراسة فيها تشجيعاً ودعماً منه، من ناحية أخرى حظيت كلية بغداد خلال انتقالها هذا بعطف السيد سامي شوكت، الذي كان واحداً من جيران الكلية وممن كان يحضر حفلات التخرج التي تقيمها الأخيرة كل عام.
فضلاً عن أحاطتها بجيران آخرين كرشيد عالي الگيلاني وقصره القريب منها، وهو الشخص الذي تميز
عمن سبقه بالموقف السلبي الذي اتخذه ضد الكلية في عام 1936، الذي عّد أول تحد واجهته كلية بغداد في انتقالتها الجديدة. ففي العام المذكور طلب الكيلاني من إدارة الآباء في كلية بغداد أن يتبرعوا بجزء من الأرض العائدة لهم إلى إدارة المدينة لغرض أنشاء مركز للشرطة عليها، وأيده في مقترحه هذا عدد من المسؤولين في الحكومة، وكانت الأرض التي اختيرت لإنشاء المركز عليها تقع في الواجهة الأمامية للعقار العائد للكلية. تفاقمت الأزمة بعد أن تجدد الطلب أكثر من مرة بإزاء هذا التحدي فان الآباء لم يكن أمامهم أي خيار سوى قبولهم بالتبرع بهذه الأرض. ويبدو أن الآباء قد أدركوا جيداً حجم المخاطر التي ربما ستترتب عليهم أن هم فعلوا خلاف ذلك، إذ أن بإمكان المسؤولين العراقيين أن يصعبوا الأمور على الآباء مثلما هم قادرون في الوقت نفسه على تسهيلها، وذلك من خلال امتلاكهم للقوة والنفوذ وهذا ما يفسر سر استجابتهم السريعة لتلك المطالب، ومن حسن حظ الآباء أنه تقرر بناء مركز الشرطة على الطريق المؤدي إلى الواجهة الشرقية من الكلية، وبهذا انتهت المشكلة بسلام ومرت على رجال المهمة اليسوعية في بغداد دون أن تترك أي أثر يعرقل أعمالهم.
وفيما يتعلق بالتصميم المعماري وأعمال البناء التي أعدت سلفاً من أجل تشييد بنايات كلية بغداد الجديدة، فقد بذلت جهود حثيثة في هذا الجانب شملت رسم تصاميم البناء وإعداد الخرائط اللازمة للبدء في أعمال البناء على الأرض الزراعية الجديدة، إذ تم الاحتفال رسمياً بوضع حجر الأساس لها في عام 1936.
والجدير بالذكر أن تصاميم البناية الجديدة المزمع إقامتها جلبت من أميركا بعد أن صاغها الآباء اليسوعيون بطريقة توافق مناخ العراق، وأن تكون هذه الأبنية من أفخم الابنية في المنطقة. مما يبدو أن تلك التصاميم الهندسية وخرائطها التي وصلت إلى بغداد هي نموذج مشابه لتصاميم البناء الموجودة في كلية بوسطن، فإذا أمعنا النظر في مشاهدة المباني الخاصة بتلك الكلية وبنائها المعماري نصل إلى قناعة حقيقية بأن كلية بغداد كانت تشبه إلى حد كبير التصميم المعماري لتلك الكلية الموجودة في ولاية بوسطن بأميركا أن لم نقل كانت نموذجاً مصغراً لها طبقاً لما جاء في أحدى وثائق كلية بوسطن.
وتجدر الإشارة إلى أن رومانسية المنطقة وروعتها قد ألهمت إلى حد كبير نفوس الآباء اليسوعيين وشجعتهم على أن يقوموا بالأشراف على أعمال التخطيط والبناء بأنفسهم، إذ تحولت هذه الكلية بعد سنوات عدة إلى أهم وأكبر مركز تعليمي في العراق، وذلك بسبب وضوح الهدف في أذهان القائمين عليها، فضلاً عن ذلك أن العمل ومنذ البداية كان يخضع للتخطيط والترتيب المنظم للمراحل التي يجب أن تمر بها سنوات هذه المدرسة استناداً لما ذكره شاهد عيان كان أحد طلبة كلية بغداد يومذاك.
على أية حال، قرر الآباء اليسوعيون إشغال العقار الجديد في ضاحية الصليخ موقعاً ثابتاً لكليتهم، والممتد من نهر دجلة غرباً وحتى واجهة الصحراء شرقاً، واستمر إشغالهم لهذا العقار طول الفترة الممتدة من عام 1936 حتى استيلاء الدولة عليه عام 1969. وتم إزالة معظم الأشجار المحيطة به وذلك لإقامة بنايات جديدة وساحات اللعب وحدائق ودور السكن للملاك التعليمي المكون من الآباء اليسوعيين وقسم داخلي للطلبة.
بعد أن أصبح مقر الإدارة جاهزاً عام 1938، منح الأب أندرسن بن جون اليسوعي، الإجازة الرسمية لمدرسة كلية بغداد الخاصة، وذلك في الرابع من كانون الأول عام 1938، وبهذا أصبحت الأرض المخصصة للكلية ملكاً رسمياً للجمعية العلمية القائمة على شؤون كلية بغداد بعد مصادقة أجازتها من قبل محمد رضا الشيبي وزير المعارف آنذاك.
كان أمراً طبيعياً، أن تسعى إدارة الكلية إلى توسيع بناية كلية بغداد، إذ بوشر بإحاطة الأرض البالغة 25 ايكر بسياج من الطابوق، إذ عزلت بالكامل عن المناطق المجاورة لها وكان ذلك في عام 1940-1941. وفي المدة الممتدة من عام 1941 حتى 1950 تم انجاز أول ملحق للصفوف وبناء المطعم الداخلي في الكلية، وفي الأعوام 1951-1955 تم تشييد بناية رايس العلمية وملحق جديد للصفوف سمي باسم الأب مدارس
ومبنى الكراج الخاص بوقوف سيارات النقل العائدة للكلية
،(Cronin building) فضلاً عن تشييد مبني كرونن
وضمت البنايات الأولى التي أعدت وأصبحت جاهزة لاستيعاب الطلاب على أربعة عشر صفاً دراسياً وغرفة كبيرة للمحاضرات والاجتماعات، ومختبرات الفيزياء والأحياء والكيمياء ومكتبة وغرفاً أخرى للراحة، فضلاً عن مكتب الإدارة ومخزناً كبيراً للكتب.
وصاحب ذلك البناء، تشييد مصلى القلب المقدس (الكنيسة) والمقبرة الخاصة بالآباء وذلك في عام 1953. وفيما يتعلق بموضوع بناء الكنيسة داخل حرم الكلية، فيمكن القول بوجه عام، أن ظهور المدارس الكاثوليكية في العالم ارتبط بشكل وثيق بظهور الكنائس والأديرة جنباً إلى جنب معها، إذ كانت تلك المدارس التي تدار من قبل الجمعيات الدينية، تسير على وفق سياق ثابت يعتمد على بناء الكنائس ثم إلحاق المدارس بها، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر جماعة الجزويت الكاثوليك.
وعلى هذا الأساس كان من الطبيعي أن تضع الجمعية القائمة بشؤون كلية بغداد ضمن أولوياتها عند شرائها للملكية الجديدة اختيار مساحة خصصت لإقامة بنايتين، الأولى للكنيسة والأخرى للدير الخاص بسكن الآباء اليسوعيين، فبعد انجاز مبنى الإدارة وانتقال الكلية إليها عام 1938-1939، شرعت الجمعية المشرفة للبدء ببناء الكنيسة خلال السنوات اللاحقة، إذ لم يتم الانتهاء من بنائها إلا في عام 1953 ،إذ أطلق عليها اسم مصلى القلب المقدس، تكونت من بناية كبيرة أبعادها الخارجية كانت (164×84) قدم وارتفاع الصليب الذي وضع في أعلى برج المبنى حوالي (90) متراً عن سطح الأرض. معظم تصاميم هذا المصلى وضعها الأب مداراس والأب كاي إلى جانب أشرافهما على عدد آخر من مباني الكلية، وألحق بهذا المبنى فيما بعد المقبرة الخاصة بالآباء، إذ احتوت هذه المقبرة بعد عدة سنوات على رفات عدد منهم، وهي ما تزال موجودة إلى الآن.
أما الدير فان بناءه لم يكتمل إلا في نهاية الأربعينات، إذ استخدم في البداية كمحل لسكن الطلبة ثم تحول بعد عام 1949 كسكن دائم للآباء القائمون بأعباء الإدارة والتعليم في الكلية. كما احتوت الكنيسة على مكتبة عامرة ضمت عدد كبير من الكتب النفيسة والقيمة التي يعود قسم منها إلى زمن سبق تشييدها.
إلى جانب ذلك فقد سعى القائمون على شؤون الكلية وبالتنسيق مع الجمعية المشرفة عليها وانطلاقاً من حرصهم على تأمين الخدمات اللازمة في الكلية بشكل أكثر انتظاماً وحيوية، لانجاز مشروع جديد اكتمل بعد عدة سنوات، وهو بناء مجمع سكني قرب الكلية يتكون من أربع وعشرين وحدة سكنية بدأ العمل فيها منذ منتصف الأربعينات وأصبح جزء من هذه الدور جاهزة للسكن في الخمسينات ومطلع الستينات بشكل كامل. كان الغرض من بنائها هو لتوفير أماكن سكن ثابتة ودائمة للموظفين والعاملين فيها من سائقي السيارات وعمال الخدمة والكهرباء، الذين كان يشكل المسيحيون النسبة الأكبر بينهم.
في الوقع، ان تلك البنايات قد أعدت على قدر كبير من التنسيق والذوق الفني الرفيع الذي انعكس في مبانيها وهندسة بنائها، إلى أن خرجت بالشكل الذي ساعد كثيراً على خلق جو لطيف ومناسب للدراسة. وهكذا وبمرور الزمن تحولت تلك الأراضي التي كانت مليئة بالحشائش والأشجار والأدغال إلى مروج خضراء، وظهرت بنايات كلية بغداد وملحقاتها من أكثر بنايات المدارس حداثة حينذاك، حيث أصبحت الكلية في نفس الوقت موقعاً دراسياً وترفيهياً ومسكناً للطلبة والآباء معاً، ذلك لاحتوائها على كل الشروط التعليمية والصحية
تميزت كلية بغداد بوجود يومين عطلة هما الجمعة والأحد ويكون يوم السبت مخصصا للدروس الغير أساسية والمختبرات والألعاب الرياضية والفعاليات الغير صفية ... أن وجود يومين عطلة ساهمت في توفير الوقت للدراسة والتعلم كون الدوام في الايام الاعتيادية طويل جدا ووقت التحضير للدروس قليل نسبيا ..
كانت كثير من الواجبات المدرسية تنهى في مكتبة الكلية أو في فترة أنتظار الباصات .
العلاقة بين الاساتذة والطلاب
العلاقة بين الأساتذة والطلاب كانت علاقة تربوية وصداقة يسودها الأحترام المتبادل وكانت مشاركة الأساتذة الأميركان في مختلف الفعاليات الرياضية مع الطلاب، وتقام مباريات عدة بين منتخبات المدرسة للطلاب ومنتخبات الاساتذة التي كان يشارك معهم اللاعب والمدرب الأسطورة المرحوم عمو بابا في فعالية كرة القدم والسبب أن أخاه السيد البرت بابا كان معاون المدير لشؤون الباصات والنقل . (في بعض الأحيان كانت تعطى عطلة يوم السبت مكافأة لفوز الطلاب على الأساتذة!! ).
درجة النجاح كانت 60 للمعدل العام للدروس وللأمتحانات اليومية المُفاجِـئَة حصة كبيرة في الدرجة النهائية .
كثافة الدروس وأنشغال الطلبة بالتحضير الدراسي والالعاب الرياضية والهوايات الأخرى أبعدت الطلاب عن الأنشغال بأمور أخرى وأبرزها الخوض في الأمور السياسية .
أستمر الدوام بصورة منتظمة حتى ما بعد منتصف السنة حيث بدأت التظاهرات تأتي الى كلية بغداد تطالب بتعريقها وطرد الاباء اليسوعيين منها مما سبب بعض الارباك للطلبة وأولياء أمورهم حول مستقبل تلك المدرسة العريقة .
في نهاية العام الدراسي وفي صيف 1969 صدر قرار بتعريق كلية بغداد وطرد الأساتذة الاميركان والذين سبق أن دفن أربعة منهم داخل حدائقها مما سبب صدمة لهم قابلها العديد منهم بالبكاء والرحيل الى بيروت لتكملة المشوار في الجامعة الاميركية فيها والانترناشيونال كولدج.
أستقبل الطلاب وأولياء أمورهم وعدد كبير من الناس الأكاديميين هذا القرار بحزن كبير لما يعرفوه من مزايا حميدة لهؤلاء المربون الأفاضل ومن أشهرهم الأباء باورز مدير المدرسة وبلتير وهسي وكوين رحم الله المتوفين منهم وأطال الله أعمار الباقين .
تم الحاق كلية بغداد بالجامعة المستنصرية وجعلها مؤسسة مستقلة وقد شكل مجلس أدارة مقتدر وعلمي للأشراف عليها يتكون من المرحومة الأستاذة الدكتورة سعاد خليل أسماعيل وزيرة التعليم العالي انذاك والأستاذ الدكتور مسارع الراوي رئيس الجامعة المستنصرية أطال الله في عمره، والمرحوم الأستاذ القدير جمال حسين الالوسي مديرا لكلية بغداد، والدكتور عفيف العاني عضوا..
تم الأبقاء على كل الأساتذة العراقيين ممن كانوا على ملاك الكلية أو المحاضرين في مواقعهم وتعزيزهم بنخبة خيرة ومقتدرة علما وتربويا ومن أبرزهم معاونو المدير المرحوم الأستاذ المربي القدير يوسف السامرائي, والاستاذ المربي شاكر العطار, والاستاذ المربي حمد الكبيسي , والاستاذ المربي حازم عبدالأمير, والاستاذ المربي عبد الجليل العرس , رحم الله الاموات منهم وأطال أعمار الأحياء .
كذلك تم التعاقد مع عدد من الأساتذة الكبار والمحاضرين من كليات العلوم والاداب للتدريس في الكلية ومن أبرزهم الأساتذة المربين باقر الخليلي, وناصر طقطق, وسليم نعش, ويحيى وحيد الدين, وجعفر الزبيدي, وساطع الداوود والسيدة عقيلته الاميركية الجنسية كمدرسة لغة أنكليزية, ومنير العاني, وفائز البيرقدار, وسامي بطي, وعبد الرحمن كركجي, وعبد الجبار البدري, وعبد الجبار جودة, وحسن صادق حسن, وصبري منصور, وليون بانوس, وأيليا يعقوب, ويحيى نزهت , ورمو فتوحي , وعبد الغني العبيدي , ويعقوب يوسف , وخالد يوسف , وأحمد زين العابدين , ونيازي حسني ,ووليم عوض , وعبد الرحيم الزقة ,, وغيرهم من المربين الكبار ممن لم يسعني ذكرهم رحم الله تعالى المتوفين منهم وأطال أعمار الباقين .
كذلك تم الأبقاء على نفس الأجور الدراسية والبالغة ستين دينار سنويا ,, ونفس أسعار الكتب العلمية .. والابقاء على أصدار المجلة السنوية للكلية ( مجلة العراقي ) .
تم تنسيب مدرسين للرياضة ومشرفين للمكتبات من الجامعة المستنصرية وهم السادة حميد الراوي وقاسم فنجان وعصام الالوسي ودُمَّر الراوي ,وأمينات مكتبة وموظفات أدارة...والسيد عادل مشرفا على الباصات والنقل .
كذلك تم الأبقاء على سكرتير المدير باورز سكرتيرا للمدير المرحوم الأستاذ جمال وهو السيد ولسن ملهم .
كان الجميع يتسابقون ويبذلون كل الجهود للأبقاء على المستوى المتميز للكلية في كافة المجالات, وخصوصا المرحومة الدكتورة سعاد, والأستاذ الدكتور مسارع, والمرحوم الاستاذ جمال ,وكانت المرحومة وزيرة التعليم العالي تزور المدرسة يوميا تقريبا بسيارتها الوزارية ( الستروين السوداء) في نهاية الدوام ولقرب مسكنها من موقع الكلية ولكون أولادها طلابا فيها
بدأت السنة الدراسية 1969 _1970 وهي العام الأول للمدرسة بعد التعريق,,حافظ المرحوم الاستاذ جمال الالوسي ومعاونيه على كل مرافق المدرسة بدون تغيير, بقيت الدور السكنية لعوائل الاخوة السواق والعمال في أخر المدرسة كما هي ,, بذلت جهود كبيرة جدا ومشكورة للحفاظ على المستوى الدراسي والجو العام للمدرسة ,, بقيت نفس شروط النجاح في المعدل , وكل وسائل الأيضاح , والمختبرات , و كما تركها الأباء اليسوعيين , بدون تغيير .
بعد التعريق , بدأت تدخل بعض التوجهات السياسية من أقصى اليسار , الى حزب الدعوة . شكل أتحاد وطني وعملت أنتخابات شارك فيها عدد من الطلاب , وانتخبت هيئة للأتحاد الوطني .
بدأ معاون المدير لشؤون النقل السيد عادل والذي لقبه الطلاب( عادل ب !!! ) , بتعيين مخبرين سريين من طلاب المرحلة الأولى لمراقبة المدخنين من الطلاب من بقية المراحل ,, ورفع أسمائهم له حيث بدأت رحمة الله مع أساليب المخبر السري
بقي العديد من خريجي كلية بغداد ومنهم مدراء عامين وأطباء أختصاصيين ومهندسين أستشاريين ورجال أعمال وضباط من( المتبقين في العراق) الى ذلك الوقت, بزيارتها للعب كرة البيزبول (كرة القاعدة ) , والهاند بول مع أولادهم, وبعد أن تخطى قسم منهم منتصف العمر, وكأنها البيت الذي تربوا ونشأوا فيه , وحتى فترة نهاية التسعينيات , وبعد أخذ رخصة من مدراؤها المتعاقبين المتعاطفين معهم , وحاول البعض مرارا الحفاظ على سماتها, بعد تشويه قسم من معالمها, بأضافة أبنية غير مدروسة معماريا ,وتشويه ساحاتها باضافة ملجأ نووي في أحدى ساحاتها الرئيسية, مما أثر على التكوين المعماري لها .
كذلك أصبحت قاعدة لأطلاق صواريخ أرض – أرض في حرب 1991!! مما سبب خشية جميع من كان ساكنا بالجوار من قصفها وتركهم الملجأ الذي توسط أبنيتها .
قدمت كلية بغداد العديد من الشهداء الخالدين دفاعا عن العراق أدخلهم الله فسيح جنانه ... برز عدد من خريجيها كسياسيين, وشخصيات علمية داخل وخارج العراق, تم ذكرهم مرارا في مواقع الأخبار,,تفاوتت الاراء عنهم وعن نجاحاتهم وحسب الأتجاهات !
من يزورها اليوم يجدها مهملة فاقدة لأشجارها الباسقة تبكي حالها كما تبكي مدينتها بغداد نفس الحال .
تحية لكلية بغداد ولمؤسيسيها الاباء اليسوعيين ولمن حافظ عليها وخدم وطنه بأخلاص وتفاني .
كل الأمنيات أن يعاد أحياء هذا المعلم الثقافي التربوي بما يستحق, وكما هي الأعدادية المركزية, والمتوسطة الغربية, وكل المدارس والمعالم الثقافية في أرجاء بلدنا العزيز, وأن يستفاد من هذا التراث العلمي, والمنافسة العلمية بين المدارس النخبة,الحكومية والأهلية,( أجيال شابة جديدة هي كل الأمل في أزدهار العراق الخالد من جديد
ملاحظة لابد منها
هذا الموضوع عبارة عن تجميع لعدد من المصادر المنقولة التي تحدثت عن كلية بغداد وبالتالي فإنه ليس من تأليف المعد وإنما من خلاصة قراءات كثيرة عن كلية بغداد للأمانه.
1344 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع