محسن الرفيعي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الزعيم قاسم..
نبراس الذاكرة:مذكرات العقيد محسن الرفيعي , مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم..عن مطابع شركة مجموعة العدالة صدر كتاب ( انا والزعيم ) من اعداد وتحرير الدكتور ستار جبار الجابري تناول فيه الكاتب مذكرات المرحموم العقيد محسن الرفيعي الذي كان يشغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم .
في مقدمة الكتاب يشير الجابري الى ان اهمية المذكرات التي كتبها السيد محسن الرفيعي من كونه لم يكن معاصرا للزعيم عبد الكريم قاسم وحسب ، وانما كان مقربا منه، وقريبا اليه في كل مفاصل حركته وحركة الدولة انذاك، وعاش عن كثب اسرار تلك المرحلة.
حيث التقيا لاول مرة في الكلية العسكرية وتم تنسيبه الى الفصيل الخامس الذي كان انذاك بامرة الملازم الاول عبد الكريم قاسم , وكون الاخير كانت تربطه بالزعيم عبد الكريم قاسم علاقة وشيجة حيث عملا سوية في وحدات الجيش قبل حرب فلسطين 1948, وفضلا عن عملهما سوية في القطعات العسكرية في المسيب 1949 , مما اتاح له المجال لكي يكون قريبا من مواقع اصدار القرارات والمساهمة في صياغتها بعد الثورة .
العقيد محسن الرفيعي كما يقول الجابري شخصية كبيرة و من الشخصيات التي احتلت واجهة الاحداث في حقبة مهمة من تاريخ العراق المعاصر، الا وهى حقبة العهد الجمهوري الاول , اذ استلم مسؤولية الاستخبارات العسكرية في حكومة ثورة الرابع عشر من تموز ابان حكم الزعيم عبد الكريم قاسم , تلك الحقبة التي شهدت احداثا جساما وصراعات مختلفة مع ما رافق ذلك من تنافر بين التيارات والاحزاب السياسية .
وتاتي اهمية المذكرات التي كتبها السيد محسن الرفيعي من كونه لم يكن معاصرا للزعيم عبد الكريم قاسم وحسب , وانما كان مقربا منه , وقريبا اليه في كل مفاصل حركته وحركة الدولة انذاك وعاش عن كثب اسرار تلك المرحلة . وعلى الرغم من كونه لم يكشف في مذكراته اسرار الدولة الاستخباراتية انذاك من منطلق اخلاقي , الا انه كشف لنا في مذكراته العديد من الاسرار التي اكتنفت تلك المرحلة ولاسيما ما يتعلق بشخصياتها وعلاقتهم مع بعضهم , واسرار التنظيمات السياسية التي كانت تنشط تلك الايام .
المقدم الركن / عبدالكريم قاسم.. في فلسطين
عبر صفحات الكتاب تناول الرفيعي خواطر وذكريات عن علاقته بالمرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم خلال ايام حرب فلسطين وحتى عودته للعراق ومنها مدة الهدنة التي عقدت مع اليهود ومارافقها من مصادمات ومناوشات عسكرية وهجوم اليهود على احد المواقع التي كان يشغلها الجيش العراقي .
ويذكر في كتابه معلومة مهمة عن موقف الزعيم عبد الكريم قاسم من الشيوعيين بقوله:
اشاع الشيوعيون وكذلك القوميون , لعل في نفس يعقوب بان الزعيم عبد الكريم كان شيوعيا , ولقد روجت اذاعة صوت العرب لهذه المزاعم والاقاويل حتى انها اعطته اسما حركيا وهو «مطر « .
ويوكد الرفيعي : وفي الحقيقة والواقع وبحكم قربي منه فانا اجزم بانه لم يكن قد انتمى لاي حزب سياسي.
, وليس الحزب الشيوعي فحسب وكان شخصا مسلما ملتزما يؤدي فروضه الدينية من صوم وصلاة ومتمسك بالقيم الروحية والدينية ويؤدي الزكاة ويكثر من قراءة القران الكريم , ويساعد الفقراء ولم يتظاهر بذلك امام الناس كما يفعل الكثيرون , و شخص بهذه الصفات لايمكن له ان يكون شيوعيا .
ويضيف الرفيعي بان الزعيم الراحل عبد الكريم قاس كان يتابع الاوضاع العامة للبلد شخصيا حيث انه ذات مرة كتب الرفيعي في مقر الزعيم ومجموعة من المسؤولين , قد دعانا الى اجتماع , ولدى تراسه الجلسة بدأها بالقول : « اود ان اطرح عليكم سؤالا واحد وارجو من كل منكم اجابة صريحة , والسؤال كيف هو الوضع في البلد ؟ وما رأي الناس بالسلطة ؟»
وكان اول المتكلمين اسماعيل عارف فاثنى واطنب في المدح وختم قوله بان كل الشعب مع الزعيم , وكانت اجابة البقية مطابقة لاجابة العارف وعندما جاء دوري يقول الرفيعي قلت « ياسيادة الزعيم ان علاقة السلطة بالكثيرين لاتبشر بالخير فهى تقيس علاقتها بهم بما تسمعه من هتافات في المناسبات ولاسيما في حضوركم , وقبل ان تحضر ينقسم المجتمعون الى مجموعتين , الاولى هتافها يساري المدلول , والاخرى قومي وكلا المجموعيتن مسيرة من قبل قلة من المثقفين , واريد بقولي هذا انه لا رأي لعامة الناس ولا تاثير لهم على الاحداث.
وعن متابعة الزعيم لأوضاع وتصرفات افراد اسرته والمسؤولين المقربين اليه , كان الزعيم حريصا على متابعة اخبار وتصرفات افراد اسرته وعدم السماح لأي منهم باستغلال علاقتهم به لتحقيق مكاسب ومصالح شخصية .
شقيقا الزعيم / عبدالكريم قاسم
ويورد الرفيعي محاولات الاغتيالات التي تعرض لها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ومنها محاولة اغتياله في الصويرة حيث كان يمتلك دارا فيها ورثها عن والده وتبرع بها فيما بعد ليتم تشييد مدرسة ومكتبة عامة عليها وبعد ان تم المشروع وردت اخبار بانه ستتم عملية الاغتيال اثناء عبور الزعيم الجسر الذ ي سيتم نصبه موقتا لعبور الزعيم , بيد ان الضابط الذي تم الاتفاق معه عدل عن ذلك في اللحضة الاخيرة وهو الذي نقل هذه المعلومات .
وفي نهاية الكتاب يورد الرفيعي وجهة نظره بشان الاسباب التي ادت الى سقوط نظام الحكم الذس تراسه الزعيم عبد الكريم قاسم ومنها:
ان اول الاسباب هى فرض الزعيم لانتماء عبد السلام عارف لعضوية الهيئة العليا للضباط الاحرار , مخالفا بذلك احد شروط قبول عضوية العضو الجديد, والتي تتمثل بطرح اسمه امام الهيئة والحصول على موافقتها اولا ومن ثم حضوره اجتماعاتها بعد ذلك , ويضيف الرفيعي عدة اسباب اخرى نجدها في الكتاب ,و نجد ايضا انطباعات الرفيعي الشخصية بشان شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم .
الكتاب تناول ايضا عبر صفحاته حديثا مسهبا عن حركة 14 رمضان (8شباط) 1963 وحادثة حردان عبد الغفار التكريتي بعد هذه الحركة ويورد ايضا شيئا من سيرة عبد السلام عارف وبعض الشخصيات الاخرى والمواقف والمناصب التي تولاها الرفيعي خلال سنين عمله المهني .
الكتاب يحتوي في نهايته على ملاحق هى عبارة عن وثائق مختلفة تنشر لاول مرة وتختص بالشان العراقي انذاك ومنها رسائل من العقيد عبد السلام عارف الى الزعيم عبد الكريم قاسم من سجنه عام 1958 وبعض الملاحق الاخرى , وحوى الكتاب ايضا مجموعة من الصور الفريدة من نوعها للرفيعي مع الزعيم عبد الكريم قاسم ,وبعض الصور المختلفة الاخرى له مع السفراء العرب . والكتاب ممتع وجدير بالقراءة ويحوي معلومات تعرض لاول مرة .
لقاء مع العقيد المتقاعد محسن الرفيعي ...
شامل عبدالقادر ...
اجريت حوارا مطولا مع المرحوم العقيد المتقاعد السيد محسن الرفيعي في اذار 1997 ونشرشته على جزأين في مجلة (الشباب) العدد 32 في نيسان- ايار 1997(ص6-7) والعدد33 في حزيران - تموز 1997 (ص4-6).
التقيت العقيد الرفيعي بمناسبة الذكرى 38 لثورة 14 تموز 1958 والذي شارك في الاستيلاء على قاعدة الحبانية وفرض الاقامة الجبرية على الضباط الانجليز الذين كانوا في القاعدة وقتذاك وقال لي انه يتحدث لاول مرة للصحافة العراقية .
قال الرفيعي: انتميت الى هيئة الضباط الاحرار بعرض من المرحوم رفعت الحاج عندما كنا سوية في حرب فلسطين واستمر عملنا حتى عام 1956 عندما انفجرت قضية مشتل صفاء العارف شقيق اسماعيل العارف الذي ادى الى كشف اسماء المشاركين في جلسة المشتل امام رفيق عارف رئيس اركان الجيش انذاك وبلغني شكيب الفضلي نقلا عن رفعت - وهذا الاخير نقل ضابط تجنيد في قلعة صالح-ان اجمد نشاطي وفعلا تم ذلك ونقلت الى معلم في مدرسة التعبئة الصغرى في الموصل ومنها نقلت الى الى الفرقة الثانية ومن هناك رشحت في دورة الى بريطانيا تسمى بدورة التعبئة الصغرىوبعد عودتي نقلت الى منصب مساعد في الفوج الثالث للواءالاول في المسيب ومنها الى ضابط ركن ثالث في اللواء الثامن في الحبانية ( من سخريات القدر ان يشارك هذا اللواء في انقلاب 8 شباط 1963 ضد نظام عبدالكريم قاسم-المحرر).
ويضيف الرفيعي:
-في الحبانية التقيت عارف عبدالرزاق وكان ينتمي الى احدى حلقات الضباط الاحرار وفاتحني بالانضمام الى هذه الحلقة ووافقت وكنا ثلاثة مسؤولين عن معسكر الحبانية : الرائد حسين خضر الدوري( تعين بعد ثورة 14 تموز عضوا في المحكمة العسكرية العليا الخاصة واعدم بعد انقلاب 8 شباط مع العقيد عبدالمجيد جليل وقيادي شيوعي بامر من الفريق عماش - المحرر) وعارف عبدالرزاق وانا!..
- كيف تبلغت بالثورة؟
-بلغنا قبل قيام الثورة بايام ان الثورة ستقوم عند حركة اللواء العشرين الذي كان مقررا له ان يغادر العراق الى الاردن وفي ليلة الثورة ركبت السيارة ومعي عارف عبدالرزاق وذهبنا الى الفلوجة لنتأكد من وصول مقدمة اللواء وفعلا عندما وصلنا الى الفلوجة شاهدنا معسكر المجموعة وبينهم آمر اللواء في المنطقة المحصورة بين الفلوجة والحبانية وتحدثنا مع امر المجموعة وهو ضابط مهندس لايحضرني اسمه الآن واكد لنا ان اللواء العشرين في طريقه الى الاردن في هذه الليلة وعرفنا ان الثورة ستقوم غدا في يوم الرابع عشر من تموز ...وبقينا ننتظر وصول رسول من بغداد الينا ولم يات واعتقدنا ان الضباط الكبار قد صرفوا النظر عن الثورة كما جرى في المرات السابقة..
وفي الساعة السادسة من صبيحة يوم الرابع عشر من تموز رن جرس الهاتف في داري وكنت اشغل منصب وكيل مقدم اللواء الثامن الآلي واذا بالمتكلم هو عارف عبدالرزاق وابلغني ان بيان الثورة الاول اذيع من راديو بغداد وعلينا ان نبدأ العمل . توجه عارف الى المقر وتوجهت الى مقري في اللواء بينما توجه حسين خضر الدوري الى الفوج الثالث من اللواء الثامن وخلال دقائق وبمساعدة بعض الاخوان من الضباط غير المنتمين لخلايا الضباط الاحرار سيطرنا على القاعدة وسيطر عارف على ما تبقى من منتسبي الجيش البريطاني في الحبانية ومنهم مجموعة الاستخبارات البريطانية في القاعدة كما سيطرنا على مخازن الاسلحة وتمكن عارف من احتجاز البريطانيين بكل هدوء وجردهم من اسلحتهم.
ويضيف :
-خلال هذه الفترة عينت قيادة الثورة العقيد الركن عبد الرحمن عبدالستار امرا للواء الثامن وعينت العميد الركن محيي الدين عبدالحميد قائدا لفرقة المدرعة الرابعة التي تقر اسكانها في الحبانية وفي يوم 15 تموز التحق الضابطان بمنصبيهما ونحن خلال هذه المدة التقينا بالقيادة العامة في بغداد.
-كيف تم اختيارك مديرا للاستخبارات العسكرية؟
-بعد فترة قليلة من قيام الثورة نقلت الى منصب ضابط ركن ادارة وميرة منطقة الحبانية وبعد اشهرنقلت الى منصب آمر مدرسة الصنائع الجويةوبعد حركة الشواف عام 1959 واعتقال رفعت الحاج سري مدير الاستخبارات العسكرية بعد الثورة ارسل علي عبدالكريم قاسم الذي كنت ازوره بين فترة واخرى عندما كنت في الصنائع الجوية( في احدى المرات ارسل الزعيم على امر الصنائع الجوية وكان عنده النائب ضابط عبداللطيف شقيق الزعيم وقال له باستنكار وعصبية : سمعت انك خصصت سيارة لنقل شقيقي عبداللطيف من المدرسة الى البيت هل هذا صحيح؟
اجابه الامر : كلا لم اخصص لشقيقك سيارة بل خصصت السيارة لنقل منتسبي الامرية ومن ضمنهم شقيقك عبداللطيف وبما ان بيت شقيقك في تل محمد وهو آخر بيت تصله السيارة اعتقد الناس ان السيارة مخصصة لعبداللطيف فقط - المحرر) وكانت تربطني بالزعيم علاقة قديمة منها الفترة التي اشتغلت فيها معه في فلسطين عام 1948 وفي احدى زياراتي له ابلغني رحمه الله بالحرف الواحد: انت بكره يصدر امرك معاون مدير الاستخبارات على ان لايعين للمديرية امر وعليك ان تلتحق فورا..
وانفككت من المدرسة والتحقت بمنصبي الجديد الذي كان يشغله المقدم خليل ابراهيم حسين الزوبعي ووجدت مديرية الاستخبارات مشلولة بعد اعتقال المرحوم رفعت وكان الذي يدير شؤونها فعليا العقيد الركن طه الشيخ احمد مدير الخطط العسكرية.
-وقال الرفيعي: وطلب مني قاسم مراقبة طه الشيخ احمد لانه كان ينام في النهار ويدوام في الليل بالعكس مني فاضطررت ان اداوم ليلا ونهارا.
-متى تعرفت الى عبدالكريم قاسم؟
-عندما التحقت بالكلية العسكرية عام 1938 كان هو آمر الفصيل الخامس في السرية الثانية وكان حريصا على شؤون طلابه وبقي فترة على رأس الفصيل ثم انتقل الى كلية الاركان ولم التق به الا في حرب فلسطين وكنت اشغل منصب مساعد امر وحدة الميدان الطبية الثانية وجاءني في احد الايام الى الوحدة ليعالج فشاهدني واخبرني بان اهيء نفسي للانتقال الى منصب مساعد الفوج الاول في اللواء الاول اي ضابط استخبارات الفوج وفعلا التحقت معه وبقيت حتى عودتنا الى العراق.
-ماهي انطباعاتك عن عبدالكريم قاسم؟
-رجل شجاع وهي ابرز صفة فيه وانا شخصيا عشت معه حرب فلسطين واطلعت على جوانب مثيرة من شجاعته .. كانت شجاعته في مرات كثيرة تفوق الحدود وغير مقبولة وكنت الازمه كظله في ايام فلسطين باعتباري ضابط استخبارات وكان لايعطي للموت اي قيمة وكانت القوات اليهودية تقابل قواته وتخشى الاصطدام به بينما كان هو لايوتقف عن تحديها.
-ماحكاية الميجر سمخا؟
-خلال فترة الهدنة صدر قرار من الجهات العليا بان يجري اجتماع يحضره عبدالكريم قاسم وانا من الجانب العراقي مع زمرة من العسكريين اليهود وترأس الجانب اليهودي الميجر سمخا وتراس الجانب العراقي المقدم الركن عبدالكريم قاسم وقد التقينا في الحد الفاصل بين كفر قاسم والارض الحرام وان اللقاء جرى بطلب من الامم المتحدة واذكر ان سمخا قال في الاجتماع مخاطبا عبدالكريم : ( اذا تستمر بتحرشك بنا فانني غدا ساتناول غدائي في كفر قاسم).
-رد عليه عبدالكريم قاسم : ( نعم ستتغدى في كفر قاسم ولكن كاسيرحرب).
-ماقصة المنشور الذي رمته الطائرات الصهيونية عام 1948 على فوجكم ؟
-مازلت احتفظ بهذه المنشورات التي رمتها الطائرات الصهيونية على قطعاتنا والمعروف للجميع ان اليهود كانوا يخشون الجيش العراقي اكثر من غيره من الجيوش العربية.. وان الدافع وراء القاء المنشور هو ان جنديا عراقيا هرب الى جانب العدو واستغلت قضيته ضد الآمر عبدالكريم قاسم وبالمقابل اراد سائق الميجر سمخا الهروب الى جانبنا وقد افضى برغبته لسائق عراقي في وحدتنا.
-ويمكن للمتتبع والقارئ الكريم مراجعة كتابنا(عبدالكريم قاسم : البداية والنهاية) الصادر عن الدارالاهلية في عمان عام 2002 ليطلع على التفاصيل الكاملة للمقابلة التي اجريناها مع المرحوم الرفيعي.
1344 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع