الصراع على عرش العراق ١٩٢١..عندما عارض حكمت سليمان اختيار فيصل لعرش العراق
كان حكمت سليمان ، - وكما يبدو - ، على علم بنبأ اختيار فيصل لعرش العراق ، ولما كان هذا الاختيار ، لا يتفق ورأيه بسبب ميوله التركية ، فضلا ًعن ، وقوف بريطانيا ، التي يكن لها العداء ، وراء هذا الترشيح ، لذا بدأ بمعارضة ذلك التوجه أسوة ً بمن عارضه من المثقفين المجددين ، كما انه وفي السياق ذاته ، أتخذ الموقف نفسه ، تجاه فكرة ترشيح ، أمير عثماني ليتولى ، عرش العراق ، ففي لقاء له مع المس بل ( Miss Gertrude Bell ) يوم 7 شباط عام 1921 ، أوضح قائلا ً ( إن الأتراك لا يستطيعون حكم أنفسهم فكيف تريدون احدهم إن يحكمنا ؟ ! ) ، وتمضي المس بل فتقول ، ان حكمت سليمان ، اقترح اسم عبد الرحمن النقيب لتولي العرش .
ومما ساعد حكمت في معارضته هذه ، بروز أفكار وتيارات عدة على الساحة منها ، فكرة الجمهورية ، والحزب ألشريفي ، فضلا ً عن ، وجود مرشحين عدة ، يرغب كل منهم بارتقاء ، عرش العراق ، وكان لكل واحد منهم إتباع ، وكان هؤلاء المرشحون ، يتفاوتون من حيث أملهم بالعرش ، بتفاوت مراكزهم وإمكاناتهم وموقف الحكومة البريطانية من كل واحد منهم ، وفي الوقت نفسه كانت هناك أفكار أخرى ، أخذت تتلمس طريقها الى مسرح الإحداث ، منها فكرة " العراق للعراقيين " ، التي تعني ، الرغبة في وجود حاكم عراقي يتبوأ عرش العراق وهي تكرار ، للأفكار التي سبق وان ترددت، في كل من ، سوريا، ومصر ، ولكنها كانت ، أيضا ً، دعوة للتجزئة والانعزال القطري ، تتنافى مع المصلحة القومية ووحدتها الشاملة ، أما في العراق فإنها ظهرت للحد من ، المشاريع التي أرادت اقتطاع أجزاء من البلاد ، كإلحاق البصرة بالهند ، وسلخ الموصل عن العراق ، وهي وقفت أيضا ً ، ضد العناصر غير العراقية ، كالبريطانيين ، والهنود ، وإشغالهم الوظائف العامة ، وضد المرشحين غير العراقيين ، للعرش العراقي ، ولكنها تحولت ، بسرعة ، لتقف ضد التيار الهاشمي ، وضد إسناد فيصل ودعمه لتولي عرش العراق ، وقد مثل هذه الكتلة ، عبد الرحمن النقيب ، وطالب باشا النقيب ، وتوفيق ألخالدي ، وعبد المجيد الشاوي ، ومحمد سعيد عبد القادر النقشبندي ، والشاعر معروف عبد الغني الرصافي ، الذي انضم اليها فيما بعد ، بالإضافة الى ، حكمت سليمان ، الذي ، أيد وتبنى هذه الفكرة وأصبح من المتحمسين لها .
كان أمرا ً طبيعيا ً ان يتبنى ، حكمت سليمان ، الاتجاه القطري العراقي وشعاره المطروح (( العراق للعراقيين )) ، في مواجهة الشعار العربي الذي طرحه البعض فـي ، إقامة دولة عربية ، وحكومة عربية برئاسة ملك عربي ، فأصله المملوكي ، يجعلـه يتفاعل مع الاتجاهات الوطنية المحلية ، او يتجاوب معها ، بشكل أفضل مـن ، الاتجاهات القومية العربية ، فهو يجد نفسه ، مؤيدا ً للتيار القطري العراقي ، اكثر مـن ، التيـار القومي العربي ، بسبب العوامل المار ذكرها ، فضلا ً ، عن شعوره بعدم الـود الذي يكنه للبريطانيين ، أصحاب اليد الطولي في هذا الترشيح ، والذي ترجمه فــي موقفه من ثورة العشرين ، كما انه ليس من باب الصدفة ، ان يقف ، حكمت سليمان ، الى جانب المعارضة التي كان احد أقطابها ، صديقه توفيق ألخالدي المعروف ، بالميول المعادية للشريفين وصاحب الأفكار التحررية ، ومن ابرز دعاة ، فكرة الجمهورية في العراق ، والمتعاطف مع الحركة الكمالية واتجاهاتها الجمهورية ، والتي غدت موضع اهتمام ، الصحافة المحلية والمحافل السياسية في بغداد ، حيث قضي الاثنان ، ردحا ً من الزمن سويـة في ألمانيا ، فلابد والحال هذه ، ان يكونـا ، قد ناقشا ، مستقبل الوطن وعرش العراق في ظل ، تقارب الأفكار فيما بينهما .
وفي السياق ذاته وحتى تأخذ هذه الفكرة حيزا ً بارزا ً بين أوساط المتنورين العراقيين آنذاك ، ابرق ، حكمت سليمان ، الى صديقه الشاعر ، معروف الرصافي ، الذي كان يدّرس في مدينة القدس ، طالبا ً منه ، الحضور الى بغداد مستعجلا ً ،(( لمسائل وطنية مهمة )) .
حضر الرصافي الى بغداد ، ونزل في دار ، حكمت سليمان ، الذي عرض عليه الفكرة، فحبذها وتحمس لها وبعد أول اجتماع بين الاثنين لوضع خطة العمل ، تقرر ، إصدار جريدة تنطق بلسانهم ، وتروج لفكرة العراق للعراقيين ، وتعارض ، التوجه الهاشمي ، على ان يكون الرصافي رئيسا ً لتحريرها.
صدرت الجريدة واختارت من (( العراق )) اسما ً لها ونشرت في احد أعدادها ، مقالا ً كان عنوانه (( حول عرش العراق )) بتوقيع مستعار(( عراقي مفكر )) ، وكان هو ، (( معروف الرصافي )) ، الذي ذهب فيه الى القول ( ان العراق للعراقيين ، يلزم ان يرأس هذا القطر المحبوب ، احد أبنائه وهو مسقط رأسهم ووطنهم الاغر ) ويرد الرصافي على الذين يدعون ، الى اختيار امير شريفي للعراق فيقول : ( … اما ما تفضل به احد أخواننا العراقيين من ان النهضة العربية الأخيرة قد بزغت شمسها في القطر الحجازي وخصوصا ً في بيت الشريف ملك الحجاز ولذلك يلزم ان يجلس على اريكة الملك احدهم ، فانه لم يصب بذلك ، كبد الحقيقة ، لان في النهضة ، المذكورة ، اشترك كثير من أبناء العراق ومتنوريه ، فيها وجادوا بالنفيس وجاهدوا حق الجهاد في ، سبيل الحرية والاستقلال ، لذلك ، فيمكننا ، ان نقول ، ان النهضة عينها ، ما قامت كما ينبغي ، الا بهؤلاء العراقيين ،وأمثالهم ، من العرب وليس بالحجازيين فقط ، فلهذا ، ليس لأمراء الحجاز ا الحق … ) . ونشرت الجريدة في عدد اخر مقالا ً ، يتسم بالجرأة والشجاعة ، واصفة ً ، حكومة فيصل بأن ( أبوها الانكليز وأمها الثورة العراقية ) .
لم تنجح الفكرة ، التي تبناها ، حكمت سليمان ، وكتلته ، والتي أعلنوا فيها صراحة معارضتهم لفيصل ، بسبب نفي طالب باشا النقيب ، مما جعل تلك الفكرة تندثر ، لا سيما وانه كان ، أشدهم اندفاعا ً وحماسا ً ، فضلاً عن ذلك ، فان تلك الفكرة لم تأخذ الحيز الأوسع بين اهتمامات المتنورين العراقيين آنذاك ، ويبدو ان السلطات البريطانية ، منعت تداول تلك الأفكار في الصحافة.
د .عكاب يوسف الركابي /عن رسالة ( حكمت سليمان ودوره في السياسة العراقية)
1298 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع