الأضواء تعود للسينما العراقية بعد سنوات من الظلام.. والسينمائيون العراقيون يشكون غياب الصالات

           

الأضواء تعود للسينما العراقية بعد سنوات من الظلام.. والسينمائيون العراقيون يشكون غياب الصالات!

إنتاج الأفلام العراقية بدأ في الثلاثينات وانحسر في التسعينات

الشرق الأوسط/لندن: معد فياض:كانت بغداد منذ عقود طويلة تزدحم بصالات العرض السينمائي.. صالات عرض صيفية مفتوحة وشتوية مغلقة بالطبع، وكانت ثقافة مشاهدة الأفلام السينمائية أسلوبا اجتماعيا وتقليدا تمارسه العوائل العراقية،..

                     

إلى جانب هذا كان هناك استوديو سينمائي صغير أنتج فيلم «عليا وعصام» بطولة إبراهيم جلال، بل إن العراق أنتج أفلاما سينمائية مشتركة مع مصر شارك فيها فنانون مصريون وعراقيون، مثل فيلم «القاهرة - بغداد» الذي شاركت ببطولته الفنانة عفيفة إسكندر وحقي الشبلي من العراق، ومديحة يسري وأحمد بدر خان من مصر وتم تصوير مشاهده في القاهرة وبغداد، وهو ثمرة تعاون بين شركتي «أفلام العراق» و«اتحاد الفنانين».

       

في الخمسينات غامر بعض الفنانين العراقيين وأنتجوا فيلم «من المسؤول» عام 1956، إخراج عبد الجبار ولي، وبطولة خليل شوقي، و«سعيد أفندي» عام 1957، إخراج كاميران حسني وبطولة يوسف العاني، وبتأسيس مصلحة السينما والمسرح عام 1960 التي أنشأت «استوديو بغداد» عام 1966 الذي جهز بمستلزمات الصناعة السينمائية من تصوير وصوت ومونتاج وكانت باكورة إنتاج المصلحة فيلمي «تلفزيون الجيران» و«الجابي».

                             

ولم تعتمد السينما العراقية وقتذاك على التمويل الحكومي، بل اتجه مجموعة من الشباب السينمائيين إلى تأسيس شركة «أفلام اليوم» التي أنتجت فيلم «الحارس» من إخراج خليل شوقي، وقد فاز الفيلم بالجائزة الثانية في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي عام 1969.

                                    

وفي السبعينات أخرج جعفر علي رواية غائب طعمة فرمان «خمسة أصوات». ومن أبرز الأفلام التي أنتجتها السينما العراقية في السبعينات والثمانينات هي «الظامئون» و«بيوت في ذلك الزقاق» و«النهر» و«الراس»، وغيرها من الأفلام الكوميدية والاجتماعية على الرغم من أن حزب البعث الذي حكم العراق منذ 1968، وخاصة سنوات حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ما بين 1979 و2003، حول السينما إلى أداة دعائية لأفكاره، حيث أنتج فيلم «الأيام الطويلة» الذي يعرض جزءا من حياة صدام حسين، أخرجه الفنان المصري توفيق صالح اعتمادا على رواية عبد الأمير معلة..

                     

وسلسلة أفلام «معركة قادسية صدام» خلال سنوات الحرب العراقية - الإيرانية 1980- 1988.

واليوم يشكل ضجيج مولدات الكهرباء وأسلاك الكهرباء المتشابكة والمشاجرات عند حواجز التفتيش كلها جزءا من صناعة السينما في العراق، فضلا عن نقص الاستوديوهات وندرة العاملين من ذوي الخبرة، لكن ممثلين كصادق عباس سعداء لمجرد عودتهم إلى العمل.

قال عباس عند بدء تصوير فيلم في بغداد مؤخرا إن «رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة»، مشيرا إلى أن هذه الخطوة الأولى بالنسبة للسينما العراقية.

وأحالت الحرب والعقوبات الدولية معظم البنية التحتية والصناعة في العراق، بما في ذلك صناعة السينما، إلى خراب.

وكان من شأن التمويل الحكومي أن يوفر نقطة الانطلاق التي تحتاجها صناعة السينما ولكنها لم تكن ضمن أولويات الحكومة، وكان آخر فيلم روائي طويل تموله الدولة في عام 1990. وكافح منتجو الأفلام المستقلون، وربما طرأ تغيير على ذلك الأمر.

وبعد مرور تسعة أشهر على رحيل آخر جندي أميركي من العراق وصل إنتاج النفط العراقي إلى أعلى مستوى له منذ عقود بفضل تعاقدات تقدر بمليارات الدولارات مع شركات أجنبية. وتظهر الحياة اليومية علامات على التعافي وأن الحياة اليومية باتت أكثر استقرارا وتقول الحكومة إنها تستطيع الآن أن تنظر مرة أخرى في تمويل الفنون.

وخصصت وزارة الثقافة ما يصل إلى 7.‏4 مليون دولار حتى العام المقبل وهو ما يكفي لتمويل 21 فيلما تتراوح بين أفلام روائية طويلة وأفلام قصيرة وأخرى وثائقية تتناول مواضيع حساسة مثل الصداقة بين الشيعة والسنة المشحونة بالصراعات الطائفية وقضية شرف العائلة.

قال إسماعيل الجبوري معاون مدير عام دائرة السينما والمسرح بوزارة الثقافة، إن «هذه مغامرة وضعت بها دائرة السينما والمسرح ونحن قبلنا بها. نشعر بحماس بأننا قادرون على المضي بذلك إن شاء الله، لأن السينما والمسرح لم تنتج قط أربعة أفلام في سنة واحدة».

                

ويأمل السينمائيون العراقيون بعودة الازدهار إلى صالات العرض السينمائي وتقليد حرص العوائل العراقية على مشاهدة السينما، وقال الموظف العراقي محمد مهدي، 40 عاما، لـ«رويترز» إن والدته تتذكر الذهاب إلى السينما لمشاهدة الأفلام الرومانسية المصرية مع والدهم تاركين الأطفال مع جدتهم، مشيرا إلى أن «الذهاب إلى السينما كان شيئا حالما بالنسبة لهم»، مضيفا وهو يضحك أن والده كان ينام غالبا في منتصف الفيلم.

وأضاف أن ذلك توقف مع اندلاع الحرب لأن والده كان في الجيش. وتابع قائلا «أمي تتأسى دائما لموت السينما العراقية».

وبعد أن غزا تحالف تقوده الولايات المتحدة العراق عام 2003 وأطاح بصدام حسين جرى نهب السجلات ومعدات صناعة الأفلام واستنزف العنف الطائفي الذي اندلع لاحقا القدرات الفنية للعراق.

وتباطأ إنتاج الأفلام بشدة وتدهورت البنية التحتية للصناعة، وأصبحت المعامل والكاميرات في حالة ميؤوس منها ودمرت دور السينما.

وحاولت شركات الإنتاج المستقلة جمع الأشلاء وذلك مع بعض النجاحات الملحوظة مثل فيلم «ابن بابل»، وهو فيلم حربي موله القطاع الخاص ونال عددا من الجوائز الدولية واختير لتمثيل العراق في مسابقة جوائز الأكاديمية الأميركية للسينما عام 2011.

ولكن عودة التمويل الحكومي تعني بداية جديدة لكثير من المخرجين المحليين حتى لو كانت المبالغ صغيرة وفقا للمعايير الدولية.

وبموجب البرنامج الحكومي فإن تمويل أي فيلم روائي قد يصل إلى 25.‏1 مليار دينار (07.‏1 مليون دولار)، بينما يتكلف فيلم قصير مثل فيلم «دموع رجل» الذي لعب الممثل صادق عباس دورا رئيسيا فيه 74 مليون دينار.

وقال قاسم محمد سلمان مدير إدارة السينما في وزارة الثقافة والمنتج المنفذ لأفلام بلغ عددها 21 فيلما، إنه لم يخصص سوى 40 مليون دولار لصناعة السينما في الفترة بين 2004 و2012.

وعبر سعد عبد الله مدير إنتاج فيلم «دموع رجل» عن سعادته، وقال «نحن فرحون لأننا شعرنا بأن هناك من يريد أن يدعمك ويعطيك حتى تشتغل رغم بساطة المبلغ لكن نحن سوف نعمل سينما راح تنتج».

ولكن الجميع لا يشعرون بالرضا. يقول قاسم عبد الذي عاد إلى العراق بعد عام 2003 ويقوم بتدريس الإنتاج السينمائي، إن مبادرة التمويل لا تتعلق بتشجيع المنتجين المحليين بقدر ما تتعلق بتحقيق مكاسب سياسية. وقال عبد «هذه مسخرة للدعاية السياسية وليس للثقافة».

ووافق مفيد الجزائري، وزير الثقافة الأسبق رئيس جمعية دعم الثقافة العراقية المستقلة، على ضرورة أن تكون الجهود الحكومية جزءا من خطة مستدامة يتم تنسيقها بين مختلف الفنون. وقال إنه عندما يكون القطاع الخاص ضعيفا تكون الحكومة وحدها هي القادرة على الاضطلاع بهذا الدور. وأضاف أن هناك حاجة لدعم جميع مجالات الثقافة، وهو أساسي لدفع الإنتاجية التي يمكن أن تنمو بمرور الوقت.

ويقول كثير من منتجي الأفلام والفنانين والموسيقيين والممثلين، إنهم أيضا يشعرون بالقيود التي تفرضها النزعة الدينية المحافظة في العراق الجديد حيث تسعى الأحزاب والميليشيات الإسلامية إلى فرض رؤيتها المتشددة للإسلام على الفن.

       

حتى لو حصلت صناعة السينما على دفعة فإن دور العرض لا تزال قليلة. وبينما تحسن الأمن لا يزال كثير من الناس يخشون التجمعات العامة.

قال سلمان إنه من بين 82 دار سينما كانت مفتوحة في العراق معظمها في بغداد، فإن 5 منها فقط لا تزال مفتوحة.

وتعمل بعض دور العرض الصغيرة الخاصة في بعض النوادي الاجتماعية، ولكن كثيرا من منتجي الأفلام يأملون في أن يعود العراقيون في وقت لاحق لدور السينما.

قال رعد مشتت مخرج فيلم «صمت الراعي»، وهو فيلم روائي طويل، إن «أمنيتنا أن يخلق شباك تذاكر لأن في كل العالم من يغذي السينما هو المشاهد، إن هو يشتري التذاكر»، مضيفا: «عندي أمل حقيقي أن تعاد السينما العراقية إلى الحياة مرة أخرى».
    

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع