سواح في أحد المواقع الأثرية
يجد أصحاب مكاتب السفر في رغبة العراقيين في السياحة على اختلاف أنواعها ، فرصة للاستثمار في هذا القطاع ليرتفع عدد المكاتب في المدن المختلفة بشكل مضطرد ، بل ان الكثير من المستثمرين اسسوا لهم مكاتبا في البيوت والبعض الآخر يتخفى وراء اسم وهمي يستدرج من خلاله الزبائن .
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد:على الرغم من ان الكثير من المكاتب السياحية في العراق غير مرخصة الا انها تعمل بوتيرة تفوق في بعض الاحيان المكاتب الرسمية ، لتصبح هذه المهنة متاحة لكل من هب ودب في البلاد . ومع انفتاح العراق الاقتصادي والثقافي على دول العالم ، باتت الفعاليات السياحية وسيلة جيدة للربح مما يشجع أصحاب المصالح على التوسع في الفعاليات السياحية على اختلاف أنواعها . ففي مدينة بابل (100 كم جنوب بغداد) يمكن احصاء نحو خمسين مكتبا ، يمارس هذه المهنة ، وجل هذه المكاتب يديرها أشخاص لم يتأهلوا اكاديميا لإدارة مثل هكذا أعمال . ويقول سعيد حسن ، الذي يركز في عمله على السياحة الدينية انه يستقطب كل شهر عددا جيدا من السائحين لزيارة العتبات المقدسة والأماكن الدينية في داخل العراق وخارجه. وخلال ستة أشهر نجح حسن في تنظيم نحو ثلاثين رحلة سياحية من الى إيران ، مؤكدا ان العمل قائم على قدم وساق ويتيح له التوسع أكثر.
ومهنة حسن في الاصل سائق ، ليكون حاله حال الكثير من السائقين الذي لهم خبرة في قيادة الحافلات ، حيث تحولوا الى أصحاب مكاتب سياحية . ولا يعتقد حسن ضرورة التأهل الاكاديمي لهذا المهنة ، اذ أن تجربته في السفر الى البلدان المختلفة تتيح له تحقيق النتائج المرجوة من مشاريعه السياحية . وإضافة الى ذلك ، فان حسن يدير ايضا مكتبا للشحن بين العراق وإيران وتركيا .
مكاتب مرخصة وأخرى مزيفة
وفي الوقت الذي لم يسجل فيه حسن مكتبه رسميا ، اذ لا حاجة لذلك بحسب زعمه ، فان اصحاب المكاتب الرسمية المسجلة لدى الدولة يمتعضون من منافسة الشركات غير المرخصة لهم بسبب تدني اسعارها ، ولجوئهم الى الكثير من الحيل لجلب الزبائن . والأكثر اثارة للقلق ايضا انتشار الشركات الوهمية التي تحمل الاسم فقط ويديرها اشخاص ( جوالون ) يطلق عليهم صفة (حملدار) ، يعرضون خدماتهم على الجمهور لاسيما في مواسم الاعياد والمناسبات الدينية . كما تمارس نساء ، المهنة من المنازل ايضا .
ويؤكد خالد الركابي صاحب مكتب (الديار المقدسة) في بابل ان عشرات الشركات الوهمية تنافسهم لقمة العيش من دون أي رادع ، وبينما المكاتب الرسمية تدفع الضرائب وتوفر الضمانات فان هؤلاء يكتسحون السوق بطرق ملتوية وبأسعار تنافسية مغرية لأنها لا تكلفهم الا القليل مقارنة بالتكاليف التي تتحملها المكاتب الرسمية من تأمين وضرائب.
كسب الزبائن
وفي مدينة الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد) فان حوالي سبعين مكتبا ينتشرون في المدينة ، في حين ان عدد المكاتب المجازة رسميا لا يتعدى العشرة في أحسن الأحوال . ولا يختلف الأمر في بقية المدن لاسيما تلك التي تضم مراقد مقدسة ومقامات دينية. أحد الذي ينظمون رحلات ( دينية ) الى المدن المقدسة في العراق وكذلك سفرات الى المراكز الدينية في ايران والأماكن التاريخية في تركيا ، هو منهل العبيدي الذي له نشاطات تجارية أخرى ، فهو غير تخصص في قطاع السياحة .
يقول العبيدي : جذبني هذا العمل لان الاستثمار فيه جيد والربحية عالية ، اضافة الى انه عمل ممتع . وحول عدم افتتاحه مكتبا رسميا معترفا به ، يقول العبيدي ان لا حاجة لذلك طالما هناك زخم كبير من الزبائن .
لكن العبيدي ينكر مزاعم البعض عن ان رخص الاسعار وحيل الدعاية هي التي تجذب الزبائن. يقول العبيدي :الأمر ليس كذلك ، اذ ان الخدمات الجيدة وتوفير الراحة للمسافرين ، والتجربة الجيدة هي السبب في نجاحنا وليس انخفاض الاسعار .
واجهة حضارية
وفي وقت يفترض فيه ان تشرف هيئة السياحة على هذه المكاتب فان دورها لا يذكر في المراقبة والتنظيم ، بحسب امين الخزرجي خريج معهد السياحة والفندقة منذ تسعينيات القرن الماضي ، حيث يقول ان الكثير من الخريجين عاطلون بسبب ارتجالية العمل وغياب القانون. ويضيف : المفروض ان لا تفتح هذه المكاتب السياحية التي تعتبر واجهة حضارية للبلد الا من قبل أكاديميين ومتخصصين ، كما هو الحال مع الصيدليات على سبيل المثال والتي لا ترخّص إلا لأصحاب الشهادات والأكاديميين ممن درسوا علوم الصيدلة والطب .
يقول امين : النتيجة اليوم فوضى سياحية ورحلات عشوائية ، تنظم بعيدا عن رقابة الدولة التي بدت غائبة تماما عن اخذ دورها في توجيه القطاع السياحي . ودأب العراقيون منذ العام 2003 ، الى السفر على شكل مجاميع سياحية الى الدول المجاورة مثل سوريا والأردن وتركيا وإيران وحتى لبنان ، كما يسافر اهل الوسط والجنوب ايضا بشكل حماعي الى أقليم كردستان في الشمال في أثناء العطل الصيفية والمناسبات الدينية .
وبسبب الواقع المتردي لقطاع السياحة في العراق ، نتيجة سوء الخدمات وعدم توفر المرافق العصرية ، تحول العراق الى بلد مصدر للسائحين في حين كان منتظرا ان يحدث العكس بسبب كثرة المواقع التاريخية والأماكن المقدسة في العراق .
المكاتب الوهمية
ويقترح رسول حامد الذي يدير مكتبا للحج والعمرة مراقبة المكاتب الوهمية وتسهيل الامر امام اصحاب المؤهلات الاكاديمية للحصول على إجازات مزاولة عمل . ولا يسمح قانون هيئة السياحة المرقم 14 لسنة 1996، بفتح شركات السياحة والسفر إلا بعد منحها إجازة ممارسة مهنة .
السياحة العلاجية
لكن المشكلة الاكثر اثارة للقلق ، وفيها من المخاطر ما يفوق المخاطر التي تسببها مكاتب السياحة غير المرخصة ، انتشار اعلانات السياحة العلاجية التي يقوم بها اناس غير مؤهلين اكاديميا للقيام بمثل هذا العمل التخصصي ، بل ان بعضهم لا يقرأ ولا يكتب ، على رغم ان الضوابط تقضي بان يدار مكتب السياحة العلاجي من قبل طبيب مسجل في نقابة الاطباء العراقية. وفي مدينة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد)، تنتشر في كل زوايا المدينة ملصقات تدعو الى السياحة العلاجية في الهند من قبل مكاتب تكفل للزبون اكمال كافة الاجراءات القانونية، بل ان بعض هذه المكاتب يضمن للمريض الشفاء لانه (أي المكتب) يتعامل مع ارقى المستشفيات وأحسن الاطباء في الهند.
وعن طريق مكتب للسياحة العلاجية عالج كريم الشيباني ابنه المصاب بمرض سرطان الدم اللوكيميا ليخسر حوالي خمسة وعشرين الف دولار ثمن العلاج الكيماوي على جرعات لفترى عشرة اشهر. لكن الشيباني اكتشف فيما بعد ان ذات العلاج بالجرعات الكيماوية متوفر في العراق وانه كان ضحية خداع مكتب السياحة الذي اقنعه بان العلاج في الهند يختلف كثيرا عما موجود في العراق.
688 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع