الگاردينيا تحضر مؤتمر 10 سنوات على احتلال العراق
إعداد الگاردينيا:
نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مدينة الدوحة يومي 10 و 11 نيسان/ أبريل الجاري، مؤتمراً دولياً بعنوان "عشر سنوات على احتلال العراق: التداعيات والتأثيرات"، بمشاركة خبراء وباحثين ومسؤولين من مختلف دول العالم وتجاوز عدد المشاركين الـ200 شخصية، وألقيت في المؤتمر عدة أبحاث علمية وشهادات عيانية.
ومن أبرز الشخصيات العراقية التي حضرت المؤتمر الأستاذ طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، والدكتور ناجي صبري الحديثي وزير الخارجية العراقي السابق.
الدكتور عزمي بشارة
مجلة الگاردينيا حضرت المؤتمر، الذي إبتدأ بكلمة للدكتور عزمي بشارة الأمين العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي ألقى كلمة افتتاحية قال فيها: أنّ العدوان الأنجلو - أميركي على العراق في عام 2003 حدثٌ مفصليّ غيَّر مجرى تاريخ المنطقة، وأثّر في فهمنا للسياسة العالميّة ككلّ. ورأى أنّ ما من حدثٍ أعاق تطوّر الديمقراطية في المشرق العربيّ كما أعاقها احتلال العراق. فقد أدى لتنفير الشعوب من التغيير ومن الاحتراب الطائفي الذي يتبعه، ومن فساد النخب المتحالفة مع المستعمرين، إلى درجةٍ جعلت فئات واسعة في المشرق تنفر من التغيير وتخشاه.
وأشار بشارة إلى المقاربة التي يتخذها المؤتمر الذي يعقده المركز العربي في الذكرى العاشرة لاحتلال العراق، معتبرًا أن المثقف الأمريكي والأوروبي قد يهتم بدراسة الخطاب السياسي والإعلامي الذي نشر الكذب لتعبئة الرّأي العام لدعم التدخل العسكري، بحججٍ هي عبارة عن افتراءات كاذبة، وهو الإعلام نفسه الذي أصبح بإمكانه أيضًا بعد أعوام أن ينشر كذب الكذب، أي أن يفنّد بنفسه الادعاءات التي سبق أن نشرها؛ ولكن المثقف والباحث العربي من حقه أن يطرح سؤالين مع بعض الحدّة. أولًا: هل كان الكذب يهم أحدًا لو لم يقاوم الشعب العراقي الاحتلال، ولو نجحت المخططات التي أوهم صناع القرار الناس أو أوهموا أنفسهم بأنها ستنجح؟ ثانيًا: هل الجريمة الحقيقيّة هي الكذب على الرّأي العام في أمريكا وأوروبا، أم الجريمة هي تدمير بلدٍ والعبث بمكوناته الاجتماعيّة وبكيانه الوطني ونسيجه الاجتماعي وتنصيب قيّمين للحفاظ على الدمار، وفرض دستور يؤطر الخراب بشكلٍ يصعّب استعادة لحمة الوطن في المستقبل القريب؟ وطرح تساؤلًا ثالثًا، وهو: كيف لنا أن نطرح على الآخرين مسألة محاسبة المجرمين بحق بلدٍ عربيٍّ شقيق هو العراق، ولا نسأل أنفسنا كيف يصول ويجول هؤلاء المجرمون أنفسهم في بلداننا ويُستقبلون كما تُستقبل الشخصيات المرموقة، بل وتُدفع لهم مبالغ مقابل أن يلقوا محاضراتٍ أمام من يعتبرون أنفسهم نخبًا اقتصاديّة واجتماعيّة، مثل توني بلير وجورج بوش ودونالد رامسفيلد ودنيس روس وتشيني وغيرهم. وقال إنه من سخرية التاريخ أن يعدّ بعض مجرمي الحرب هؤلاء وسطاء سلام بيننا وبين من يحتل أرضنا في فلسطين، وأن يعيّن توني بلير مستشارًا لدى بعض الحكومات العربية، ومنها حكومة ليبيا السّابقة، وهو الذي اقترح على بوش أن تكون الحرب بعد أفغانستان على ليبيا وليس العراق.
ولخص الدكتور عزمي تداعيات احتلال العراق بحسب وجهة نظره في ثلاث نقاط، أولًا إعادة اكتشاف وهو زيف فكرة التضامن العربي عند الأنظمة العربيّة التي كانت قائمة عندما بدأ التحضير للعدوان على العراق، وأنّ هذه الأنظمة تتآمر مع الولايات المتحدة مباشرة، وتتواطأ حتى مع إسرائيل إذا لزم الأمر، ضد دولةٍ عربيّةٍ شقيقة. ثانيًا، أنّ الشعوب العربيّة ترفض الاحتلال الأجنبي لبلداننا، ومهما اشتد الخلاف في المواقف السياسيّة فإنّ الشعوب تختلف عن الأنظمة في مسألة الحساسيّة تجاه الاحتلال الأجنبي وقضية فلسطين. ثالثًا، أنّ استهداف الهويّة العربيّة لشعوبنا في المشرق العربي يُقصَد به ضرب التماسك الاجتماعي لمجتمعاتنا ذات البنية الطائفيّة والإثنيّة المعقّدة، والقائمة في وعاء الثّقافة واللغة العربيّة. وأوضح بشأن هذه النقطة الثالثة أن الاعتراف بحقوق غير العرب في المنطقة لم يعد القضية التي تشغل من يريدون السوء بها، وإنما أصبحت المشكلة هي عدم الاعتراف بوجود عرب منذ أن قرّر المستشرقون أن يروا المنطقة من زاوية نظر إسرائيليّة واستعمارية تفضّل أن لا يكون العرب موجودين، وأن توجد في مقابل إسرائيل مجموعات من الطوائف والمذاهب والعشائر والإثنيات والجماعات غير المنظّمة.
وأكد بشارة أنّ الهويّة العربية المشتركة من أهم دعائم المجتمع الديمقراطي لأنها تحافظ على التماسك الاجتماعي أثناء ممارسة التعدديّة السياسيّة. أما تحلل الدّولة منها، وتأكيدها على الانتماءات الطائفيّة كصلةٍ بين المواطن والدّولة، فإنها تذهب بالمجتمع نحو محاصصة طائفيّة هي نوع من التعايش الذي قد يتحول إلى احتراب وخصومةٍ في أي وقت. وقال: "لقد علّمتنا تجربة العراق الكثير عن هذا، ونأمل أن تستفيد الثورة السورية من الدرس".
الجلسة الأولى: شهادات من الحرب:
عقب جلسة الافتتاح، خصصت أولى الجلسات لتقديم شهادات من واقع الحرب على العراق، على لسان شخصيات كانت في قلب الحدث. وتحدث فيها د. ناجي صبري الحديثي، وزير خارجية العراق من 2001 إلى 2003، وممثّل العراق الدائم في الوكالة الدولية للطاقة الذرّية. وتطرق في ورقته المعنونة "ما الذي فعله العراق لدرء خطر الحرب؟" إلى المسار الذي أخذه حشد الحجج الواهية لاحتلال العراق، مؤكدًا أنّ الحملة الأمريكية كان مخططًا لها منذ عشرين عامًا، وتحديدا بعد حرب الخليج الثانية 1990. ورأى أن هذه الحملة اتخذت مسارات أربعة: أولها سياسي ودبلوماسي من خلال الهيمنة على المؤسسات الدولية والأمم المتحدة لحصار العراق، وثانيها عسكري، بدأ منذ حرب الخليج الثانية واستمر بشكل متقطع من خلال ضربات جوية، وانتهى بالغزو في عام 2003. وثالثها مسار اقتصادي تجلى بالحصار الاقتصادي والتجويع الممنهج. وتحدث عن مسار رابع، وهو المسار النفسي باختراع الأكاذيب وتضليل الرأي العام العالمي.
وقال الحديثي إن العراق بذل جهده في إفشال المساعي الأمريكية، لكن لجان التفتيش التي أرسلتها الأمم المتحدة لعبت دورًا تجسسيًا وتآمريًا على العراق الذي قرر وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية في عام 1998. وعلى الرغم من محاولات العراق إعادة عمل المفتشين إلا أن الولايات المتحدة عملت وبمساع حثيثة لاستصدار قرار من مجلس الأمن عام 2002 يجيز شن العدوان. وبعد فشلها قامت وبريطانيا بخطوة منفردة بالغزو العسكري في انتهاك للمواثيق الدولية.
وقدّم هانس فون سبونك شهادته عن الفترة التي كان فيها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق (1989- 2000). وقال إن القرارات الدولية التي اتخذت بحق العراق كانت وسيلة للتصعيد ضد الشعب العراقي، لأنها كانت مفتوحة وغير واضحة وتحتمل التأويل بحسب تفسير كل دولة. وذكر أن أكثر من 5 مليارات دولار جرى حجبها عن العراق والشعب العراقي مع أنها كانت للأغراض الإنسانية.
وتحدث سبونك عن محاولات جادة جرت لمنع الحرب وفشلت جميعها. واعتبر سبونك أن فشل هذه المحاولات يعود إلى عدم فهم الغرب لطبيعة المجتمعات، فعلى سبيل المثال كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك، والمستشار الألماني شرودر يشترطان لزيارة بغداد تقديم النظام العراقي ضمانات للأكراد أو الشيعة، ما جعل مساعيهما تأتي ضمن شروط مسبقة، وهو ما كان يثير تحفظ الحكومة العراقية، وأدى إلى فشل الجهود الدولية لمنع الحرب.
مؤيد الونداوي
وتلاه في جدول المتدخلين الدكتور/ مؤيد الونداوي، الذي عمل باحثًا ومستشارًا سياسيًّا في بعثة الأمم المتّحدة العاملة في العراق في الفترة من 2005 إلى 2011، واعتبر أن العدوان قضى على الدولة العراقية ومؤسساتها وهو ما يدفعه إلى التشاؤم بشأن مستقبل العراق لا سيما في ظل العملية السياسية الحالية التي قامت على قرارات بريمر الذي وضع تفتيت العراق وتقسيمه غايته الرئيسة.
وقدّم القائد السابق للحرس الجمهوري العراقي الثاني الفريق الركن رعد الحمداني شهادته متحدثًا عن ضعف القوى العسكرية العراقية قبيل الغزو الأخير نتيجة حرب الخليج الثانية واستمرار الهجمات الجوية الأمريكية منذ عام 1990، والحصار الاقتصادي الذي أعاق تطوير منظومة الأسلحة العراقية، والصناعة العسكرية العراقية. وذكر أن أول نداء وجه للجيش للتجهز للحرب كان في 18/12/2002، مشيرًا إلى أنه على الرغم من طلب تجهيز الجيش للحرب إلا أنه لم يكن تجهيزًا كافيا لاعتقاد القيادة العراقية أن الحرب لن تقوم بسبب المواقف الدولية المعارضة لها، وأنها إن قامت فستكون محدودة.
واعتبر الحمداني أن انشغال النظام العراقي بإدارة الأزمة سياسيًا حال دون قيام مراجعة لقدرات العراق العسكريّة خاصة في الأشهر الثلاثة التي سبقت الحرب. وبعد حصول الغزو قال الحمداني إن "الجيش العراقي لم يكن لديه القدرة على منع تقدم العدو، فكان هدفه الرئيس تأخيره ليس إلا". وذكر أن الولايات المتحدة لم تحترم بعد الاحتلال الاتفاقيات الدولية، لا سيما اتفاقية جنيف، بحماية الأمن الوطني للدولة المحتلة، بل قام بريمر بحل الجيش العراقي.
وتحدثت أيضا كلير شورت الوزيرة السابقة للتنمية الدولية في بريطانيا خلال الفترة من 1997 إلى 2003 في جلسة الشهادات. وقالت في البداية إن أكثر من نصف الشعب البريطاني وبعد عقد على الغزو يرى أن الغزو كان خاطئًا وأن توني بلير يجب أن يحاكم كمجرم حرب. وتحدثت عن خداع وتضليل كبير حدث قبل الغزو للرأي العام البريطاني ولأعضاء الحكومة أيضًا.
وذكرت شورت أن وزارة الخارجية البريطانية وقبل الغزو بأسابيع أخبرت الوزراء في الحكومة أنه في حال الإطاحة بالنظام العراقي سيحتفظ أعضاء الحكومة العراقية بمواقعهم للمحافظة على الاستقرار، وأن عملية إعادة الإعمار ستكون سريعة وبجهد مؤسسات الدولة العراقية، وهذا لم يحصل برمته.
كما قالت إن توني بلير وبعد أحداث 11 سبتمبر واحتلال أفغانستان، كان يشير إلى أن ليبيا يجب أن تكون الهدف التالي، وهو ما يؤكد كذبة سلاح الدمار الشامل العراقي الذي اتخذ ذريعة للغزو. وذكرت شورت أن الغزو خلّف مأسي إنسانية، وانقسامًا طائفيًّا وخرابًا اقتصاديًّا ما يفرض على الجميع مواجهة التحديات للحفاظ على العراق ونهضته خاصة وأن المنطقة العربية تمر بمرحلة تاريخية نتيجة الثورات العربية.
وانتهت هذه الجلسة بمداخلة قدمها جوناثان ستيل تحدث فيها عن التداعيات السلبية التي خلفها الغزو الأنجلو أمريكي على العراق، خاصة بعد حل الجيش العراقي، وهو ما خلق فوضى واسعة في العراق.
اليوم الثاني:
شهد اليوم الثاني عقد أربع جلسات في سلسلة الجلسات الأكاديمية للمؤتمر، تناولت عددًا من الموضوعات الهامة التي أثرت في المشهد العراقي خلال العقد الماضي.
وقال الباحث يحيى الكبيسي، خلال الجلسة الأولى بعنوان "المقاومة العراقية ودورها في إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب"، إنّ المقاومة أسست استراتيجيتها على استهداف العسكريين، ممّا قلّص حجم الخسائر بين المدنيين، وسلّط الضوء على طبيعة المقاومة العراقية منذ الأسبوع الأول للاحتلال الأمريكي، وحلل أهم البيانات والأرقام المرتبطة بأعمال المقاومة وعملياتها الميدانية .. مشيرًا إلى دور الفكرة الإسلامية في المقاومة، إذ أنّ مظلّة المقاومة كانت إسلامية حتى عام 2007، ثمّ تراجع الطابع الإسلامي للمقاومة بعد ذلك عندما انفض عنها الكثير من الأتباع غير المؤدلجين.
وعدّ الباحث زهير حامدي، في الورقة الثانية المعنونة "النفط والطاقة دوافع ما قبل الغزو وما بعده"، فالنفط هو السبب الأساسي لاحتلال العراق، من دون أن يكون السبب الوحيد. وتحدث عن دور الاحتلال الأمريكي في توجيه سياسة صناعة النفط في العراق، والتي تولّت الحكومة العراقية الجديدة تنسيقها داخليًا، مشيرًا إلى معارضة المجتمع المدني العراقي لكل محاولات الهيمنة الغربية على النفط.
من جهته، أشار الباحث منقذ محمد الداغر في الورقة الثالثة المعنونة "الرأي العام العراقي .. عشر سنوات بعد الاحتلال"، إلى أنّ نتائج استطلاع للرأي أجراه في بداية الاحتلال أكدت أنّ أكثر من 80% من العراقيين كانوا مقتنعين بكون قوات التحالف هي قوات محتلة وليست محرِّرة. كما أكدت نتائج استطلاع آخر أجراه بعد عشر سنوات أنّ الموقف العراقي المجتمعي يرى أنّ ما حصل هو احتلال وكذلك استهداف للإسلام.
واختتم الباحث لقاء مكي الجلسة بورقة معنونة بـ "من تداعيات الغزو .. صورة العرب عند الغرب"، أشار خلالها إلى الصورة النمطية السلبية السائدة في الغرب عن العرب، وكيف جرى تعميم هذه الصورة من خلال وسائل الإعلام الغربية، وكيف سُحبت هذه الصورة على الإسلام، ثم تطوّرت أخيرًا إلى الربط المباشر بين الإسلام والإرهاب.
واستهل الدكتور محمد المسفر الجلسة الثانية لليوم الثاني بورقته عن "تداعيات الاحتلال على الوطن العربي"، مشيرا إلى التداعيات العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرب على العراق، وتوصل إلى نتيجة مفادها اتساع دائرة النفوذ الأمريكي في المنطقة من خلال وجود عسكري مخيف؛ فاحتلال العراق لم يكن فاتحة خير على الأمة العربية، وأحدثت فراغًا استراتيجيًا زاد فيه الوزن النسبي لإيران على حساب دول المنطقة، وأصبحت تركيا مستعدة لاستعادة دورها التاريخي في الإقليم، ما أدى إلى تعزيز الوجود الغربي في المنطقة بطلب من النخب السياسية الحاكمة فيها.
ورأى أنّ الحرب على العراق ولدت فرصًا واحتمالات لوقوع حرب جديدة أشد تدميرًا من غزو العراق واحتلاله، وهو ما انعكس في صورة صفقات تسليح ضخمة أبرمتها دول الإقليم، وسط جو محموم من صراعات المصالح الدولية.
وفي الورقة الثانية بعنوان "الخيارات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي بعد احتلال العراق"، رأى محمد السعيد إدريس أنّ من أهمّ التداعيات التي نتجت عن غزو العراق واحتلاله فرض معادلة المحاصصة السياسية على مكونات العراق، وتمكين القوى المعارضة الموالية للغزو من السيطرة على النظام الجديد، وهي نتائج شديدة الخطورة - في نظره - على هيكلية الدولة والمجتمع بالعراق، وامتدت إلى جوار العراق الإقليمي والخليجي على وجه الخصوص. وأشار إلى أنّ البعض كان يعتقد أنّ غزو العراق وسقوط صدام حسين سيحقق الأمن بالمنطقة، لكن العكس هو الذي حصل؛ إذ تفجّرت تحديات للأمن في دول مجلس التعاون، مثل دخول الإسلام السياسي وتزايد دور القاعدة والظهور القوي للشيعة سياسًيا في العراق، وفي بعض دول الخليج، والذين أصبحت لهم مطالب سياسية.
وأشار الباحث أنطوان شلحت في ورقته "انعكاسات غزو العراق على القضية الفلسطينية" إلى أنّ الغزو الأمريكي للعراق كان بالنسبة لإسرائيل، ذروة أخرى في "عهد جديد" يتعلق بتاريخ هذا البلد، وبموجب قراءته التاريخية، سلّط شلحت مزيدًا من الضوء على التحليلات التاريخية والأمنية الإسرائيلية التي ترى أنّ العراق دولة مواجهة مع إسرائيل، وأنّ العراق أرسل المرة تلو الأخرى - وفي ظل حكومات متعددة - جيوشًا لمحاربة إسرائيل. وباستناده لتقديرات استراتيجية إسرائيلية، لفت الانتباه إلى عوامل كثيرة ارتبطت بالانسحاب الأمريكي من العراق، وبقول إن هذه العوامل لا تصب في مصلحة إسرائيل، لعدة اعتبارات، أهمها : تنامي النفوذ الإيراني في العراق، واحتمال تحوّل العراق إلى دولة مصدّرة للإرهاب، إضافة إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة الدولية والإقليمية.
أما الجلسة الثالثة من اليوم الثاني كانت الورقة الأولى بعنوان " الأسرلة .. الغزو والاحتلال الأمريكيّ للعراق"، للباحث مروان بشارة الذي حاول من خلالها استعراض أهمّ العناصر الموجّهة للذهنية الأمريكيّة في قرار احتلالها العراق، وهي العناصر نفسها التي تحكم رؤية إسرائيل للعالم والمنطقة، وهي الحالة التي انتهت بالأمريكيّين إلى تقمّص الشخصية الإسرائيليّة. ودعم بشارة عرضه بمقدّمة تاريخية أبرزَ من خلالها تجذّر هذه العناصر في التاريخ السياسيّ الأمريكيّ.
وأشار إلى أنّ الأسرلة التي تعرّضت لها أمريكا دفعت بها إلى التصرّف كدولة مارقة، بينما دفعت إسرائيل إلى التصرّف كإمبراطورية، وهو ما انتهى بالولايات المتّحدة إلى الفشل. ويعتقد الباحث أنّ مساعي أوباما الأخيرة تعبّر عن رغبة الأمريكيّين في التحرّر من أسر الرؤية الاستراتيجية الإسرائيليّة.
وقدّم أسامة أبو ارشيد الورقة الثانية بعنوان "تأثير الانسحاب الأمريكيّ من العراق في أولويّات الاهتمام الأمريكيّ في العالم"، التي تناول فيها التقدير الأمريكيّ للانسحاب من العراق، وهو تقدير لم يأخذ في حسبانه العامل الأخلاقي، بل اعتمد على الخسائر والتحدّيات التي تطرحها المنافسة الصينيّة، وعدم ارتداع إيران وكوريا الشماليّة.
وبعد تحليله الوضع الأمريكيّ بعد الانسحاب من العراق، ختم أبو ارشيد ورقته بالإشارة إلى الأولويّات الأمريكيّة اليوم، والتي جاءت واضحةً في خطاب أوباما عن حالة الاتّحاد الأخير، والتي تأسّست على إعادة بناء الاقتصاد الوطني، والاهتمام بالخارج من منظور اقتصادي.
أمّا الورقة الثالثة، فكانت للباحثة اليابانية كيكو ساكاي بعنوان "تدخّل القوى الدوليّة غير الغربيّة في غزو العراق .. اليابان نموذجًا"، اهتمّت الباحثة في ورقتها بمقاربة المشاركة اليابانيّة في الغزو الأمريكيّ للعراق، إذ استعرضت في البداية العلاقات التاريخيّة التي ربطت بين اليابان والعراق، وبعد ذلك أشارت ساكاي إلى الدور اليابانيّ الجديد في العراق بعد الغزو، والذي زاوجت فيه بين الحرص على المصالح الأمنيّة والمصالح الاقتصاديّة. وأشارت في ختام ورقتها إلى أنّ احتلال العراق كان فرصةً لحدوث تحوّلٍ في العلاقات اليابانيّة الأمريكيّة.
واختُتمت المداخلات بكلمة للباحث مثنّى حارث الضاري، والتي ركّز فيها على دور المقاومة العراقيّة في مواجهة الاحتلال الأمريكيّ، متناولًا طبيعة المكوّنات الأساسية لهذه المقاومة وتوجّهاتها. وأشار إلى أهمّ المراحل التي مرّت بها المقاومة.
وفي الجلسة الأخيرة من المؤتمر، قدّم سلام مسافر قراءته للمحدّدات الداخلية والخارجية للموقف الروسي من غزو العراق عام 2003 ؛ مشيرا إلى أن الكرملين سعى للحفاظ على موقف مستقل وصف في حينها بأنه غير مريح للاعبين الرئيسيين؛ لكنه وبعد سنوات من احتلال العراق، بدا منسجمًا مع النهج البراغماتي لرجل روسيا القوي فلاديمير بوتين. وحسب مسافر فإنه رغم تصريحات الروس التي لم تؤيد العمل العسكري ضد العراق إلا أنها لم تقف حائلا دونه.
من جهته اعتبر حميد دباشي أستاذ كرسي "هاكوب كفوركيان" للدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا أن الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وللعراق عام 2003 جاء ليصب كلياً في مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويحقق لها فائدةً استراتيجيةً كبيرة، عبر إزاحة اثنين من أبرز أعدائها صدام حسين في الغرب وطالبان في الشرق.
أما سرهاد ايركمان وفي ورقته " نتائج غزو العراق في الشرق الأوسط: الحالة التركية" رأى غزو العراق تسبب بحدوث حالة أمنية جديدة بالنسبة إلى تركيا، وشخّص آثار الغزو على العراق وتداعياته على أمن تركيا .. مشيرا إلى أنه في أعقاب الغزو الأمريكي على العراق، تنامي نشاط حزب العمال الكردستاني الذي استخدم الأراضي العراقية قاعدة انطلاق لهجماته ضد تركيا، إضافة إلى ذلك، اعتبرت تركيا والدول الأخرى ذات الأقليات الكردية في سعي أكراد العراق نيل استقلالهم تهديداً سافراً لوحدة أراضيها.
كلمة الختام سيار الجميل:
وفي نهاية أعمال المؤتمر، قدّم الدكتور سيار الجميل الأستاذ الباحث في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كلمةً ختاميّةً، شكر فيها - باسم المدير العام للمركز - المشاركين في المؤتمر، ولخّص أبرز ما تداوله المشاركون طيلة الجلسات التي امتدت على يومين والنقاشات المثمرة التي شهدتها.
{jacomment off}
1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع