على الرغم من أن العراقيين يختلفون حول القيمة المعنوية لنصب الجندي المجهول، الا انهم يتفقون على انه مَعْلم فني يضفي سمة عصرية وشعورًا بالفخامة المعمارية للعاصمة بغداد، لا ينبغي إزالته.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: يرى بعض العراقيين أن نصب الجندي المجهول يمثل رمزًا للحروب التي قام بها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بحسب ذوي الضحايا، لاسيما الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988) التي خلفت اكثر من مليون قتيل، بينما يعتبره جمهور آخر رمزًا لقوة العراق وتضحية الابناء من اجل الوطن.
ويقول كريم لفتة الذي فقد اثنين من اخوته خلال الحرب العراقية الايرانية إن النصب يذكره بضحايا الحروب العبثية التي خاضها العراق. و لا يرى لفتة في النصب أي قيمة معمارية او فنية طالما أن رمزه المعنوي يذكّره بالظلم وخسارة إخوته، مؤكدًا عدم زيارة العراقيين للمكان منذ تأسس النصب، لأنهم غير مؤمنين به.
وعلى النقيض من مشاعر لفتة، يتحدث سعد عبد القادر عن النصب الذي يمثل أحد معالم بغداد الشاخصة، التي يفخر بها كل عراقي، ويرى أن هذا النصب يخلد ضحايا العراقيين الذين سقطوا دفاعًا عن بلدهم بوجه الطامعين.
وبين هذين الرأيين، رأى الفنان والنحات العراقي رياح الحلي الذي يرى أن النصب مهما اختلفنا حوله، أصبح جزءًا من ذاكرة بغداد الثقافية والحضارية، يتوجب على الجميع المحافظة عليه وعدم ربطه بزعيم سياسي او مرحلة سياسية معينة.
تقنيات الثمانينات
يصف النحات رياح النصب بأنه عبارة عن صحن طائر مفتوح يمثل درع محارب تقليدي، مفتوح إلى السماء ليعبر عن حالة التسامي الروحي للشهيد مع الله. كما يضم النصب متحفًا تحت الأرض، يضم الكثير من الرموز التي تذكّر العراقيين بالحرب التي خاضتها بلادهم مع إيران. ويتابع: "تقنيات البناء ومواده تعود إلى فترة الثمانينات وهي تقنيات تبدو قديمة اليوم قياسًا إلى أساليب وتقنيات تأسيس النُصُب في الوقت الحاضر".
والنصْب من تصميم النحات العراقي الراحل خالد الرحال، الذي دُفِن في المكان نفسه. ويقع النصب في ساحة كبرى صُمّمّت للاحتفالات، حيث أقيم بجانب نصب الجندي المجهول، وقوس النصر في العام 1989، لتصبح المنطقة مليئة بالرموز التي تخلد أحداثا مهمة في تاريخ العراق.
هضبة اصطناعية
يبدو النصب من بعيد مثل هضبة اصطناعية عالية، يتركز في محورها سارية العلم العراقي المنحوت بشكل اسطواني. وشُيّد الصحن من مواد لا تتعرض للصدأ ولا تتأثر بالظروف الجوية. وفي أرجاء المكان يلمس الزائر تناغمًا رائعًا بين الفولاذ والنحاس والرخام والزجاج. و يحتوي الدرع على سبع طبقات من المعدن في دلالة على السماوات السبع في العقيدة الإسلامية. ويشير الفنان رياح إلى مادة الاكريليك الأحمر بين الطبقات والتي تخلد دماء الشهداء الذين سقطوا في ساحات المعارك.
لكن الاهمال خلال الحرب والفوضى الامنية اصاب تقنيات المكان بمقتل، ولم تعد الكثير من مرافقه تعمل، ومنها الأضواء التي تشع أمام الزائر بصورة تلقائية عبر النوافذ والأبواب على هيئة مشاعل ملونة.
ويشير جعفر حسين الذي ينظم سفرات سياحية إلى المكان إلى أن الاجراءات الامنية اغلقت النصب و المعالم الاخرى، ليتحول المكان إلى مقصد سياحي ميّت في الوقت الحاضر.
محاولة إزالته
كانت أهم المراحل الحرجة التي مر بها النصب حين سعى البعض إلى إزالته بعد سقوط نظام صدام، باعتباره رمزًا ماضويًا يشير إلى حقبة دموية في تاريخ العراق. ويقول الباحث الفولكلوري حسن الحسيني إن مشروع الازالة كان جديًا الامر الذي ناشدت فيه بعض الجهات الحكومة لإيقاف هذا المشروع، ولاسيما ان البعض سعى إلى إزالة قبر مصممه خالد الرحال من مكانه.
يتابع الحسيني: "لكن قرارًا حكوميًا صدر في اللحظات الاخيرة أبقى على القبر في مكانه وأوصى بادامته".
ويقول رياح إن من الاسباب التي جعلت البعض يفكر في إزالة قبر مصمم النصب، أن النحات المعروف الذي توفي في العام 1986 صمم بعض الاعمال التي اعتقد البعض أن جميعها تمجد حكم صدام حسين، وكل هذه الاعمال ترمز إلى حروبه ومنها نصب الجندي المجهول، وقوس النصر، ونصب المسيرة. وكوْن بغداد عاصمة الثقافة العربية في هذا العام، اتاح للجهات المعنية تأهيل النصب.
466 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع