صورة من الأرشيف
حل موسم الامتحانات النهائية وحل معه موسم تجارة رائجة، هي تجارة أسئلة الامتحانات المسربة. وهذا التسريب يساهم في تراكم ضعف القدرات العلمية لدى العراقيين، كما يقهر إرادة الجادين بينهم.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: يسابق طلابُ العراق الزمنَ، ليس للمطالعة والتركيز على الدراسة، بل لشراء اسئلة الامتحانات التي غالبا ما يشتعل سوقها قبل يوم أو يومين من موعد الامتحانات. وكلما اقترب موعد الامتحان، زادت الأسعار وارتفعت بورصة الأجوبة، وتقهقرت ارادة الطلاب الاذكياء والمجدين في طلب العلم. فقبل يوم من الامتحان، شرع احمد الحسيني، طالب الاعدادية في المرحلة الاخيرة، في اتصالات تلفونية لا تتوقف، وحرص على أن يكون لديه رصيد كاف من المكالمات لغرض تأمين الاتصالات مع تجار الاسئلة الذين يعرضون خدماتهم على الطلاب. ويقول الحسيني إن العام الماضي شهد حصول اخيه مهند على معدل درجات جيد اهله للدخول إلى الجامعة، بعدما استطاع شراء اسئلة اللغة الانكليزية والرياضيات بمبلغ مائتي دولار لكل مادة. لكنه يعترف أن اخيه كان ضحية خداع، فقد اشترى اسئلة الكيمياء قبل يوم واحد من موعدها ودفع مائة وخمسين دولارًا لاجل ذلك، ليتبين له في ما بعد انه ضحية عملية نصب واحتيال، اذ كانت الاسئلة تختلف تماما عن تلك التي وردت في الامتحان. ويضيف: "حصل اخي على درجة النجاح بصعوبة بالغة".
وأعلنت هيئة النزاهة هذا العام أن 35% من الطلبة ايدوا تسرب اسئلة الامتحانات للمرحلة الثانوية، فيما اشارت إلى أن 20% حصلوا عليها.
أجر وثواب
بسبب هذه الفوضى الدراسية، يقول الطالب المجد علي فرحان أن "الشاطر يشعر باليأس والألم لما يحدث، لاسيما حين تظهر النتائج مغايرة لحقيقة مستويات الطلاب المعروفة".
ويتابع: "هناك اسئلة تتسرب ويكون ضحيتها الطلاب الجادون، الذي يبذلون جهدًا استثنائيًا طوال السنة للحصول على معدلات جيدة". ويتحدث شاكر عبد عون، نائب رئيس اللجنة الدائمة للامتحانات في وزارة التربية، عن تعامل الوزارة الشديد مع حالات الغش، وحرصها على عدم تسرب الاسئلة. ويقول حبيب حسين، الذي يعمل في مكتب طباعة واستنساخ وبيع اللوازم المدرسية، أن اسعار الاسئلة المسربة يتراوح بين 200 إلى 500 دولار، بحسب الضمانات المقدمة. وقال: "بيعت اسئلة اللغة الانكليزية في مدينة الشعب العام الماضي قبل ساعتين من موعد الامتحان بنحو 600 دولار".
لم يدرس الطالب صالح العبيدي طوال السنة، يمسك بهواتفه النقالة وينشغل عبر الانترنت بتبادل المعلومات الخاصة بآخر الاخبار عن تسريبات الاسئلة. يقول: "لا داعي للقلق طالما هناك سوق للاسئلة، لكن هناك بعض المحتالين الذين يبيعون أسئلة مزيفة".
ولا يقتصر تسريب الاسئلة على البيع والشراء، فهنالك متطوعون يوزعون الاسئلة لكسب ألاجر والثواب. ويقول العبيدي الذي يدرس في ثانوية الهاشمية جنوب بابل إن احد الاشخاص يحمل عشرات الاوراق التي تحتوي على الاسئلة، وهو يتجول بين مجموعات الطلاب المتهيئين للامتحان، وهو يهتف: "ثواب، هذه الاسئلة، ثواب".
في الوقت نفسه، يشير صبار جاسم في الخامس الاعدادي، إلى أن طلاب الصفوف غير المنتهية يمكنهم شراء الاسئلة مباشرة من الاستاذ الذي يتلقون الدروس الخصوصية عنده. يقول: "ليس الغرض من دروس التقوية مدفوعة الثمن رفع المستوى الدراسي وتحسين الاداء، بقدر الحصول على الاسئلة من الاستاذ".
بالرسائل القصيرة
يقول المدرس فخري الشريفي إن العملية التعليمية الجارؤية الآن تتمخض عن جيل جديد بمستوى علمي ضعيف جدًا، لا يؤهله لمواكبة تطورات العلم والتقنيات والثقافات. ويضيف: "لا تستغرب إذا صادفت طلابًا اجتازوا البكلوريا الاعدادي وهم يعانون نقصًا قي الكثير من المهارات العلمية والأكاديمية".
وتقول الناشطة النسوية والمدرسة حميراء سعد إن مجرد بث الاشاعات عن تسريب أسئلة الامتحانات، يخلق بيئة فاسدة وفوضى لا يستطيع الطالب معها الاستمرار في المطالعة لشعوره بغياب العدالة. وتضيف: "اصبحت العملية التعليمية في الكثير من المواقف عملية تجارية بحتة، ويتحمل الطلاب والمدرسون مسؤولية ذلك على حد سواء".
ويقول عباس الطائي، وهو أب لطالبين في المرحلة النهائية اعدادي، إن انتشار إشاعات تسرب الاسئلة أثر كثيرًا على الحالة النفسية لولديه، اللذين وجدا نفسهيما في معمعة بيع وشراء الاسئلة من غير أن يشعروا بذلك.
ويعترف الطالب كامل الطائي بأن الكثير من الطلاب يعوّلون على الرسائل النصية عبر الهواتف المحمولة في تداول الاجوبة. ويشير ايضًا إلى أن العملية التجارية للأسئلة تبدأ قبل ايام من موعد الامتحانات. واعترف أن احد التجار أسرّ له بأنه اتفق مع مدرس على بيع اسئلة اللغة الانكليزية للطلاب مقابل أن يؤمن للمدرس ألفي دولار.
ومن ابرز وقائع تسرب الامتحانات كان نشر منتدى الكتروني في العام الماضي اسئلة امتحان الاقتصاد للسادس الأدبي، حيث اكد الطلاب وقتها أن الأسئلة المنشورة على المواقع مطابقة لأسئلة الامتحان التي امتحنوا بموجبها.
616 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع