بالفيديو: مصير جهازك الإلكتروني القديم

  

يكاد لا يخلو بيت منها. تراها مرمية في أحد زوايا الأدراج أو المستودعات أو خزائن المطبخ، متشابكة ومتراكم عليها الغبار وبانتظار مصيرها الأخير في الذهاب إلى سلة المهملات. إنها بقايا الأجهزة الإلكترونية القديمة.

باتت هذه النفايات الإلكترونية تشكل ظاهرة خطيرة، فهي في تزايد كبير في الكم، وإذا أردت أن تتخيل كمية النفايات الالكترونية التي يخلفها كل شخص سنويا، فكر كم مرة قمت بتغيير هاتفك الجوال أو كمبيوترك المحمول أو اللوحي أو جهازك التلفزيوني أو غيره منذ عام من الآن. وماذا عن باقي أفراد أسرتك وأصدقائك وجيرانك؟ وهل فكرت مرة ما هو مصير الجهاز القديم الذي تتخلص منه؟

كما يقول المثل الشهير، "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، لهذا قلما تجد أحدا يفكر في مصير النفايات والمهملات التي يتخلص منها لحظة خروجها من باب منزله، لكن مجرد اختفاء المهملات عن ناظرك لا يعني أنها اختفت عن الوجود. فحين تتخلص من جهاز الكمبيوتر أو الجوال الخاص بك، ينتقل إلى مكب حيث توجد أطنان من جبال النفايات التي تنتظر أن تحرق ويتم التخلص منها.

45 مليار كيلو غرام، أو 50 مليون طن، هو كمية النفايات الإلكترونية التي ينتجها البشر سنويا، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في العامين القادمين. فحسب إحصائيات أحد الشركات المسؤولة عن إعادة التصنيع في الدولة، في عام 2004 وحده، أصبح نحو 315 مليون حاسوب شخصي غير صالح للاستخدام، كما تم إنتاج 850 مليون هاتف نقال في عام 2005. وقد صرح الاتحاد الدولي لمشغلي الهواتف النقالة إن عدد الاشتراكات في خطوط الهاتف المحمولة سيرتفع عالميا من 3,9 مليارات العام 2008م إلى 5,6 مليارات العام 2013.

وأسباب هذا الازدياد في الاستهلاك يعود لقصر العمر الافتراضي للجهاز، مثلا، بينما كان العمر الافتراضي لجهاز الكمبيوترعام 1997 يصل إلى السبعة أعوام، أصبح حاليا لا يزيد عن ثلاث سنوات. وهذا القصر في العمر الافتراضي ناتج عن تطور التكنولوجيا الذي جعل المصنعين قادرين على زيادة سرعة الأجهزة كل 18 شهرا، ليستبدلوها بما هو أحدث منها، حيث يررغب المستهلك بالحصول على الأحدث والأسرع ما أمكن. لكن هذه الشركات المصنعة لها دور أيضا في زيادة النفايات، فبعضها يصنع الأجهزة بحيث تكون سهلة العطب وغير قادرة على مقاومة الصدمات، وإذا عطبت يكون إصلاحها صعبا وباهظ الثمن ويصعب وجود قطع تصليح لها، فيجد المستهلك أنه من الأسهل رمي الجاز القديم واستبداله بجديد، لينتهي المطاف بالجهاز القديم في أحد جبال النفايات، لينم حرقه مع النفايات الأخرى.

لكن إحراق جهاز إلكتروني كارثة بيئية بحد ذاتها. يقول مصطفى نصّار، مدير تطوير الأعمال في شركة دبليو أم إس للصناعات المعدنية، "المواد المستعملة في صناعة لإلكترونيات تحتوي الكثير من المعادن الثقيلة والمواد السامة ذات الضرر البالغ على الصحة والبيئة. فهذه النفايات تختلف كثيرا عن النفايات العادية لأنها تحتوي مواد مثل الزئبق، الرصاص، والزرنيخ. وعندما يتم التخلص من النفايات الإلكترونية بشكل غير صحيح، تنتج مواد سامة جدا."

وتضيف المهندسة عذيبة القايدي، مدير إدارة الكيماويات و النفايات الخطرة في وزارة البيئة والمياه، "المتأثر الاول من النفايات الالكترونية هو الانسان ثم تأتي العناصر الاخرى في البيئة كالهواء، والماء، والتربة ، حيث تتراكم المعادن والبلاستيك والمواد الكيمياوية السامة التي تتكون منها الاجهزة الالكترونية كلوحات الدوائر الكهربائية وأنابيب الزجاج والأسلاك والمقاومات وغيرها من الاجهزة الداخلية، هذا بالإضافة إلى احتوائها على المعادن الثقيلة بما فيها الزئبق والكادميوم والقصدير التي تعمل على تلوث المياه الجوفية وتصنيفها كنفايات خطرة يمنع استيرادها إلى الدولة طبقا للقانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها".

فمثلا، تحتوي شاشات الحاسوب والتلفزيون على ما يصل إلى 3.6 كيلوجرامات من الرصاص، والذي يؤثر على الدم ونسبة الذكاء عند الأطفال إن تعرضوا له إذا كسر احد الأجهزة. أما الشاشات المسطحة فتحتوي على الزئبق الذي قد يؤذي الجهاز العصبي. وهذا أيضا يشمل البطاريات على مختلف أنواعها، والتي يحظررميها في المهملات لما لمادة الليثيوم المستخدمة في تصنيعها من آثار سامة على البيئة. وطبقا لدراسة أسترالية عن النفايات الإلكترونية، وجد أنها تشكل الجزء الأكبر في تلوث المياه الجوفية في كاليفورنيا واليابان مما جعلها تتخذ إجراءات سريعة بوضع قوانين للحد من كمية النفايات الإلكترونية.
          

وعلى الرغم من أننا لا نشعر بآثار النفايات الإلكترونية المباشر علينا، هناك مدن في بعض الدول النامية أصبحت شبه مدفونة تحت ملايين الأطنان من النفايات الإلكترونية التي تردها من دول العالم الأول، مثل لاغوس في نيجيريا، والتي يصلها شهريا 500 صهريج وحاوية بحمولة تعادل حجم 400،000 شاشة كمبيوتر أو 175،000 جهاز تليفزيون كبير. ويقول السيد مصطفي نصار "عملية  تصدير النفايات لبعض الدول النامية لاستخراج المعادن النفيسة التي تستخدم في تصنيعها قد تبدو مغرية لأنها طريقة رخيصة ومربحة.

        

لكن في هذه العملية يتم التخلص من النفايات بطريق غير صحيحة"، حيث يعيش أهالي هذه المدن من العمل في تفكيك النفايات الإلكترونية لاستخراج المعادن النفيسة المستخدمة في التصنيع مثل الذهب والنحاس والفضة، ويفككون الأجهزة بأياديهم دون لبس أي مواد عازلة، ويحرقونها ويستنشقون البخور السامة التي تصدر منها ثم يرمونها في مجارى المياه وقرب التربة، لتصبح الطبيعة ملوثة ويصبح السكان عرضة لأمراض السرطان والتشوهات الخلقية نظرا للإشعاعات التي تصدر من المواد التي ذكرت في الأعلى.


إذا استمر استهلاك الفرد للأجهزة الإلكترونية دون الوعي بأضرارها على البيئة، فهذا لا يعني سوى تراكم ملايين من الأطنان الإضافية من النفايات كل عام. وهذا يعني المزيد من الاضرار على الصحة والبيئة. وتوصي المهندسة عذيبة القيدي المستهلك  بمراعاة "اختيار الاجهزة الالكترونية الاقل ضررا على البيئة وعدم التخلص العشوائي من هذه النفايات، والتعاون مع الجهات المختصة في التخلص السليم من هذه النفايات. وتقوم الوزارة بالعديد من البرامج والأنشطة للحد من الاثر السلبي للنفايات الالكترونية، بالتنسيق و التعاون مع الجهات المعنية." بالإضافة لذلك أوصت بالاقتصاد ومراعاة البيئة حين استخدام استهلاك الأجهزة الإلكترونية، بحيث نحرص على استخدام الجهاز حتى نهاية عمره الافتراضي، ونحاول التقليل من شراء الأجهزة التي لسنا بحاجة  لها، و السعي لإصلاح الأجهزة الإلكترونية المعطلة دون التخلص منها واستبدالها ما أمكن.

ومن جهة أخرى، أفضل حل للتعامل مع النفايات الإلكترونية هو إعادة تدويرها بالطريقة الصحيحة كي يتم استخراج المواد السامة ومنعها من الاختلاط بالبيئة، وإعادة استعمال بعض المواد كالبلاستيك والزجاج، وغيرها من مواد نفيسة مثل الذهب والفضة. وفي دولة الإمارات الكثير من المبادرات الخاصة والحكومية التي تسعى للترويج لإعادة تدوير المواد الإلكترونية، بالإضافة لانتشار حاويات القمامة المخصصة لإعادة التصنيع في الكثير من المرافئ العامة والخاصة في الإمارات. حيث تضيف لمهندسة عذيبة القيدي " تقوم الوزارة في الوقت الحالي بدراسة الوضع الحالي للنفايات الإلكترونية ووضع تشريع تنظيمي لتداولها في الدولة بهدف الحد من اضرارها على البيئة وضمان بيئة مستدامة للحياة. في حين عملت الوزارة على مشروع إعادة تدوير الهواتف المتحركة والذي يهدف إلى جمع والتخلص السليم من الهواتف المتحركة في الدولة وتم التنسيق مع الشركات المتخصصة في هذا المجال ويتم حاليا تقييم العروض المقدمة لاختيار الشركة والبدء في تنفيذ المشروع."
    

وإعادة التدوير لا تعود فقط بالفوائد على البيئة والصحة بجعل كمية المخلفات تقل ومنع الأساليب الغير صحية بالتخلص منها، بل أيضا يحفظ الكثير من المساحة من أن تضيع في ردم وتجميع النفايات. فحسب مركز أبوظبي لإدارة اللنفايات، أبوظبي تخسر مليوني متر مربع من الأرض سنويا، نتيجة تحويلها إلى مدافن نفايات.

كما أن إعادة التصنيع يعود بالكثير من الأرباح المادية، أولا، لأن إعادة تدويرالإلكترونيات يساعد على استخلاص الذهب والفضة والنحاس المستخدمة في صناعتها، فإعادة تدوير 25 طن من الهواتف النقالة مثلا، يعود بعشرة كيلوغرامات من الذهب بقيمة تتجاوز الثلاث مئة ألف دولار. وإعادة استخلاص هذه الثروات المعدنية التي كلفت الكثير لاستخراجها سيعود بالخير المادي. بالإضافة لذلك، فإعادة استعمال البلاستيك والزجاج من قبل الشركات المصنعة وغيرها سيوفر الكثير من الأموال التي كانت تصرف على شراء مواد أولية جديدة ومعالجتها لتصبح مناسبة لاستخدام. وحسب مركز أبوظبي لإدارة النفايات، الاقتصاد الوطني يخسر 1.5 مليار درهم سنويا، نتيجة عدم إعادة تدوير النفايات وإعادة تصنيعها.

وحسب وزارة الاقتصاد، دولة الإمارات تستثمر 6.6 مليارات درهم في إعادة تدوير النفايات بشكل العام الإلكترونية والغير إلكترونية.


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1046 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع