دبلوماسيون حاولوا تهريب السجائر والدولارات وصولاً إلى الهواتف المحمولة وسبائك الذهب
سوسن مهنا/ الأندبيندت عربية:يعرف "القاموس العملي للقانون الإنساني" الحصانة الدبلوماسية على أنها امتياز قانوني يمنح لأشخاص معينين (موظفين حكوميين) ويعترف بها القانونان الوطني والدولي، وتمكنهم من ممارسة وظائفهم من دون قيود أو ضغوط بما في ذلك القيود القانونية، وعلى المستوى الدولي، فإن الحصانة تعد أداة تحمي سيادة الدول واستقلالها بالحيلولة دون مقاضاتها، هي أو وكلائها أمام محاكم أجنبية، وبذلك يستطيع الأشخاص الذين لهم حق الحصانة من الولاية القضائية، تفادي الملاحقات القانونية أمام المحاكم الوطنية أو الدولية، وتمنح الحصانة للدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة والبرلمانيين وأعضاء الحكومات ورؤساء الدول.
اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية
وفق "اتفاقية فيينا" للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، وهي اتفاقية دولية حددت الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول، أنه منذ القدم اعترفت الشعوب بمركز المبعوثين الدبلوماسيين، وتحدد أهداف ومبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالمساواة في حق سيادة كل الدول وفي المحافظة على السلام والأمن الدوليين، وفي تنمية علاقات الصداقة بين الأمم، وتشير إلى أن الاتفاقية الدولية عن العلاقات والامتيازات والحصانات الدبلوماسية، ستساعد على تحسين علاقات الصداقة بين البلدان مهما تباينت نظمها الدستورية والاجتماعية، وتلفت أن الغرض من هذه المزايا والحصانات ليس تمييز أفراد، بل تأمين أداء البعثات الدبلوماسية لأعمالها على أفضل وجه كممثلة لدولها، وتؤكد وجوب استمرار تطبيق قواعد القانون الدولي التقليدي في المسائل التي لم تفصل فيها نصوص هذه الاتفاقية صراحة.
الأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة
ووفقاً للاتفاقية نفسها، رئيس البعثة هو الشخص الذي كلفته الدولة المعتمدة بالعمل بهذه الصفة. والمقصود بمصطلح أعضاء البعثة، رئيسها والأعضاء من دبلوماسيين وإداريين وفنيين وقائمين بالخدمات، وأخيراً تشمل الحصانة مباني البعثة، والأراضي الملحقة بها.
والحصانة ليست مطلقة، وتقتصر بصورة عامة على الأعمال والوظائف الرسمية خلال الفترة التي يشغل فيها الشخص المنصب الرسمي. ومن المقبول بشكل عام وجود نوعين اثنين من الحصانة في ظل القانونين الوطني والدولي على السواء، حصانة الوظيفة وهي المرتبطة بالوظيفة، وتغطي أنشطة معينة يؤديها مختلف موظفي الدولة وتبقى حتى نهاية فترة الوظيفة. والحصانة الشخصية، وهي المرتبطة بالشخص بسبب قانونيتها، وتغطي جميع الأفعال التي يؤديها من ينتفع بالحصانة وتبقى ما دام الشخص المعني في الوظيفة. ويجوز رفع الحصانة في حالة الانتهاكات الجسيمة من جانب السلطات السياسية أو القانونية، التي تتحكم بالوظائف الرسمية المختلفة.
الحصانة القضائية لشخص المبعوث الدبلوماسي
وتنص المادة 29 من "اتفاقية فيينا" 1961، على أن حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة، ولا يجوز إخضاعه لأي صورة من صور القبض أو الاعتقال، ويجب على الدولة المعتمد لديها، معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته. وأضافت المادة 31 أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية في ما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها، وبناء على ذلك لا تجوز ملاحقة المبعوث الدبلوماسي أمام القضاء الجزائي التابع للدولة المعتمد لديها، حتى وإن كانت الجريمة متعلقة بفعل شخصي منه لا علاقة لوظيفته الدبلوماسية فيه. فالحصانة الدبلوماسية تشمل أي جريمة يرتكبها المبعوث الدبلوماسي سواء تعلقت بعمله الدبلوماسي أم بحياته الخاصة، وسواء ضبط فيها بحالة الجرم المشهود أو غير المشهود. وتقضي هذه الحصانة بمراعاة حرمة شخص المبعوث ومنزله ومقر البعثة، فلا يجوز أن يتعرض المبعوث الدبلوماسي لأي صورة من صور القبض أو الاعتقال أو المحاكمة أو حتى الشهادة أمام قضاء الدولة المعتمد لديها، لكن الحصانة الدبلوماسية لا تعني إعفاء المبعوث الدبلوماسي من العقاب كلياً، بل يعود الحق في محاكمته إلى دولته وليس إلى الدولة الموفد إليها. أما في ما يتعلق بالقضاء المدني والإداري، فالمبعوث الدبلوماسي يتمتع أيضاً بالحصانة القضائية إلا في الحالات التالية، الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها، ما لم تكن حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في أغراض البعثة.
الدعاوى المتعلقة بشؤون الإرث والتركات، التي يدخل فيها بوصفه منفذاً أو مديراً أو وريثاً أو موصى له، وذلك بالأصالة عن نفسه لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة. الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مهني أو تجاري يمارسه في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية، وذلك وفقاً للمادة 31. إلا أن المبعوث الدبلوماسي الذي يكون من مواطني الدولة المعتمد لديها أو من المقيمين فيها إقامة دائمة، لا يتمتع إلا بالحصانة القضائية وبالحرمة الشخصية بالنسبة إلى الأعمال الرسمية التي يقوم بها بمناسبة ممارسة وظائفه، ما لم تمنحه الدولة المعتمد لديها امتيازات وحصانات إضافية. ويتمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي بالامتيازات والحصانات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي، شرط ألا يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها، كما يتمتع بهذه الحصانات منزله الخاص ودار البعثة وسيارته فلا يجوز تفتيشها أو حجزها. والجدير ذكره أن الحصانة الدبلوماسية خاصة بأعضاء البعثة الدبلوماسية وحدهم، فيكون من حق النيابة العامة في الدولة المعتمد لديها، ملاحقة شركاء الممثل الدبلوماسي جزائياً، وكذلك بالنسبة إلى المتدخلين أو المحرضين أو المختبئين ممن ليس لهم الصفة الدبلوماسية، حتى ولو ارتكبت الجريمة في دار البعثة، كما يستفيد المبعوث من هذه الحصانة لدى الدولة الثالثة المعنية التي يقتضيها ضمان مروره لتولي منصبه في دولة أخرى أو في طريق عودته منها. وبخلاف بعض المفاهيم المغلوطة، لا يستفيد أعضاء المنظمات الإنسانية والإغاثة من أي شكل من أشكال الحصانة بالمعنى الدقيق للكلمة، ويشير مصطلح "الحصانة الإنسانية" إلى حظر شن هجمات متعمدة وقت النزاع على المدنيين وأفراد الإغاثة وأفراد الخدمات الطبية.
سوء استغلال الحصانة الدبلوماسية
في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن السلطات السويسرية وجهت اتهامات خطيرة لغولنارا كريموفا، المليارديرة ابنة الديكتاتور الأوزبكي السابق إسلام كريموف، تركزت حول قيادتها لعصابة إجرامية دولية، وقالت الصحيفة البريطانية إن كريموفا (51 سنة)، المسجونة في "طشقند"، عاصمة أوزباكستان منذ عام 2014، تواجه تهماً عدة، وأشارت إلى أن التهم تتركز حول نهب مئات الملايين من الدولارات من أوزباكستان، إضافة إلى تقديم رشى للمديرين التنفيذيين والمسؤولين الحكوميين حول العالم بصورة ممنهجة، كما تواجه كريموفا تهماً بغسل مكاسب غير مشروعة من خلال مجموعة من الشركات والحسابات المصرفية في سويسرا، ورفع المدعون السويسريون القضية في المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية، على أساس أن المليارديرة الأوزبكية، طافت العالم طوال سنوات بصفتها دبلوماسية في الأمم المتحدة، وتمتعت بالحصانة من الملاحقة القضائية، من أجل الترويج لعلامتها التجارية في مجال الأزياء ومخالطة المشاهير، وتتهمها القضية بتزعم منظمة إجرامية تعرف باسم "المكتب"، تتألف من عشرات الأفراد وأكثر من 100 شركة منفصلة، وهي المنظمة التي تعمل سراً بصورة منسقة من أجل إخفاء الأموال المسروقة وإثراء أعضائها، وقد تشمل حالات سوء استغلال الحصانة الدبلوماسية، المخالفات الإدارية البسيطة كالامتناع عن دفع رسوم ركن سياراتهم في مواقف السيارات، أو القيادة في حالة سكر والتسبب في قتل مارة إلى تهريب الأسلحة والمخدرات وجرائم خطف وقتل.
أبرز الحالات
في أبريل (نيسان) 1984 أقدمت السفارة الليبية في لندن على جرح متظاهرين ليبيين وقتل شرطية بريطانية، وذلك عندما اجتمع عدد من الليبيين، غالبيتهم من الطلبة المقيمين في بريطانيا أمام مكتب الشعب الليبي (السفارة الليبية) في لندن للتظاهر ضد سياسة القمع والتعذيب والإعدامات التي كان يقوم بها الرئيس الليبي معمر القذافي ضد كل من يخالفه الرأي في ليبيا، وإحياءً لذكرى السابع من أبريل 1976، في ذلك التاريخ أطلق الرئيس القذافي حملة تطهير للجامعات الليبية من الطلبة الجامعيين والأساتذة المخالفين للنظام، افتتحها بعمليات إعدام في جامعتي طرابلس وبنغازي اللتين ساق إليهما حشوداً من الطلبة ليشاهدوا جثث زملائهم على حبال المشانق لبث الرعب، وعلى رغم سلمية التظاهرات وعدم الاقتراب من باب السفارة الليبية، إذ شكلت الشرطة البريطانية سداً بين المتظاهرين والسفارة، أطلق رجال مجهولون من داخلها النار بطريقة عشوائية، فأصيب أكثر من 10 متظاهرين بجروح، وقتلت شرطية بريطانية، وطالب وزير الداخلية البريطاني حينها بأن تسمح ليبيا للشرطة البريطانية بدخول المبنى لجمع الأدلة وتحديد المشتبه فيهم في إطلاق النار، لكن المسؤولين الليبيين رفضوا ذلك استناداً لقانون الحصانة الدبلوماسية، ولم تستطع بريطانيا اتخاذ أي إجراءات قضائية ضد المجرمين الذين أطلقوا النار، واكتفت باعتبار الدبلوماسيين الليبيين أشخاصاً غير مرغوب فيهم وطردتهم من البلد، وقطعت الحكومة البريطانية العلاقات مع ليبيا، وبقيت تلك العلاقات شبه منقطعة حتى عام 1999 حين استطاعت الحكومة البريطانية أخذ إقرار من النظام الليبي بتحمل مسؤولية قتل الشرطية البريطانية ودفع 250 ألف جنيه استرليني تعويضات لأسرة الشرطية المقتولة.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، ألقت الشرطة التونسية القبض على دبلوماسي موريتاني في مطار قرطاج آتياً من موريتانيا، وفي حوزته 500 علبة سجائر، وحالت مسألة حمله جواز سفر دبلوماسي دون خضوعه للتحقيق.
في يوليو (تموز) 2014 حاول دبلوماسي سوداني قادم من الخرطوم إلى مصر تهريب 175 ألف دولار في "كيس قمامة"، وأحبطت سلطات المطار إدخال المبلغ إلى مصر، ولدى سؤاله أقر بأن بوجود 100 ألف دولار في الكيس، مدعياً أنها رواتب العاملين في السفارة السودانية في القاهرة، ولكن تبين أن المبلغ 175 ألف دولار ما يشكل مخالفة للقانون، إذ لا بد من الإعلان عن أي مبلغ يزيد على 10 آلاف دولار، وحررت السلطات محضراً، وأبلغت الخارجية المصرية بالواقعة لوجود شبهة بتهريب الأموال لجماعة "الإخوان المسلمين"، بحسب صحيفة "الركوبة" السودانية.
في مارس (آذار) 2016 أحبطت شرطة معبر اللنبي المحاذي لأريحا، محاولة تهريب لنحو 300 هاتف محمول، وعشرات الكيلوغرامات من سبائك ذهبية، ومشغولات أخرى ومجوهرات، قام بها دبلوماسي أردني عبر سيارته الدبلوماسية القادمة من الأردن إلى إسرائيل، وعلى الفور صادرت الجمارك المضبوطات وعاد المتهم إلى عمان، وبحسب الناطقة باسم الخارجية الأردنية صباح الرافعي قررت الخارجية الأردنية على الفور إعادته لمساءلته، واتخذت قراراً إدارياً في حقه لم تفصح عنه، وأكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، حينها أن سلطات الجمارك لم تتخذ إجراءً ضد الموقوف لأنه دبلوماسي، بعكس ما تردد في بعض الصحف بأنه موظف إداري في السفارة الأردنية، مؤكدةً أنه لو كان موظفاً إدارياً لكانت اتخذت بحقه إجراءً آخر.
في أغسطس (آب) ذكر موقع "سويس إنفو" فرض غرامات صارمة على موظفين اثنين تابعين للبعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف لتورطهما في عملية احتيال ضخمة تتعلق بتهريب السجائر، وقام هذان الموظفان بإعادة بيع 600 ألف علبة سجائر في السوق السوداء في شمال غربي فرنسا من دون دفع الضريبة، وكعقوبة لتجاوزهما القانون غُرما بمبلغ 177 ألف دولار للمتهم الأول، و124 ألف دولار للمتهم الثاني، بعد اكتشاف مزاولتهما للنشاط المشبوه على مدار ثلاث سنوات، ورفضت الإدارة الفيدرالية للجمارك في سويسرا، طلب الدبلوماسيين العراقيين بتخفيف الغرامة، وكان المتهمان يحضران السجائر من الشركة إلى سويسرا، ثم تنقل إلى فرنسا لتباع في السوق السوداء.
1027 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع