أيام زمان الجزء ٥٥ - الشماغ
الشماغ علامة العرب وزينتهم، والذي يحمل بين طياته علامات تدل على هوية مرتديه، وتحدد أناقته، وأحياناً جماعته وانتمائه، وشاع بين الشعوب قديماً وحديثاً لبس غطاء للرأس، وتميز العرب عن غيرهم بلبس الشماغ كغطاء للرأس العربي، ويتكون عادة من قطعة قماش مزخرفة، منسوجة من الكتان أو القطن، ويتم ثنيها على شكل مثلث ويضعه الرجل على رأسه، وللشماغ قيمة معنوية على الصعيد الاجتماعي، بالإضافة إلى قيمته الجمالية، حيث أخذ دلالات عربية متوارثة، فمثلاً عند طلب الثأر كان يتم قلب الشماغ ووضعه أسفل الذقن، أما في حالة “الدخيل” وطلب الأمان، فكان يتم وضع الشماغ حول رقبة المدخول عليه وكأنه يقول له “ما يمسّني يمسُّك”.
الشماغ ويعني بالقواميس السومرية غطاء الرأس العظيم، أو (أش ماخ) ومعناها غطاء رأس الكاهن العظيم. ولكنه ورد في القاموس التركي باسم (يا شمق) ويعني غطاء الوجه عند النساء والمراد به البرقع الخفيف، ولعل الأتراك أخذوه من اللهجة العراقية أثناء حكمهم للعراق والذي استمر حتى نهاية القرن التاسع عشر.
وهناك رواية أخرى حيث والشماغ كلمة مشتقة من الشماخ وهي بلدة من قرى الشوبك وكانت تصنع بها أغطية الراس قديما، أي الشماغات حيث كان ذلك جزءا من أسرار الدولة الأدومية وكانوا يصنعون الشماغ من الحرير المستخرج من دودة القز، وكانت المنطقة مليئة بغابات التوت، ومن القطن المزروع في وادي عربة وغور الصافي ومن الصوف النقي، فاستبدلت الخاء غين فتحولت الشماخ (وتعني أيضا الشموخ والإباء والأنفة) إلى الشماغ. حيث كان الأردنيون يعتزون بلباسه لأنه رمز للشموخ الإباء، فضلا عن أن لون الشماغ الأحمر والأبيض هما من معاني الأردن.
تشير المنحوتات والتماثيل أن اهم حكام بلاد الرافدين، الذين لبسوا الشماغ هو أمير سومري، وسلالته مدينته مهمة هي مدينة لكش، واسمه گوديا 2144-2124 ق.م، وتماثيله المحفوظة في متاحف العالم، ومنها متحف اللوفر توضح انه أول من لبس الشماغ على راسه كعصابة، وليس شماغ مسترسلا متدليا، ووصف في ملبسه هذا كونه أميرا وكاهنا أعظم، ربطته مع ممالك الخليج العربي علاقات صداقة وتجارة قوية وجلب من ممالك الخليج العربي نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. أصبح الشماغ لباس الأمراء والكهنة في العصر السومري الذهبي، وهكذا انتقل من الكهنة والأمراء إلى عامة الشعب، وقد توارثه سكان الأهوار عن أسلافهم السومريين قبل خمسة آلاف سنة ق.م، ثم انتشر في الدول الخليجية وباقي البلدان العربية.
يعود تاريخ لبس الشماغ وأصل الشماغ الأحمر إلى حضارات ما بين النهرين في العراق قديما، وكانت أنماط توزيع الألوان على الشماغ تُحاكي شباك الصيد أو سنابل القمح، وكانت ترمز إلى الخير والتكاثر أو المطالبة بحصة المعبد من الثروة السمكية، كما يعتقد الباحثون في الملابس التقليدية، أما الخطوط السوداء في حواشي هذه الشبكة فتتعلق بطرد الأرواح الشريرة عن لابسها.
تمكن الشماغ الصمود منذ تلك الفترة إلى وقتنا الحالي، لمزاياه الوظيفية كالحماية من أشعة الشمس والبرد القارص ليلا، في البيئات الصحراوية وحماية الوجه من الغبار عند وضعه كلثام، وبقي أيضا لمزاياه الجمالية ليكون علامة مميزة في لباس العرب.
هناك من يقول بأن أصل الشماغ جاء من البريطانيين بعد أن قدموه للعرب، عندما جاؤوا للجزيرة العربية، إلا أن ذلك غير صحيح حيث أن الشماغ يعود لآلاف السنين، وهو مرتبط بطبيعة حياة الأجداد الصحراوية منذ القدم، وذلك قبل مجيء البريطانيين بمئات السنين، كما كان يستخدمه الطوارق الذين يعيشون في المغرب العربي لحمايتهم من الرياح الرملية وأشعة الشمس.
لكن الإنجليز شاركوا بتطوير الشكل الخارجي والنهائي للشماغ، فتطريزة الشماغ لم يكن باستطاعة العرب قديماً القيام بها نظراً لقلة الإمكانيات التصنيعية حينها، لإنتاج هذا التطريز، ويقال أن الشماغ الأحمر ينسب إلى الجنرال الإنجليزي “جلوب باشا” الذي تولى قيادة الجيش الأردني في الفترة (1939م – 1956م) حيث فرض لبسه على الجنود الأردنيين، وأول من جعل من الشماغ الأحمر زياً رسمياً، وعممه على الجيش الأردني كجزء من الزي الرسمي، وذلك بسبب قلة الطلب عليه من المصانع البريطانية في الحرب العالمية الثانية، فقام بتعميم هذا النوع من الشماغ على قوات البادية وعلى الجيش الأردني ولبس هو نفسه هذا الشماغ مع العقال، وبعد ذلك انتشر بين عرب الجزيرة، لكن ما كان يهم العرب هو أن يكون الشماغ من قماش كثيف يمنع نفوذ الغبار أكثر من اهتمامهم بشكله أو نقشه.
ويعتبر الشماغ ذو اللون الأبيض والأحمر (ويقال له الشماغ الأحمر)، رمز من رموز للهوية الوطنية الأردنية المتجذرة عبر الأف السنين وليس من صنع جلوب باشا، وإنما تم العودة إلى هذه الهوية عند تشكيل قوات البادية
الأردنية فاجتذبت أبناء العشائر لأنها جسدت عمق المفهوم والذاكرة التاريخية الأردنية.
في العهد السومري ازدهرت صناعة النسيج، واستخدم فيها خيط الصوف والكتان لحياكة الملابس والأغطية، وكان الكهنة يلبسون الملابس البيضاء، بشكل يغطي أجسامهم من الرأس حتى القدمين، ويضعون فوق غطاء الرأس الأبيض شبكة سوداء مصنوعة من صوف الأغنام في أهوار جنوب العراق.
يلبس سكان الأهوار في الوقت الحاضر الشماغ ذا الخطوط السوداء، الذي يشبه عيون شباك الصيد الموشح بخطوط عريضة في جوانبه، وهي متموجة تشبه أمواج مياه الأهوار، وفي حافته خطوط ورسوم سوداء تمثل زعانف الأسماك. ولكن السادة العلويين في الأهوار يلبسون الشماغ الأخضر، بعد صبغه بمادة خضراء ليميزهم عن باقي الناس، ويكنوا لهم كل الاحترام لأنهم من سلالة دينية، أما الصابئة المندائيون المنتشرون في الأهوار فهم يلبسون الشماغ بخطوطه الحمراء، ويتميزون بلباسهم هذا، وعرب الأهوار لا يلبسون الغترة البيضاء لأنها أصلا لباس وزي أهل البادية.
الشماغ هو من اللوازم المهمة في حياة الرجل العربي، فهو يحرص على ارتدائه بشكل يومي، لذلك يجب أن يظهر بشكل أكثر جاذبية، وذلك من خلال طرق مختلفة للبس الشماغ، ومنها طريقة الشيبان: هذه الطريقة في لبس الشماغ تبرز ملامح الوجه، وتتم عن طريق رفع أطراف الشماغ ليتم وضعها فوق العقال، وتركها تنسدل على الكتفين من الخلف. وطريقة التواضع: وهذه الطريقة في لبس الشماغ تبدو من اسمها، فهي تدل على الشخصية المتواضعة، وتكون عن طريق وضع أحد طرفي الشماغ على الكتف المعاكس، له والطرف الآخر يتم وضعه على الكتف الآخر. وطريقة صقر العروبة: ويمكن ارتداء الشماغ بهذه الطريقة عن طريق وضع طرفا الشماغ على الكتف المعاكس مع ضرورة طيهما بإحكام حتى لا ينفلتوا، ويفضل استخدامها إذا كان الجو قارس البرودة. وطريقة الكوبرا وهذه الطريقة في لبس الشماغ تحتاج إلى تثبيت الشماغ بطريقة صحيحة حتى لا ينفلت، إذ يتم ارتدائها عن طريق استخدام النشاء، ثم يتم رفع أطراف الشماغ على الرأس وتثبيتها جيدًا من منتصف الرأس وحتى الخلف، كذلك طي الأطراف عند الأذنين على هيئة شبيهة بأفعى الكوبرا. وطريقة الميزان وهذه الطريقة في لبس الشماغ، تشبه شكل الميزان، إذ يتم وضع طرفي الشماغ على الرأس مع الحرص على عدم شدهم، مع ترك مساحة مناسبة، ثم تطوي هذه المساحة على هيئة صحون الميزان عند طرفي الوجه على شكل القلب. وطريقة الفراشة: وتمنح هذه الطريقة في لبس الشماغ الرجل التحرك بحرية، إذ يتم ارتدائها عن طريق وضع أحد طرفي الشماغ على الكتف المعاكس له من الجهة المحاذية للظهر، ويجب أن يحيط بالوجه كجناح الفراشة. والشماغ ليس مجرد قماش يتم وضعه على الرأس، ولكن لابد أن يتم ارتدائه بشكل يجعل الشخص أكثر أناقة، وذلك بطريقة وأسلوب يظهر الشماغ بشكل لائق يعبر عن الشخصية والثقة بالنفس، ويمكن جعل الشماغ أكثر أناقة وجاذبية باستخدام الأسلوب الرسمي "تشخيصية الشيوخ"، وهو من الأساليب الأنيقة الجذابة التي يقوم فيها الرجل إسدال أحد طرفي الشماغ على الجهة الأمامية، وترك الطرف الآخر ناحية الظهر. ومن الأساليب التي يمكن متابعتها في لبس الشماغ حتى يبدو أنيقا، أسلوب البكارية أو بنت الكبار، عن طريق وضع الشماغ من الخلف إلى الأمام بحيث يكون الجزء الخلفي أقصر من الأمامي. ويمكن أيضا اتباع أسلوب الصقر، وهو الأساليب التقليدية السهلة، تقوم فيها بوضع الشماغ وإسداله كاملا من الجهة الأمامية والخلفية وتوقيفه من ناحية الرأس. وهناك أيضا أسلوب المسؤولين، فهو كما يبدو من اسمه طريقة يرتديها الرجال في المناسبات الرسمية، يقومون فيها بوضع طرفي الشماغ ناحية الظهر مع طي المرزام.
يعد الشماغ اللباس المتمم لهندام الرجال بعد وضع العقال عليه، وله الكثير من الدلالات الخاصة. فمن لا يلبس العقال فوقه فهذا يدل على أن صاحبه لديه ثأر عشائري، ولم يأخذ به أو يدل على الحزن لوفاة عزيز عليه كالوالدة مثلا. ومن يضرب الشماغ على الأرض في وسط الديوان فإنه يجزم بالوصول إلى خصمه ومهما بلغت التضحيات. ويحذر أن يخاطب أحدهم في الديوان ويقال له (يشماغك وسخ)، فإنه يعتقد أن هناك عاراً أو عيبا أو نقصا بعائلته والشماغ يلبسه الرجال دون النساء، وقد جاء ذكر الشماغ في أهازيج وأغاني وشعر أهل الهور.
يدعى الشماغ العربي في عدة دول في شمال جزيرة العربية، بالكوفية أو الحطّة (وخاصة في بلاد الشام)، بينما يدعى باسم شماغ في منطقة الجزيرة العربية والعراق، وهو ذو ألوان مختلفة، أشهرها الأبيض السادة والأبيض الممزوج بنقوش سوداء وحمراء أو بالعكس.
كان الشماغ رمزا للرجولة والأناقة قديما، وخلال العصر العثماني تميز العامة بوضعها على أكتافهم وسكان الريف على رؤوسهم، بينما كان الأعيان يضعون الطربوش، وتجسيدا لقيمته التاريخية، ظهر الشماغ في كثير من الأعمال الفنية يوضع على الكتف في مسلسلات البيئة الشامية والبدوية التاريخية.
ارتبط اسم الشماغ ويطلق عليه (الكوفية) بالكفاح الوطني منذ ثورة 1936 في فلسطين، حيث تلثم الفلاحون الثوار بالكوفية لإخفاء ملامحهم، أثناء مقاومة القوات البريطانية في فلسطين، وذلك لتفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم، ثم وضعها أبناء المدن وذلك بأمر من قيادات الثورة آنذاك، وكان السبب أن الإنجليز بدأوا باعتقال كل من يضع الشماغ على رأسه ظنا منهم أنه من الثوار، فأصبحت مهمة الإنجليز صعبة باعتقال الثوار بعد أن وضعها كل شباب وشيوخ القرى والمدن.
واشتهر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بوضع الشماغ الأبيض المقلم بالأسود على رأسه بشكل دائم، كرمز لثقافة المقاومة، وكانت الكوفية مقرونة بالفدائي وسلاحه، وكانت توضع لإخفاء ملامح الفدائي، ونتيجة لذلك أصبحت تلك الكوفية رمزا وطنيا لنضال الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، واتخذتها حركة فتح شعارا لها ووضعتها على شعار الحركة (درع العاصفة).
المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/64297-2024-07-30-20-23-58.html
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع