ناخبون في المناطق السنية العراقية يصوتون تحت تهديد سلاح الميليشيات الشيعية

جدّية الأحزاب والفصائل الشيعية في اختراق الحكومات المحلّية للمحافظات السنيّة العراقية لا يترجمها فقط الترشّح المكثّف لتلك القوى لانتخابات مجالس تلك المحافظات، وإنما يجسّدها أيضا سعيها لتأمين نتائج انتخابية جيّدة عبر توظيف مختلف الوسائل والإمكانيات بما في ذلك الضغط باستخدام سلاح الحشد الشعبي.

العرب/بغداد- تنطوي الخطّة التي وضعتها السلطات العراقية لتأمين الانتخابات المحلّية، التي ستُجرى الإثنين المقبل، على عيب جوهري من المتوقّع أن تشمل تبعاته التأثير في النتائج والطعن في شرعيتها.

ويتعلّق الأمر بمشاركة الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي في تأمين العملية الانتخابية في مختلف مناطق العراق بما في ذلك المحافظات السنيّة بشمال وغرب البلاد، في وقت تخوض فيه الميليشيات ذاتها الانتخابات عبر ائتلافها المسمّى “نبني” والذي يضم في مكوناته تحالف “الفتح” الممثل السياسي للحشد.

وأعلنت هيئة الحشد الشعبي الأربعاء إنجازها جميع الاستعدادات الخاصة بالانتخابات المحلية، مبينة أن قطاعاتها ستشارك القوات الأمنية العراقية في تأمين المراكز الانتخابية ومحيطها “لاسيما في المحافظات المحررة”، في إشارة إلى محافظات شمال وغرب العراق التي ساهمت ميليشيات الحشد في استعادتها من تنظيم داعش، ومازالت منذ نهاية الحرب ضدّ التنظيم قبل نحو ستّ سنوات تسجّل حضورها على أرضها.

لكنّ طموح الأحزاب والفصائل الشيعية بدأ يمتدّ نحو توسيع المشاركة في إدارة تلك المناطق والإمساك بزمام حكوماتها المحلّية، وهو ما يعكسه ترشّحها المكثّف للانتخابات في المحافظات السنية سواء من خلال ائتلافاتها المعلنة أو عبر مرشّحين تابعين لها ومتحالفين معها داخل الائتلافات الأخرى.

وقال مؤيد الفرطوسي المسؤول الإعلامي في الحشد الشعبي خلال مؤتمر صحفي عقدته قيادة العمليات المشتركة العراقية بخصوص الخطة الأمنية للانتخابات المحلّية “إنّنا مشاركون في اللجنة الأمنية العليا للانتخابات وهنالك تأمين للمناطق وفق الأوامر الصادرة من العمليات المشتركة”.

وأضاف قوله “الحشد يؤدي دوره على المستوى الأمني وهو جاهز لحماية العملية الانتخابية ودوره الأساسي يتمثل في مساندة القوات الأمنية، لاسيما في المحافظات المحررة” من تنظيم داعش.

والحشد الشعبي عبارة عن تجمّع للعشرات من الميليشيات المسلّحة غالبيتها العظمى شيعية، وقد تشكّل بموجب فتوى دينية للمرجع الشيعي علي السيستاني، وذلك لمهمة محدّدة تتمثّل في مواجهة تنظيم داعش الذي غزا سنة 2014 مناطق شاسعة من العراق وعجزت القوات المسلحة شبه المنهارة بسبب الفساد وسوء التنظيم عن مواجهته.

لكنّ الحشد لم يحلّ بانتهاء مهمته الأصلية بل تحوّل إلى قوّة أمنية موازية تم ضمّها بشكل صوري إلى القوات المسلّحة العراقية رغم تواصل تبعية الميليشيات التي يتكوّن منها لمؤسسيها وقادتها الأصليين.

وزاد من ترسيخ قوّة الحشد تشكيل ممثل سياسي له تحت مسمى تحالف الفتح بقيادة زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، وهو ممثل في مجلس النواب العراقي بفضل مشاركته في الدورتين الماضيتين من الانتخابات التشريعية، كما أنّه مرشح للانتخابات المحلية التي ستجرى مطلع الأسبوع القادم.

والفتح جزء من التحالف الانتخابي الحشدي الأوسع المعروف باسم “نبني” ويعدّ أكبر التحالفات الانتخابية ويضمّ قوى وشخصيات ذات نفوذ واسع وتعتبر مشاركته بعدد كبير من المرشحين في المناطق السنيّة إلى جانب المحافظات الشيعية في وسط وجنوب العراق عنوانا على جديّة كبار الفاعلين السياسيين الشيعة في الهيمنة على مقاليد إدارة مختلف المحافظات العراقية، بعد سيطرتهم على الحكومة الاتّحادية.

ولن تكون مشاركة الحشد الشعبي في تأمين الانتخابات ووجوده قريبا من مراكز الاقتراع ومشاركته في العمليات اللوجستية الخاصة بالعملية الانتخابية من دون تأثير، إذ يتوقّع الكثير من العراقيين أن يشكّل سلاحه وسيلة ضغط على الناخبين خصوصا وأن لميليشيات الحشد سوابق كثيرة في ترهيب سكان المناطق السنية سواء أثناء مشاركتها في الحرب ضد داعشها أو بعدها.

كما أنّ لها سوابق في تزوير الانتخابات من خلال قيامها أثناء الانتخابات البرلمانية لسنة 2018 بترهيب الناخبين، خصوصا الذين صوتوا خارج مناطقهم الأصلية التي هجّروا منها أثناء حرب داعش، وكذلك بالاستيلاء على مواد انتخابية من بينها عدد كبير من صناديق الاقتراع المليئة بأوراق الناخبين تم إحراقها لمنع مطابقة محتواها مع أرقام مزورة حصلت عليها لجان الفرز من آلات التصويت الإلكتروني.

وبالإضافة إلى الميزة التي يمنحها الحضور الأمني للحشد في الانتخابات المرتقبة للقوى الشيعية، بما في ذلك تلك المرتبطة به بشكل مباشر، فإن تلك القوى تستفيد من ضعف القوى السنية وتشتتها وكثرة الصراعات فيما بينها، والتي استشرت مؤخرا بشكل غير مسبوق بعد إزاحة السياسي السني البارز محمّد الحلبوسي من رئاسة البرلمان واشتداد الصراع بين القيادات السنية على خلافته.

وبحسب مطلعين على الشأن السياسي في العراق، فإنّ قوى وشخصيات سنيّة منهكة من الصراعات داخل مكونها باتت بمثابة حصان طروادة للقوى الشيعية لاختراق المناطق السنية أملا في الاستفادة من السلطات غير المسبوقة التي اكتسبتها الأحزاب والفصائل الشيعية عبر امتلاكها زمام السلطة الفعلية في حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التي تعتبر بشكل أساسي حكومة الإطار التنسيقي.

وتمتدّ طموحات القوى الشيعية في السيطرة على المناطق السنية نحو محافظات ذات أهمية إستراتيجية وتتحكّم في موازنات مالية ضخمة مخصصة لإعادة إعمارها بعد الدمار الذي طالها بسبب حرب داعش، وعلى رأسها نينوى والأنبار وكذلك كركوك التي تحوي أراضيها مخزونات كبيرة من النفط.

ومع اقتراب موعد الانتخابات كثفت القوى الشيعية حراكها السياسي صوب تلك المحافظات. وفي هذا الإطار جاءت زيارة زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الأربعاء، إلى كركوك “للاطلاع على واقعها واستعداداتها لانتخابات مجالس المحافظات”، بحسب ما أورده إعلام العصائب.

وتقول مصادر عراقية إنّ ميليشيا الخزعلي وعدد آخر من الميليشيات والأحزاب الشيعية قامت خلال الفترة الأخيرة بترتيبات محكمة مع الإدارتين المحليتين المؤقتتين في كل من نينوى (مركزها مدينة الموصل) وكركوك لتجيير نتائج الانتخابات المحلّية حفاظا على مصالح حيوية أوجدتها تلك الميليشيات والأحزاب، من بينها المكاتب الاقتصادية، خلال سنوات ما بعد حرب داعش في المحافظتين وليست في وارد التخلي عنها بأي ثمن وتحت أي ظرف.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

947 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع