٨ رؤساء واجهوا مساءلة العزل في أميركا ... من هم؟

الأندبيندت/ طارق الشامي:منذ استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، اتخذ مجلس النواب الأميركي قرارات مساءلة عزل رسمية ضد عديد من الرؤساء بمن فيهم غالبية من تولوا الحكم في البيت الأبيض منذ عام 1981 وحتى الآن.

غير أن ثماني محاولات فقط تحولت إلى تحقيقات كاملة في قضية مساءلة عزل الرئيس، أربع منها أدت إلى محاكمات عزل في مجلس الشيوخ، غير أن كلها فشلت في إدانة أي رئيس، ومن ثم لم يعزل أي رئيس أميركي من منصبه. فمن هؤلاء الرؤساء؟ وما طبيعة الادعاءات ضدهم؟ وكيف انتهت كل منها؟

ليست استثناء

قبل أيام قليلة، وافق مجلس النواب الأميركي (الكونغرس)، على منح تفويض رسمي لإجراء تحقيق مساءلة العزل للرئيس جو بايدن للتأكد عما إذا كان استفاد من المعاملات التجارية الخارجية لابنه هانتر، لكن هذا الإجراء الدستوري لم يكن استثناء أو أمراً نادراً في تاريخ السياسية الأميركية. فمنذ تأسيس الولايات المتحدة في الرابع من يوليو (تموز) عام 1776 أي قبل نحو قرنين ونصف القرن، واجه عديد من الرؤساء الأميركيين تحركات رسمية داخل مجلس النواب سعياً إلى عزلهم نتيجة تصرفات رأى بعضهم أنها تستوجب ذلك، ومن بين هؤلاء الرؤساء توماس جيفرسون وهاري ترومان، وتقريباً كل رئيس أميركي سكن البيت الأبيض منذ عام 1981.

وعلى رغم أن غالبية الجهود التي بذلها المشرعون في مجلس النواب لعزل الرؤساء لم تؤخذ على محمل الجد، إلا أن ثماني منها تحولت إلى تحقيقات كاملة في قضية عزل الرئيس، نصفهم فقط نجحوا في توجيه الاتهامات الرسمية بموافقة مجلس النواب بكامل هيئته وتحولوا إلى محاكمات في مجلس الشيوخ. ومع ذلك لم يدن أي رئيس لعزله من منصبه في محاكمة عزل نظراً إلى أنها تستلزم موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهو أمر يصعب تحقيقه وخصوصاً في حال تفاقم الصراع والانقسام الحزبي.

وفي ما يلي قائمة بالادعاءات التي وجهت إلى ثمانية رؤساء والنتائج التي انتهت إليها مع كل رئيس بعد تحقيقات المساءلة التي كان يمكن أن تؤدي إلى الإدانة ومن ثم العزل من المنصب الرئاسي، سواء كان ذلك من خلال التصويت على بدء التحقيق، أو عبر انعقاد لجنة في مجلس النواب للنظر في عزله. لكن هذه القائمة لا تشمل النقاشات غير الرسمية حول العزل مثلما حدث مع الرئيس أندرو جاكسون عام 1834، حينما تم توبيخه وانتقاده بعنف من مجلس الشيوخ بسبب أفعاله لإزالة الودائع الفيدرالية من البنك الثاني للولايات المتحدة وإقالته لوزير الخزانة ولكن من دون عزله، ومثلما حدث كذلك مع الرئيس هاري ترومان عام 1952، عندما ناقش مجلس النواب بجدية قرارات عزله بسبب استيلائه على صناعة الصلب في البلاد خلال الحرب الكورية بعد إضراب العمال، ولكن من دون أي تصويت أو إجراء يفضي إلى العزل.

توماس جيفرسون

كان الرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جيفرسون هو أول رئيس أميركي يواجه تحقيقات مساءلة العزل، التي تقدم بها نائب واحد هو يوشيا كوينسي من ولاية ماساتشوستس وذلك عام 1809، لكن الادعاء الذي قدمه النائب كان "سخيفاً" إلى حد ما، بحسب ما اعتقد زملاء كوينسي في الكونغرس.

بدأ هذا الادعاء في الأيام الأخيرة من رئاسة جيفرسون، حين أخبر مسؤول فيدرالي الرئيس أنه يريد التقاعد لأنه كبير في السن ومريض، لكن جيفرسون طلب من المسؤول البقاء في منصبه حتى يتمكن من تعيين بديل، غير أن النائب كوينسي اعتبر أن الاستمرار في دفع راتب مسؤول فيدرالي لا يستطيع القيام بعمله هو إهدار للمال العام، وكان هذا سبباً كافياً من وجهة نظره لطلب التصويت على فتح التحقيق لمساءلة العزل للرئيس جيفرسون، إلا أن التصويت في مجلس النواب لم يفز سوى بتأييد كوينسي وحده، بينما رفض بقية النواب وعددهم آنذاك 117، الموافقة على تحقيق المساءلة.

جون تايلر

وبعد أكثر من ثلاثة عقود من غياب آلية مساءلة العزل، عادت إلى الظهور ضد الرئيس العاشر للولايات المتحدة جون تايلر عام 1842، الذي كان أول نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يخلف رئيساً توفي في منصبه، إذ طلب الرئيس السابق جون كوينسي آدم تفعيل آلية مساءلة العزل ضد تايلر بسبب استخدامه حق النقض (الفيتو الرئاسي) لتعطيل عديد من قرارات ومشاريع القوانين التي أقرها الكونغرس، لدرجة أن حزبه اليميني المحافظ "ويغز" الذي كان بمثابة الحزب الثاني آنذاك مع الحزب الديمقراطي، طرده من الحزب واتهمه بإساءة استخدام السلطة، ومع سير التحقيقات اتهم تايلر بعرقلة العدالة بعدما رفض تسليم المستندات التي يريدها الكونغرس للتحقيق.

وفي النهاية أصدر التحقيق تقريراً يؤيد الاتهامات ضد تايلر لكنه لم يوص بالتصويت على عزل الرئيس، وبدلاً من ذلك أشار إلى أن الأمة الأميركية منقسمة بالفعل، وأن مثل هذه الخطوة سيكون مصيرها الفشل. وبالفعل حينما تم التصويت في مجلس النواب خلال العام التالي لم يحصل على تأييد الأغلبية.

جيمس بوكانان

غير أن أكثر التحقيقات إثارة للجدل في شأن مساءلة عزل الرئيس، ظهرت عام 1860 في عهد الرئيس الـ15 للولايات المتحدة جيمس بوكانان، الذي صنفته لجنة من المؤرخين عام 2021 باعتباره أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة. وخلال التحقيقيات التي قادها النائب الجمهوري جون كوفود، الذي تشكلت لجنة مختارة حملت اسمه بمجلس النواب للتحقيق مع الرئيس الديمقراطي بوكانان، اعتقدت اللجنة أنه قوض المعايير والمؤسسات الديمقراطية، وخان قسمه الدستوري لدعم قدسية الانتخابات الحرة، وقاد إدارة يتفشى فيها الفساد على المستويات كافة.

ومع ذلك ركز تحقيق مجلس النواب ظاهرياً على مكائد بوكانان غير القانونية لتأمين الإبقاء على العبودية في ولاية كانساس، وكشف عن مجموعة واسعة من الجرائم التي شملت ابتزاز أصحاب المناصب الفيدرالية، ورشوة عديد من أعضاء الكونغرس.

وعلى رغم أن لجنة كوفود، لم تكن تحقيقاً رسمياً، إلا أنها كانت تتمتع بسلطة تقديم توصيات لعزل الرئيس من منصبه، لكن في النهاية عرف كوفود ولجنته أنه بغض النظر عما وجدوه من أدلة تدعم هذه الادعاءات، لم يكن لديهم الأصوات في مجلس النواب بكامل هيئته لتوجيه اتهامات العزل للرئيس بوكانان، الذي كانت فترة ولايته تقترب من نهايتها ولم يكن مرشحاً لإعادة انتخابه. وكما أشار المؤرخ جوشوا زيتز في مقال نشره موقع "بوليتيكو" عام 2019، فإن الصورة التي رسمتها اللجنة شكلت أساساً متيناً لفوز الجمهوري أبراهام لينكولن بالترشح للبيت الأبيض في وقت لاحق من ذلك العام.

أندرو جونسون

كان أندرو جونسون أول رئيس أميركي يعقد مجلس الشيوخ محاكمة لعزله من منصبه بعد توجيه اتهام رسمي له في مجلس النواب، لكن هذه العملية جاءت من خلال محاولتين، الأولى عام 1867 عبر تحقيق رسمي أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب، التي أوصت بعد تحقيق دام 11 شهراً بالمضي قدماً في توجيه اتهامات العزل لإقالة الرئيس الديمقراطي أندرو جونسون، الذي تولى الحكم بعد مقتل الرئيس الجمهوري أبراهام لينكولن، الذي اختار جونسون نائباً له لأنه كان بحاجة إلى دعم الديمقراطيين المؤيدين للاتحاد، بحسب موقع مجلس الشيوخ على الإنترنت.

وكان الجناح الراديكالي للحزب الجمهوري في فترة ما بعد الحرب الأهلية يكره الرئيس الـ17 جونسون، ووضعوا تصرفاته ضمن الجرائم الكبرى والجنح التي تستوجب العزل وفقاً للدستور، بسبب اشتباكه بشكل متكرر مع الكونغرس الذي يسيطرون عليه في شأن إعادة إعمار الجنوب المهزوم في الحرب، واستخدامه الفيتو الرئاسي ضد تشريع أقره الكونغرس لحماية حقوق الذين حرروا من العبودية.

لكن عندما فشل تأييد الاتهامات في مجلس النواب في المرة الأولى، حاول جونسون في العام التالي 1868 إقالة وزير الحرب إدوين ستانتون، من دون موافقة مجلس الشيوخ وفقاً لما ينص عليه قانون الخدمة آنذاك. وكان ستانتون الذي عينه لينكولن، حليفاً للجمهوريين وعارض بشدة سياسات جونسون لإعادة الإعمار، الأمر الذي أدى إلى فتح تحقيق آخر لعزل جونسون بدعوى أنه انتهك قانون الخدمة الفيدرالي.

وفي هذه المرة أقر مجلس النواب بالأغلبية توجيه اتهامات العزل إلى جونسون، وفي المحاكمة التي عقدها مجلس الشيوخ، صوت الأعضاء بأغلبية 35 صوتاً في مقابل 19 لصالح الإدانة، ومع ذلك كانت هناك حاجة إلى أغلبية الثلثين لإدانة الرئيس وعزله من منصبه، وهو ما جعل جونسون يفلت من هذا المصير بفارق صوت واحد، نتيجة "لصفقات خلف الكواليس"، أو لأن أقلية كافية كانت ترغب في حماية منصب الرئيس والحفاظ على التوازن الدستوري للسلطات، بحسب موقع مجلس الشيوخ.

ريتشارد نيكسون

وبعد هذه المعركة الفاصلة ضد أندرو جونسون التي كانت مشحونة بأجواء الحرب الأهلية الأميركية، ظلت الأمور هادئة نسبياً في البيت الأبيض، إذ اختفت أية محاولة رسمية بارزة لعزل 19 رئيساً، إلى أن ظهرت هذه الممارسة فجأة في عهد الرئيس الـ37 للولايات المتحدة، وهو الجمهوري ريتشارد نيكسون.

كان السبب وراء ذلك هو اقتحام مكاتب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في مجمع ووترغيت عام 1972، التي اتهم فيها نيكسون بإساءة استخدام سلطته وعرقلة العدالة في جهوده للتستر على علاقاته مع من قام بهذا الاقتحام، ومن ثم بدأت التحقيقات أولاً في اللجنة المختارة لأنشطة الحملة الرئاسية في مجلس الشيوخ، بالتوازي مع تحقيق آخر من المدعي الخاص أرشيبالد كوكس.

لكن عندما أمر نيكسون بإقالة كوكس في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، قدمت قرارات عدة في مجلس النواب لبدء تحقيقات مساءلة لعزل الرئيس، وفي فبراير (شباط) 1974 وافق مجلس النواب على قرار يأذن للجنة القضائية بالتحقيق في ما إذا كانت هناك أسباب لعزل نيكسون.

وبينما اعتمدت اللجنة القضائية بمجلس النواب ثلاث مواد تتعلق بالمساءلة، والتي لم يكن التصويت عليها قد بدأ في المجلس بكامل هيئته، رفضت المحكمة العليا مطالبة نيكسون بالامتياز التنفيذي في النصوص الدستورية، وامتثالاً لقرار المحكمة الصادر في الخامس من أغسطس (آب) 1974، أصدر نيكسون نصوص ثلاث محادثات أظهرت تورطه في محاولة عرقلة التحقيق في عملية الاقتحام، ما أدى إلى اختفاء الدعم السياسي لنيكسون حتى بين الجمهوريين. واستقال نيكسون في الثامن من أغسطس 1974، وبذلك انتهى تحقيق اللجنة القضائية رسمياً بعد أيام.

بيل كلينتون

أصبح الرئيس بيل كلينتون ثاني رئيس في التاريخ الأميركي توجه إليه اتهامات رسمية في ظل مساءلة لعزله، التي بدأت عام 1998 بعد أن اتهم بالكذب تحت القسم أمام هيئة محلفين فيدرالية في جهوده لإخفاء علاقة جنسية مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وذلك عقب تحقيق استمر سنوات من المدعي الخاص كينيث ستار. واعتبر الجمهوريون الذين كانوا يسيطرون على مجلس النواب هذا الأمر بمثابة جرائم وجنح كبرى.

وبعد تحقيق اللجنة القضائية بمجلس النواب أرسلت اللجنة أربع مواد اتهام إلى مجلس النواب بكامل هيئته، الذي أقر في ما بعد اثنتين منها، غير أن المحاكمة التي عقدها مجلس الشيوخ انتهت إلى تبرئة كلينتون عام 1999، وبعد أشهر فرض قاض فيدرالي غرامة على كلينتون لعدم الإدلاء بشهادته بصدق حول هذه القضية.

دونالد ترمب

كان دونالد ترمب هو الرئيس الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الذي حوكم مرتين في مجلس الشيوخ، بعدما أقر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون اتهامات مساءلة العزل مرتين بعد تحقيق قادته رئيسة المجلس في ذلك الوقت نانسي بيلوسي.

بدأت التحقيقات الأولى عام 2019، بقيادة لجنة الاستخبارات بمجلس النواب ولكن مع مساهمات من لجان أخرى، وانتهت إلى اتهام ترمب في مجلس النواب بعرقلة المساعدات المقدمة لأوكرانيا أثناء الضغط على رئيسها للتنقيب عن دليل حول تورط منافسه الديمقراطي جو بايدن في صفقات نجله في أوكرانيا، فضلاً عن اتهامه بعرقلة العدالة بعد رفضه تسليم الوثائق ذات الصلة، لكن مجلس الشيوخ برأه في المحاكمة التي عقدت عام 2020.

لكن في المرة الثانية، لم يكن هناك تحقيق مساءلة لعزل الرئيس، إذ اختار المشرعون في مجلس النواب تخطي التحقيق وتقديم مادة واحدة من الاتهام إلى مجلس النواب بكامل هيئته في الـ11 من يناير (كانون الثاني) 2021، إذ اتهم ترمب بالتحريض على التمرد بعد جهوده لإلغاء نتائج انتخابات 2020 وهجوم السادس من يناير 2021 على مبنى الكابيتول، ووافق مجلس النواب على الاتهامات في الـ13 من يناير 2021.

وللمرة الثانية برئ ترمب في محاكمة عقدها مجلس الشيوخ في فبراير، وصوت 57 عضواً في مجلس الشيوخ لصالح الإدانة، بما في ذلك سبعة جمهوريين، وهو ما يقل عن أغلبية الثلثين.

جو بايدن

بعد أن وجه رئيس مجلس النواب الجمهوري في سبتمبر (أيلول) كيفن مكارثي ثلاث لجان في مجلس النواب لبدء تحقيق في قضية المساءلة، وافق مجلس النواب بكامل هيئته الأربعاء الماضي على فتح التحقيق رسمياً في اتهام الرئيس جو بايدن بالتربح شخصياً من منصبه وإثراء نجله هانتر وعائلته حين كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2009 و2017.

واتخذ رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون هذه الخطوة بعدما رفض البيت الأبيض جهود لجان مجلس النواب الرامية إلى إجباره على تسليم المعلومات، على اعتبار أن المجلس يحتاج إلى تفويض بقرار من المجلس بالكامل.

ويراود الرئيس بايدن الأمل في أن الغالبية الهزيلة التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلس النواب، تعني أنهم لا يستطيعون تحمل خسارة سوى عدد قليل من الأصوات عندما يصل الوضع إلى ذروته وتحل لحظة التصويت وتحديد بنود اتهامات العزل.

وعلى رغم أن جميع الجمهوريين في مجلس النواب صوتوا لفتح التحقيق رسمياً، فإن بعضهم وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى مناطق منقسمة سياسياً، كانوا مترددين في دعم المساءلة خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى كلفة سياسية كبيرة بالنسبة إليهم.

وحتى لو صوت مجلس النواب على توجيه اتهامات لعزل بايدن، فمن غير المرجح أن تتم إقالته من منصبه، لأن ذلك سيتطلب تصويت 67 عضواً في مجلس الشيوخ بإدانة الرئيس، ومع سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ ستكون هذه النتيجة مستحيلة تقريباً.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع