العرب/بغداد- شهدت العاصمة العراقية بغداد اشتباكات ليلية بين عناصر من ميليشيا سرايا السلام التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وعدد من مسلّحي عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي.
ولم تخلّف الاشتباكات التي جرت ليل الاثنين – الثلاثاء في حي العامل سوى عدد من الجرحى لكنّها عكست مستوى التوتّر الذي وصلت إليه علاقة الصدر بخصومه المنتمين إلى العائلة السياسية الشيعية والمنضوين ضمن الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني.
كما عكست بالتوازي مع ذلك استمرار فوضى السلاح في العراق وبقاء عاصمته تحت رحمة الميليشيات وصراع قادتها على النفوذ السياسي والمكاسب المادية.
وجاءت الاشتباكات أياما بعد إجراء الانتخابات المحلية في العراق وما شهدته من مشاحنات بين الصدر وقوى الإطار بسبب مقاطعة الصدريين للاستحقاق الانتخابي وقيامهم بتخريب اللافتات الدعائية لبعض مرشّحي الميليشيات والأحزاب الشيعية.
ومثّلت الانتخابات بحدّ ذاتها مناسبة جديدة لخصوم الصدر لإحكام قبضتهم على السلطة وتوسيع نفوذهم ليشمل الحكومات المحلّية بعد أن كانوا قد انتزعوا من زعيم التيار الصدري امتياز تشكيل الحكومة الاتّحادية إثر الانتخابات التشريعية الماضية، وذلك باتحادهم ضدّه ضمن الإطار التنسيقي ثم التحالف مع قوى سياسية أخرى ضمن ما يعرف بتحالف إدارة الدولة.
ويعود السبب المباشر للاشتباكات بين السرايا والعصائب إلى إزالة أتباع الصدر لافتات تحمل صور قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبومهدي المهندس اللذين قتلا في غارة جوية أميركية.
وبدأت شوارع بغداد تمتلئ بصور سليماني والمهندس في إطار استعدادات فصائل الحشد ومن ضمنها ميليشيا العصائب لإحياء الذكرى السنوية لمقتلهما في الغارة التي نفّذها الطيران الأميركي المسير على مدخل مطار بغداد الدولي في الثاني من يناير سنة 2020.
وكان قائد فيلق القدس قد لعب دورا كبيرا في تأطير الميليشيات الشيعية ضمن الحشد الشعبي وتحويله إلى قوة عسكرية كبيرة، ليتحوّل لاحقا إلى قوة سياسية أيضا عن طريق ممثله السياسي المعروف بتحالف الفتح وهو اليوم أحد المشاركين بقوّة في السلطة.
ويعتبر الخزعلي من المقرّبين من إيران التي وقفت أصلا وراء انشقاقه عن الصدر وساعدته على تأسيس الميليشيا الخاصة به.
ويأتي احتفاء فصيله بالرموز الإيرانية ضمن حرص الخزعلي على إظهار الطاعة والولاء للقيادة السياسية والدينية الإيرانية، خصوصا وأنه دخل مؤخّرا في خصومة ضدّ فصائل أخرى شديدة الارتباط بالحرس الثوري الإيراني على رأسها ميليشيا حزب الله العراق التي اتهمت قيادتُها الخزعلي بعدم المشاركة في استهداف القوات الأميركية ضمن ما تسميه عمليات “المقاومة” المطلوبة من طهران تحت يافطة مساندة قطاع غزّة والتضامن معه ضد إسرائيل المدعومة بقوة من قبل الولايات المتّحدة.
وعلى الطرف المقابل يحرص الصدر على إظهار الاختلاف عن باقي القوى الشيعية بأخذ مسافة عن إيران في محاولة لاستمالة الشارع العراقي الذي يعلم زعيم التيار الصدري مدى نقمته على الإيرانيين بسبب سياساتهم تجاه العراق.
وأظهرت مشاهد متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، جانبا من اشتباكات ميليشيا الصدر وميليشيا الخزعلي وأصوات إطلاق النار الناتجة عن ذلك. وبحسب شهود عيان فإن قوات الأمن العراقية حظرت الخروج والدخول من وإلى المنطقة التي شهدت الاشتباكات في خطوة للسيطرة على الوضع هناك.
ونشر الناشط العراقي علي القيسي مشهدا من الاشتباكات عبر موقعه في منصة إكس، وعلق عليه بالقول “بغداد مدينة الثقافة والتاريخ هكذا أصبحت بدخول الغوغاء إليها”، مضيفا “عندما تسمعهم يقولون بغداد شيعية فهم يقصدون بغداد التي أمامكم”، في إشارة إلى فوضى السلاح التي تعمّها.
ورغم الادّعاءات المتكرّرة من قبل الصدر بشأن انضباط الميليشيا التابعة له وعدم انخراطها في تهديد أمن البلد واستقراره، واقتصارها على مهام “إنسانية ودينية” مثل تأمين المواقع والمراقد المقدّسة لدى الشيعة وحراسة تلك المواقع في عدّة مدن ومناطق عراقية، إلاّ أنّ للميليشيا ذاتها سوابق في خوض الصراعات المسلّحة ضدّ الخصوم والمنافسين السياسيين.
وكانت ميليشيا الصدر تسمّى جيش المهدي عندما خاضت معارك ضارية سنة 2008 ضدّ القوات الأمنية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي أطلق عملية واسعة النطاق في عدد من محافظات وسط وجنوب العراق تحت مسمى صولة الفرسان بهدف معلن هو بسط الأمن وإنهاء فوضى السلاح في تلك المحافظات، وآخر مضمر يتمثّل في تحجيم دور غريمه الصدر وحرمانه من مصدر قوّته.
وتعتبر ميليشيا السرايا سليلة جيش المهدي وسبق لها بدورها أن خاضت على مدى السنوات الأخيرة مناوشات مع الميليشيات المنافسة لها على خلفية اتهامات متبادلة باغتيال عناصر من الطرفين.
1503 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع