العراق: تصدّع داخل الإطار التنسيقي يدفع لدعم انتخابات مبكرة

العربي الجديد:دخلت الساحة العراقية حالة سياسية غير مسبوقة منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003، مع تعرض تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في البلاد، المكون من مجموعة من القوى السياسية العربية الشيعية المعروفة بقربها من طهران، لخلافات داخلية ناجمة عن حصول أزمة ثقة بين أطرافه. وتفاقمت الخلافات بسبب "خلية التجسس"، التي تم الكشف عنها أخيراً، التي تورط فيها موظفون في المكتب الحكومي، والمتمحورة حول عمليات تنصت طاولت هواتف مسؤولين وقضاة وأعضاء برلمان، وباشر القضاء التحقيق فيها منذ عدة أسابيع.

وانكشفت حدة الخلافات من خلال وسائل الإعلام المملوكة من أقطاب التحالف الحاكم، وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم جماعة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، عبر الطعن بإجراءات الحكومة أو التشكيك بقرارات اتخذتها أخيراً، واستعمال محللين سياسيين وضيوف لانتقاد رئيس الوزراء والحكومة ككل. وأمس الأربعاء قال مصدران سياسيان عراقيان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع الأخير للتحالف الحاكم بالعراق، الذي عُقد في منزل زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، وحضره رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، شهد طرح بعض أطراف التحالف فكرة الذهاب نحو الانتخابات البرلمانية المبكرة، اعتراضاً على أداء حكومة السوداني.

اجتماع الإطار التنسيقي
وقال عضو في التحالف الحاكم ببغداد، الذي أشار إلى أنه حصل على معلوماته من أحد المشاركين في اجتماع الاثنين الماضي، إن الخلافات بين السوداني وبعض أطراف الإطار التنسيقي، تسببت بانقسام حاد بين الكتل والقيادات السياسية الشيعية. والمالكي والخزعلي باتا حالياً أبرز المناوئين للسوداني، واتهماه بالسعي منذ الآن إلى ولاية ثانية، وهي مرفوضة من قبلهما، وفقاً للمصدر ذاته الذي طلب عدم الكشف عنه هويته. وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع الإطار التنسيقي الذي عُقد الاثنين الماضي كان غير مريح للجميع". وأكد عضو آخر في التحالف ذاته، أن طرح فكرة الانتخابات المبكرة يتبناه فقط المالكي والخزعلي ضمن أوراق ضغط على السوداني، لعدم إطالة عمر الحكومة، غير أن أطرافاً أخرى داخل التحالف رفضت ذلك وأخرى اكتفت بالسكوت وعدم التعليق.

واعتبر أن ملفات تعامل حكومة السوداني مع أزمة شبكة التجسس، وملف سرقة الأمانات الضريبة المعروفة بـ"سرقة القرن"، وملف العمليات التركية في الشمال العراقي والتفاهمات التي أبرمتها بغداد وأنقرة بهذا الشأن، وأزمة رئاسة البرلمان العراقي، غلبت على تفاصيل الاجتماع الأخير، إلى جانب اتهامات بسعي السوداني للحصول على ولاية ثانية، وتسخير الإعلام المحلي لذلك.

القيادي البارز في "الإطار التنسيقي"، حسن فدعم، قال، لـ"العربي الجديد"، ان "الإطار التنسيقي ما زال متماسكاً ولم يتم اتخاذ أي قرار بخصوص الذهاب نحو انتخابات برلمانية مبكرة، لكن هذا الملف تم تداوله ومناقشته فعلاً، غير أنه لا قرار بهذا الخصوص، فلا يوجد اتفاق، بل الاتفاق الذي حصل أخيراً داخل اجتماع الإطار التنسيقي، هو الاستمرار في دعم السوداني وحكومته ودعم الاستقرار السياسي بشكل عام". وأوضح فدعم أن "ملف الانتخابات المبكرة وكذلك شكل قانون الانتخابات قضايا تطرح للمناقشة داخل الإطار التنسيقي، وهناك آراء مختلفة بخصوص هذين الملفين، لكن لا اتفاق أو قرار بشأن أي من هذه الملفين، والإطار ما زال يدعم استمرار حكومة السوداني، ودعم محاربة الفساد، لكن لا قرار بشأن الانتخابات المبكرة، والأمر طرح للنقاش ليس إلا".
وتصاعدت حدة الخلافات بين السوداني وبعض أطراف الإطار التنسيقي وعلى رأسهم ائتلاف دولة القانون، بزعامة المالكي، وعصائب أهل الحق، بزعامة الخزعلي، بعد الكشف عن شبكة "تنصت" تعمل من داخل مكتب رئيس الوزراء، ما دفع أطرافاً سياسية مختلفة داخل الإطار التنسيقي الى مواقف مشددة ضد السوداني وحكومته. ومنذ أكثر من ثلاثة أسابيع تم الإعلان عن اكتشاف شبكة "تنصّت سياسي وتزوير" داخل مكتب السوداني، قيل إنها تضمّ موظفين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي، تزامناً مع قرار حكومي بالتحقيق مع أحد موظفي مكتب السوداني وكفّ يده إلى إشعار آخر، ووسط رفض قادة وأعضاء الأحزاب التطرق إلى ملف شبكة التنصت بمكتب السوداني.

عقيل الرديني، المتحدث باسم ائتلاف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، قال في تصريح صحافي إن "اجتماع الإطار التنسيقي الذي جرى يوم الاثنين، كان مهماً جداً، وقادة الإطار التنسيقي ناقشوا ملف شبكة محمد جوحي (شبكة التجسس)، وحصل اتفاق خلال الاجتماع على ضرورة استمرار حكومة السوداني وأهمية عبور هذه العقبات ودعم السوداني وحكومته لغاية نهاية دورتها". وأضاف الرديني أن "بعض قادة الإطار اعتبروا ما حصل نوعا من الإخفاق، خصوصاً بملف التنصت من داخل مكتب رئيس الوزراء، كما أن البعض استغل هذا الملف من أجل إضعاف الحكومة. ولهذا الإطار التنسيقي شدد خلال اجتماعه على دعم الحكومة وعبور هذه المرحلة الى نهاية الدورة البرلمانية، كونها حكومة شاملة لكل الكتل والأحزاب".

الناشط السياسي المُقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي قال لـ"العربي الجديد"، إن "بعض القوى داخل الإطار التنسيقي، تبنت بشكل صريح مشروع إجراء الانتخابات المبكرة ‏لأسباب تتعلق بوقف تمدد السوداني، أو ربما أسباب تتعلق بخلافات داخل قوة الإطار التنسيقي، لذلك فإن الأطراف الراغبة بإجراء الانتخابات تقول إنها قضية قانونية دستورية وثُبتت في المنهاج الحكومي وصوت عليها من قبل مجلس النواب وبالتالي فإن هناك إلزاما في إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة".
وأوضح التميمي أن "الأهم من كل هذا هو ضرورة إجراء التعديل على قانون الانتخابات وفق ما يريده التيار الصدري، والآن أصبحت هناك رغبة بهذا الأمر لدى بعض قوى الإطار التنسيقي ومنها ائتلاف دولة القانون، التي ترغب بوضع حدّ لنفوذ السوداني الشعبي المتنامي في المحافظات الوسطى والجنوبية". وأضاف أن "إجراء الانتخابات المبكرة يحتاج إلى حل البرلمان وهذا الموضوع لم تتفق عليه الآن القوى السياسية الكبرى، وإذا كانت هناك رغبة في إجراء الانتخابات المبكرة في إبريل/نيسان المقبل أو أي وقت يسبق موعدها الدستوري فإنه يحتاج إلى تعديل القانون الانتخابي وحل البرلمان، فضلاً عن انتخاب مفوضية جديدة للانتخابات وهذا الأمر ليس صعباً إذا كان هناك رغبة سياسية واتفاق على إجراء الانتخابات المبكرة داخل الإطار التنسيقي باعتباره الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً".

السوداني يواجه
ووجه السوداني، الأحد الماضي، خطاباً إلى العراقيين أعلن فيه أن حكومته "ما زالت تواجه حملات تشويش وتعمية ونشر مغالطات تهدف إلى خلط الحقائق بالأكاذيب واتهام الحكومة بالتغاضي عن بعض جوانب الفساد"، مؤكداً أن "القوى السياسية الوطنية والسلطات الدستورية يجب أن تتحمل مسؤولية الوقوف صفاً واحداً خلف الحكومة لإكمال برنامجها الخدمي، في ظل تحديات أمنية واقتصادية متسارعة تشهدها المنطقة". وتزامن خطاب السوداني مع أزمة سياسية متصاعدة حول شبكة تجسس داخل مكتب رئيس الوزراء. وقد أُلقي القبض على عدد من الموظفين والمسؤولين للتحقيق في اتهامات بالتجسس على هواتف مسؤولين كبار في البلاد.

وتشكلت حكومة السوداني في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بدعم تحالف "إدارة الدولة"، الذي يضم جميع الأحزاب السياسية التقليدية باستثناء التيار الصدري (أصبح اسمه التيار الوطني الشيعي). والتزم السوداني بمبدأ "التقييم" الذي نص عليه برنامجه الحكومي، والذي يتطلب تقييم أداء الوزراء خلال ستة أشهر. وقد بدأ بتنفيذ هذا الالتزام، كما حدث في حالة محافظ القادسية الذي تم استبداله، رغم أن المحافظ الجديد ينتمي لنفس حزب سلفه، ما أثار تساؤلات بين الناشطين. وتتألف الحكومة الحالية من 23 وزارة موزعة بين الأحزاب السياسية السنية والشيعية والكردية، إضافة إلى الأقليات، وفق نظام "المحاصصة" المعروف بالاستحقاق الانتخابي، والذي وصفه مراقبون بأنه "توافقي". وقد مررت هذه الحكومة في البرلمان العراقي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي دون خلافات بين الأحزاب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

738 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع