عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية لسباق الذكاء الاصطناعي

البيان الأماراتية:تكثر التساؤلات حول مدى سرعة إحلال الذكاء الاصطناعي محل العنصر البشري في سوق العمل. ولتوضيح الأمر باختصار، يمكن القول إن الآلات تتعلم بوتيرة متسارعة، لكنها لم تبلغ بعد مستوى الذكاء البشري. ومع ذلك، لم يحظ بعد تحديد القطاعات التي ستشهد أعلى معدلات فقدان الوظائف بالقدر الكافي من الاهتمام. ورغم الشكوك التي تكتنف سرعة هذا التحول، فإن الاتجاه العام واضح: «سيواصل الذكاء الاصطناعي التفوق على القدرات البشرية في نطاق أوسع من المهام الذهنية.

وتشير الدراسات الأولية إلى أن الأتمتة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى توزيع جغرافي لخسائر الوظائف يختلف عما شهدناه سابقاً».

ربما ينطوي الأمر على أن بعض المستفيدين من الموجات الأولى من الأتمتة الصناعية، وهم الذين يتمركزون في المدن الأكثر ثراءً في شرق وغرب الولايات المتحدة الأمريكية، سيكونون الأكثر تعرضاً للإزاحة الرقمية الكبيرة التالية.

قد يحمل هذا الأمر في طياته عواقب اجتماعية، واقتصادية، وسياسية أيضاً، إذ ستتضرر المدن الأكثر ثراءً وحضراً مقارنة بالمناطق الأفقر والريفية. وفي حين تستبد بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أفكاره بشأن التجارة في السلع المادية وفرض التعريفات الجمركية على «النباشين الأجانب» الذين يجرؤون على التصدير إلى الولايات المتحدة، إلا أنه حري به أن يمعن التفكير بشأن كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد المحلي والتبادل العالمي للخدمات.

وتكمن المسألة وراء الأتمتة في الولايات المتحدة في تأثيرها غالباً على العمال اليدويين في قطاع التصنيع. ولعل هناك أمثلة على ذلك، مثل فقدان الموظفين في المصانع الذين يؤدون مهام روتينية لوظائفهم لصالح الروبوتات أو منافسين آسيويين منخفضي التكلفة في صناعات مثل السيارات. وتميل الأتمتة الصناعية إلى أن تلقي بظلالها على الوظائف التي تتطلب مهارات أقل في قلب «حزام الصدأ» والمدن الصغيرة والمجتمعات الأقل تعلماً في الجنوب ووسط غرب الولايات المتحدة.

ومع ذلك، تشير دراسة جديدة أجراها معهد «بروكنغز»، إلى أن المجتمعات الأكثر تعرضاً لخطر خسارة الوظائف المدفوعة بالذكاء الاصطناعي هي مجتمعات الموظفين من ذوي الياقات البيضاء العاملين في مجال المعلومات. وتعرض الباحثون بالدراسة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي أنتجتها شركة «أوبن إيه آي» في أكثر من ألف مهنة ثم رسموا خريطة تعكس الأماكن التي تشيع فيها هذه الوظائف.

ويظهر تحليلهم بأن الكثير من المبرمجين، والمحامين، والمحللين الماليين، والبيروقراطيين في مدن مثل سان خوسيه، وسان فرانسيسكو، ودرم، ونيويورك، وواشنطن العاصمة، قد يرغبون في إعادة النظر في مستقبلهم. ووجدت الدراسة أن الموظفين غير المرتبطين بالمكاتب في أماكن مثل لاس فيغاس، وتوليدو، وأوهايو، وفورت وين، وإنديانا، ربما يكونوا أقل تعرضاً للاضطرابات التي يسببها الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، أشار مارك مورو، كبير الزملاء لدى معهد «بروكنغز» وهو الذي قاد البحث، إلى أن المسألة أكثر تعقيداً مما تشي به البيانات الأولية والارتباطات البسيطة.

وقال مورو إن الكثير من كبار الرابحين من التحول المدفوع بالذكاء الاصطناعي، يشملون مدراء المؤسسات، والخبراء المهنيين، والمساهمين في شركات التكنولوجيا، وهم الذين يعيشون في المناطق الحضرية الأكثر تأثراً بهذا التحول. ولفت إلى أن المناطق الأفقر قد تفوت المنافع الإنتاجية التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسفر عنها. وقال: «ينطوي الأمر على منفعة محتملة وكذلك اضطراب محتمل».

وثمة دراسات أخرى أجريت على قطاعات بعينها تشي بمشهد أكثر تعقيداً، خصوصاً عند النظر إليها في سياق عالمي. ويمكننا هنا إلقاء الضوء على ما أصاب المترجمين، على سبيل المثال، فهم من بين أكثر المهن تعرضاً للتأثر بأتمتة الذكاء الاصطناعي.

وتوصلت ورقة بحثية حديثة ألفها بيدرو ليانوس - باريديس وكارل بينيديكت فري من جامعة أوكسفورد، إلى أن كل زيادة بمقدار نقطة مئوية في استخدام الترجمة الآلية عبر أسواق العمل المحلية البالغ عددها 695 في الولايات المتحدة قابلها انخفاض في نمو توظيف المترجمين بنحو 0.7 نقطة مئوية. وأسفر ذلك عن فقدان ما يقدر بـ 28.000 مترجم لوظائف كانت لتخلق بين عامي 2010 و2023.

وعلى الرغم من أنها قد تعد أنباء غير سارة لأي ممن يرغبون في امتهان الترجمة، إلا أن اعتماد أدوات الترجمة الآلية يشكل دفعة تحفيزية كبيرة لشركات الخدمات في الكثير من الدول الأخرى. وتعد اللغة واحدة من أكبر الحواجز أمام التجارة العالمية، خصوصاً في مجال الخدمات. ويمكن للترجمة الآلية أن تسهم في تذليل هذه الحواجز عندما يصبح العاملون في قطاع الخدمات بدول مثل الهند أو فيتنام أو نيجيريا أكثر كفاءة في اللغة العالمية لهذا القطاع، وهي الإنجليزية. ومع انحسار تأثير التصنيع باعتباره محفزاً للنمو الاقتصادي، قد يكون التحول نحو الخدمات هو المسار المستدام الأوحد للدول لتتمكن من اللحاق بالركب.

وبتركيزه على المعدات وإغفاله للبرمجة، يواجه ترامب خطر محاولة معاودة خوض غمار الحرب الاقتصادية السابقة والتي انتهت بخسارته بدلاً من التأهب لتلك التالية. لذلك، ربما يتبدى لنا أن الفائزين والخاسرين في سباق الذكاء الاصطناعي ليسوا كما نتوقع.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك