معرض الكتاب الدولي ضوء ثقافي شاسع

 معرض الكتاب الدولي ضوء ثقافي شاسع

 رنا خالد:يحظى معرض بغداد الدولي للكتاب، المقام حالياً، باهتمام شعبي وثقافي واسع، ظهر بجلاء من خلال الكم الكبير من الزيارات الصباحية والمسائية لأروقته وأجنحته، حيث ازدحمت القاعات بآلاف الزائرين من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، تواقين لاقتناء الجديد من المؤلفات. يضم المعرض عشرات الآلاف من العناوين في شتى مجالات المعرفة، ما جعله منصةً غنيةً للبحث والاكتشاف، ومجالاً خصباً لتبادل الأفكار بين الناشرين والقراء والمثقفين.

خلال جولتي في أروقة المعرض، يلحظ المرء الإقبال المتزايد على الكتب بشتى أنواعها؛ من الفكر والفلسفة، مروراً بالأدب والتاريخ، وصولاً إلى كتب التنمية والعلوم الحديثة. ذلك التنوع الهائل أسهم في خلق بيئة معرفية متكاملة، تتيح للزائر أن يجد ضالته الفكرية مهما كان اهتمامه. إلى جانب ذلك، كان للحضور المتنوع – من طلبة الجامعات، والباحثين، والعائلات، وحتى الأطفال – دور في إضفاء طابع خاص على المشهد، حيث اجتمع تحت سقف واحد عشاق الكتاب على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم.
لا يقتصر دور المعرض على عرض الكتب وبيعها فحسب، بل يتجاوزه إلى أن يكون ساحة حوار حيّة. فقد شهدت الأروقة حلقات نقاشية، وندوات ثقافية، وحوارات جانبية بين القراء والكتّاب، ما أضفى على المكان روحاً نابضة بالحياة الفكرية. إن هذه الأجواء الحوارية تعد عاملاً مهماً في إثراء الوعي الجمعي، لأنها تتيح تلاقح الأفكار، وتصحيح المفاهيم، وتوسيع أفق المعرفة.
من المهم التأكيد على أن إقامة معارض الكتب، سواء في بغداد أو أي مدينة عربية أخرى، ليست مجرد فعالية سنوية عابرة، بل هي فعل ثقافي يرسخ حضور الكتاب في حياة المجتمع. ففي زمن تغزو فيه الوسائط الرقمية حياة الأفراد، يظل الكتاب الورقي شاهداً على قيمة المعرفة العميقة، ووسيلة لبناء العقول وتطوير التفكير النقدي. إن حضور مئات الناشرين، وعرض آلاف العناوين، يشكل رسالة واضحة مفادها أن الثقافة لا تزال حيّة، وأن الكتاب قادر على الصمود أمام تحديات العصر.
إلى جانب دورها الثقافي، تترك معارض الكتب أثراً اجتماعياً ونفسياً كبيراً، إذ تمنح الأفراد شعوراً بالانتماء إلى فضاء مشترك من القيم والأفكار. فالطفل الذي يتجول بين أجنحة المعرض، والطالب الذي يقتني مرجعاً علمياً، والكاتب الذي يلتقي قراءه، جميعهم يشتركون في لحظةٍ معرفية واحدة، تتحول إلى ذاكرة جمعية تسهم في بناء الوعي العام للأمة.
إن معرض بغداد الدولي للكتاب، الممتد حتى الحادي والعشرين من أيلول الجاري، يكتب فصلاً جديداً من حكاية الثقافة والكتاب في العراق. هو فصل يؤكد أن بغداد، رغم التحديات، لا تزال قادرة على أن تكون عاصمةً للفكر، ومنبراً للمعرفة، وملتقى للأدباء والمثقفين. إن استمرار هذه الفعاليات يعزز مكانة العراق في المشهد الثقافي العربي، ويفتح الباب أمام أجيال جديدة لتجد في الكتاب رفيقها الأول نحو التنوير.
وباختصار، فإن معارض الكتب تمثل ركيزة أساسية في نشر الثقافة وإثراء الوعي الجمعي، لأنها تجمع بين المعرفة والناس، وتعيد الاعتبار للكتاب باعتباره حجر الأساس في نهضة المجتمعات. ومن هنا فإن دعم هذه المعارض، وتوسيع حضورها، ليس خياراً ثقافياً فحسب، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء إنسانٍ واعٍ، قادر على مواجهة تحديات الحاضر وصناعة مستقبل أفضل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع