وداعا عبد الإله الصائغ . سلاما سلاما عبد الإله الصائغ الراحل النبيل
أ.د. محمد عبد الرحمن يونس
مدير تحرير مجلة جامعة ابن رشد الأكاديمية المحكمة
نائب رئيس جامعة ابن رشد في هولندا للشؤون العلمية ، التعليم عن بعد
عبد الإله الصائغ الصديق النبيل المغامر المقدام في بحور العلم و المعرفة و الفكر و الثقافة، صاحب القلم الشجاع الذي يتجاوز مساحات الظلام و قطعان الاستبداد و التخلف . وداعا و داعا . سنظل نقرأ فكرك و أدبك ، و سنظل نحبك،و ستظل سفائن حريتك و أفقك النير تبحر عميقا في نفوسنا و أرواحنا. وداعا أيها العزيز وداعا أيها الشامخ . ستظل مجلتنا مجلة جامعة ابن رشد تستظل بفيئك، أنت السروة و الظل و الأستاذ، و نحن طلابك الحزانى لرحيلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤلما و قاسيا و حزينا كان وقع خبر وفاة الأديب المبدع ،و أستاذ الأساتذة، الناقد العراقي الكبير البروفيسور عبد الإله الصائغ.
عبد الإله الصائغ الرجل النبيل الذي عرفته و خبرته، في أخلاقه و قيمه النبيلة، و مواقفه الكريمة العديدة، يوم تشرّفت بالعمل معه في جامعة ابن رشد في هولندا للتعليم المفتوح ــ عليه واسع الرحمة و المغفرة ــ كان أستاذي و صديقي و رئيسي في العمل، حيث كان يعمل نائبا لرئيس جامعة ابن رشد، و كنت وقتها عميدا لكلية اللغة العربية. و بقينا معا في مجلة جامعة ابن رشد الأكاديمية المحكمة، فهو حتى وفاته نائب رئيس التحرير، و أنا مدير التحرير.
ودودا و دمثا و أليفا كان، بصوته الهادئ الرزين، المفعم ذوقا و أدبا و دماثة في اختيار ألفاظه و كلماته الراقية التي تفوح عبقا و فلا و ياسمينا. وأثناء اجتماعنا في مجلس الجامعة، كان، رحمة الله عليه، يستنفر أقصى طاقاته الإنسانية، و أجمل صور تهذيبه العالي، فهو أستاذنا، و هو الأكثر قدرة، و هو الأكثر إبداعا، و هو الأكثر حضورا و بهاء، و مع ذلك كان يخاطبنا بعباراته الراقية، ومنها سيدي الكريم، و صديقي العزيز، و ابني الغالي.
مازلت أذكر اجتماعنا في مجالس الكليات الجامعية، بحضور الأساتذة الكرام: الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي، رئيس الجامعة، و الدكتور صباح قدوري نائب رئيس الجامعة، و الدكتور صلاح كرميان رئيس أعضاء شؤون هيئة التدريس. هؤلاء الأساتذة الكرام الذين تعلمت منهم الكثير.
و لن أنسى مواقفه الكريمة، و هو يناقش رسائل الماجستير و أطروحات الدكتوراه التي كانت تُناقس في جامعتنا، فقد كان يضفي عيها بهاء و جمالا، و كان يضفي على الباحثين الذين نناقشهم فضاء آمنا مفعما بالطمأنينة و المحبة.
نبرة صوته الرزينة الهادئة في اجتماعاتنا كانت مفتاحا للأمان و الإبداع و الطمأنينة، و دافعا للعمل الجاد المخلص، دافعا لكل من يعرفه، و يتعاون معه في مجالات العمل و الإدارة، و التدريس، و الإخاء و الصداقة و الزمالة.
يترجّل البروفيسور عبد الإله الصائغ فارسا، و هو على قمة الإبداع و العطاء الفكري و النقدي و البحثي في فضاءات العراق، و فضاءات العالم العربي. و إن كان في فترة مرضه الأخيرة مقلاّ في كتاباته، إلاّ أنه ظلّ قارئا متميزا، و متابعا متميزا لما ينشر في حركة التأليف و الثقافة العربية المعاصرة. و كنا قبل أن ننشر أي عدد جديد من أعداد مجلتنا، نرسله إليه ليطّلع عليه، و يبدي ملاحظاته المهمّة قبل النشر، و كان ـــ عليه واسع الرحمة و المغفرة ــ يقرأ العدد، و يناقش أبحاثه، و يعلّق عليها.
و كنّا نأخذ بآرائه النقدية الصائبة، و كنا سعداء لأن نعمل بها، حتى يرتقي عملنا نحو الأفضل. كان تنويريا معاصر، بعقل نيّر، منفتح على ثقافات العالم العربي و الأجنبي، و قد برزت مظاهر هذا التنوير واضحة في أبحاثه و كتبه النقدية العديدة.
ما أن يٌذكر النقاد العرب المعاصرون في ساحات الحوار، و المنتديات الفكرية، و الندوات الثقافية، حتى يبرز اسم عبد الإله الصائغ واحدا من أهم هؤلاء النقاد و الباحثين، و من أكثرهم عطاء، و تأثيرا في الحركة النقدية المعاصرة، تنظيرا و تطبيقا.
من بغداد إلى صنعاء إلى ليبيا، إلى ديترويت بميتشيغان الأمريكية يرتحل عبد الإله الصائغ نورسا شفيفا محلّقا في سماء الإبداع و الأدب، فاردا بصمته المتميزة على أي فضاء علمي يعمل فيه، و يشكّله، و يُخرّج في جامعاته العديد من طلاب المعرفة الذين أصبحوا أساتذة و باحثين في العديد من جامعات العالم.
سيرته العطرة، و كتبه النقدية و مجموعات الشعرية، استطعت الاطلاع على العديد منها، في مكتبات شارع المتنبي ببغداد، حين كنت أزور هذا الشارع المعرفي العالمي الغاص بكتب العالم العربي و الأجنبي، و مجلاتهما، في شتى صنوف المعرفة الإنسانية. و عندما التقيت بمجموعة من أدباء العراق و مثقفيه المعاصرين و باحثيه في المؤتمرات العلمية التي كانت تقيمها جامعات بغداد كانت سيرة عبد الإله الصائغ حاضرة بإجلال واحترام عميقين، يليقان بهذا الرجل المبدع، غزير الثقافة، واسع الاطلاع، و عميق الرؤية النقدية لمفهوم الأدب، و دوره الأخلاقي و الإنساني في ازدهار المجتمع، و رقي أفراده و ناسه.
اعتدت أن أتحدّث مع عبد الإله الصائغ مرتين كل شهر، و أحيانا ثلاث مرات من خلال ماسنجر الفيس بوك، و الواتساب الخاص به، كنا نتحدث في الأدب و الثقافة، و التأليف و النشر، و ظروف مرضه، و الرعاية الصحيّة العالية التي تُقدّم له، و تراقب حالات مرضه، وعن دور الممرضات اللواتي كنّ يشرفن على علاجه، إذ كنّ على غاية عالية من الاهتمام و الأدب، و الذوق الجمالي العالي، و الاهتمام به.
و حزينا كان يحدثني عن العراق و مؤسساته، و سياساته التي تهمل مبدعيه و مفكريه و أدباءه، و عقلاءه من الشرفاء المخلصين، في حين أن النظام الاجتماعي و الصحي و السياسي في ديترويت كان يعامل القادمين إليه من المفكّرين و المهاجرين المبدعين المضطهدين في دولهم و مجتمعاتهم البائسة، معاملة كريمة، و على غاية عالية من الرعاية الصحية و الاهتمام ، و تقديم المعونات المالية لهم، فالبلدان العربية، وللأسف، تنفي مبدعيها و مفكريها و مواطنيها، و تحرمهم من أبسط حقوقهم، في حين أن البلدان الأجنبية تمنحهم ما يحتاجون إليه من رعاية و أمان و سلام حين يتقدّم بهم العمر، يا للمفارقة العجية!! فالفقر في الوطن غربة و منفى، و الغنى في بلاد الآخرين وطن وسكن وأمان، هذه هي حال أوطاننا البائسة المنتفخة فاجعا و جهلا و عجرفة، المتورمة أخلاقا و سياسة و اقتصادا و تعليما و إيديولوجيا رثّة,
في الفترة الأخيرة كان المرض قد بدأ يفترس جسد أستاذنا الصائغ و روحه، و حركة شفتيه، و سلامة نطقه، و كان يبدو مرهقا، و نحن نتكلم، و كان صوته متعبا هامسا، غير أنه كان مفعما بشكر ربه الكريم، مؤمنا بما سيأتي منه. و بعد ذلك اكتفينا بأن نتواصل كتابة حتى لا أرهقه صوتا و نطقا.
إننا في جامعة ابن رشد، و في مجلة جامعة ابن رشد، و على لسان جميع أعضاء هذه المجلة من إداريين و مشرفين و أعضاء الهيئتين العلمية و الاستشارية لهذه المجلة نتقدم بأسمى آيات عزائنا الصادق لجميع السادة أولاد عبد الله الصائغ و بناته، و إخوته و أخواته، و جميع أفراد أسرته، و لجميع زملائه و أصدقائه و طلابه في أنحاء المعمورة، سائلين الله سبحانه و تعالى أن يرحمه رحمة واسعة، و يسكنه فسيح جنانه مع الشهداء و الطيبين الطاهرين، و البقاء لله سبحانه و تعالى في عزه و عليائه و ملكوته و عرشه، و نعزي أنفسنا أيضا لأننا فقدنا أخا غاليا و نبيلا، و صديقا وفيا استطاع أن يجسّد أسمى درجات الوفاء و النبل في حياته، سلوكا و عملا و مواقف مشرّفة. وداعا أستاذنا عبد الإله الصائغ، سلاما لروحك الطاهرة أستاذنا النبيل أيها النسر الهامة المحلق دائما في سماء الإبداع و الفكر المستنير.
كانت وفاة أستاذنا الصائغ في يوم الأربعاء 17 أيلول، سبتمر 2025 م، في مدينة ديترويت بولاية ميتيشيغان الأمريكية.
ــــــــــــــــــــ
و كثيرة هي المواقع التي ذكرت البروفيسور الصائغ، و نشرت له ببلوغرافيا إحصائية لمعظم كتبه في النقد و الإبداع، و نكتفي بما ورد في موقع ، الموقع الذي ذكر بعضا من و نكتفي بما ورد في موقع( مدار 24) ، الموقع الذي ذكر بعضا من إنجازاته الفكرية و الإبداعية:
توفي الشاعر والناقد والأديب العراقي د. عبد الإله الصائغ، اليوم الأربعاء 17 أيلول 2025 عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد مسيرة حافلة بالإبداع والعطاء. والذي أصدر نحو أكثر من 22 كتاباً توزعت بين الشعر والنقد والدراسات وسائر صنوف الثقافة والمعرفة.
يعتبر عبد الإله الصائغ واحد من ألمع الأدباء في العراق، والذي أفنى حياته في تدريس الأدب والنقد في العديد من الجامعات في العراق واليمن وليبيا، وهو باحث وأكاديمي وشاعر وناقد أدبي من الطراز النادر، إذ عرف عنه بلقب “عميد الأدب العراقي”.
ولد الراحل عبد الإله الصائغ في مدينة النجف_العراق عام 1941م ونشأ في أجواء تجمع بين الأصالة الثقافية والوعي الاجتماعي، وتأثر بالبيئة العلمية والدينية المحيطة به، ما جعله منذ صغره يميل إلى القراءة والكتابة والمشاركة في الحوارات الأدبية والفكرية.
أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس النجف والكوفة، ثم واصل دراسته في معهد المعلمين العالي بالأعظمية في بغداد، حيث برز ذكاؤه وتميزه الأكاديمي. وخلال هذه الفترة، شهد الدكتور الصائغ أحداثاً سياسية واجتماعية صقلت شخصيته وأسهمت في تشكيل وعيه النقدي والثقافي.
انطلقت مسيرته التعليمية والأكاديمية في مدارس العراق، ثم امتدت إلى الجامعات العراقية والعربية، حيث عمل أستاذاً في جامعات الموصل، الكوفة، صنعاء، والفاتح (ليبيا)، وكان مسؤولاً عن إشراف ومناقشة العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ليكون بحق من صانعي الأجيال الأكاديمية في الأدب والنقد العربي. وقد شغل منصب الأمين العام لمنظمة (كتاب بلا حدود) العالمية.
تميز الراحل عبد الإله الصائغ الذي عاش سنواته الأخيرة في ولاية ميشيغن الأمريكية بدمجه بين الصرامة الأكاديمية والرهافة الشعرية، فكتب في النقد والدراسات الأدبية، وألف الشعر والقصة، وكتب عدد كبير من المقالات، وشارك في العديد من الندوات الثقافية والمهرجانات الأدبية داخل العراق وخارجه.
من أهم مؤلفاته : الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام / الصورة الفنية معيارا نقدياً / الإبداع العربي بين الواقع والتوقع / إشكالية القصة وآليات الرواية / دلالة المكان في قصيدة النثر / الأدب الجاهلي وبلاغة الخطاب / ظاهرة قتل المبدعين في الحضارة العباسية / أغنيات للأميرة النائمة (شعر) / حلم بابلي (شعر) / سنابل بابل (شعر) / عودة الطيور المهاجرة (شعر).
ظل الدكتور عبد الإله الصائغ مخلصاً لمدينته النجف، رغم تنقله بين الدول العربية والعالمية، محافظًا على جذوره وموروثه الثقافي، ومستمراً في إثراء المكتبة العربية بنتاجه الغني من الشعر والدراسات النقدية، إلى أن استقر في الولايات المتحدة، حيث واصل نشاطه الأكاديمي والثقافي والإبداعي، محافظاً على صوته الحر في الكتابة والتفكير والنقد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
و نقتطف من أشعاره التي نشرها على صفحته في شبكة الفيس بوك، القصيدة التي كتبها عن مدينة مصراته الليبية، ، عندما كان يعمل أستاذا جامعيا في جامعات ليبيا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصراتة
فدى لعينيك أحزاني وآهاتي
يا غادة الحسن، يا ليلي ومشكاتي
كأن وجهك إذ حفّ السناء به
بدرُ التمامِ بليلٍ قاتمٍ شاتي
ودمعُ عينيك إذ ناديتِ يا وطني
نزفُ المروءةِ يسري بين أشتاتِ
يا غادةَ الحلمِ، بي شوقٌ يؤرقني
لَوَهلةِ البشرِ تمحو كُحلَ ساعاتي
إني تغرّبتُ عن أهلي وعن وطني
عن ذكرياتي وأحبابي وعن ذاتي
وجئتُ أبحث عن أرضٍ تبادلني
حبًا بحبٍ ودمعاتٍ بدمعاتِ
يا شعرُ، يا لغةَ الأحزانِ، كن مددي
توجْ أميرةَ أحلامي بأبياتي
قالت: تحب؟ فقلتُ الحبُّ مصراتي
وشاطئُ الحسنِ في الضرّاء مرساتي
مدينةٌ أم عروسٌ عند جلوتها
جمالُها البكرُ أزرى بالجميلاتِ
تؤوي الصريخَ إذا ما اجتاحه عطبٌ
ولا تباهي سواها بالعطياتِ
يا لائمي في هواها، كيف تعذلني؟
حدّق بعيني، تجدها سفرَ آياتِ
زليتن
هذي زليتنُ جنّةٌ فيحاءُ
وبسحرها تتغزّلُ الشعراءُ
من درّها رضعَ الكماةُ محبةً
فكأنها أمُّ الندى المعطاءُ
وبمهدها نشرَ الجمالُ زهورَهُ
فبكلِّ شبرٍ للجمالِ لواءُ
فالبحرُ يذهلُ، والخيالُ شراعُهُ
والرملُ يعبقُ، والمساءُ سناءُ
طوبى لمن كانت زليتنُ دارهُ
فنسيمُها للزائرين شفاءُ
يا دارَةَ الآدابِ كم لكِ من يدٍ
فعلى رحابكِ يُبدعُ العلماءُ
حيّتكِ بغدادُ جريحةٌ قبلةٌ
ومن الكنانة حيّتِ الأشذاءُ
عمانُ والخرطومُ نهرُ مودّةٍ
سبحتْ بعاطرِ مائهِ صنعاءُ
ولتونسَ الخضراءِ وبيروتَ الندى
سورُ الجمالِ تزيّنُهُ الآلاءُ
والمغربُ الفينانُ نفحُ أرومتي
أنا ظامئٌ، وبكفّتيكِ الماءُ
ولنا لقاءٌ في القريبِ ودبكةٌ
في القدسِ حين تبدّدُ الظلماءُ
زنتان
يا عاشقَ الحسنِ، هذا وجهُ زنتانِ
ملامحٌ أبدعتها كفُّ رحمانِ
حبيبةٌ للأعالي بيتُها رنقٌ
في متنِ تلٍّ يحاكي بيتَ فنانِ
يأتي الصباحُ فيلقاها مبكرةً
مع الطيورِ تناغيها بألحانِ
وللمساءِ على أرجائها عبقٌ
تستافُهُ الروحُ من وردٍ وريحانِ
كأنما بدرُها في الليلِ يحرسُها
قلبٌ من الضوءِ يلقاها بتحنانِ
زنتانُ زنتانُ، ما شعري يطاوعني
فأنتِ سيدتي والسحرُ صنوانِ
يا سعدَ أهلكِ إذ يحسونَ قهوتهم
من نبعِ حُسنكِ بين الآنِ والآنِ
من زار زنتانَ واستهوته فتنتُها
تجدهُ من عشقِها "مجنون زنتانِ"
يا عاشقَ الحسنِ، هذا روضُ زنتانِ
فمتّعِ الروحَ من وردٍ وريحانِ
ومتّعِ العينَ عندَ النبعِ تنبِطهُ
فتيانُها وهي تقفو سربَ غزلانِ
ما للتلالِ التي تمتدُّ مفعمةً
كأنّهنَّ صبيّاتٌ من الجانِ
بِتنَ العشيقاتِ، لا شكوى ولا مللٌ
لبِثنَ منتظراتٍ ابنَ جيرانِ
ترهونة
من مبلغٍ حسناءَ ترهونةَ
قصيدةً في الروحِ مكنونةَ
قصيدةً من صائغٍ عاشقٍ
أبياتُها بالحبِّ موزونةَ
بعشقِ ترهونةَ عمري ابتدَى
وكلُّ عمري ضائعٌ دونهَ
أميرةٌ من أين لي وصفُها؟
كأنها بالسحرِ مجنونةَ
حقولُها أم روضةٌ أم تُرى
رمالُها بالمسكِ معجونةَ؟
جبالُها نهودُ طهرٍ هفَتْ
فيها الذي أرجو وترجونهَ
أميرةٌ حالمةٌ، ليتها
تحملني في الصدرِ أيقونةَ
ترهونةُ الخيرِ، كفى شاعرًا
إغفاءةً في ظلِّ زيتونةَ
يريحُ فيها جسدًا متعبًا
في زمنٍ ضيّع قانونَهُ
دُنياهُ تُشجيهِ بلا رأفةٍ
فهي بما يؤذيه مفتونةَ
فهو غريبٌ ضائعٌ حلمُهُ
أن يلتقي أهلًا يحبونهَ
صبراتة
صبراتةُ الحسنِ، أيُّ الشعرِ يُرضيها؟
وزهرةُ المجدِ، غرسٌ في مغانيها
أتيتُ أطلالَها الشمّاءَ أسألُها
والقلبُ يركضُ طفلًا في مغانيها
عن غابرِ العهدِ، والأشجارُ ذاهلةٌ
عن كلمةٍ سكنتْ حرّى على فيها
عن أهلِها، قد أشادوا مسرحًا لذُرًى
والمبدعونَ شهودٌ عند ناديها
هل يُفصحُ الحجرُ الصوّانُ عن زمنٍ
قد كان في سالفٍ من بعضِ أهليها؟
عن فاتناتٍ حملنَ العشقَ أغنيةً
في مسرحِ البحرِ مذ فاحت أقاحيها
عن فنيةٍ قد تنادوا في الصيْلِ ندىً
والشمسُ تُغرقُ في تبرٍ لآليها
وعن فوارسَ في الجلّى تخالُهمُ
أسدَ الشرى قد أطاحت رأسَ غازيها
صبراتةُ الحسنِ، ضمّي غربتي تجدي
قصيدتي ودموعي من قوافيها
أنا ابنُ بابلَ، تُربُ المجدِ شرّدني
أبناءُ عمّي دمائي في مواضيها
ضمّي الغريبَ وداوي الجرحَ سيدتي
فمن سواكِ تداويني بحُبيها؟
أشكو إليكِ الليالي شبنَ من أرقي
ولا تخافي ذبيحًا قد هفا تيها
كدأبِ أمّي إذ أشكو العناءَ لها
كانت تُدثّر أوجاعي وتُشفيها
شوقي لناعسةِ العينين من دَنَفٍ
ومن سؤالٍ تماهى في مآقيها
يا أختَ عشتارَ، قولي للتي انتظرت
قصيدتي أن روحي في معانيها
واستغفريها، فقد ماطلتْ صبوتَها
وصادحُ الشوقِ يدنو من مراقيها
آتٍ زمانٌ نُواري فيه خيبتَنا
وقوسُنا ستلاقي كفَّ باريها
وبابلُ ستلاقي بالزهورِ غدًا
صبراتةَ، وهي حلٌّ في روابيها
وعندها سنُغنّي والمدى ثَمِلٌ
صبراتةُ السحرِ، أيُّ الشعرِ يُرضيها؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن مقالاته النقدية والبحثية نكتفي بجزء من بحث طويل له بعنوان : ( أمن اللبس ومقارعة ثقافة الإرهاب)، سبق و أن نشره على موقع كتابات، يقول في هذا البحث الطويل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الاله الصائغ احتراز: انني لا أزعم صواب أفكاري في هذا المقال ويمكن للقاريء الكريم ان يقوِّم او يرمِّم او يعترض ولكنني أزعم صدقيتي فانا احاول واقدم وجهة نظري دون قناع و بعيداً عن الشخصانية وهدفي المركزي مقارعة الارهاب الذي استشرى بوسائل مغايرة ونحذر المعنيين بمقولة امن اللبس ان لايكون رد الفعل على اللبس إندفاعيا بحيث يكون رد الفعل إرهاباً آخر قد يزيد على الفعل نفسه والمعول في كل ذلك على العقل والوعي والمروءة وخبرات ذوي الخبرة . واقدر جهود متخصصين كتبوا محللين ظاهرة الارهاب وقد شابت كتابات بعضهم انهم اقتطعوا من مساحة جهودهم لصالح النجومية الاصطناعية وإشعار المتلقين ان جهودهم هي ضربة معلم وهم قدموا الذي لم تستطع الأوائل الإتيان بمثله فضلا عن قَصْر الارهاب على الإرهاب الديني او المذهبي او العنصري او الجغرافي متجاهلين انواعا كثيرة من مستجدات الارهاب كذلك الذي داهمنا من خلال كوة التواصل الاجتماعي وتزييف التقاليد الديموقراطية كصناديق الاقتراع وتكوين الاحزاب وحرية الرأي المنفلته التي تنشر الإشهارات مدفوعة الثمن دون الانتباه لمصلحة الناس كل الناس والرفق بأعصابهم وينبغي القطع ان لا ديموقراطية مع حاضنات الارهاب المباشر وغير المباشر من نحو سلطاتة العشيرة ورجل الدين والوجهاء والبيوتات ذوات الموروث التاريخي وبهاليل العلمانية من يسار اليسار ويمين اليسار ويسار اليمين والوسط، والقدرات الحاذقة على اجتراح التسويغات واضعين في روعنا ان التشدد في كل شيء إرهاب .
بين يدي العنوان
منذ ان وعيت أهمية المعنى في صياغة الحياة بله القول وحتى اليوم وانا اكتشف الجديد والمزيد في قانون اللبس ودفعه بما يناسبه، ومسوغ أهمية توجيه العناية الى قاعدة أمن اللبس كون الأهمية تعصم المعنى عن الانحراف او التماهي مع الشاذ او التضاد، واللبس يقع في كل مظاهر الحياة، يقع من خلال التعامل والتعايش والتقارب والتنائي … الخ، واللبس يقع في اللفظ فيتغير المعنى او يتنقل، ومنذ اقدم العصور كان اللبس والالتباس مسوغات كافية لشنِّ الحروب الطاحنة بين الامم والقبائل والافراد، والخراب الذي يعقب الحروب ومازال وسيبقى إن لم تتدارك البشرية خطره، وإذا لم يكن حروبا بين الجيوش او القبائل فانه يمثل قطيعة بين طرفين تربطهما وشائج ما او تربطهما وشائج اللاوشائج، بين دولتين او مذهبين او شركتين او شريكين او شقيقين او زوجين حتى، وعلماء تحليل النص في العالم ادركوا خطر اللبس في كل شيء فحذروا منه (1)، كما ان علماء العربية أوْلوا اللبس وأمنه اهتماما كافيا لدرء مخاطره فضلا عن عدم شيوعه وندرة حدوثه في الكلام لدى فصحاء المتكلمين، فالجاحظ حدس ضرورة امن اللبس وخطورته في كتبه العتيدة مثل البيان والتبيين وفي الحيوان وابن السكيت في اصلاح المنطق وتهذيب المنطق وابن جني في الخصائص وعبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز واسرار البلاغة كل هؤلاء وسواهم حذروا من اللبس في القول والفعل، وواصل العلماء المعاصرون العناية بأمن اللبس فاولوه مقداره من الاهمية من نحو البروف كمال بشر الذي اصدر كتابا بعنوان دراسات في علم اللغة طبعة دائر ة المعارف طب ثانية 1971 والبروف تمام حسان الذي انجز كتاب اللغة بين المعيارية والوصفية، طب المغرب، 1980 والبروف زهير غازي زاهد الذي انجز كتابا مهما عنوانه العربية والأمن اللغوي، طب مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، الأردن 2000 وما زال هناك زيادات لمن تطلَّب المزيد ولكن الخلل الأكبر هو ان المشتغلين على قانون امن اللبس من العلماء او المعنيين لم يربطوا بين اللبس والالتباس وبين الارهاب الذي بات يهدد الكرة الارضية بله سكانها، ومن زعم ان الارهاب ظهر وانماز بعد سنة 2003 غب سقوط نظام صدام حسين الرئيس العراقي الاسبق أو الربيع العربي السلفي فالجواب يجيء من التاريخ العربي الاسلامي من الجاهلية الى صدر الاسلام الى حكومات الأحزاب الاموي والعباسي والفاطمي والصفوي والعثماني وهلم جرا، لم يتوقف الارهاب ابدا على نحو واحد اي قطع الرؤوس باسم القيم العربية ثم الدينية مثل سبي النساء واغتصابهن والاستيلاء على ممتلكات الناس وتوزيعها على الغزاة وقطع الأطراف وسمل العيون والسخرة والغزو وبيع النساء والصبيان في اسواق مخصصة تسمى اسواق النخاسة وقد بقيت حتى الخمسينات من القرن العشرين في بعض دول الخليج ودول افريقيا، وقراءة مركزة لرحلات ابن بطوطة كفيلة بالاطلاع على مصائب كارثية لاعهد للبشرية بها كذلك قراءة الفتوحات الاسلامية مثلا لشمال افريقيا وبلاد فنداليا الاسبانية – الاندلس – ستعطي للمنصف غير مقفول العقل والقلب ستعطي فكرة عن القسوة التي استعملها الفاتحون مع الشعوب المغزوة واقتسام الشقراوات واعتبارهن سبايا ومما تملكه اليمين وكانت اموال الفنداليين حلالا على الفاتحين ولك مثلا ان تقرا قصيدة الامام العلامة البروف الوزير عبد الرزاق محي الدين رحمه الله رئيس المجمع العراقي العلمي:
وتهتك أعراضٌ وتزهق أنفــــــــسٌ وتصلى بمن فيها المخادع والقمـــــــــطُ
ويقتسم البيضُ المخانيث فيأهـــــا فهذا له حجلٌ وذاك له قِـــــــــــــــــــرطُ
خسئتم ولّما تبلغوا الفتح إنكــــــــم لصوصٌ وان أزهى صدوركم شـــــرط
فلا عمرت مما هدمتم دياركـــــــــم ولا ازّينت يوماً نساؤكم العُبْـــــــــــــــطُ
لقد برئت منكم قريش ومكـــــــــــة وعمرٌ وتيم اللات أو بكــــر يــــــا زِطُّ
كتبتم لتاريخ العروبة صفحـــــــــةً تقاذر منها الحرف واستبرأ النقــــــــــطُ
التأصيل
اللُّبْسُ، بالضم: مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس، واللَّبْس، بالفتح: مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت. واللِّباسُ: ما يُلْبَس، وكذلك المَلْبَس واللِّبْسُ، بالكسر، مثلُه. ابن سيده: لَبِسَ الثوب يَلْبَسُه لُبْساً وأَلْبَسَه إِياه، وأَلْبَس عليك ثوبَك.وثوب لَبِيس إِذا كثر لُبْسُه، وقيل: قد لُبِسَ فأَخْلَق، وكذلك مِلْحَفَة لَبِيسٌ، بغير هاء، والجمع لُبُسٌ؛ وكذلك المزادة وجمعها لَبائِس؛ قال الكميت يصف الثور والكلاب:
تَعَهّدَها بالطَّعْنِ، حتى كأَنما يَشُقُّ بِرَوْقَيْهِ المَزادَ اللَّبائِسا
يعني القماشة التي استعملت حتى أَخْلَقَتْ فهي أَطوَعُ للشَّقِّ والخَرْق
وثوب لَبِيس إِذا كثر لُبْسُه وقيل قد لُبِسَ فأَخْلَق وكذلك مِلْحَفَة لَبِيسٌ بغير هاء والجمع لُبُسٌ وكذلك المزادة وجمعها لَبائِس قال الكميت يصف الثور والكلاب تَعَهّدَها بالطَّعْنِ حتى كأَنما يَشُقُّ بِرَوْقَيْهِ المَزادَ اللَّبائِسا يعني التي قد استعملت حتى أَخْلَقَتْ فهو أَطوَعُ للشَّقِّ والخَرْق
ويفيد ذلك ان اللبس حالة من تشاكل الشيء المقصود بشيء غير مقصود، والشخص المقصود بشخص آخر، والمعنى المراد بمعنى ثان، والسبب خلل في المُرسِل او الرسالة او المُسْتَقْبِل ،
الأمن والأمان: الاطمئنان من بعد خوف، والأمن النأي عن الخطر في كل شيء، واللبس سنخ من الخطر، قارن قوله تعالى: وإذ جَعَلْنا البيتَ مثابةً للناس وأَمْناً؛ قال أَبو إسحق: أَراد ذا أَمْنٍ، فهو آمِنٌ ، وقد أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غيري من الأَمْن والأَمان.والأَمْنُ ضدُّ الخوف.والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة ، وفي التنزيل العزيز: وهذا البَلد الأَمين؛ أَي الآمِن، يعني مكة، وهو من الأَمْنِ؛ ابن السكيت: والأَمينُ المؤتمِن.واطلالة على الفعلين الثلاثيين المجردين (لبس وأمن) في المعجمات اللغوية العربية الكلاسية تعطينا فكرة كافية عن دلالات الكلمتين في العقل اللغوي العربي، ونحن نتمهل قليلا عند اللغة والقول لان العشق اوله قول والبغض اوله قول والحرب اولها قول والسلام اوله قول، و نظرة في كتب المصطلحات تكفي لمعرفة حدود امن اللبس وخطورته .ويتبقى منطوق أمن اللبس فهو يخبيء مسكوته للضرورة ، وما مركزية أمن اللبس إلا وسائل قولية او فعلية او ذهنية تكرس الوضوح والبيان، وقولنا في المصطلح انه جامع مانع نعني به ان المراد لايلتبس بآخر قريب منه لفظا او معنى شكلا او مضمونا (2)، والغاية الدقة لدى المتكلم والسامع معا بما يعصم القول عن الحلول في المحذور (3) وإذا أمن اللبس جازت الحرية في القول فابن هشام يستملح الخروج عن القواعد حين لايختلط المعنيان كإعطاء الفاعل مثلا إعراب المفعول وعكسه عند أمن اللبس مثل خرق الثوبُ المسمارَ وكسر الزجاجُ الحجرَ، وأورد:
إن من صاد عقعقاً لمشوم كيف من صاد عقعقان وبوم (4)
فإذا قلنا أعجب موسى وزيدا عيسى فاللبس زائل لأن القول يعني أن موسى مفعول به بعطف زيد عليه لأن المنصوب لا يعطف إلاّ على نظيره، اما قولنا ضَرَبَ عيسَى مُوسَى فينبغي ان يكون الفاعل هو عيس لأنه تقدم وفي جملة ضَرَبَ مُوسَى عِيسَى فينبغي ان يكون الفاعل هو موسى لتقدمه والمفعول في الجملة الاولى موسى وعيسى في الثانية وذلك ضَرْب من الاحتراز لأمن اللبس، وحين يمثل الاعراب يغيب اللبس مثل قولنا كافأ زيداً موسى، موسى فاعل تقدم ام تأخر
حين يؤمن اللبس فذلك معناه جواز القول بلغة المرسل الى لغة المستقبل فمثلا العرب تعرب الاسماء الستة ابو اخو حمو ذو هنو فو على ثلاثة مستويات:
الاول/ اعراب الإتمام اي بالحروف كقولنا: جاء ابوك سلمت على ابيك ساعدت أباك .
الثاني/ اعراب النقص اي بالحركات مثل قولنا: جاء ابُك سلمت على ابِك ساعدت أبَك
قال الشاعر: بأبِهِ اقتدى عَدِيٌّ في الكرمْ ومن يُشابهْ أبَهُ فما ظلم
الثالث / إعراب القصر اي القصر مطلقا في الرفع والنصب والجر، جاء اباك نظرت الى اباك أحببت أباك قال ابو النجم:
واهَاً لِسَلْمى ثُمَّ وَاَهَا وَاهَا يَا ليْتَ عَيناهَا لَنَا وَافَاهَا
إنَّ أبَاهَا وأبَا أَبَاهَا قَدْ بلغَا في المجْدِ غَايتَاهَا (5)
حين يريد المرسل افهام المستقبل نصا ما فعليه اجتراح وسيلة لإفهام المخاطب مضمون رسالته اللغوية كأن يضع كوابح تمنع اللبس (بحيث تكون العبارات جامعة مانعة) فالغاية من النص هي ايصاله الى المستقبل دون مشقة لحصول الفائدة المتوخاة ، فإذا خيف اللبس فيجتنب المتكلم القول الملتبس، قال ابن مالك: وإنْ بشكلٍ خيفَ لبس يجتنب 6
سبب شيوع اللبس في القول والمعنى
قال الشاعر:
رَقّ الزُّجاجُ وَرَقَّت الخَمرُ فَتشابَها فَتَشاكل الأَمرُ
لغات العرب الكثيرة وتوفر تلك اللغات على عيوب نطقية لم يألفها عرب شمال الجزيرة ووسطها فضلا عن تداولات المعنى وفق تاثيرات طوبوغرافية وحرفية او عزلة بعض القبائل العربية بعضها عن بعض حتى قال ابو عمرو بن العلاء (مالغة حمير بلغتنا ولا عربيتهم بعربيتنا)، (7)، وقد احتازت بعض لغات العرب او لهجاتهم او السنتهم او عاداتهم اللغوية، احتازت اسماء لغاتهم من صفات نطقية بدت عليها،قال الفراء الكوفي ت 207هـ كانت العرب تحضر المواسم في كل عام وقريش يسمعون لغات العرب فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به فصاروا افصح العرب وخلت لغاتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الالفاظ) .، واللهجات لدى القبائل العربية الكبيرة تقوم مقام اللغات فبعضها لهجات او لغات لها ثوابتها وبعضها اعراض صوتية وقد ذكرها النحاة وبوبوها ورتبوها مثل الشنشنة تجعل الكاف شينا مطلقا كلبيش اللهم لبيش ومنها الكشكشة وهي في ربيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً فيقولون رأيتكش وبكش وعليكش فمنهم من يثبتها حتى الوقف فقط وهو الاشهر ومنهم من يثبتها في الوصل ايضا ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول منش وعليش، ومن ذلك الكسكسة يجعلون بعد الكاف او مكانها في المذكر سينا على ماتقدم، ومن ذلك العنعنة تجعل الهمزة المبدوء بها عينا فيقولون في إنك عِنك وفي أذن عذن، ومن ذلك الفحفحة يجعلون الحاء عينا كقولهم في حمي الوطيس عمي الوطيس، ومن ذلك الوكم فيكسرون كاف عليكم ومن ذلك الوهم فيكسرون هاء منهم ومن ذلك العجعجة حيث يجعلون الياء المشددة جيما فيقولون في تميمي تميمج ومن ذلك الاستنطاء فتجعل العين الساكنة نونا اذا جاورت الطاء كأنطى في أعطى ومن ذلك الوتم تجعل تجعل السين تاء مثل النات في الناس والغمغمة وهي عدم تمييز حروف الكلمات وظهورها في اثناء الكلام وهي في قضاعة والطمطمانية وهي جعل ام بدل الـ كقولنا طاب امهواء في طاب الهواء وهي في حمير وثمة تلتلة بهراء وهم بطن من قضاعة يكسرون احرف المضارعة مطلقا مثل يَكْتب تكون يِكْتب ومن ذلك اللخلخانية في شحر وعمان كقولهم مشا الله في ماشاء الله ومن ذلك قطع طي وهي في حذف آخر الكلمة يقولون في يا ابا الحكم يا ابا الحكا و الابدال اي ابدال الميم باء وابدال الباء ميما في لغة مازن فيقولون بإسمك في ما اسمك ومكر في بكر، وقلب الثاء فاء والسين صادا والصاد سينا (8) و لهجات العرب التي يسميها النحاة لغات هناك الكثير منها ربما العصي على الاحصاء بسبب انقراضه قبل وصول التدوين اليه ولكن ما بين ايدينا كاف،، ومعلوم اثر المجاورة في اختلال اللغة فالعرب المجاورون لفارس شيبت لغتهم بكلمات واصوات غير معهودة وحتى الجمع ربما بعض من ذاك تقول في الجمع الفارسي اسب حصان اسبان اي خيول وتقول في الجمع العربي ضيف ضِيفان وذلك مما زهّد المشافهين بلغة عرب جوار فارس او الروم(9 ) ومنها عزلة بعض القبائل العربية بسبب انكفائها على نفسها ؛ لذا تولَّدَتْ وتكوَّنتْ هناك لهجات عديدة، وصار من الصعوبة بمكان في بعض الأحيان نسبة تلك اللهجات إلى قبائلها , لأنَّهم كانوا لا يهتمُّونَ بها بالقدر الذي يحافظ عليها، وفي الوقت نفسه لم يهملوها ذلك الإهمال الذي يمحوها أو يمنع تداولها , فبعضها معروفة بقبائلها، وبعضها مجهولة مختلطة ومتداخلة .، ومن هنا تأتي عظمة القرآن الكريم إذ جمع العرب والأعراب على لغة واحدة رحمة بهم وحرصا عليهم وسعيا الى وحدتهم لكنه خفف على الجميع فأباح بعض القراءات على عدد من اللغات رحمة بالقراء الذين تشق عليهم القراءات العسيرة، وقد تنبه المفكر النحوي الدلالي أحمد بن فارس الى إنَّ الاختلافات في لغات العرب او لهجاتهم تتمظهر في تمظهرات مختلفة كالخلاف في حركات الاعراب والاشباع والاقطاع والتسهيل والتفخيم والاشمام والحذف والتقدير والامالة والتعدي واللزوم والتيسير والتفخيم وإنَّ الاختلاف في اصوات الحروف ومخارجها ساعد في ظهور الترادف اسماء وافعالا: اللبس والكسوة , والحب والعشق، جاءوا واقبلوا ..وثمة الاضداد كقولنا المولى للسيد والمسود والجون للابيض والاسود، وقارن هذا المثال: اختلف اثنان تسمية الصقر أهي بالصاد ام بالسين ؟ فاحتكما لعارف فقال لهما بل قولا الزقر،والمشكلة قديمة لكن العقل العربي وجد حلولا مؤقتة، فكان الشيوخ والخطباء والشعراء يعتمدون على لغة قريش وهي لغة العاصمة مكة ويدعونها لغة التداول فلا هي لغة هذيل ولا هي لغة شنوءة ولا حمير ولا كندة بل هي لغة قريش العربية الميسرة المفهومة للجميع، امرؤ القيس شاعر من كندة اي أن لغته حميرية ولكنه كان يكتب شعره بلهجته ثم يترجمه لعربية قريش كي يفهمه من يريد ان يفهم، وطرفة عراقي كتب معلقته بلغة قريش وكذلك أعشى قيس ميمون بن قيس البكري، فانظر الى ذكاء المبدعين الجاهليين وذكاء جماهير الاسواق والمواسم وحرص اللغويين العرب فالغاية التوصيل بلغة صالحة وليست الغاية الارهاب اللغوي والتسقيط او التباهي .(10) وقد حرصت الاسواق الجاهلية في مواسمها على التقريب بين اللهجات بل ان بعض ذوي اللهجات كانوا يتكلمون بلغة السوق مثلا سوق عكاظ كانت لغته المتبعة هي لغة قريش حتى ان الشعراء من قبائل حمير والعراق واليمامة صنعت شعرها وخطبها على لغة قريش الا ما ندر، وكذلك الدعاة والمبشرون، وكمثال نرى في زماننا هذا تواضع العرب مثلا على ثلاث لغات الاولى فصحى وهي لغة رسمية وادبية ولغة عامية وهي لغة مناطقية اي لغة المنطقة او القبيلة ولغة ثالثة هي لغة العاصمة او المركز ففيها قواعد تمنع اللبس فابن الناصرية وابن تكريت وابن الكاظمية يتحدثون باللغة الثالثة وهي لغة بغداد، وابن الصعيد والاسكندرية يتكلمان لغة القاهرة لتجنب اللبس بين ابناء الشعب الواحد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الإله الصائغ الصديق النبيل المغامر المقدام في بحور العلم و المعرفة و الفكر و الثقافة، صاحب القلم الشجاع الذي يتجاوز مساحات الظلام و قطعان الاستبداد و التخلف . وداعا و داعا . سنظل نقرأ فكرك و أدبك ، و سنظل نحبك،و ستظل سفائن حريتك و أفقك النير تبحر عميقا في نفوسنا و أرواحنا. وداعا أيها العزيز وداعا أيها الشامخ . ستظل مجلتنا مجلة جامعة ابن رشد تستظل بفيئك، أنت السروة و الظل و الأستاذ، و نحن طلابك الحزانى لرحيلك.
663 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع