إيمان القس شـمعون: قلب حنون، وآخر من حديد

  


  إيمان القس شـمعون:  قلب حنون، وآخر من حديد

            

          

        

مازال البعض يظن، بان هناك مهنا او اعمالا لايمكن للمرأة ولوجها، وأنها خلقت خصيصا للرجل.

ويوما بعد يوم تثبت الحياة، خاصة عندما تتوفر الظروف الملائمة، وفي ظل الأنظمة والدول المدنية، بأن المرأة قادرة على اداء العمل ايا كانت طبيعته، وأن ادائها لا يقل كفاءة عن الرجل،

 

                دار العزاء كما يظهر على الميل التاسع

ان لم يكن افضل منه في بعض الحقول! ويمكن ان تكون تجربة السيدة ايمان القس شمعون، مديرة دار"الرحمة"للعزاء بالأشتراك مع زوجها الصديق مظفر القس شمعون، واحدة من الأمثلة الباهرة على الحقول التي كانت عصية على النساء ولفترة غير قصيرة.  ومهمتها لا تقتصر على ادارة العمل في دار العزاء فقط، بل تتعداه لتقوم بما يلزم  في التعامل مع (المتوفي) وتهيئته لعملية الدفن، ناهيك عن متابعة كل الأجراءات الأصولية والأوراق، والتعامل مع عائلة المتوفي، وتهيئة افضل الظروف النفسية والأنسانية لتخفيف حدة الصدمة عليهم، وتسوق لعملها حكمة اطلقها يوما زعيم جنوب افريقيا الراحل نيلسون مانديلا عندما قال:" الشخص الشجاع، لا يعني انه لا يخاف. ابدا، بل هو الذي ينتصر على الخوف"، وهكذا تدير عملها وتتعامل مع اصعب اللحظات الأنسانية.


النشأة الأولى
لكي نعرفها عن قرب، اردت ان ابدء معها في مشوارها الأول، فقالت:انا اسـمي الأصلي هو إيمان خضـر الياس الريحاني، ولدت في منطقة الباب الشرقي، ثم انتقلت العائلة الى العلوية، وهناك درست الأبتدائية في "مدرسة العلوية" اما المتوسطة والأعدادية فكانت في "الجمهورية للبنات والسـت مكارم" والتي كانت تقع مابين شارعي الصناعة و 52.

وبعد تخرجي التحقت ب "معهد الأدارة والأقتصاد"، ولم تمض فترة طويلة على تخرجي حتى قررت عائلتي الرحيل، فقصدنا "القاهرة" حيث مكثنا فيها حوالي السنة ونصف، ثم كانت رحلتنا للولايات المتحدة، والتي وصلتها في العام 1980. التحقت بجامعة "وين ستيت" في ديترويت، ودرست علم النفس وعلم الأجتماع من اجل ان اصبح " موظفة اجتماعية – سوشال ووركر" اذ مارست هذه المهنة  حتى العام 2005.

     

  كان زوجي يحمل شهادة بكالوريوس من  بغداد في "الصيدلة الكيمائية - الطبية "  لكنه آثر لاحقا، بعد وصوله الولايات المتحدة ان يغير اختصاصه، فتوجه للحصول على شهادة في "علوم ما وراء الحياة" وحصل على اجازة العمل في "دور العزاء"، فأقترح علـّي ان ادرس ذات الحقل ايضا، بغية التهيئة  لأدارة "دار عزاء " خاص بنا. وهكذا تمت دراستي للبكالوريوس لأربعة اعوام  وتخرجت في العام 2007، اذ اني على قناعة تأمة بأن يكون للمرأة دورا انتاجيا  في دورة المجتمع، ولا بأس ان تساعد زوجها والعائلة، وبذلك تضرب هي الأخرى مثلا طيبا لأبنائها في العمل الجاد والمنتج.


الحقل الجديد، جديد
سألت السيدة ايمان القس شمعون عن هذا التغيير الكبير بين دراستها وعملها الأجتماعي، وبين دراستها الجديدة فقالت:

بالحقيقة، انا كنت اتابع "مظفر" بدراسته، ولم يخطر على بالي يوما ان ادخل هذا الحقل، لكن متطلبات الحياة احيانا هي التي تتحكم بالأنسان، وفعلا فأن هذا ما جرى، اذ شجعني على الدراسة والحصول على اجازة ممارسة العمل. وهنا اردت ان اعرف منها عن طبيعة وماهية هذه الدراسة، فقالت: ان هذه الدراسة تستغرق 4 سنوات للحصول على شهادة البكلوريوس، ثم امتحانا خاصا للحصول على اجازة العمل، اما الدروس فهي تتوزع ما بين، علم الأجتماع، علم النفس، تعامل الأديان المختلفة مع الوفاة وتقاليدهم، علم التشريح، الصحة العامة، قوانين الولاية، قوانين التعامل مع المتوفي، اضافة الى اتقان كل الأجراءات الأدارية اللازمة، بين المستشفى والمقابر والشرطة في  حالات الجريمة، مع معرفة ادق التفاصيل في تعامل المؤسسات الدينية المختلفة مع شعائر الوفاة والتشييع، ودروسا اخرى مكملة لهذا العلم الذي يسمى "علم ما وراء الحياة". وهنا كان لابد ان اعرف منها، متى كانت المرة الأولى التي تعاملت مع (الميت) فقالت: كيف يمكن لي ان انسى ذلك التأريخ، لقد كان في العام 2003 وفي درس التشريح اول الأمر، فقد كان المشهد رهيبا، وتلاشت رهبته مع مرور الوقت حتى اصبح عاديا!

    

           اثناء اللقاء الصحفي في احدى غرف الأجتماعات

ما هو عملكم بالضبط
من اجل ان نفهم عمل "دار العزاء"وجدت من المفيد ان اوجه السؤال للسيدة ايمان القس شمعون لكي تســهّل على القارئ مهمة معرفة عملها بالضبط فقالت: انا مسرورة جدا ان اقوم بتبسيط الأمر. اولا، ان تقاليد الولايات المتحدة تختلف كليا عن تقاليد العراق، ففي حالة الوفاة نبداء من الخطوة الأولى، فأذا كانت هناك جريمة فأننا ننتظر تقرير الطب العدلي ومن ثم الشرطة  بعدها نبدأ عملنا، اما في حالة الوفاة الطبيعية، فالأجراءات تبداء بأتصال العائلة بنا، ثم نقوم بالأتصال بالمستشفى او طبيب (المتوفي) للحصول على التقرير الطبي، ثم نجلبه الى مقر عملنا، اذ تبدأ عملية تهيئة جسم المتوفي ، ثم نقوم بالتنسيق مع العائلة بالأتصال مع (المدافن – المقبرات) الخاصة بالجماعة او الطائفة، وأيضا يجري التنسيق مع المؤسسة الدينية التي تتبعها العائلة، كما وأن هناك عرفا لم يكن مشاعا في العراق، الا وهو عرض "جثمان" المتوفي امام انظار الزوار، لساعات او يوم او يومان فيما يسمى (الصندوق المفتوح) اذ يقوم زوار العائلة في "بيت العزاء" بألقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وتقديم التعازي لعائلته، وبعد يوم او يومين، يؤخذ الى (الكنيسة او اية مؤسسة اخرى يتبعها المتوفي) حيث تجري مراسيم الجناز والصلاة الأخيرة، تتبعها بعد ذلك، المراسيم النهائية في (المقبرة) اذ تجري الصلوات، وبعد ان يوارى الثرى ، يقدم المعزون تعازيهم ومواساتهم لعائلة الفقيد. وفي هذه الأثناء، يكون احدنا (انا او مظفر) بأعداد الأوراق النهائية لملكية (الأرض – القبر) والتسجيل وجميع الألتزامات المتعلقة بالمكان النهائي (للمتوفي).

  


ما معنى اعداد المتوفي
في سياق كلامك، وردت (سريعا) كلمة اعداد جسم المتوفي، فهل تعنين بذلك (افراغ احشائه) كما يشاع، ومن ثم تهيئته للدفن ام ماذا، فقالت: انا اشكرك ايما شكر على هذه الألتفاتة، اذ يبدو ان هناك تصورا (لا اعرف مصدره) من ان المتوفي في الولايات المتحدة يجري افراغ احشائه (ورميها في المزابل)، وبالحقيقة هذا الكلام مغلوط جملة وتفصيلا. اذ ان ما نقوم به (وما اقوم به انا كخبيرة) هو: افراغ جسم المتوفي من كل السوائل البدنية الموجودة، ذلك عبر  خمسة مواقع معروفة للعاملين في هذا الحقل، وزرق جسمه بالمادة الحافظة (فورمالين – فورمالديهايد)  حفظا على البيئة والصحة العامة، وبغية  المحافظة على شكل الجسم ايضا، وبعد ان يوضع في الصندوق، يحكم اغلاقه،  حيث يمكن للجسم ان يبقى على وضعه دون تحلل لأكثر من 20  عاما،  لكنه يبدأ بالتحلل بمرو الزمن، دون ان يترك روائحا ، او ان يجلب اليه الحيوانات الجارحة. اما بالنسبة للأعضاء الداخلية، فنحن ليس لنا اي حق للمساس بها بتاتا، الا ان هناك حالات خاصة تتعلق بالطب العدلي حينما يريدون تشخيص حالة الوفاة، فيأخذون او يكشفون على بعض الأعضاء لكنهم  يعيدوها الى مكانها  في جسم المتوفى، او هناك حالات خاصة تتعلق برغبة المتوفي (المكتوبة مسبقا) او برغبة عائلته، في التبرع ببعض اجهزة الجسم وذلك لغرض الدراسة  او للتبرع الى (مصرف الأعضاء) وهنا يجب ان نكون على علم مسبق به. اما قانون الولاية، والقانون الأخلاقي العام  في الولايات المتحدة او في مهنتنا، فأنه يحرم بتاتا المس ب (قدسية) جسم المتوفي ايا كان، وأحترامه كما هو دون  اي شئ يعرض كرامته للأهانة او الهدر.

  
قانون المقابر
سألت السيدة ايمان عن عبارة (ان للمقابر قانون) فأجابت: نعم، ان للمقابر قوانين، وهذه القوانين تفرض احترامها على كل الأطراف، ولنبدأ اولا بالأرض، اذ انها مقسمة (حجما) حسب قانون الولاية، ويمكن للعائلة ان تكتفي بقطعة واحدة، ويمكن ان تشتري قطعتين او اكثر، ثانيا، ان من حق العائلة زيارة الضريح حسب الدوام الرسمي للمقابر والمثبت ، ثالثا، ان اي خراب او  تلف يجري للقبر، وأرضه، فأنها من مسؤلية المقبرة ان ترعاه وتصلحه وتعيده الى سابق عهده. اما الشئ الملفت للنظر في هذه المقابر، فهو تصميمها ونوع الرعاية والعناية بها، فمعروف بالنسبة لجاليتنا بأن هناك مقبرتان رئيسيتان (للجالية المسيحية العراقية) – ضمن مقابر الأمريكان -  وهي بالحقيقة عبارة عن مساحات كبيرة وشاسعة، مليئة كلها بالأشجار والخضرة  والورود، اضافة الى بحيرة او بحيرات اصطناعية، مع ممرات معبدة ونظيفة، وتهيئة مستلزمات وضع الزهور امام الأضرحة، ومجازا فهي ليست مقابر كما الفناها في العراق، بل عبارة عن (باركات – متنزهات) تحوي رفات الناس الأعزاء الذين توفوا.  كل هذا يجري احتراما لقدسية الميت، وأحتراما لعائلته وتضامنا معها في توفير افضل الأجواء التي تساعد على الحد من الصدمة النفسية بفقدان الأنسان.
عن العادات والتقاليد
ذكرتي بأن عاداتنا تختلف، كيف ذلك، توجهت بالسؤال للسيدة ايمان فقالت: بالحقيقة ان فكرة عرض المتوفي هي جديدة على جاليتنا،  لكنها طبيعية بالنسبة للأمريكان، وغالبا ما تكون بالصندوق المغلق، فتأتي عائلة المتوفي ويتجمهورن في القاعة، وقوفا في العادة، ويبدأ افراد العائلة بالحديث للآخرين عن حسنات المتوفي، والذكريات والأمنيات وما الى ذلك، ونادرا ما نسمعهم يبكون او ينوحون، اما ان يكونوا حزانى، فهذا ما لا شك فيه، الا ان تعاملهم مع الوفاة والمتوفي وفعل الموت يختلف كثيرا عن ابناء جاليتنا، الذين يقضون معظم الوقت بالبكاء والنحيب، ويلجاء قسما منهم الى جلب (العدادة)، والتي تضيف جوا عارما من الحزن والبكاء، ويبدو ان تعامل العراقيين مع الموت والحزن والبكاء يكاد يكون ازليا وعلى الأقل مع جيلنا، اما الأجيال الجديدة من ابناء الجالية، فأن تعاملهم مع مراسيم وتقاليد الوفاة يمكن تسميتها او وصفها بأنها اكثر حضارية وهم يبتعدون عما  يمارسه عامة الناس
                 

                بعض المطبوعات لمساعدة عائلة المتوفي

دوركم فيما يجري
وبالحديث عن العادات والتقاليد والبكاء، سألت السيدة ايمان عن دورها في هذا الأمر، وما اذا كانت متفرجة ام لا، فقالت: شكرا مرة اخر لهذا السؤال المهم، نعم اننا نحترم عادات وتقاليد شعبنا، او قل حتى معتقدات بعض العوائل، لكن هذا لا يمنع ان امارس دوري كمرشدة اجتماعية (عزائية) تربوية،  وكان هذا جزء من دراستي  لعلم النفس وآثاره على افراد عائلة الفقيد. وبالدرجة الأولى اود الأشارة الى ان بعض العادات بدأت تخف وهي في طريقها ربما للزوال، فمثلا، كانوا يعرضون الميت في صالة العرض قبلا لمدة ثلاثة ايام، ثم صارت يومان، ومن ثم ليوم واحد، اما الآن فأن عوائلا كثيرة اصبحت لا تعرضه. وثانيا، قضية البكاء والنواح وجلب (العدادات)، وهذا الأمر بدء يخف ايضا، رغم ان جرح الموت يبقى عصيا على الأنسان في تجاوزه، لكننا نعمل جاهدين مع العائلة قبل مراسيم العرض وأثنائها وبعدها في تقديم كل انواع الأسناد المعنوي والروحي للعائلة، ونحاول ان نبسط الأمور لهم من اجل تحويل هذا المصاب، من نكبة الى امل لمن هم على قيد الحياة، ومن بؤس وشقاء،  الى عطاء وأحسان حتى لا تقع العائلة وأفرادها بمصائب يكون من الصعب الخروج منها سالمين، وقد قمنا بأعادة طباعة العديد من الكراريس المخصصة لهذا العمل، ونوزعها مجانا على العوائل، اضافة الى تقديم العون النفسي وبلا مقابل. وبالمختصر فأني اطمئنك بأننا في (مرسـي فيونرل هوم – دار الرحمة للعزاء) لا نتعامل مع زبائننا كزابئن تجاريين، بل نعاملهم كأهل وأصدقاء، وجز من نسيج هذه الجالية الرائعة، وأكثر ما يفرحني هو كلمات الثناء التي يطلقها الكثيرون على خدماتنا او على شخصياتنا، انا ومظفر، وأود هنا ان الفت نظر القراء الكرام الى وجود عنوان الكتروني – ويب سايت – لدار "الرحمة" للعزاء، ويمكن لكل من يرغب ان يزورنا او ان يتصل بنا وهو:
www.mercyfunerals.com

 

المساعدة
على ضوء كلامك، وذكرك لكلمة "مساعدة" فهل تقدمون اية مساعدات لذوي الدخل المحدود، فأجابت السيدة ايمان: صحيح ان عملنا تجاري، لكنه لا يخلو من الجانب الأنساني، علما ان علينا التزامات في امور كثيرة مثل،  الأيجار والكهرباء والتأمين وما الى ذلك، لكن هذا لا يمنع ابدا ان نتعامل مع الناس كأناس، ومن هذا المنطلق فأننا ، ومنذ اللحظة الأولى لأتصال العائلة بنان نحاول ان نقدم لهم افضل النصائح (القانونية) والمتعلقة بأفضل وأنسب الطرق لأجراء مراسيم العزاء والدفن اللائقة، مستفيدين مما تقدمه (الولاية) وقوانينها، او من خلال اتباع افضل الطرق وأكثرها اقتصادية، بعيدا عن المظاهر غير الضرورية والمكلفة ايضا. نعم نحن نعمل كل جهدنا  في مساعدة ابناء جاليتنا الكرام، ان كان ماديا او معنويا او انسانيا، وهذا على اقل تقدير يبرر تسمية دار العزاء ب (الرحمة – مرســـي فيونرال هوم)، وهنا اود ان أشير الى نوع آخر من المساعدة الذي نقدمة، وهي الأرشادات النفسية.  فقد بينت العديد من الدراسات التي اجريت على عوائل امريكية بعد فترة من فقدانها لأحد اعزائها، وأرتبط ذلك بعدم اللجوء للنصائح والأرشادات النفسية، فتبين بأن نسبة عالية من افراد العائلة او المقربين، قد سقط ضحية للأدمان على الكحول او المخدرات، نتيجة للضوط النفسية وما يترتب على فقدان احد افراد العائلة او احد ربابنتها.

  


ماذا عن ايمان القس شمعون
قلت للسيدة ايمان، بان الموت والموتى سحبونا بعيدا في الحديث، لكني اود لو تقولي للقراء الكرام المزيد عن ايمان فقالت: أني متزوجة من السيد مظفر القس شمعون، ونحن سعداء ببنتين وولد،  وقد كنت سابقا اكتب الشعر وبعض المواضيع الأجتماعية وانشرها اما في جريدة المشرق عند المرحوم نابليون بشي او مع الأستاذ عبد الخالق الفلاح في مجلة الرافدين،  وأعتبر نفسي من محبي القرأة خاصة الشعر والقصة، وأضافة لعملي الوظيفي،  فأني اهتم طبعا بالبيت، والطبخ، ومتابعة التلفزيون والأخبار، والذهاب للكنيسة والصلاة، كما وأن لي هوايات اخرى امارسها قدر ما يسمح به الوقت ومنها الحياكة، علما اني  اتطلع لليوم الذي ينهي ابنائي به تفوقهم الدراسي، ويصبحوا مؤهلين لتأسيس عوائلهم، وأسعد بأحتضان ابنائهم، فبالحقيقة، انا اتطلع لذلك اليوم الجميل.

 
موقف لا ينسـى
في مهنة مثل هذه المهنة، لابد وأن تكون هناك مواقف لا تنسى، او حوادث لا تتكرر فقالت السيدة ايمان: بالتأكيد كانت هناك مواقف اذكر منها، اليوم الذي جلبوا  جثمان شقيقي من كاليفورنيا الى ديترويت،  وكان على ان اعامل جثته، وأهيئها للدفن! فما اصعب هذه الكلمة، وما اصعب هذا الحدث! اما الحادثة الثانية فكانت مع (اب) هندى اصيب بنكسة مزدوجة، اذ فارقت زوجته الحياة اثناء عملية التوليد، فماتت هي ومات الوليد الجديد، وقد قمت بعمل مازلت اذكره لليوم، حيث قمت بتهيئة الأم لعرض جثمانها في قاعة العرض، وقد صممتها وكأنها ممددة، ووضعت وليدها الجديد في وضع وكأنها ترضعه الحليب، في اروع صورة انسانية اثنى عليها كل الذين حضروا لمواساة ذلك العزاء، اما المشهد الأخير فكان حينما تطوعت لكتابة رثاء لبنت جميلة توفيت وعمرها لم يتجاوز 9 سنوات. مازلت اذكره، وأذكر كل تفاصيله لليوم. ٍ
كلمة اخيرة
طلبت من السيدة ايمان ونحن نقترب من نهاية الحوار ان تقول كلمتها الأخيرة : قد لايصدقني البعض لو قلت بأني سعيدة جدا في عملي، حتى وأن كان بالتعامل مع الموت والموتى، نعم، انه يمنحني اروع فرصة لأقدم اغلى ما عندي من محبة وأمل للناس التي تحتاجها، للعوائل التي اصيبت ، للزوجة او البنت او الولد الصغير، للأم او الأب في مصابهم، لأشرح لهم بأن الموت لا يعني النهاية دائما، ومن الممكن ان يعني البداية، لابل انه البداية للكثيرين وحسب طقوسهم ودياناتهم، لهذا اعمل كل ما في وسعي لتخفيف الم العوائل، وأجعلهم يشعرون بأن مصابهم مصابي.

ولوطني الغالي العراق، اتمنى ان ينعم اهله بالأمن والأمان، بالسعادةة والرفاهية.
نيســان 2014


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع