محاضرة الكرد بعد الحرب العالمية الثانية
الفريق الركن
الدكتور عبد العزيز المفتي
أقول مأثورة عن الكرد
* من أقوال الزعيم الهندي (جواهر لال نهرو) قال:
[أستغرب كيف أن الأتراك الذين ناضلوا من أجل حريتهم يقمعون بهذه الوحشية؟ الشعب الكردي الذي يناضل من أجل الهدف نفسه ـ أي الحرية ... كما هو غريب أن تتحول قومية أعلنت احترامها لحقوق الإنسان إلى قومية عدوانية بهذا الشكل ... وأن يتحول نضالها من أجل الحرية إلى محاولة لاستبعاد الآخرين .... ونسمع عن المآسي التي يتعرض لها الشعب الكردي الذي استقر في عدة دول، ولم تتيح له الظروف التاريخية أو السياسية تشكيل دولة تضم قوميته (الكردية)]
جواهر لال نهرو
*[وهكذا فالأتراك الذين لم يمض إلا وقت قصير على كفاحهم من أجل حريتهم عمدو إلى سحق الكرد الذين سعوا بدورهم إلى نيل حريتهم. ومن الغريب كيف تنقلب القومية المدافعة إلى قومية معتدية، ويتغلب الكفاح من أجل الحرية إلى كفاح من أجل التحكم بالآخرين. ففي عام 1929 نشبت ثورة أخرى عند الكرد. إلا أنها سحقت من جديد، مؤقتاً على الأقل. ولكن كيف يسمح أحداً أن يسحق شعباً يصر على نيل حريته وحقوقه القومية وهو على استعداد لدفع ثمنها ...]
جواهر لال نهرو
* وصف الكاتب التركي س. أوستونغل:
[نشاهد القرويين عائدين من مراكز الشرطة والجندرمة وهم على قيد الحياة رغم أن الكثير منهم كانوا مثخنين بالجراح، أما بالقسوة تجاه الشعب الكردي فقد فاق الكماليون السلاطين العثمانيين. المخضبة أيديهم بالدم الكردي. إنهم يثقفون بالقسوة التي ينتهجونها إزاء الأكراد والأقليات الأخرى. التي يحاولون تتريكها بالقوة. لقد أرحلوا القبائل الكردية عن أوطانهم وهم يجهزون على الكرد بالجملة، مثلما فعلوا بالأرمن تماماً..... ].
وصف الكاتب التركي س. أوستونغل
* نلسون مانديلا:
[سأل أحد الصحفيين السيد نلسون مانديلا عن سبب رفضه لجائزة أتاتورك ... قال مانديلا: (حاول أن تكون كردياً ساعة واحدة ثم أخبرني عن شعورك وستعلم لماذا رفضت جائزة أتاتورك) ]
نلسون مانديلا
* من أقوال الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق الأسبق( ):
1- (إن القضية الكردية هي مشكلة العراق الأساسية المرتبطة بوجودهُ، ولن يتأتى له الاستقرار إلا إذا حلها حلاً عادلاً ينصف الأطراف المعنية كلها، فتتحقق نتيجة ذلك وحدة الشعب الكردي).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
2- (القضية الكردية ليست وليدة فترة زمنية متأخرة أو حصيلة وضع سياسي معين، أو نتيجة تحريض شخص أو بضع أشخاص، كما يتوهم بعض العراقيين اليوم، وإن تأكيد هذا الأمر أصبح في الوقت الحاضر ضرورياً لأن بعض المسؤولين لم يدركوا بعد حقيقة هذه المشكلة الكردية في العراق، ولم يتح لهم أن يسبروا عمق أغوارها).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
3- (الشعب الكردي لا يريد الانفصال ولا يريد إلا الحفاظ على وجوده، ونحن مستعدون أن نعترف بالوجود الكردي وأن نعترف بالذاتية الكردية كقومية متميزة لها لغتها وتراثها وأمجادها، ومن حقهم الحفاظ عليها).
في 15/6/1966م (ندوة تلفزيونية)
* الدكتور (الطبيب) فهمي الشناوي:
في كتابه (الكرد يتامى المسلمين أم ضحاياهم)
1- إن الأكراد هم يتامى المسلمين، وأنّ ثرواتهم الطائلة قد قام عليها إخوتهم المسلمون الآخرون، ونهبوها لأنفسهم دون الوريث المستحق الأصلي (ص8).
2-الأكراد الخمسة والثلاثون مليوناً يملكون منابع أنهار الشرق الأوسط، ويملكون معظم نفط هذه البلدان، يملكونه أصلاً، ولكنهم محرومون منه فعلاً. يملكون المياه والنفط ولكن ملكياتهم منهوبة عند إخوانهم وجيرانهم (ص41).
3-وأقصى ما وصل إليه وازعٌ ضمير المغتصب، هو أن يعطي الأكراد في مناطقهم ما يشبه (الحكم الذاتي ...) ولكن لا يتمتّع صاحب هذا الحكم الذاتي برسم السياسة، أو الاشتراك في الحكم، ولا توجيه الدولة حرباً ولا سلماً ولا تفاوضاً مع الأجنبي بأي حال، لأنه غير مؤتمن على الدولة، فوضعهم مثلُ وضع عرب فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي (ص15).
4-"الحكم الذاتي ما هو إلا رقّ واسترقاق سياسي" (ص16).
5-"كل من حول الأكراد يتباهى بالوطنية صباح مساء، ويجعل منها أيديولوجيا، ويتغنى بتراب الوطن، ويتشدّق بالموت في سبيل الوطن، حتى إذا طلب الأخ الكردي أن يكون له وطن مثلهم لا أكثر ولا أقل، أنكروا عليه ذلك، واعتبروه معتدياً على ما في يدهم" (ص20).
6-فالقومية العربية لا تكفُّ عن التباهي والتفاخر، ولها مؤسساتها، سواء فاشلة أو ناجحة، ويجعل زعماؤها منها ديناً مقدساً، ... فإذا طلب الأكراد أن يكون لهم قومية استنكروا فهم هذا (ص21).
*صدام حسين:
[كردستان جنة الله على الأرض].
صدام حسين
* نزار بابان (كاتب ومناضل كردي):
[كردستان جنة الله وجحيم أمة]. نزار بابان
محاضرة الكرد بعد الحرب العالمية الثانية
الجيوش البريطانية لازالت على أرض العراق وفلسطين وشرق الأردن بعد انتهاء الحرب. ولكنها ليس القوة الاقتصادية والعسكرية، وقد اعتمدت على الولايات المتحدة الأمريكية القائدة الجديدة للعالم في إصلاح اقتصادها واقتصاديات الدول الأوربية المتضرّرة من الحرب. وفي الوقت الذي كانت لندن تتوسل واشنطن لإسعاف اليونان وتركيا اقتصادياً عام 1947، كانت برطانيا تخشى على الدولتين (اليونان وتركيا) من انضمامها إلى الشيوعية، وهما أهم بكثير من صّرف الوقت على القضية الكرد.
وفي تصنيف لندن وواشنطن، وبقية دول العالم الحر أن افرازات دولة "مهاباد" الكردية في إيران، أظهرت أن بعض الرموز الكردية لها خيوط مع الشيوعية من وجهة نظرهم (لأن سياسة بريطانيا هو تشويه كل شيء وطني ...)، أن لم تكن خلايا ومجموعات منظمة شيوعية تعمّل على وصول الحزب الشيوعي إلى سدة الحكم في بلدان الشرق الأوسط، وخاصة النفطية منها.
وعلّلت وصفها للكرد، أن الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني منح رتبة جنرال وهو على الأرض السوفيتية. ومثل هذه الجائزة لا تعطي إلا لمن يقدم خدمة ومجهود كبير للدولة السوفيتية (من وجهة نظرهم) لأنها أثبتت عدم صحة هذا الافتراء عليه.
وتعزز التصّور والصورة لدى واشنطن ولندن وصول الزعيم الركن عبد الكريم قاسم إلى سدة الحكم والسلطة في العراق في 14 تموز عام 1958، وهو قَبل أن يقرّب العناصر الشيوعية من مراكز السلطة وجه دعوّه للملا مصطفى البارزاني للعوّدة إلى العراق والمشاركة في السلطة السياسية ... وما تبع ذلك من إهمال القضية الكردية لفترة اثنى عشر سنة (1946 – 1958) من قبل أصحاب القرار في لندن وواشنطن، والأخيرة غير راغبة في تعضيد علاقاتها مع الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني، ربما إرضاءاً لعيون الشاه "محمد رضا بهلوي" الذي تجهزهُ واشنطن بالإسلحة المتطورة وهو حارس لمصالحها في الخليج، وقوله، أن الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني محكوم بالإعدام، وهو شيوعي، ولا تعامل معهُ، علماً ثبت أنه لم يكن شيوعياً، ولا قاسم شيوعياً بل كان زعيماً كردياً وطنياً مطالباً بالحقوق القومية لشعبه الكردي.
1. الكرد والزعيم الركن عبد الكريم قاسم
تنصّل عبد الكريم قاسم من الحقوق الدستورية للكرد وفق دستور عام 1958 الذي نصّ على "أن العرب والكرد شركاء في الوطن" وزادت شكوك الملا مصطفى البارزاني بمرور الوقت أن عبد الكريم قاسم يريد منه تصفية العشائر الكردية التي لا تناصر سياستهُ المتلونة مرّة مع القوميين العرب وأخرى مع الشيوعيين كما حدث مع مهرجان انصار السلام في الموصل في آذار 1959.
وحركة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف أمر حامية الموصل ضد عبد الكريم قاسم في الشهر ذاته (آذار 1959). وكان نتيجة اعدام (21) ضابطاً من أهل الموصل بمثابة ضربة للقومية العربية وقائدها جمال عبد الناصر الذي كثيراً ما اختلف مع "نيكيتا خروشوف" الرئيس السوفيتي في ذلك الوقت حول دوّر الاحزاب الشيوعية وصراعها مع القوميين العرب. وبسبب الإخطاء التي ارتكبها عبد الكريم قاسم في فتّنة الكرد والتركمان في كركوك أيضاً عام 1959، وهروب رشيد لولان زعيم عشيرة برادوست الكردية وأتباعه إلى إيران. كانت تركيا غاضبة في البطش الذي أصاب التركمان( ). فأعطت لبريطانيا والولايات المتحدة المبرّر لدعوة الموقعين على حلف بغداد 1955 (تركيا وإيران والباكستان) (دون العراق الذي انسحبت منهُ عام 1959) لدراسة وتقييم الموقف في العراق، بعد التشقق الذي أصاب المجتمع العراقي.
2. اجتماع الملا مصطفى البارزاني بـ همفري ترفليان
وزادت من شكوك عبد الكريم قاسم بالكرد عندما اجتمع السفير البريطاني بالملا مصطفى البارزاني في بغداد في بداية عام 1960، واعتبرها عبد الكريم قاسم أن ذلك تآمراً على سلطته ووجوده. ومع الغضف الذي أبداهُ الملا مصطفى البارزاني من تصرف عبد الكريم قاسم، ووصفه للكرد أن لقب وتسمية "المحاربين الشجعان" الذي أخذه الكرد إنما كان لقباً فارسياً (حسب اللغة الفارسية)، ووجدتهُ إيران فرصة لاعتبار كل الكرد من أصول فارسية (حسب وصف الزعيم عبد الكريم قاسم)، وذلك قبل أن يتوجه الملا مصطفى البارزاني إلى موسكو عام 1960 للضغط على عبد الكريم قاسم، وذلك مارفضهُ "نيكتا خرشوف" الرئيس السوفيتي.
وكأي حركة ثورية باتت الحركة الكردية محاصرة من تركيا وإيران والعراق، كان على الملا مصطفى البارزاني وهو القائد التاريخي والزعيم الوطني الكردي أن يتصرف هو وأفراد الحزب الديمقراطي الكردستاني قبل أن يصلهُ المحامي "عمر مصطفى" الملقب عمر دبابه ليقول لهُ، أن طهران مستعدة للتعاون معهُ ضد عبد الكريم قاسم بصورة سرية( ). وقد فتحت لهُ منفذاً على العالم الخارجي رغم العلاقات بين طهران والولايات المتحدة التي بدأت وتطورت منذ عام 1950. وبدت إيران سرورها التام وهو يراقب المعارك الدائرة بين قوات البيشمركة الكردية وقوات الجيش العراقي عام 1961، وقد شملت كل بعقة أرض كردستان البالغة (1094 كم) من مدينة "خانقين" على حدود إيران، وحتى مدينة "زاخو" على الحدود مع تركيا.
3. دعم واشنطن للكرد ضد عبد الكريم قاسم
وما يعني ذلك أن الملا مصطفى البارزاني وقواته سيحتاجون عاجلاً أم آجلاً معونة إيران، وربما أميركا في قادم الزمن ... قبل أن يستلم شاه إيران محمد رضا بهلوي توجيه واشنطن لمعاونة الملا مصطفى البارزاني ضد عبد الكريم قاسم ... وقد تأكدت واشنطن أن الملا مصطفى البارزاني ليس شيوعياً، بل هو زعيم قومي ووطني كردي، يريد لقوميته الكردية حقوقاً في القرار السياسي لم يفهما السابقون، في الدولة العثمانية والفارسية والعرب، رغم أن هناك (15) ملايين كردي في تركيا، و(8) ملايين في إيران، (6) ملايين في العراق، وما يقارب المليون والنصف في سورية. والجميع يعيشون على حوض جغرافي غير مجزأ، ويتكلمون لغة كردية وهي غير اللغة الفارسية ولا تركية ولا عربية. وبريطانيا التي أوجدت حدوداً لدول صغيرة ـ بعد الحرب ـ لا تقارن بـ (ربع) مساحة أي من كردستان الجنوبي أو الشمالي أو الشرقي ... ومع كل هذا فلا نجد حراجه في الحديث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها كما أعلنها الرئيس الأمريكي ولسون عام 1919 (الملحق أ). ذلك هو الحديث الذي أثار جدلاً في اوساط حكومة عبد الكريم قاسم، ووزير خارجيتهُ "هاشم جواد" يريد من السفير البريطاني معرفة ما دار بينهُ وبين الملا مصطفى البارزاني!! ... قبل أن يصل حزب البعث إلى السلطة في انقلاب ضد عبد الكريم قاسم في 8 شباط عام 1963 لأول مرة في تاريخه منذ تاسيسه عام 1947.
4. عبد السلام محمد عارف والكرد
وشعر كل الناس، وخاصة في العاصمة بغداد أن رموز السلطة ومنهم القيادي البعثي "علي صالح السعدي" الكردي الأصل على تسابق لتولي كراسي الحكم. وعندما طرد علي صالح السعدي إلى خارج العراق، قال "إنهم (البعث) وصلوا إلى السلطة على عربة قطار أمريكي" ... واستثمرها الرئيس القومي العربي عبد السلام محمد عارف لتعويض خسارته في ثورة 14 تموز 1958، وهو الذي نفذ الثورة وليس عبد الكريم قاسم (الأقدم منهُ عسكرياً) بسبب أمر الحركات الصادر لهم من دائرة العمليات في وزارة الدفاع كانت أسبقية حركة لواء المشاة / 20 قبل لواء المشاة / 19. وفي عقل الرئيس القومي العربي عبد السلام عارف الذي يجد في جمال عبد الناصر عنواناً لعزة العرب، أن يجد حلاً للقضية الكردية دون الأصابع الأجنبية. وعقد أول اجتماع حكومي جدي مع الوفد الكردي الذي رأسهُ "جلال الطالباني" وهو عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في العاشر من شباط 1964 ... ومع توقف نزيف الدم الكردي ـ العربي لفترة من الزمن، اعترض جلال الطالباني ومعهُ صهره "إبراهيم أحمد" على الاتفاق مع حكومة عبد السلام عارف، لكونه لم يشر صراحة إلى الحكم الذاتي لكردستان. ولم يكن العسكري عبد السلام عارف ولا غيريه من الوزراء من يستطيع الأدلاء بصوت جهوري بالحكم الذاتي خشية كلمة "الخيانة" وتقسيم العراق على يد الرئيس عبد السلام عارف الذي كابد السجن لثلاث سنوات في زمن عبد الكريم قاسم، هو يردّد لوحّدة العرب، وليس للتقسيم. وإذا ما أُريد للمباحثات مع الكرد أن تستمر بين الطرفين دون تدخل خارجي، فقد تثمر في قادم الزمن إلى حلول على الأقل ليس فيها انفصالاً وهو ما يكرههُ كل القوميين العرب وليس عبد السلام عارف وحدهُ (وهذا دليل على عدم الاعتراف بالديمقراطية والحرية وحق الشعوب المتضهدة).
وربما هو ما ينسجم أيضاً مع تطلعات القومية التركية والإيرانية اللذان يجدان أن أي صيغة من الحكم الذاتي في كردستان العراق هو تهديد لا من بلديهما. وهي ننقطة مركزية حاول عبد السلام عارف أن يطرحها مع الرئيس جمال عبد الناصر التواق إلى حل للقضية الكردية دون مزيد من أراقه الدماء بين المسلمين وأبناء الوطن الواحد. وكان الرئيس الجزائري أحمد بن بلا (المؤيد للكرد وقضيتهم) وكذلك العقيد معمر القذافي، وربما الشهرة والشعبية بين شعوب العرب هي التي سيطرت على عقول القادة، ليقولوا فيما بعد، أن القضية الكردية والكرد لهم حقوقهم القومية كشعب أن يحصلوا على الحكم الذاتي في دولهم.
5. مخاوف عرب الخليج
أثار عرب الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية الموضوع مع الرئيس عبد السلام عارف، واشاروا عليه من طرف خفي، هل أن جمال عبد الناصر الذي أرسل (50.000) جندي إلى اليمن عام 1962 لمقاتلة الأمام "البدر" متيّقن إنهُ لا يريد تقسيم اليمن إلى شمالية وجنوبية. وفهمها والقول للسعودية، أنه ولأسباب ريادة العالم العربي أن يقسم العراق إلى كردي ـ عربي بل لهم حقوق قومية كشعب في الحكم الذاتي.
أما إيران فأثارت موضوع بالغ الحساسية بين أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، مفادهُ أن القومية العربية بوعائها الكبير يمكن أن تصهر القومية الكردية في أي اتفاق تتنازل البيشمركة عن السلاح.
وكان الكلام صحيحاً ولكن غير مخلصاً إلا بالقدر الذي يتيح لإيران الشاه محمد رضا بهلوي، استخدام الثورة الكردية وسلاحهم كورقة ضغط على حكومة بغداد لتحقيق مكاسب حدودية وخاصة في شط العرب. وقد أفصح مدير المخابرات الإيرانية الجنرال "نعمة الله نصيري"( ) لنظيره الإسرائيلي أن استراتيجيه الشاه "أن تنشب حروب متواصلة بين إسرائيل والعرب بصوره تجعل الجيوش العربية منشغلة ومستنزفة ولا تدع مجالاً للالتفات عليها أو العمل ضدها لجهة احتلال خوزستان (مناطق النفط الإيرانية)، رغم أن الإيرانيين كاانوا على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات بما فيها احتمال الحرب مع العراق".
وأجد عندما تأتي على حرب الخامس من حزيران بين العراق وإسرائيل عام 1967، كيف ساهمت إيران بدور خفي لتوريط العرب في حرب هم غير مستعدين لها!! إذاً هذا يدل على عدم إدراك الحكومات العربية للسياسات الدولية.
6. العلاقة الكردية مع إسرائيل
هنا سيثار سؤال حول دور الموساد وزيارة "ديفيدكمحي" مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى كردستان العراق ولقاءه بالملا مصطفى البارزاني في منطقة (بارزان) ... وتتابع زيارات أخرى متبادلة بين الطرفين (1964 – 1975)( ) وهو التاريخ الذي أنفصل به جلال الطالباني( ) عن الملا مصطفى البارزاني سياسياً. والجواب ... هو أن العلاقة بين بغداد والملا مصطفى البارزاني لم تكن واضحة، وليس فيها ما يوحي إلى تنازل بغداد عن كركوك (المدينة الكردية النفطية) لتكون ضمن إقليم كردستان. واعتقد الملا مصطفى البارزاني أن وجود النفط لديه، سيجذب واشنطن ولندن لممارسة ضغط على الأطراف الإقليمية إيران وتركيا - والأخيرة عضو في حلف شمال الأطلسي منذ عام 1952 ـ لإنشاء دولة كردية مستقبلاً. كما أن النفط سيتيح لهُ الانفاق على الشعب الكردي بما يؤمن حاجاتهِ المعاشية ورفاهُ. ولكن، ولما كان هو وشعبه محصوراً دون اتفاق مع تركيا والعراق، وكان منفذهُ الوحيد إيران، فقد سمح بشيء من العلاقة مع إسرائيل، وهي علاقة المضطر ... وهي أشبه ما تكون بالفتوى التي تعطي الإنسان "أكل الميتة والدم ولحم الخنزير" لان بدونها يموت الإنسان تلك العلاقة استثمرها الشاه وغذتها إسرائيل لإنجاز هدفين:ـ
الأول، استنزاف قدرات الجيش العراقي ومنعه أو تحجمه إلى الحد الذي لا يمكنهُ من تقديم دعم عسكري لسورية والأردن في أي حرب قادمه. والثاني، إحباط الكرد من الحصول في أي مشروع للحكم الذاتي يمكن جذب أكراد إيران إلى الثورة من أجله.
أما إسرائيل، ولكي تفك العزلة العربية والإسلامية عنها، فأن ما يضعف العراق، وعدم اهتمامه بمعاونة سورية أو الأردن في أي حرب مقابلة، واحتلال أراضي عربية أخرى سيجعل من مشروع بن غوريون لعام 1954 قابلاً للتطور( ). وهو ما عملت عليه بريطانيا التي وجدت أن أي تقارب بين مصر والعراق هو مشروع لجذب الآخرين من العرب لإنجاز وحدة يكون فيها القرار السياسي والعسكري موحداً (هذا دليل على قصر نظر السياسة العربية) وعدم الاعتراف بما يجري على الساحة العالمية. وهذا لا تقبل به (لندن وواشنطن وطهران وانقرة). وخاصة شاه إيراه إيران محمد رضا بهلوي (البهائي) الذي تتلمذ منذ صباه في سويسرا على يد البريطاني "براون" الذي لم يتركهُ وحيداً في اتخاذ القرارات السياسية.
7. الدكتور عبد الرحمن البزاز والكرد
وجاءت فرصة العمر للكرد العراقيين لبلوغ حقهم في الحكم الذاتي، حين كلفّ الرئيس عبد السلام عارف المدني الدكتور عبد الرحمن البزاز لتشكيل حكومة عراقية، هدفها إنهاء نزيف الدم في كردستان العراق بين العراق والكرد.
ولغرض إشعار الكرد بالمهمة الموكلة لهُ، مَهّد الدكتور عبد الرحمن البزاز عام 1965 إلى حل المجلس الوطني لقيادة الثورة، وأعاد الترخيص للأحزاب السياسية، وإجراء الانتخابات ليكون شعب العراق بعربه وكرده على خط واحد. كما وَعّد بوضع حد لعمليات الاعتقال، وإطلاق سراح المسجونيين الكرد ... قبل أن يعلن لشعب العراق بيان 29 حزيران 1966، المؤلف من أثنا عشرة نقطة (الملحق ب). وفيه مسحه قانونية وإنسانية في أن الكرد، وهم القومية الثانية في البلاد تتمتع بحقوق قومية في اللغة والملبس والدراسة والتعمير والإدارة، دون منغصات من حكومة المركز (بغداد).
ولعل ما ذهب إليه الدكتور عبد الرحمن البزاز في مشروعه (اتفاقية / بيان 29 حزيران 1966) لإنهاء القتال، هو عدم مشاركة الضباط في الحياة السياسية، وهي نقطة مثيرة للجدل، طالما بقيّ الحال لهم منذ ثورة 14 تموز عام 1958.
وكان تبريرهُ عندما سأل عن الضباط الذين يحيطون بالرئيس عبد السلام عارف، أن واجب الجيش والإجهزة الأمنية هو دور مهني كحماة لحدود البلاد وضبط الأمن في الداخل. وفي هذه النقطة، أراد أن يخصص بعض من الميزانية المصرفة لوزارة الدفاع إلى بناء مشاريع صناعية، وتطوير الزراعة دون الاعتماد على عائدات النفط. مع الأخذ بنظر الاعتبار صرفيات القوات العراقية المرابطة على الحدود العراقية ـ الأردنية، وعمليات التأميم التي طالت المصارف( )، التي أوقفها بعد هروب رأس المال خارج العراق.
وتذكر "الدكتور عبد الرحمن البزاز" وهو سفير للعراق في بريطانيا قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، أن جلال الطالباني، وهو على شاشة BBC كثيراً ما ردّد الديكتاتورية العسكرية، أو الحكم العشائري في أشارة إلى عشيرة (الجميلات) التي يعود إليها الرئيس عبد السلام عارف. وفي عقله، أن الحجّة لاستمرار القتال في كردستان العراق، هي عدم الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للكرد ... وإذا ما كان للكرد زعامة تريد الحياة الحرة الكريمة للشعب الكردي، فليس هناك من الجيران من يعطيهم ثلاث نقاط، وليس أثناء عشرة نقطة (الملحق ز) هي من تأسيس لحكم ذاتي دون تدخل يد أجنبية في شرعية وإنسانية هذه الحقوق.
اعتقد شاه إيران، أن الرئيس القومي العربي عبد السلام عارف مثّل أحد أوجه التحدي لشخصه وهو ملك الملوك (شاهنشاه). فهو من مجّد( ) في خطبه بالدكتور محمد مصدق رئيس وزراء إيران عام 1953 بعد تأميم النفط الإيراني( )، كما هو من طرد السفير الإيراني أثناء تقديمه أوراق اعتماده في القصر الجمهوري. ولكن تطبيق الحكم الذاتي لكرد العراق، يعني أنهُ يريد اشعال ثورة كردية ضده (إيران). وتتبع جهاز السافاك الرئيس عبد السلام عارف، وهو يتنقل بطائرة هليوكبتر ـ حطت عدة مرات ـ قبل الوصول إلى محافظة البصرة، وسقط الرئيس صريعاً في الثالث عشر من نيسان 1966.
وبدل ذهاب الكرد إلى بغداد لتشبث بما أعلنهُ الدكتور عبد الرحمن البزاز لأنه طريق يفضي إلى السلام، ويهيأ القاعدة للانطلاق بمطاليب متممة، كان الطرفان الإيراني والإسرائيلي يقنعان قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني( )، أن مقتل الرئيس عبد السلام عارف يوحي إلى صراعات داخلية، وأن الدكتور عبد الرحمن البزاز لا ينشد منهُ أو يستطيع مخالفة الضباط المتسارعين إلى سدة الحكم. ومنهم وزير الدفاع اللواء الركن عبد العزيز العقيلي الذي قاد الحملة ضدكم (الكرد) عام 1964. وفي لحظة ضعف الملا مصطفى البارزاني من جراء شح الغذاء والدواء لمقاتليه البيشمركة حول حوض راوندوز في نيسان 1966، قال ممثل السافك في كردستان وهو بصحبة أحد ممثلي بعثة الموساد، أن الاتفاق مع الكرد هو "لقتال العرب وليس لكي تضعوا سلاماً معهم" اعتقد هذا من وجهة نظر الحكومة وليس الحقيقة لأن الكرد في كل الأوقات كان طلباتهم هي مطاليب شرعية بخصوص قوميتهم الكردية وحقوقهم المهضومة من قبل الحكومة وكثيراً ما استخدمت ورقة الضغط ضد الملا مصطفى البارزاني في عدم اسقبال الجرحى الكرد في المستشفيات الإيرانية وأن إيران لها الحق في غلق الحدود إذا ما استمر البارزاني الإصغاء لحكومة الرئيس الجديد عبد الرحمن محمد عارف (شقيق المغدور) عبد السلام عارف دون استشارتها نستنتج من ذلك هو عدم وجود نية صافية وصادقة لدى الحكومة لحل القضية الكردية ... حتى لا تتدخل الدول الأخرى بها.
8. الرئيس عبد الرحمن عارف وشاه إيران
الرئيس عبد الرحمن عارف (هادئ الطبع طيب القلب)، وخلال زيارة لهُ لفرنسان عام 1967 (قبل حرب 5 حزيران عام 1967) لطلب السلاح، عرّج أثناء العودة إلى إيران. وخلال لقاءه مع الشاه محمد رضا بهلوي ملك الملوك (الشاهنشاه)، شكى لهُ الرئيس عبد الرحمن عارف من الأوضاع الداخلية في العراق، وتسابق الضباط لكراسي الحكم، ومحّنة المصاريف الباهضة التي يتحملها العراق من جراء القتال في كردستان العراق، وكان في عقل الرئيس عبد الرحمن عارف أن ملك الملوك (الشاهنثاه الإيراني) مسلم يقّدر الجيّرة، وأنهُ سيسألهُ عن حاجات بلده العراق لمعاونته على تذليلها ... ولكن الشاه "ملك الملوك" سرعان ما قابل السفير الأمريكي في طهران ليشعرهُ، أن الرئيس الجديد للعراق عبد الرحمن عارف قد أباح لهُ معا يعانيه من مشاكل داخلية ... وأن انقلاب عسكري في العراق من السهولة لخلق اضطرابات جديدة داخل العراق، وتمنع أي توجه لوّفد كردي إلى بغداد للتحاور. كما نقل مثل هذه المعلومات إلى الملحق العسكري الإسرائيلي في طهران "يعقوب نمرودي" الذي أسس علاقة شخصية متينة مع الشاه لمدة ثلاثة عشرة سنة.
أما قصة نكسة العرب في الخامس من حزيران 1967، وقد وعدناكم للكلام عنها فهي المؤامرة التي صاغتها دول القرار الكبرى (وهذا دليل على عدم إدراك الحكومات العربية للسياسة العالمية)، مستعينة باللاعب الإيراني محمد رضا خان، لأن تفوز إسرائيل في هذه الحرب، وجعل العرب يتسكعون على أبواب الأمم المتحدة لإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا( ).
9. ثمن السلاح المورد للعرب
بعد ضياع فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وجد العرب في الأردن وسورية والعراق ومصر، أنهم أمام مسؤولية تاريخية لإستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وكانت مصر على وجه الخصوص باعتبارها أكبر دولة عربية، يقودها الرئيس القومي العربي جمال عبد الناصر، أن الحصول على السلاح المتطور من السوفيت سجيعلهُ ـ في مقدمة الزعماء التاريخيين لمنافسة وكبح جماح الإسرائيليين في التوسع. واقتنعت كلاً من سورية والعراق في مسعى جمال عبد الناصر، حتى وأن كان الثمن فيه كبح لرجال الدين الذين لا يريدون للشيوعية الملحدة أن تنمو وتزدهر في ديارهم كثمن للسلاح المورد من السوفيت. وهم أي علماء الدين وتحت وطأة الهزيمة المرّة لسبع جيوش عربية في حزيران 1967 ضاعت فلسطين. فهل يريدون ضياع أراضي عربية أخرى؟ وصار الحديث القومي العربي، أن السوفيت كأصدقاء للعرب ليس لديهم ذلك التاريخ في التآمر على وحّدة العرب رغم الحروب الروسية القيصرية ضد الدولة العثمانية المسلمة التي استمرت منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى.
وتبعاً للسلاح المورّد للدول العربية ومصدرهُ سوفيتي والسلاح المورّد إلى إسرائيل وإيران ومصدرهُ أمريكي وبريطاني وفرنسي، فأن استخدامه في أي حرب قادمه، يتوجب على الأطراف المستفيدة أن تستنير برأي الدول المصنعة للسلاح عندما يكون القرار السياسي ضرورياً.
وتجد دول مصر وسورية والعراق التي استقبلت الأحزاب الشيوعية على أراضيها، إنها مجبرة على حرية حركة جهاز المخابرات السوفيتي على كامل حدود الدولة الجغرافية. وإنها جزء من الحرب الباردة التي يخوضها السوفيت ضد الإمبريالية الأمريكية( ) وإذا ما أصبحت ساخنة ضد إسرائيل أو إيران فهي بالنيابة عنها. دون ذهاب واشنطن وموسكو إلى السلاح النووي المدّمر.
مصر ـ الدولة التي يعّول عليها العرب في أي حرب مقبلة مع إسرائيل، هي مدينة للسوفيت الذين كسروا توريد السلاح إليها عام 1957، كما هي مدينة لهم في الضغاط الذي مارسهُ "نيكتا خروشوف" الرئيس السوفيتي على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لسحب قواتهم من شرق قناة السويس عام 1956. وكان جمال عبد الناصر ممتنناً لجعل السفير السوفيتي في القاهرة على إطلاع مباشر مع ممثل عن الضباط الاحرار العراقيين "محمد صديق شنشل الذي وصل القاهرة بداية عام 1958 لمناقشة سبل نجاح ثورة 14 تموز 1958 في العراق ضد النظام الملكي الموالي لبريطانيا، وتركيا وإيران لازالا في حلف بغداد.
إيران وإسرائيل اللذان أقاما علاقات تعاون أمني بينهما منذ عام 1950 معنيّان بدرجة مختلفة عما يدور من نشاط (شيوعي ـ مخابراتي) على جوارهما. وتجد الولايات المتحدة وبريطانيا أن أمن إسرائيل هو فوق كل اعتبار لعلاقتهما مع إيران أو دول الخليج ومنهم المملكة العربية السعودية. وينظر الشاه محمد رضاه بهلوي، أنه مديين (لواشنطن ولندن) لدورهما وضغطهما المتواصل على الرئيس السوفيتي "ستالين" لسحب القوات الروسية من شمال إيران عام 1946. وإليهما يعود السبب في طرد حزب تودّه الشيوعي وإحباط دولة مهاباد الكردية عام 1946. كما هو مدين للدولتين في إحباط انقلاب "محمد مصدق" رئيس الوزراء الإيراني عام 1953.
وعلى صعيد الأمن الداخلي، فقد كان الشاه الإيراني شاكراً جداً لجهاز الموساد الإسرائيلي الذي درّب جهاز السافاك الإيراني، وهو مصدّر قوة الشاه لمواجهة المناوئين لهُ، وسبباً لبقائه على عرش إيران منذ عام 1941 حتى عام 1979. وربما تذكر جهاز الموساد أن مشروع تهجير اليهود من العراق عبر كردستان العراق، ما كان للمشروع أن ينجح لولا تدّخل السافاك الإيراني في ذلك.
أما في سورية، فلم يكن (شكري القوتلي) الرئيس السوري، على خلاف مع السوفيت، بل يمكن القول أن علاقة السوفيت بسورية هي الأقوى من بين كل الدول العربية الأخرى، بما فيهها مصر، رغم أن الاسلحة السوفيتية المورّده إلى سورية لم تدفع أثمانها نقداً.
وربما هناك من يّعلل الأسباب وراء تلك العلاقة، وهي أن سورية الحكم (الحكومة) أعطى لزعيم الحزب الشيوعي "خالد بكداش": حرية في العمل، وحرية التصريح وإبداء الرأي أكثر من أي حزب شيوعي عربي آخر( ). ونجد أن جهاز المخابرات السوري مدين للسوفيت في تدريبهم وأعدادهم. وقد أوصلوهم إلى خلايا الأخوان المسلمين في مدن سورية حمص وحماة وحلب. وقد لا يخفى على الكثير من الحضور كيف كشف عميل الموساد "كامل أمين ثابت" الملقب بـ كوهين الذي استأجر شقة مطّلة على رئاسة الأركان السورية عام 1965، وهو الذي تعرف بصورة تفصيلية عن الدفاعات السورية في هضبة الجولان بصحبة ابن أخ رئيس الأركان عبد الكريم النجلاوي وبألقاء القبض عليه وأعدامه وكذلك هروب الطيار العراقي منير روفا بطائرة ميغ (21) إلى إسرائيل( )، أوحت لأي حاكم سوري أن لا يغضب السوفيت (الحيلف الصديق) مهما كانت النعوت التي الصقتها أجهزة الدعاية الغربية ـ الأمريكية بحكام سورية. وإذا ما خربت العلاقات بين موسكو ودمشق، فلا دولة كبرى يمكن أن تقيم علاقة رصينة مع حزب البعث الحاكم الذي كثيراً ما أثار المشاكل مع إسرائيل وإحراج الأصدقاء.
بدا الموقف الدولي والإقليمي والعربي يتحسس أن في الأفق ما يشير إلى حرب قادمة. وأصحاب القرار السياسي الذين يتداولن للتشاور والمشاركة فيه هي واشنطن ولندن وإسرائيل، ومعهم إيران بصفة لاعب محلي تحركهُ الموساد الإسرائيلية بأتجاه العرب وخاصة جمال عبد الناصر. ولأجل وضع إستراتيجية الشاه( ) تجاه العرب موضع التنفيذ التي أباح بها الجنرال الإيراني نصيري لنظيره الإسرائيلي، فقد طلب من السافك أواخر 1966 تمرير معلومات إلى جهاز المخابرات السوفيتي مفادها أن إسرائيل تعد العدّة للهجوم على سورية( ). وعندما حان شهر نيسان 1967، تمكنت الطائرات الإسرائيلية في معركة جوية من إسقاط ست طائرات ميغ – 21 سورية، هذه الطائرات كانت هي العمود الفقري لسلاح الجو المصري والعراقي أيضاً( ).
الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
عمان/ الأردن، آب 2012
قائمة الملاحق
الملحق (أ)
مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الـ (14) مادة عام 1919م (بخصوص حق تقرير المصير للشعوب)
في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي ويلسون بتاريخ 8 كانون الثاني عام 1919م، شرح النقاط والمواد الأربع عشرة التي يتضمنها برنامجه من أجل إحلال السلام العالمي، الذي يجب أن يقام على (بنية من العدالة الدولية في المجتمعات العالمية) وتشمل جميع الأمم، وهذه المبادئ هي:
1-معاهدات سلام تنشر علنياً بدون أي مواد أو ملاحق سرية.
2-حرية الملاحة الكاملة في زمن السلم كما في زمن الحرب.
3-إلغاء الحواجز التجارية وشروط التعامل بالمبادلات.
4-اتفاقيات من أجل تخفيض التسليح.
5-حل المسائل الاستعمارية، مع الاهتمام المتماثل بالنسبة لمتطلبات الإمبراطوريات وسكان البلدان المستعمرة ذات العلاقة.
6-إخلاء الأراضي الروسية التي يجب أن يقرر مصيرها ومستقبلها السياسي بكل حرية، وأن يسمع صوتها في عصبة الأمم.
7-إخلاء بلجيكا وإعادة سيادتها.
8-تحرير كل الأراضي الفرنسية، وإعادة منطقة الإلزاس واللورين إليها.
9-إعادة رسم حدود إيطاليا على أساس المعيار القومي.
10-إمكانية التطور المستقبل بالنسبة لشعوب الإمبراطورية النمساوية / الهنكارية.
11-استقلال ووحدة أراضي البلدان البلقانية مع تخصيص قطاع يوصل صربيا بالبحر.
12-إقرار سيادة تركيا، وإعطاء (حق تقرير المصير) للشعوب الأخرى التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية، وإقرار حق الملاحة في مضائق الدردنيل.
13-إنشاء دولة بولونية مستقلة، وإعطاءها الضمانات الدولية الضرورية.
14-تشكيل عصبة أمم تضمن الاستقلال والسيادة ووحدة الأراضي لجميع الدول.
الملحق (ب)
بيان 29 حزيران 1966م (بيان الدكتور عبد الرحمن البزاز) ( )
في التاسع والعشرين من حزيران / يونيو 1966 أعلن رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز بياناً لحل القضية الكردية، يتضمن اثنتي عشرة مادة هي:
أ. لقد اعترفت الحكومة العراقية بالقومية الكردية بشكل قاطع في الدستور المؤقت عند تعديله، وهي مستعدة لتأكيد هذا المعنى وزيادته جلاء في الدستور الدائم، بحيث يصبح من الواضح إقرار القومية الكردية وحقوق الأكراد القومية، ضمن الوطن العراقي الواحد الذي يضم قوميتين رئيسيتين هما العرب والأكراد، وبحيث يتمتع العرب والأكراد بحقوق وواجبات متساوية.
ب. والحكومة على استعداد لإعطاء هذه الحقيقة وجودها الفعلي في قانون المحافظات - الذي هو في طريقه إلى التشريع - على أساس من اللامركزية، بأن يكون لكل لواء ولكل قضاء ولكل ناحية شخصية معنوية معترف بها. ولكل من هذه الوحدات الإدارية مجالسها المنتخبة وسلطاتها الواسعة في الشؤون الخاصة، بما في ذلك أمور التربية والتعليم والصحة، وكل ما له صلة بالشؤون المحلية والبلدية حسبما فصله القانون المذكور.
كما أن القانون المذكور (المحافظات) يمكن من إجراء التعديل في حدود الوحدات الإدارية، كما يمكن من إنشاء وحدات إدارية جديدة عند الضرورة ومقتضيات المصلحة العامة.
ج. وطبيعي أن الحكومة تعترف باللغة الكردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي تكون غالبية سكانها أكراداً، وتكون لغة التعليم – مع العربية – في الحدود التي يقرها القانون وتحددها المجالس المحلية.
د. إن هذه الحكومة عازمة على إجراء الانتخابات النيابية في الحدود الزمنية التي نص عليها الدستور المؤقت، وحدودها المنهاج الوزاري بشكل صريح. وسيمثل الأكراد في المجلس الوطني القادم بالعدد الذي يتناسب مع مجموع السكان الكلي، وبالطريقة التي يفصلها قانون الانتخابات.
هـ. وطبيعي أن يشارك الأكراد إخوانهم العرب في كافة الوظائف الإدارية العامة، والقضائية والدبلوماسية والعسكرية دون الإخلال بمبدأ الكفاءة.
و. وسيكون هناك عدد من طلاب البعثات والزمالات والمنح الدراسية في مختلف الفروع وعلى شتى المستويات من الأكراد، يرسلون للتخصص في خارج البلاد، دون الإخلال الكلي بالكفاءة وحاجة القطر.
كما ستزيد جامعة بغداد من اهتماماتها بدراسة اللغة الكردية وآدابها وتراثها الفكري والحضاري، وتسعى الجامعة لفتح فرع لها في الشمال عند توافر الإمكانيات.
ز. وسيصبح من طبيعة الأشياء أن يكون – الموظفون المحليون – في الألوية والأقضية والضواحي الكردية من الأكراد ما توفر العدد المطلوب منهم، ولن يصار إلى غيرهم إلا بمقدار ما تقتضيه مصلحة تلك المناطق ذاتها.
ح. سيرافق الحياة النيابية إنشاء بعض التنظيمات السياسية وتمكين الصحافة من التعبير عن رغبات الشعب، وستسمح الحكومة للأكراد بذلك في الحدود التي يرسمها القانون، وستكون الصحافة السياسية والأدبية في المناطق الكردية باللغة الكردية أو باللغة العربية أو بهما معاً حسب طلب ذوي العلاقة.
ط. أولاً: عندما تنتهي أعمال العنف يصدر العفو العام من كافة الذين ساهموا في أعمال العنف في الشمال، أو كانت لهم صلة بها، بما فيهم جميع من صدرت بحقهم أحكام بسبب الأعمال المذكورة أو صلتهم بها أو احتجزت حرياتهم.
ثانياً: يعود جميع الموظفين والمستخدمين من الأكراد إلى وظائفهم السابقة، كما يؤمن الملاك اللازم لهم ويلاحظ إنصافهم.
ثالثاً: تسعى الحكومة لإعادة جميع العمال الأكراد المفصولين إلى أعمالهم السابقة بكل طاقاتها.
ي. على منتسبي القوات المسلحة البدء في العودة إلى وحداتهم فور صدور هذا البيان، على أن يتم ذلك خلال مدة أقصاها – شهران - وسيعامل العائدون بالرفق ويصدر العفو عنهم:
أولاً: فمن كان منتسباً للجيش عليه أن يعود إلى الجيش بسلاحه.
ثانياً: ومن كان منتسباً إلى الشرطة عليه أن يعود إلى الشرطة بسلاحه.
ثالثاً: أما الآخرون ممن حملوا السلاح فيعتبرون هيئة تابعة إلى الحكومة، التي عليها أن تعمل على عودتهم إلى الحياة الطبيعية. وإلى أن يتم ذلك فالحكومة مسؤولة عن إعاشتهم. وعلى كل من يتم تحوله منهم إلى الحياة الطبيعية إعطاء كافة معداتهم وأسلحتهم وأعتدتهم وتجهيزاتهم إلى الحكومة، ويجري ذلك كله حسب خطة مدروسة من جميع ذوي العلاقة.
رابعاً: وطبيعي أن يعود الفرسان إلى أماكنهم بعد إحلال الأمن ويجري استعادة الأسلحة منهم حسب خطة مدروسة.
ك. وغني عن القول إن الأموال التي تبذل اليوم في مقاومة العنف، وكذلك الأموال التي تصرف فيما لا طائل تحته، ستصرف في إعمار كردستان، وستؤلف هيئة خاصة لإعمار المناطق الكردية من العراق، تخصص لها المبالغ اللازمة المناسبة من الخطة الاقتصادية للقيام بالتعمير والنهوض بالمشاريع الإنمائية في المنطقة، وترتبط بوزير يناط بوزارته إدارة مصايف كردستان وشؤون الغابات والتبوغ في كردستان، كما يشرف على تنسيق الشؤون الخاصة بالوحدات الإدارية التي يكون غالبية سكانها من الأكراد، مما هو من صميم القومية الكردية، كالعناية بالثقافة الكردية ومناهج التعليم باللغة الكردية.
وستحاول الحكومة بكل طاقاتها تعويض كل المتضررين تعويضاً عادلاً، يمكنهم من العودة إلى حياة منتجة نافعة للإسهام في النهوض في اقتصاديات البلاد وازدهارها، والعيش بأمن وسلام.
ل. تسعى الحكومة في توطين كل الأكراد والجماعات الذين نزحوا أو هجروا مناطقهم، وسيكون الأصل في هذا العودة إلى الوضع الطبيعي القديم، مع العلم بأن ما سيكون لازماً للدولة السيطرة عليه فيما بعد للمنفعة العامة، يجب أن يقترن حسب أحكام القانون بتعويض سريع عادل.
440 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع