الموناليزا.. عنوان واحد وجنسيات وقصص متباينة
الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون - الخياط المهندسة المعمارية أصداء عبد الحميد التحافي
الجَمال صفة محمودة ونعمة من نِعم الله تعالى على عباده، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)، وفي كل يوم نطالع بديع صنع الله عز وجل في جميع مخلوقاته، فلو تدبر الإنسان ما في خلق الكون من جمال وإبداع يجعلنا ندرك عظمة خلق الله تبارك وتعالى الذي خلق السموات والأرض والبحار والأنهار والأشجار والأزهار والذي خلق كل شيء فأبدع صنعه في أفضل صورة وفي جمال فتان. وعلى الرغم من أن الجمال نعمة لصاحبه، فقد يكون الجمال سببا في معاناة صاحبه كما حدث لنبي الله يوسف عليه السلام من ابتلاءات.
في السطور القادمة نتحدث بإيجاز عن خمس شخصيات نسائية حملت لقب "الموناليزا" ووراء كل منهن قصة مثيرة.
الموناليزا الايطالية:
الموناليزا (باللُغةِ الفرنسيةِ: Mona Lisa) هي لوحةٌ فنيةٌ تعود للقرن السادس عشر لسيدةٍ ايطالية بِريشةِ الفنان والمهندس المعماري الإيطالي ليوناردو دا فينشي، حيث بدأ دافنشي العمل في اللوحة عام 1503م في غرفة نوم نابليون في فلورنسا الإيطالية، وعندما رحل إلى فرنسا أخذ اللوحة معه وظل يعمل بها حتى العام 1516م. ثم ورثها أحد تلامذته وباعها بدوره للملك فرانسيس، وبالتالي أصبحت ملكا لفرنسا، وقد احتفظ بها نابليون بونابرت في غرفة نومه لسنوات قبل أن تتخذ مكانها في متحف اللوفر عام 1815.
تعني كلمة "الموناليزا": "سيدتي ليزا"، وتعد "الموناليزا" اليوم أشهر وأثمن عمل فني في العالَمِ؛ حيث يصل عدد زوارها في متحف اللوفر إلى الستةِ ملايين زائر خلال السنة الواحدة. وهناك كلام كثير جدا عن هذه اللوحة وأسررها. أما سبب شهرتها فيعود إلى أسباب عديدة مختلفة من أهمها ابتسامتها التي وُصفت بِأنها غامضة ومبهمة، وقد عُدت "الموناليزا" نموذجاً مثالياً للأنوثة والجمال.
موناليزا العراق:
منذ ثلاثينيات القرن الماضي ظلت لوحة (موناليزا العراق) تلعب دورا جماليا وثقافيا مدهشا في مخيلة العراقيين، وكانوا يعلقونها على جدار غرفة الضيوف إلى جانب صورة صاحب المنزل، أو بموازاة صورة الملك غازي ثاني الملوك أو من تلاه من حكام العراق، بوصفها ملكة تتربع على عرش الجمال بلا منافس. حتى أصحاب المقاهي والباعة في دكاكينهم الصغيرة وأصحاب الحمامات العامة والمطببون الشعبيون والحلاقون وصاغة الذهب، لا تعييهم الحيلة في إيجاد مطرح مناسب يليق بصورة (موناليزا العراق) يتباهون بتعليقها أمام انظار زبائنهم، فهي رمز الجمال العراقي الصارخ والحزين، الجميع يسعدهم تأمل ملامح تلك السيدة الشابة وهي تطل بنظرتها الحالمة البريئة إلى زاوية الصورة متحاشية النظر مباشرة إلى عين المشاهد.
تفاصيل صاحبة الصورة توحي بترف لذيذ، وغنى فاحش، فهي تبدو سيدة في مطلع العشرينات تتألق على جيدها ثلاثة عقود جميلة، الأول من حبات لؤلؤية صغيرة تشكل خمسة أطواق ينسجم بياضها مع بياض البشرة الناعمة، والثاني من خرز لؤلؤي أكبر حجما، بينما العقد الثالث ذهبيا تتوسطه جوهرة كبيرة الحجم تتدلى على الجزء الأعلى من صدرها.
هناك روايات كثيرة عن (موناليزا العراق): في جنوب العراق يطلقون عليها (سعدية الجنابية) أو (بنت المعيدي) وهي فتاة من منطقة الاهوار، واسمها (جميلة) ولدت في العام 1904 في (لواء العمارة) حاليا مدينة ميسان. وفي الشمال يقولون أنها فتاة تركمانية من مدينة كركوك كان أبوها يعمل تبانا (صمانجي- أي "حجار") يسكن محلة (القلعة) التاريخية. أما الإخوة الأكراد فيقولون أنها فتاة كردية.
أما قصة (موناليزا العراق) فتقول الروايات أن ضابطا إنكليزيا فُتن بجمالها، وبعد جهود مضنية استطاع أن يتزوجها وأخذها معه إلى لندن ليعيشا فيها عيشة سعيدة. وقد استعان الزوج بأحد أشهر الرسامين الإنكليز ليرسم له لوحة (موناليزا العراق) لزوجته المدللة فأنتجت فرشاته هذه القطعة الفنية الرائعة التي أرسلها الزوج من باب الوفاء إلى أهلها ليخفف عنهم وطأة فراقهم لابنتهم. فكان أن انتشرت الصورة بشكل سريع بعد أن قامت شركة بريطانية بطبعها وتوزيعها على نطاق واسع لتزدان بها البيوت والمحلات العامة وانتشرت الصورة بسرعة في المدن العراقية. وفي هذا الصدد يذكر احد الباحثين: "انتشرت في ستينيات القرن الماضي أغنية بصوت المطرب التركماني محمد احمد اربيلي يتغنى فيها بصاحبة صورة (موناليزا العراق) ويقول في مطلعها (صمانجيقيزي.. اون دورت ياشينده ) أي ابنة التبان (صمانجي) ذات الأربعة عشر ربيعا.
موناليزا مصر:
(موناليزا مصر) هي الممثلة المصرية (منى عاطف سيد)، من مواليد 1975، بدأت العمل الفني عام 1997، وقد ظهر نجاحها في فيلم (همام في أمستردام) عام 1999 مع الفنان الكوميدي محمد هنيدي، وقدمت بعض الأعمال في السينما والتلفزيون والمسرح بعد ذلك. وفي العام 2002 اعلنت اعتزالها المجال الفني، وغيرت ديانتها من مسيحية ودخلت إلى الإسلام وارتدت الحجاب، وفي نهاية عام 2014 ظهرت في لقاء تلفزيوني وخلعت الحجاب مؤكدة قررها للعودة للتمثيل.
موناليزا أفغانستان:
الفتاة الأفغانية (شربات جولا) من مواليد 1972 في البشتون/أفغانستان،
هذه الفتاة صاحبة العيون الخضر أصبحت صورتها المنشورة على غلاف مجلة (ناشونال جيوجرافيك) عام 1985 رمزا للحروب في أفغانستان، واشتهرت بلقب "موناليزا أفغانستان".
لقد قضت (شربات جولا) طفولتها في مخيم للاجئين في باكستان بعد مقتل والديها في الثمانينيات من قبل طائرة سوفيتية، وفي تلك الفترة التُقِطَت لها صورة من قبل المصور الصحفي ستيف ماكوري عام 1984. وفي العام 1985 ظهرت الصورة على غلاف مجلة "ناشيونال جيوغرافيك National Geographic" وكان عمرها آنذاك ما يقارب 12 عاما.
وبعد الظهور الأول لصورة (شربات جولا) على العيان أصبح يُطلق عليها اسم "الفتاة الأفغانية The Afghan Girl"، حيث كانت هويتها مجهولة في تلك الفترة إلى أن تم الكشف عن اسمها الحقيقي في العام 2002. ونتيجة لصورة "الفتاة الأفغانية" التي أثارت اهتمام الناس في ذلك الوقت، شُبّه ستيف ماكوري بـليوناردو دافينشي عندما رسم لوحة الموناليزا وأُطلق على (شربات جولا) "موناليزا أفغانستان".
وبعد 16عاماً من أخذ الصورة الشهيرة تم العثور على الفتاة (شربات جولا) وقد تغيّر ملامح الوجه لتدل على معاناة دامت 16 عاما مع بقاء العينان تمتازان بروعة جمالهما، تلك العيون التي أسرت العالم بجمالها والأسرار التي تخفيه خلفها من ظلم الحرب ومعاناة الحياة في المخيمات وفي أجواء محاطة بظلمة الحروب. لقد ظهرت (شربات جولا) بعينين خضراوين قد ذهب البريق منهما وتقاطيع وجه ليس لها إلّا تفسير واحد بأن حياة البؤس تُعكس من خلال تلك التعابير، وهيئة ملابس رثّة تحاكي آلام الحياة ومعاناة الماضي. تلك "لفتاة الأفغانية" عكست للعالم معاناة شعب بأسره وأصبحت رمزاً لمعاناة الأطفال جرّاء الحروب: فتاة لم تستطع إكمال تعليمها نظراً لضيق الحال ومعاناة الحياة، ولا تُعبِّر عن نفسها فقط وإنما تُعبِّر عن آلاف الأطفال الذي عانوا وما زالوا يعانون من بُئس الحياة وظلم الحرب.
وعلى الرُغم من الأصداء التي حققتها تلك الصورة في أرجاء العالم، فإن (شربات جولا) وعائلتها لم تر يوماً هذه الصورة ولم يعرفوا بوجودها أيضا على الرغم من أن هذه الصورة كانت تُباع في المحال الأفغانية وتوضع على أبواب محلات التصوير.
موناليزا الموصل:
(موناليزا الموصل) هي الطفلة "سبأ" الهاربة من معارك الموصل والتي تحولت إلى أيقونة وتناقلت صورتها المؤثرة الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي في العالم أجمع.
أما قصة (موناليزا الموصل) فإن الطفلة "سبأ" فرّت عقب معركة دامية جوار منزلها في أيمن الموصل، فصادفها مصور (رويترز) وطلب أن يصورها لكي يوثّق حزن عينيها الباكيتين الهاربتين من رصاصات طائشة أو سيارة مفخخة، وكانت الطفلة في حالة نفسية صعوبة نتيجة امتزاج مشاعر متباينة: بصيص الأمل بالنجاة مع الخوف والهلع والرعب الشديد، فاندمجت هذه الأحاسيس المتباينة وظهرت على وجهها البريء، فابتسمت للكاميرا وامتزجت ابتسامتها بدموعها لترسم هذه اللوحة الفنية المذهلة التي ارتسمت على عدسات كاميرا مصور (رويترز).
لقد كانت "سبأ" تُغالب دمعة سقطت أمام عيون وكاميرا مصور (رويترز) الذي عرف أن هذه الصورة ستذهب بعيدا، ستتشاركها آلاف المواقع، ولكنها لن تقوى بكل عمقها على وقف الحرب. وبعد قيام مصور (رويترز) بنشر هذه الصورة تناقلتها وسائل الإعلام بسرعة مذهلة وهزت صورتها العالم واشتهرت شهرةً لم يكن ذلك المصور يتوقعها. فأخذ يفتش عن تلك الطفلة "سبأ"، وبعد ثلاث سنوات من البحث المستمر وجدها أخيرا وقد كبرت وتغيرت ملاحها.
واليوم (موناليزا الموصل) تغالب حزنها بطفولة صارخة في وجه الموت والخراب، دمعتها التي تحاول من خلالها أن تقول للصورة ومن يراها أن هناك خلف هذه المسحة من الحزن عيون تحلم بالفرح وقلوب تحن إلى الطمأنينة وأرواح تستحق السكينة والهدوء والأمان. هذهِ الطفلة البريئة التي تحدّت مأساة السنين العجاف، اليوم تتحدى عسر المعيشة وتتطلع لغدٍ مشرق جميل.
760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع