(صدر كتاب) موجز تاريخ (سورية وفلسطين) منذ أقدم العصور وحتى النصف الأول من الألف الأولى ق.م
بقلم
الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
الناشر
مكتب سعد للطباعة والنشر
بغداد 2024
ان تاريخ سورية وفلسطين غني بالمعلومات لفترة ما قبل التاريخ وحتى الاحداث التاريخية، فهما يقعان في مركز الشرق الأدنى القديم وكان لهما تاثير في حضارة الشرق، ويمكن ملاحظة التاثير والتاثر واضحة في اللقى الاثرية والنصوص المسمارية والأختام المنبسطة والاسطوانية، وافرزت التنقيبات الاثرية منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وإلى الوقت الحالي غنى بلاد الشام بالمواقع الاثرية التي لم ينقب إلا جزء بسيط مما هو مخزون في التلال الاثرية المتناثرة من شمال سورية وحتى جنوب فلسطين، ولو ان الكثير من اسماء المدن وردت في النصوص لكن لم يستدل على مكانها ربما تعاقب الاجيال في سكنى المواقع ذاتها فصار من الصعب معرفة تحديد الموقع، فمثلا بعد أربعة الاف عام مضت لا نعرف موقع العاصمة الميتانية واشكاني التي يعتقد انها بين وادي الخابور والبليخ.
كما ان دراسة تاريخ المنطقة في عصور ما قبل التاريخ يحتاج إلى مجلدات وليس موجز حتى يعطى حق المنطقة تاريخيا، ولهذا كانت مهمتي صعبة للغاية في اختصار تاريخ سورية وفلسطين، ومن جهة اخرى لانجد في تاريخ بلاد الشام حكومة مركزية وحدة البلاد انما ممالك عدة، البعض مستقل تماما والبعض الآخر يخضع للقوى المحيطة، لهذا سيطر على المنطقة نظام سياسي عرف باسم دولة المدينة (City-State) وهو نظام سياسي كان سائدا في بلاد سومر منذ نهاية عصر جمدة نصر حتى قيام الدولة الأكدية، ربما نشأ نظام دولة المدينة حسب التوزيع الجغرافي في سورية وفلسطين، فالساحل السوري الطويل الممتد من انطاكيا شمالا والى غزة جنوبا سمح بنشوء ممالك فينيقية اهتمت بالتجارة والصناعة االحرفية، بينما المناطق الداخلية مع توفر مجاري المياة الوفيرة مثل انهار الفرات، وبردى، والعاصي مع تساقطات مطرية ساعد على النشاط الزراعي والرعي، وايضا كثرة اشجار الغابات في المناطق الجبلية اصبحت مطمعا من الدول المجاورة للحصول على الاخشاب، اما صحراء بادية الشام فنشأت على حافتها وفي الداخل مدن تجارية تمر فيها القوافل فازدهرت الحياة الاقتصادية في تلك المدن مثل إبلا وتدمر.
هذا التنوع الجغرافي والمناخ الملائم وغنى الحياة الاقتصادية جعلت سورية وفلسطين مطمعا للغزات والمهاجرين، فاصبحت المنطقة خليط من الأجناس البشرية مع اختلاف الثقافات واللغات فيها، فنجد ثقافة أمورية، وميتانية، وحثية، ومصرية، وثقافة بلاد الرافدين، والثقافة الفارسية في عهد الدولة الاخمينية، والثقافة اليونانية التي اتى بها الاسكندر المقدوني، واخيرا الثقافة الرومانية كلها جعلت بلاد الشام بودقة انصهرت فيها تلك الثقافات وانصهرت في ثقافة بلاد الشام.
يمكن ملاحظة جانب اساسي في النظام السياسي في سورية وفلسطين فلم يظهر نظام مركزي يضم بلاد الشام بكامله كما حدث في بلاد الرافدين عندما أسس الأكديين أول حكومة مركزية وحدت المدن من الشمال حتى الجنوب بعاصمة أكادة، وايضا في مصر قيام حكومة مركزية فاتحد الوجه القبلي مع الوجه البحري في العاصمة طيبة، وايضا المملكة الحثية في بلاد الاناضول وعاصمتها حاتوشا، ومملكة ميتاني وعاصمتها واشكاني، وبذلك فان غياب قوة مركزية شجعت القوى اعلاه في بسط نفوذهم على بلاد الشام، فنجد مصر تفرض سيطرتها على فلسطين وعلى جنوب سورية واحيانا تصل حملات الفراعنة نحو نهر الفرات مثل تحتمس الثالث (الأسرة الثامنة عشرة)، والحملة العسكرية التي وصلت إلى لبنان في عهد الملك سيتي الأول (الأسرة الثامنة عشرة)، كذلك مملكة ميتاني وصل نفوذها نحو اورغاريت والمدن بين خابور والبليخ وحلب والالاخ، وايضا لا ننسى الوجود الحثي الذي وصل إلى قادش، هذه الممالك دخلت في حرب لفرض وجودها في سورية وفلسطين واشهر معركة هي حرب قادش بين الحثيين والمصريين، وكانت المدن السورية والفلسطينية تقدم ولائها للقوى كما كشفت لنا رسائل تل العمارنة، وبعد سقوط المملكة الحثية احتلت الدولة الاشورية زمام المبادرة في فرض وجودها على ممالك سورية وفلسطين ومقارعة المدن التي ترفض السيادة الاشورية.
مع هذا الكم الهائل من الاحداث والممالك الصغيرة المتناحرة احيانا والحروب بين الدول العظمى لتقسيم الكعكة السورية الفلسطينية جعلني اتخذ صيغة في البحث بهية سرد احداث محددة عاشتها الممالك وليس دراسة تاريخ الملوك كما تعودنا في تاريخ الشرق الأدنى القديم، لذا لن يجد القارىء الكريم تقسيمات الكتاب على اساس الفصول انما تناولت ارتباط المنطقة ببلاد الرافدين، ومصر، والمملكة الحثية، وميتاني، والهدف من هذه الطريقة ان اجعل كتابي مختلفا عن الكتب التقليدية في سرد تاريخ الملوك، على اية حال لا غنى عن المؤلفات التاريخية التي سبقت كتابي والتي اعتمدت ايضا على تلك المصادر فكل ما يقدم من مؤلفات تغني المكتبة العربية وهذا هو الهدف الاساسي من البحث العلمي.
574 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع