الشيخ محمود الحفيد .. ملك كوردستان
محمود الحفيد (1881 - 1956) ويدعى أحياناً محمود حفيد زادة البرزنجي.
هو محمود بن الشيخ سعيد كاكا أحمد بن الشيخ معروف البرزنجي ولد في السليمانية 1881م محلة ( كاني اسكان) ، ولقبّ بالحفيد نسبة إلى جدهم العالم الكبير الشّيخ كاكة أحمد الشيخ دفين السّليمانية وصاحب المرقد المشهور فيها..
درس علوم الشريعة والفقه والتفسير والمبادىًًً الصوفية على يد علماء السليمانية واتقن العربية والفارسية والتركية إلى جانب اللغة الكردية، ولما كان ذا نفوذ روحي ودنيوي ، كان يمثل أحد أقطاب الطريقة القادرية
وكان مدار ارباب السياسية ، والمعرفة في بلدته السليمانية ، ذهب مرارا الى الاستانة بمعية والده ونجا بأعجوبة من الموت حين دبرت مؤامرة في الموصل لاغتيال أبيه ، ومن معه
أغتيل والده الشيخ سعيد غدرا في مدينة الموصل مع ولده أحمد عام1909م وألقي القبض على الشيخ محمود ووضع في سجن الموصل بتحريض من قادة الإتحاديين الأتراك، وقد أثار إعتقاله غضب جماهير السليمانية الذين ثاروا ضد السلطات العثمانية الحاكمة فاضطرت الحكومة التركية إلى إطلاق سراحه
عام1910م فعاد إلى السليمانية وحل محل والده زعيما لها،
قاد كتائب الفرسان الكردية ، الى " الشعيبة " بلواء البصرة في جنوبي العراق لمحاربة القوات الانجليزية الغازية ، عام 1914 م .
وان عدد الكرد المشتركين في تلك المعركة ثلاثة الاف مقاتل وظهرت اهزوجة شعبية انذاك رددها الناس بنوعين
ثلثين الجنة لهادينا
وثلثها لكاك احمد واولاده
او(ثلثين الجنة لهادينا وثلثها لكاك احمد واكراده). وانشد الشاعر الشيخ محمد سعيد الحبوبي بيتين في قصيدته المشهورة قائلا:
السيف والخنجر ازهارنا
اف على الريحان والاس
شرابنا من دم اعدائنا
وكأسنا جمجمة الرأس
ولما اندحرت قواهم أمام جيوش الانجليز المسلحين بأسلحة الفتك والدمار ، ورجع مجروحا الى كردستان ، انبيء بأن القوات الروسية القيصرية ، زحفت على كردستان الايرانية ، فسلبت الأموال ، واحتلت المدن والقرى ، وهتكت الاعراض ، وقتلت الكبار والصغار ، ثارت غيرته ، فجمع قوى العشائر الكردية ، وحارب الروس حرب عصابات في مناطق " هاورامان ـ بنجوين ـ مريوان " واستمر في مقاتلتهم طوال سنتي 1915ـ 1916 م " وفتك بالقوات الروسية الفتك الذريع .
ولما نخر الضعف في جسم الدولة العثمانية ، وكانت الدولة الانجليزية قد احتلت " بغداد " ، وهي تتقدم نحو ولاية " شهرزور " القديمة ، او ولاية الموصل ، وكانت قد عسكرت في منطقة " جلولاء " ، أعلن الشيخ محمود نفسه استقلال كردستان ، ونصب نفسه ملكا عليها قام 1919 م ، ولقب نفسه " ملك كردستان " فأراد " علي أحسان باشا " قائد القوات العثمانية ،ووالي ولاية الموصل الاعتراف بحكومته ، لكي يبقى بجانب الدولة العثمانية ، وأوفدت الدولة الانجليزية اليه وفدا تدعوه للانحياز الى جانب الدولة الانجليزية المحتلة ، ولكنه رفض قبول دخول القوات الانجليزية الى المناطق الجبلية من كردستان . فسيرت الدولة الانجليزية فيالق مجهزة بالطائرات والمدرعات لمحاربته ، فجرت معارك دموية بين قوات العشائر الكردية وبين الجيش الانجليزي الذي أصيب بخسائر فادحة في الأرواح والأموال في " دربند بازيان " ، ولكن عشيرة " هماوند " خانت تحت سيادة رئيسها " مشير آغا هموندي "
فتمكنت القوات الانجليزية بدلالته من اجتياز شعاب في الجبل والالتفاف من الخلف حول القوات الكردية ، فجرح الشيخ محمود واستشهد الكثيرون ، فأسر الشيخ وهو جريح باشارة من " مشير هماوندي الجاش " ، وألقي القبض عليه وسيق إلى بغداد حيث حكمت عليه المحكمة البريطانية بالإعدام ثم خففت الحكم إلى عشر سنوات مع غرامة قدرها عشرة آلاف روبية، ثم قامت بنفيه إلى الهند حيث مكث في مدينة بومباي سنتين ونصف
ثم أدت الثورات الكردية والاضطرابات الدموية الى اقلاق الانجليز ، فاضطرت الى اعادة الشيخ محمود الى السليمانية ، وتنصيبه ملكا على كردستان .فاستمر في تولي سلطة البلاد حتى سنة " 1936 م " بفترات متقطعة ، حيث استطاعت الدولة الانجليزية التفاهم مع الدولة التركية ، حول ولاية الموصل ، فألفت الدولة الكردية وألحقت كردستان بالمملكة العراقية ، فاستبدلت معاهدة " سيفر " التي فرضت عصبة الأمم بموجبها على الدولتين الانجليزية والتركية منح الاكراد الحكم الذاتي ، بمعاهدة " لوزان " التي حرمت الأكراد من الاستقلال ، والحق الشرعي ، ولكن الشيخ محمود أبى الا ان يواصل النضال والثورة ، والتصادم مع قوات الدولة الانجليزية والعراقية مرارا .. وهكذا أدت افكاره السياسية الى أن تنشأ بين الاكراد حركات ثورية ، وينضج شبان واعون ، يتمسكون بحق شعبهم في الحياة
وقد حققت حكومته مكاسب هامة فجعلت اللغة الكردية لغة رسمية ورفعت العلم الكردي، وأصدرت أول طابع لكردستان وأصدرت مجموعة صحف منها((بانكي كردستان))و((روزى كردستان))و((بانكي حق))و((أوميدي استقلال)) ولكن الحكومة البريطانية عادت وتنكرت لوعودها للشيخ محمود فأعلن نفسه ملكا على كردستان في تشرين الثاني1922م وأرسل إلى القنصل السوفياتي في أذربيجان يطلب مساعدته والإعتراف بحقوق الكرد القومية وقامت القوات البريطانية بمهاجمة السليمانية إبتداء من عام1923م وفي تموز1924م إضطر إلى ترك السليمانية حيث إلتجأ إلى شهربازار وخاض حرب الأنصار حتى عام1927م ضد القوات العراقية والبريطانية ثم تفاوض مع الإنكليز الذين قاموا بنفيه إلى إيران فعاش فيها حتى أيار1930م
وعندما إندلعت إنتفاضة 6أيار1930م في السليمانية عاد إليها، وتزعم الثورة ضد الإنكليز وقد استمرت ثورته حتى أيار1931م وبعد القضاء على الثورة تم مصادرة ممتلكاته ...
ونفيه إلى جنوب العراق حيث أمضى حوالي عشر سنوات في المنفى متنقلا بين الناصرية و السماوة وعانة وبغداد وفي 11أيار1941م هرب من بغداد إلى كردستان وعاد إلى حمل راية الثورة مطالبا بالحكم الذاتي لكردستان ولم يلق سلاحه حتى وافقت حكومة بغداد على بقاءه في كردستان شريطة أن يقيم في قرية((دارى كه لى))
وقد ذكره ألطبيب ألانكليزي ( سندرسن باشا ) طبيب ألعائلة ألمالكة بأن ألشيخ محمود ألحفيد كان مصاب برصاصة في ظهره نتيجة معاركه ألطويلة وقد أستقرت قرب عموده ألفقري وبعد معاينته من قبل ألطبيب سندرسن نصحه ألطبيب بغض ألنظر عن أجراء أية عملية جراحية لخطورة موقع أصابتها وهنا رد عليه ألشيخ محمود ألحفيد قائلاَ :هذه ألرصاصة أنكليزية منكم وأنتم ألانكليز أذا مادخلتم مكان ....حتى ألشيطان لا يستطع أن يخرجكم منه!!.
تمثال للشيخ محمود في عاصمة اقليم كوردستان / أربيل
وقد سألت يوماَ جدي لوالدتي رحمه الله عالم الدين الشيخ ( أحمد طه محمد علي الكويي ) أمام و خطيب جامع ألحدباء في مدينة الموصل عمن ألتقى في حياته من شخصيات وخصوصاً انه كان احد المؤسسين لحزب هيوا في اربعينات القرن الماضي في الموصل مع ( صبغة الله امين المزوري ) و( شمس الدين سيد خان ) و ( عبدالله عمر الزيباري ) و( اسعد شاهين ) و ( وفيق سعيد ملا عبدالرحمن ) وقد كانت تجمعه علاقة قوية مع الملا مصطفى البرازني عندما كان يسكن الموصل منفياً في محلة سوق الشعارين بالموصل وكانوا يلتقيان يومياَ بعد انتهاء الصلاة.... يذكر جدي رحمه الله انه كان من المستقبلين للملا مصطفى البارازني رحمه الله عندما قدم من روسيا للعراق عن طريق البصرة ..توجه أعيان البلد يومها لأستقبال البارازني رحمه الله وقد ظهرت صورة جدي على الصفحة الاولى للجرائد يومها وتحتها عنوان ( ملا و ملا ) وعند عودته سُجن جدي بسبب ذلك الاستقبال
أردت من جدي أن يحدثني عن هذا الرجل العظيم ....قال لي هو ملك كردستان ....أثارت ألكلمة فضولي وطلبت منه أن يحكي لي عنه بالتفصيل الممل فقال هو زعيم كرد ذو نسب عريق ويعتبر رجل دين أكثر من سياسي لجهله فنون المراوغة المتعارف عليها عند السياسيين .. التقاه عندما كان شاباً وقد تخْرج تواً من كلية الشريعة وتم تعيينه في المناطق الشمالية كخطيب وأمام في جوامع السليمانية
يقول جلست قرب الشيخ محمود الحفيد ولرهبة اللحظة لم أستطع سوى محادثته ببعض كلمات ..
وسألت جدي رحمه ألله عن المقولة الشهيرة بأنه اضاع دولة بمنديل حيث رفض مصافحة الانكليز ووضع منديل على يده عندما مد يده المفاوض الانكليزي لمصافحته فتعجب الانكليزي وسأل المترجم عن تفسيرها فقال له المترجم ان الشيخ يتنجس منكم .. وهكذا اضمروا له الحقد ولم يصدقوا معه بوعدهم .
ألاستاذ سيروان ياملكي
وسألت بعدها كثيرين عن هذه ألحادثة فأكدوها ومنهم ألاستاذ ألشاعر
وألموسيقي سيروان ياملكي ألمقيم في كندا وهو أبن مدينة ألسليمانية وسليل نسب عشائري معروف الذي قال والعهدة على من روى لنا الحادثة ان كانت صدقا ام نسجا من الخيال.
وفي عام1956م مرض الشيخ محمود وسافر إلى بغداد للعلاج، وقد توفي ليلة الثلاثاء الموافق 9 تشرين الأول1956م في مشفى الحيدري عن عمر ناهز السادسة و السبعين ونقل جثمانه إلى السليمانية حيث شيعته المدينة برمتها و دفن في مسقط رأسه بموكب مهيب فهرع الناس الى بيته والتفوا حول جنازته وسارت مظاهرات أدت الى مقتل 36 شخصا ، واصابة نعشه المحمول على ألاكف بطلقات الشرطة
رحم ألله ألشيخ ألثائر محمود ألحفيد لتاريخه ألنضالي ألمشرف وتضحياته ألتي تزامنت مع سنين حياته ألتي كتُبت عليه أن يتغرب خارج وطنه وداخله ويسكن ألجبال ويلاوي ألموت كل لحظة من أجل عقيدة أمن بها وسط ألرصاص ألذي لم يفارقه في حياتهِ و مماتهِ ... ولم يسلم منه حتى نعشه
558 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع