رمضانيات ...من طرائف ايام زمان

              

خضير ياس (أبو ياس) كبير مهندسي الصوت في الإذاعة العراقية موظف تقليدي جداً، ملتزم بدقائق العمل الصغيرة إلى أبعد الحدود.

يمتنع عن الكلام وعن رد السلام طيلة فترة مناوبته في إدارة البث. يقف مستنفراً كل حواسه وطاقاته، يراقب المهندسين الآخرين لكي يتأكد من سلامة أدائهم وحسن إدارتهم للأجهزة التي كان يُعزها كثيراً ويعتني بها كما يعتني بأولاده. ولأنه على هذه الدرجة من الدقة والحرص والأمانة، فقد كان وحده الذي وقع عليه اختيار المسؤولين لكي يتولى مسؤولية ضبط ساعة الإذاعة الخشبية الضخمة، وضبط مواعيد الأذان والأخبار. وطيلة شهر رمضان كانت ساعة أبو ياس هي المعتمدة الشرعية الوحيدة لضبط أوقات السحور والإمساك والإفطار. وقد جرت العادة على إذاعة تسجيل صوتي لإطلاقات مدفع الإفطار وأذان المغرب، كل يوم في وقت الإفطار، دون الحاجة إلى الانتقال إلى القصر لنقل مدفع الإفطار الحقيقي والأذان الحي.

  

فكان أبو ياس يضبط ساعته يوميا على ساعة لندن كل صباح، لأن إذاعة لندن كانت لاتسمع بوضوح إلا في الليل وأول الصباح فقط، ثم يضبط وقت مدفع الإفطار والأذان. وذات يوم، ولسوء الحظ كان أبو ياس قد نسي أن يطابق توقيت ساعته مع توقيت إذاعة لندن في الصباح. ومع استحالة سماع إذاعة لندن في عزالنهار لتصحيح التوقيت، أصبح من المتعذر جداً أن يتمكن أبو ياس من تحديد موعد الإفطار. بذل محاولات عديدة مع وكالة الأنباء العراقية لإنقاذه بالتقاط إذاعة لندن عبر أجهزة اتصالاتها المتطورة، لكن دون جدوى. ولم يعد أمامه سوى الوقوف عند مدخل الإذاعة الرئيسي، ويده على أذنه، محاولا تركيز سمعه كله في اتجاه القصر القريب من الإذاعة، حيث يُطلق مدفع إفطار حقيقي ويُرفع الأذان.وكان قد اتفق مع أحد مهندسيه على أن يقف في مدخل بهو غرفة البث، داخل المبنى، ليستلم منه الإشارة، فينقلها بدوره إلى زميله المهندس الثاني المكلف بتشغيل الشريط الذي يحتوي على صوت المدفع والأذان. كان أبو ياس في تلك الدقائق الحاسمة متوتراً إلى آخر نفس.وكان المشاكسون من زملائه يحاولون إشغاله بالسلام عليه أو بسؤاله عن أمر من الأمور، لكنه لم يكن يرد على أحد، بل يومئ بيده بعصبية، طالباً منهم السكوت والانصراف، محاولاً إفهامهم بأهمية المهمة التي يقوم بها. وفجأة رفع أبو ياس يده بالإشارة المُتفق عليها وصاح على المهندس الوسيط:اضرب!!.
ثم أعطى الوسيط إشارته لزميله الآخر الذي أدار شريط التسجيل لمدفع الإفطار وأذان المغرب. ولم تمر دقائق حتى اتصل موظف من القصر غاضباً سائلاً: عن (الحيوان) الذي أطلق مدفع الإفطار قبل موعده الصحيح؟؟؟.

لطم أبو ياس على رأسه، وصرخ بحرقة:لقد تيتمت يا ياس، يتمتك يا ياس. ( ياس هو إبنه) وبعد التحقق تبين أن أبو ياس لم يسمع مدفع القصر، بل سمع انفجار إطار سيارة كانت تمر بالساحة المجاورة لمبنى الإذاعة !!!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1265 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع