د. مؤيد عبد الستار
فرضت الاحداث الاخيرة في العراق نشـوء واقع جديد على الارض ، ومن أجل تجنب الخسائر والاخطار الكبيرة التي تحيق بشعبنا ووطننا ، لا بد من البحث عن حلول عملية تنقذ ما يمكن انقاذه .
فالمحرقة التي تعدها قوى الارهاب العالمي ، المتمثلة بذراعها الاجرامي الذي يحمل اسم داعش ، بعد ان كان قد حمل اسم البعث طوال خمسة عقود حكم فيها العراق بالحديد والنار، لم يتوانى عن استعمال الاسلحة الكيمياوية والجرثومية ضد المواطنين الابرياء ، اضافة الى المقابر الجماعية وغيرها من وسائل القتل والتعذيب التي مارسها باشد الطرق تخلفا وهمجية ، هذه المحرقة تستعد لحرق الاخضر واليابس في بلاد الرافدين ما لم نتدارك الامر ونصل الى اتفاقات الحد الادني بين مختلف ابناء شعبنا سواء القومية او الدينية ، فالتنوع الذي اصبح ظاهرة مرضية في العراق بالامكان تحويله الى ظاهرة صحية اذا استطعنا التعامل الواقعي مع الاخر ومنحنا لكل ذي حق حقه واعترف الجميع بانهم متساوون في الحقوق والواجبات ولا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى .
اولى المشاكل التي يجب حلها هي العلاقة بين العرب والكرد في العراق ، والمشكلة الثانية العلاقة بين الشيعة والسنة ، والمشكلة الثالثة الادهى هي العلاقة بين الاديان المختلفة في العراق .
الكونفدرالية العربية الكردية
لا بد من الاخذ بمبدأ الكونفدرالية بين العرب والكرد ، لكي يصبح العراق دولة كونفدرالية عربية كردية ، لكل كونفدرالية جهاز اداري متكامل يرأسها رئيس كونفدرالية له صلاحيات تقرب من صلاحيات رئيس دولة ، ورئيس للوزراء ومجلس وزاري واخر نيابي كامل ، وتكون العلاقات بين الكونفدراليتين العربية والكردية علاقة مماثلة للفدرالية المعروفة في بلجيكا ، فما يميز بلجيكا بانها فيدرالية تشبه الكونفدرالية ، واقتبس هذا التوضيح من موسوعة الويكبيديا :
{ ان الدولة البلجيكية تحتوي بعض مكونات الكونفدرالية، الباحث سي إي لاجاس يقول عن الاتفاقيات ما بين المناطق والمحافظات البلجيكيه " اننا في نظام سياسي اقرب مايكون إلى الكنفدرالية". ويقول رئيس مركز البحوث الاجتماعية السياسية، فينسينت دوكوربيتر، في مقالة في صحيفة لو سوار اليومية "إن بلجيكا فيدرالية بدون أدنى شك، لكن فيها مواصفات الكنفدرالية". ويقول مايكل كويفي البروفيسور في جامعة لوفين الكاثوليكية أيضا في صحيفة لو سوار "ان النظام السياسي البلجيكي يتحرك بديناميكية كنفدرالية"}
وبهذا فان النظام الفيدرالي يستطيع احتواء المواصفات الكونفدرالية ، وارى ان مثل هذا النظام هو المفيد للوضع الحالي للعراق .
ثانيا : العلاقة بين العرب السنة والعرب الشيعة
لاشك ان الانتماء القومي لم يعد كافيا لتوحيد المجاميع البشرية التي تجمعها روابط اخرى اقوى من الروابط العنصرية ، مثل رابطة الدين والايمان والمعتقدات والشعائر ، فان المعتقدات والشعائر الدينية التي يؤمن بها العرب السنة تختلف كثيرا عن المعتقدات والشعائر التي يؤمن بها ويمارسها العرب الشيعة في العراق ، وقد تبلورت تلك الشعائر والمعتقدات خلال سيرورة زمنية طويلة تجاوزت الالف عام ، لذلك اصبحت كيانا قائما بذاته ، له مقوماته وطرقه ومذاهبه التي تضعه في قالب متماسك قوي يصعب اختراقه من قبل الاخر لتعديله او لتغييره او لالغائه من الوجود الذي تجذر في المجتمع ، رغم الحلول الترقيعية من قبيل اداء الاذان مرة على المذهب السني واخرى على المذهب الشيعي.
لذلك يجب التفكير بوضع حل لهذه المعضلة ، وارى ان حل الكونفدرالية العربية : السنية / الشيعية هو الحل الامثل في الوقت الحالي على ان تنشأ هذه الكونفدراليات حسب الاصول القانونية والدولية وبضمانة الامم المتحدة وبمشاركة المعتدلين ممن يحرصون على السلم والامن في العراق كامة مختلفة الاصول والمشارب والاديان والمذاهب .
ولان مثل هذا الحل لا يمكن ان يحسم الامور خلال يوم وليلة ، لذلك يجب على الجميع التحلي بالصبر لتطبيقه بافضل الصور الممكنة التي تضمن الحقوق للجميع ، وان تضمن السلم والامن والرفاه في تقاسم الثروة حسب احصاء تقوم به هيئة مختصة تؤلف لهذا الغرض وباشراف الامم المتحدة ، ليكون الاحصاء دقيقا ومعتمدا في المستقبل لمعالجة المشاكل التي ظل شعبنا ووطننا يعاني منها بسبب التقاعس في معالجة المشاكل بشكل علمي وصريح وجرئ .
العلاقة بين الديانات المختلفة
بسبب تنوع الديانات والمذاهب في العراق ، لا يمكن الاعتماد على احد الاديان فقط وترك بقية الاديان في غياهب التجاهل ، لذلك فافضل طريقة للحكم في العراق هي النظام العلماني الذي لايعتمد على دين معين ، وهي تجربة توصلت اليها اوربا بعد صراعات وحروب دينية كثيرة ، وما زالت اثار تلك الصراعات الدموية موجودة في اوربا حتى اليوم – مثال ايرلندا ما زال شاهدا على ذلك – و النظام الذي يفصل الدين عن الدولة هو النظام الملائم للعراق بسبب تنوع اديانه ومذاهبه، علما ان العلمانية لاتعني الكفر والالحاد كما يحاول ان يشيع اتباع المذاهب المتطرفة في جميع الاديان خوفا على مصالحهم التي تعتاش على الفرقة والاحتراب بين الطوائف والمذاهب والاديان .
ملاحظة اخيرة
التهديد الذي تمثله العصابات المتطرفة التي وجدت في بلاد الرافدين فرصة ذهبية لاختراق المجتمع المقسم الى طوائف واديان ، واستفادت من الشعور بالهزيمة الذي لازم المكون السني بعد سقوط النظام الصدامي ، وترسيخ التصور بان النظام الصدامي يمثل السنة وبفقدانه فقدوا الحكم ، وهو ما تلعب عليه العصابات المتطرفة التي لا تعنيها المذاهب وانما جل اعمالها الاجرامية مبرمجة من وراء الحدود خدمة لاهداف اقليمية محددة ، تعمل على شرذمة المجتمع العراقي والاستفراد بالقوميات والطوائف منفردة لكي تبسط عليها هيمنتها ، فالطوائف والقوميات الوحيدة سهلة القياد ويسهل تسخيرها لخدمة اهداف اقليمية محددة. لذلك على جميع القوميات والطوائف والمذاهب والاديان الاتفاق على حربها مع العصابات القادمة من وراء الحدود ووضع الحلول المناسبة للمشاكل الداخلية وبذلك تستطيع بلاد الرافدين النجاة من الانشوطة الداعشية التي تكاد تطبق على خناق البلاد .
776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع