د. منار الشوربجي
يستعد مجلس النواب الأمريكي التصويت بالأغلبية لصالح رفع دعوى أمام القضاء تتهم أوباما لاتهامه بانتهاك الدستور الأمريكي.
فقد وافقت اللجنة المعنية بالمجلس، بواقع 7: 4، على اللجوء للقضاء وحولت الأمر للمجلس ككل للبت فيه. واللجنة المعنية هي لجنة القواعد، والأعضاء السبعة الذين وافقوا كلهم من الجمهوريين بينما الأربعة الذين رفضوا كلهم من الديمقراطيين. أما مجلس النواب ككل، فالأغلبية فيه للحزب الجمهوري.
ولأن المجلس يعمل وفق قاعدة الأغلبية البسيطة، فالمؤكد أن تتم الموافقة على اللجوء للقضاء حال عرض الموضوع وذلك عبر موافقة كل الجمهوريين ورفض كل الديمقراطيين، تماما كما حدث في لجنة القواعد.
والاتهام الموجه لأوباما في الدعوى التي سترفع للقضاء هو أنه انتهك الدستور الأمريكي، »حينما لم يطبق قانون الرعاية الصحية الذي أصدره الكونجرس ووقعه هو كرئيس للبلاد«. والمقصود من ذلك، أن الكونجرس منوط به دستوريا كتابة القوانين والرئيس منوط به تنفيذها كما كتبت، دون تغيير مضمونها.
لكن الرئيس أتى ببعض التغييرات عند التنفيذ وهو ما أثار حفيظة الجمهوريين. ويقول رئيس لجنة القواعد، بيت سيشينز، تفسيرا لموافقة اللجنة على رفع الدعوى أن »الدستور الذي أقسمنا على احترامه ينص على الفصل بين مؤسسات الحكومة الفيدرالية لئلا تجور أحداها على حريات الشعب الأمريكي. لكن الرئيس تجاهل متطلبات الدستور«.
ثم أضاف سيشينز لموضوع الرعاية الصحية قائمة من القضايا التي اعتبر أن أوباما انتهك فيها الدستور عبر توسعه في صلاحياته كرئيس أو إقدامه على إجراءات دون علم الكونجرس مثل نقل سجناء طالبان من جوانتانامو، واتخاذ قرارات بشأن قضية الهجرة دون التعاون مع الكونجرس بشأن كل منها.
والحقيقة أن قضايا من النوع الذي طرح كمبرر لرفع الدعوى هي في العادة محور الصراع بين الرئيس والكونجرس في الولايات المتحدة وتلك هي القاعدة لا الاستثناء. فكل من الطرفين حريص على صلاحياته ويخشى افتئات الطرف الثانى عليها. إلا أن اللجوء للقضاء في تلك الحالات يكون نادرا ولا يحدث إلا في حالات استثنائية وكثيرا ما كان القضاء يرد الأمر مرة ثانية للمؤسستين، باعتبار أن تلك قضايا سياسية تحلها المؤسستان بينهما لا يحلها القضاء نيابة عنهما.
وعادة ما تستغرق تلك القضايا سنوات في المحاكم الفيدرالية حتى تحسم، الأمر الذي يبدو معه أن السبب في تمسك قيادات الجمهوريين باللجوء للقضاء سياسى وانتخابى وليس دستوريا على الإطلاق. فإصرار رئيس مجلس النواب جون بينر على اللجوء للقضاء ربما يرجع لرغبة القيادات في إرضاء قاعدة الحزب التي ترغب في اتخاذ إجراءات أكثر راديكالية تمثل خطورة كبيرة على مستقبل الحزب الجمهوري، ولا تريد تلك القيادات اللجوء لها مطلقا وهي إجراءات عزل أوباما من منصبه.
فالحزب الجمهوري يعاني صراعا داخليا مريرا بين قواعده ونخبته. فتيار حفل الشاي واليمين الديني صارا أكثر نفوذا داخل الحزب ومن ثم صارت قواعد الحزب أكثر راديكالية ويمينية من أي وقت مضى، وهي تدفع بالحزب لمواقف باتت طاردة للأقليات وللمرأة والشباب ولم يعد الحزب في خطابه يعبر سوى عن الرجل الأبيض، الأمر الذي دفع معه الحزب ثمنا باهظا، حيث خسر مقعد الرئاسة مرتين متتاليتين. أما نخبة الحزب، الأقل راديكالية التي تعي جيدا حجم الخسارة، فإنها تدرك الشعبية الكبيرة التي تحظى بها فكرة عزل أوباما في أوساط الراديكاليين في الحزب.
ولكنها تدرك في الوقت نفسه كما توضح كافة استطلاعات الرأي العام الأمريكي أن ثلثي الأمريكيين يرفضون عزل الرئيس حتى لو كانوا من غير الراضين عن أدائه. وبالتالي تأتي فكرة رفع دعوى لإرضاء الراديكاليين دون اللجوء إلى عزل الرئيس.
الطريف في الأمر أن الديمقراطيين يتمنون أن يقدم الجمهوريون على اتخاذ إجراءات لعزل أوباما، لدرجة أن دان فيفر، أحد مستشاري أوباما، قال إنه بعد أن قرأ استطلاعا للرأي يقول إن »عددا مذهلا من الجمهوريين يرغبون في عزل الرئيس... والأمر يؤخذ في البيت الأبيض بمنتهى الجدية«.. ومن يقرأ ما قاله فيفر كاملا يشعر وكأن الرجل يتمنى أن يفعل الجمهوريون ذلك فعلا لأن فيه خسارة لهم. الأطراف من ذلك أن قيادات الحزب الجمهوري ردت بغضب نافية أية نية من جانبها لعزل الرئيس!
الأخطر من هذا كله، هو أن قضية عزل الرئيس وفق الدستور الأمريكي لا علاقة لها إطلاقا بأي مما طرحه الجمهوريون. فالدستور ينص على أن يعزل الرئيس في حالات ثلاث هي الخيانة والجرائم العظمى والصغرى. أما أن يتخذ الرئيس قرارات ليست على هواك أو أن تكون غير راض عن الرئيس فتلك مسألة لا تستوجب عزل الرئيس.
وكذلك الحال بالنسبة لابتلاع الرئيس لصلاحيات الكونجرس، أو العكس. فتلك مسألة تحكمها عادة موازين القوى بين الاثنين، وتتأثر بعوامل كثيرة، منها ما إذا كانت البلاد تمر بأزمة خارجية أو حرب، ومنها ما إذا كانت المؤسستان تنتميان للحزب نفسه، ومنها الوضع الاقتصادي في البلاد. ففي بعض الأحيان نكون إزاء توسع للكونجرس في صلاحياته على حساب الرئاسة فيما يعرف »بحكم الكونجرس« وأحيانا ما نكون إزاء توسع للرئاسة في صلاحياتها على حساب الكونجرس فيما يسمى »بالرئاسة الامبراطورية«، وظاهرة الرئاسة الامبراطورية بدأت بالفعل في عهد بوش الابن ومارسها أوباما من بعده بالطريقة نفسها، فلا يلوم الجمهوريون سوى أنفسهم حين سكتوا عنها أثناء حكم بوش!
628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع