تعريب عادل حبه
قضية مؤلمة لا يُراد لها أن تُفضح
من كتاب " المال ، القيمة والمعيار الوحيد للقيم"
الكاتب الإيراني الساخر فريدون تنكابني*
الكاتب فريدون تنكابني
التقى عدد من الشباب المثقف ممن انتابتهم حمى جمع المال لكي يبحثوا في أسرع السبل للتحول إلى أثرياء، هذا على الرغم من أنهم كانوا قبلئذ يكنون كراهية شديدة للمال، هذه الوسيلة الجهنمية الوسخةالتي يتجنبون التلوث بها. ولكنهم أجبروا الآن على اللهاث وراء هذه الوسيلة بذريعة أنهم أصبحوا "مسؤولين عن عائلة وأطفال" وعليهم أن يفكروا بمصير "أولادهم وزوجاتهم". في الحقيقة إننا وبدون شك ليس لدينا اعتراض على هذه الذريعة والحجة التي تلزم الكثير من المعترضين على الالتزام بالصمت أزائها في غالب الأحيان.
بعد أن التئم الجمع، بدء الحاضرون بتقديم مقترحاتهم. وكان أول من خاطب الحضور المضيّف بالقول:
-إن الهدف من الاجتماع هو العثور على أقرب وأفضل الطرق للثراء. وإنني شخصياً اقترح تأسيس شركة لنقل المسافرين.
-ما هذا الكلام؟؟؟....إننا لسنا بكسبة ولا تجار. فهدفنا هو تحقيق مشروع ينطوي على جانب معنوي بالدرجة الأولى، ثم يليه الجانب المادي. إن تأسيس شركة لنقل المسافرين لا ينطوي على أي جانب معنوي.
-إنني أقترح إنشاء مكتبة لبيع الكتب ودار للنشر.
-يا سيدي!!!...هل سندخل في تنافس مع من يتصدر هذه المهنة؟. إننا أكثر ثقافة منهم، ولذا علينا أن نحتل في سوق العمل مكانة أرقى منهم. ويضاف إلى ذلك، فقد ارتفع في هذه الأيام عدد العاملين في هذا الميدان، وتضاعفت أسعار الورق، وتأخرت لجان الرقابة في إصدار موافقتها على نشر الكتب. كما ينتاب أعضاء هذه اللجان الهواجس والوساوس، وأضحوا أكثر بحثاً عن الذرائع والحجج لمنع نشر الكتب. ولهم الحق في ذلك، فكل واحد منهم يحتاج إلى موارد إضافية لأنهم مسؤولين عن عوائل وأطفال ينبغي توفير لقمة العيش لهم، ولديهم سيارات من نوع مرسيدس بنز 220 عليهم أن يملؤا خزاناتها بالبنزين المحسن. إننا لو بعنا الكتاب بعشر تومانات واستفدنا ست تومانات فقط فهل يعد ذلك ربحاً أو مشروعاً مربحاً؟....في هذه الحالة نصبح كمن يبيع عدداً من الكتب ويجمع القطرات بأمل أن تتحول إلى بحر!!. إنها أشبه بالشحاذة. نحن لا نبحث عن القطرات، بل نريد الحصول على البحار في دفعة واحدة.
-ما رأيكم بتأسيس مشروع تعليمي يضم دوراً للحضانة ومدارس ابتدائية ومتوسطة، كما نفتتح دورات نهارية ومسائية للتقوية؟.
-هيه؟!!!... يبدو الآن إن كل من يزعل على أمه...يسعى إلى تأسيس مشروع تعليمي. إن العمل في مجال العلم والثقافة قد أصابه الكساد.
-ما رأيم ببناء فندق؟
-ماذا تقترح سيدنا؟؟.... إلى أين وليت وجهك؟. من يجرأ على توظيف رأسماله في عمل وقتي وغير مضمون.
-حسناً، ما رأيكم في تأسيس مستشفى؟!!
-ياسيدي....أي اقتراح هذا؟؟، فكم عدد الذين يفارقون الحياة جراء السكتة القلبية أو التعرض للدهس أو التسمم الغذائي أو الانتحار في هذه المدينة التي يزيد عدد سكانها على المليونين؟. فإذا ما تجاوزنا هذه الأعداد، فهناك نسبة من المرضى يغادرون إلى الدول الغربية للعلاج، ويتجه آخرون إلى المقابر مباشرة لدفنهم دون انتظار علاجهم. ولذا فليس هناك مصلحة في إنشاء مستشفيات إضافية. ويضاف إلى كل ذلك مشكلة الممرضات اللاتي لا يمكن اعتبارهن من فئة المثقفات، فهن لا يفقهن الجوانب المعنوية، و لا يقبلن براتب يقل عن أربعة آلاف تومان!!.
-وجدتها! أي والله وجدتها!!، لنقم بتأسيس مصرف!
-يا...سيد!! تمهل..... تفضل وأشرح لنا الجانب المعنوي في تأسيس المصرف؟.
-به...به!! إذا كان المصرف لا يتمتع بجانب معنوي، فأي مؤسسة تتمتع بهذا الجانب؟. إن المصرف هو الذي يسعى إلى ازدهار الاقتصاد ودوران عجلة الصناعة وسعادة كل فرد في المجتمع عن طريق توزيع الجوائز الكبيرة والصغيرة وتشجيع المواطنين على خلق أجواء عائلية دافئة عن طريق اللجوء إلى الأقساط.
-يا سيدي..لقد شبع الشعب من كثرة المصارف. إننا لو تحدثنا بلغة الأرقام لوجدنا أن هناك مقابل كل فرد ثلاث إلى أربع فروع مصرفية وثماني شعب، كما لم يستلم الفوائد إلاّ 12% من الناس، ولم يودع منهم من جديد إلاّ 5%. فهل ذلك مشروع يدر الأرباح؟.
-لقد عثرت على شىء لم يعثر أرخميدس على مثيل له! ما بالك في تأسيس جامعة أهلية أو معهد عالي؟، هل يوحد مرفق معنوي أكثر رقياً من ذلك؟، هذا الجانب المعنوي الذي تتجاوز قيمته ملايين التومانات.
واتفق الحضور على تأسيس هذه الجامعة الأهلية. وفي أول اجتماع للهيئة العامة، توجه أحد أعضاء الهيئة المؤسسة بخطاب إلى الطلبة قال فيها:
-طلبتنا الأعزاء! إن مؤسستنا ليست مشروعاً انتفاعياً، بل وجدت لخدمتكم ومتعلقة بكم. إننا سنحرص على تقبل كل مقترحاتكم وانتقاداتكم.
قام أحد الطلبة ووجّه كلامه إلى رئيس الجلسة دون أن ينتظر موافقته وقال:
أيها الأب العزيز، إن اقتراحي هو التالي: إننا سندفع لكم مبلغ عشرة آلاف تومان نقداً على أن تزودوننا الآن بشهادة الليسانس، وذلك من أجل أن نوفر عليكم أربعة سنوات من الجهد الثمين الضائع، ولكي تتجنبوا هذا الهدر في وقتكم الثمين.
***********
النتيجة الأخلاقية: من أين تعلمت الأدب؟...من فاقدي الأدب!!!.
ملحوظة: النتيجة الأخلاقية لهذه القضية هي أن الطالب تفوّه بعبارات غير مؤدبة.
------
* ولد فريدون تنكابني في مدينة طهران عام 1937 من عائلة مثقفة. فقد عمل الوالد في سلك التعليم وأصبح مدرساً ومديراً لأحد المدارس المتوسطة في طهران، كما عملت الوالدة في سلكالتعليم أيضاً. وقد عمل هو الآخر مدرساً للغة والأدب الفارسي بعد أن تخرج من الجامعة. نشر أول قصة رومانسية له تحت عنوان " رجل في قفص" في عام 1961. وبعد ذلك ساهم في نشر مؤلفاته في النشريات الأدبية الإيرانية، وكانت نتاجاته تميل بشكل ملحوظ إلى الأدب الساخر. في عام 1969، شارك مع عدد من الكتاب والمبدعين الإيرانيين بتأسيس "رابطة الكتاب الإيرانيين"، التي أخذت على عاتقها أيضاً مهمة الدفاع عن حرية الفكر والتعبير. وفي نفس السنة أعتقل من قبل جهاز الساواك إثر نشره كتاب " ملاحظات من المدينة المزدحمة "، التي أحتوت على مقاطع انتقادية لنظام الشاه. لقد التقيت به بعد اعتقاله عام 1969 في سجن قصر في طهران مع عدد من الكتاب المعتقلين الذين بادروا إلى الدفاع عنه وأصدروا بياناً يطالبون فيه بإطلاق سراحه، وكان منهم الروائي الإيراني المعروف به آذين (محمود اعتماد زاده).
بعد ثورة عام 1979، شارك فريدون تنكابني بنشاط في " مجلس الكتاب والفنانين الإيرانيين"، وهي منظمة نشط فيها كتاب وروائيون منتمون أو متعاطفون مع حزب توده إيران. ومع الهجوم والقمع وحملات الإعدام الجماعية التي مارستها السلطة الدينية المتطرفة في عام 1983 ضد جميع القوى الوطنية واليسارية والديمقراطية الإيرانية، إضطر فريدون تنكابني إلى التواري والاختفاء والهرب من البلاد في أواخر السنة نفسها، حيث أمكنه الوصول سراً إلى ألمانيا. ومازال يعيش في هذا المنفى في مدينة كولون لحد الآن.
نشر الكاتب في الفترة بين عام 1961 و عام 1980 حوالي 18 مؤلفاً يتمحور حول الأدب السياسي الساخر ومن أشهرها " ملاحظات من المدينة المزدحمة " و "نجوم ليلة مظلمة" و "عقم الحزن"۰ ع.ح.
822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع