مما لفت نظري، أو بالأحرى مسامعي، في الراديو والتلفزيون البريطاني، أن النساء المشاركات في البرنامج أو المقابلة، كثيرا ما يقهقهن بسبب أو من دون أي سبب، وحتى في البرامج العلمية الجادة. قلما يفعل الرجال ذلك.
كثيرا ما أزعجتني قهقهاتهن فدفعتني للتفكير في هذه الظاهرة. خطر لي أن بعض الفتيات الخجولات يتضاحكن بسبب خجلهن وتوتر أعصابهن. ولكن لماذا حتى في برنامج إذاعي نسائي بريء كالطبخ مثلا لا داعي للخجل فيه؟
من الثابت علميا أن الضحك كثيرا ما يرتبط بالجنس؛ فكلاهما يفرزان مادة الاندورفين المخدرة التي تساعد على التغلب على الألم وتقوي المناعة ضد الأمراض كالزكام، وتحرك صاحبها أو صاحبتها للممارسة الجنسية. ولكن هذا لا يجيب عن سؤالي. فلماذا لا يضحك الرجال بنفس القوة كما تفعل المرأة؟
بالطبع إنني أتكلم عن المرأة الغربية، فالنساء العربيات لا يضحكن بنفس السهولة، فنحن نعتبر الضحك من قلة الأدب، وهكذا قال المعري:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة
فحق لسكان البسيطة أن يبكوا
ويظهر أن العراقيين قد تأثروا بقول المعري وأضافوا اللطم للبكاء. ونحن نستهجن بصورة خاصة المرأة التي تضحك، ونعتبرها مستهترة.
كان الأوروبيون في القرون الوسطى يحرصون مثلنا على تستر المرأة، ولكنهم استعملوا ضحكها وقهقهاتها العالية كعنصر إثارة كوميدية على المسرح. وكتبت مؤلفات كثيرة عن هذه الظاهرة، الضحك النسائي الكوميدي. في هذه الأيام تثير راقصات الكباريه الرجال بالكشف عن سيقانهن. في القرون الوسطى فعلن ذلك بالكشف عن قهقهاتهن. والحقيقة أننا نرى نتفا من ذلك في حكايات «ألف ليلة وليلة».
خطر لي أن ضحك المرأة تمتد جذوره إلى حياة الإنسان البدائي في الغاب. كانت الأنثى تقهقه عاليا لتعلم الذكور بوجودها ومكانها وحاجتها للجنس. وبقيت قهقهات المرأة عبر القرون من عناصر الإثارة. ولكن سيصعب عليّ أن أقول لباحثة عالمية كبيرة طاعنة في السن تتكلم عن الكواكب والنيازك في الفضاء ثم تقهقه: «أرجوك مش عاوزين إثارات جنسية»!
يرى سيغموند فرويد أن الرجال يروون النكات الجنسية للمرأة لإضحاكها تمهيدا لعلاقة حميمية؛ ولهذا تشمئز النساء المحافظات من سماع مثل هذه النكات، ويتحاشين مجالس الرجال الذين يخوضون بمثل هذا الكلام. أتذكر من ذلك تجربة محدودة لاحظتها عند إلقائي محاضرة في بيت السلام بلندن، رويت فيها طرفة تضمنت إشارة جنسية. ما إن رويت ذلك حتى لاحظت مجموعة النساء المحجبات في آخر القاعة ينهضن ويتركن المكان فورا. ويظهر أن للمحجبات في لندن تنظيما سريا، فمن حينها لم أعد أرى سيدة محجبة تحضر لسماع محاضراتي. من يدري، ربما سيتوقفن أيضا عن قراءتي بعد اطلاعهن على هذه المقالة.
793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع