تاريخ كذبة أول نيسان!
نيسان الكذب "ملح" الرجال.. والنساء...
اليوم هو الاول من نيسان الذي اعتدنا فيه تركيب المقالب ببعضنا البعض. على الرغم من خفوت هذه "اللعبة" في السنوات الماضية كما كل التقاليد والشعائر الشعبية والمحلية في زمن التقنية وثورة الاتصالات، لكن تبقى فكرة كذبة أول نيسان حاضرة في ذاكراتنا أفرادا وجماعات. فالكذب على أشكاله لا يتأثر ويتبدل بتغير وتبدل نمط حياة البشر، فكيف لو كان كذبة "بيضاء" من أجل التهويل على شخص او إضحاكه وإضحاك المجموعة؟ سيبقى على الارجح مداوما في التقاليد الاجتماعية طالما احتاج البشر للكذب واقترفوه.
لكذبة "اول نيسان" شروطها بطبيعة الحال، فلا يمكن ان تكون مؤذية او تؤدي الى تأثيرات ونتائج خارج حدود المزاح وحدود النهار نفسه. هي بمعانيها العامة والنفسية تنفيس للبشر عن حاجتهم الى قول ما هو غير حقيقي او غير صادق، فالنفس البشرية مولعة بالكذب ما دفع الاديان جميعها الى النهي عنه، واعتباره من المحرمات كالقتل. والكذب انواع, منه ما يكون عاما" وينتشر بين الناس انتشارا كبيرا ويسمى "الاشاعة"، ومنه الخاص الذي يستخدمه المرء للدفاع عن نفسه او لدفع شرور بشر آخرين عنه او لتحقيق مصلحة ذاتية وخاصة.
الرغبة في الكذب مهما كانت أسبابها النفسية، هي واحدة من رغبات البشر التي تصنف شخصياتهم بأنها منقسمة بين خير وشر، في بعضها يغلب الخير على الشر والعكس في بعضها الآخر. لكن نواهي العلاقات الاجتماعية والعقد الاجتماعي بين البشر يجعل الكذب خطيئة من دون ان يمنعه تماما، فيغلف بطرق مختلفة ومتنوعة بعضها يكشف بسهولة وبعضها الآخر يكون من الصعب إكتشافه. وهذا كلّه يسبب ضغطا نفسيا بشكل من الاشكال في نفوس البشر،إذ يضطرون الى كبت رغبتهم في الكذب كما يكبتون (ليس غالبا) رغباتهم في ممارسة أنواع مختلفة من الشرور. لذا في الاول من نيسان تفتح جريمة الكذب على مصراعيها من دون معاقبة ذاتية ولا إجتماعية بمثابة العيد، وهذا اليوم كان فعلا عيدا" لشعوب كثيرة، يطلقون المكبوت في نفوسهم فيه.
كذبة "اول نيسان" مغفورة. تخرج من اطار الجريمة، ومن اطار الوصايا العشر التي اوصت الاديان بعدم مخالفتها.هذا لا يعني ان الناس يتوقفون عن الكذب في الايام الباقية من السنة، وان حيواتهم وعلاقاتهم يجلوها الصدق ويحصنها. هذه فكرة بعيدة المنال، لكن كذبة ايام السنة الاخرى اذا ما ألحقت ضررا بفرد او جماعة يعاقب مرتكبها بقدر الضرر الذي ألحقه بالغير، اما كذبة الاول من نيسان فإنها تمرر على شاكلة مزحة، او ان ضررها الذي تحدثه يحتسب وكأنه ضرر مسلّ. لنقل انه تواطؤ بشري عام على ان يكون ضرر كذبة الاول من نيسان من غير محاسبة. تواطؤ تفرضه حاجة هؤلاء البشر لاخراج المكنون في دواخلهم. لذا يترك العنان في هذه الحالة للمخيلة كي تصنع مقلبا او كذبة تؤثر في حياة اكبر عدد من الناس، او تؤثر في حياة فرد واحد، فتبدل ما استقر من حياته حتى لو علم ان ما مر معه هو مجرد "كذبة نيسان". فلو قيل لاحدهم ان والده قد توفي، ثم اكتشف ان هذه كذبة اول نيسان، لن تكمل حياته على ما كانت عليه قبل المزحة- الكذبة. واذا قيل لاحدهم انه ربح جائزة "اللوتو" وصدق الامر لعدد من الساعات ثم إكتشف المزحة، فستكون الساعات التي قضاها مصدقا الامر جزءا مختلفا من حياته، وكذا الساعات التي ستخلف اكتشافه انه كان يعيش في الخيال.
في سنوات انخفاض قيمة الليرة اللبنانية اواسط الثمانينيات من القرن المنصرم انتشرت إشاعة بأن مصرف لبنان يشتري الليرة المعدنية بمئة ليرة ورقية، فأفلس مئات التجار من الذين صدقوا هذه المزحة السمجة بعدما أخذوا يبيعون بضائعهم مقابل ليرات "الحجر". وخلال الحروب اللبنانية كذب لبنانيون كثر حول هويتهم الطائفية او السياسية في سبيل النجاة من الموت حين مرورهم على حواجز عسكرية طائفية. وخلال سنوات السلم اطلقت إشاعات كثيرة كاذبة حول مشروع اعادة اعمار بيروت ولبنان من أجل إفشاله وما زالت تطلق حتى اليوم. ويقال ان الكذب ملح الرجال أيضا، به يتمكنون من القبض على قلب إمرأة فيستجلبون عطفها وحبها، وهي تعرف طعم هذا الملح وتستسيغه.
لنذهب بالامر الى مكان أبعد وأعم، ماذا لو قيل للبنانيين أن بلادهم لن تكون رأس حربة المعركة مع إسرائيل بعد اليوم، وبأن لا حروب جديدة ستتكرر فوق أرضهم لانها ستنتقل الى أراض أخرى بعيدة او أن السلام سيعم في منطقتهم. ما الذي سيشعرون به؟ ربما سيصدقون الامر ويتوقفون عن الهجرة والتحشيد والدفع الى كره الآخر… ماذا لو قيل لهم ان الخدمات الاجتماعية التي يستحقونها من طبابة وتعليم وسكن ستكون مجانية او شبه مجانية؟ لا بد سينظرون الى الحياة بشكل مختلف، أي نظرة تفاؤل وأمل وحتى لو إمتد الامر الى ساعات من التخيّل والتمني فقط. وهذا النوع من التخيل والتمني ليس غريبا عن حياة اللبنانيين فهم أكثر من يصدق ما يقوله متوقعو الاحداث من قبيل ميشال حايك عبر شاشات التلفزيون، وهم من متابعي كتب الابراج التي تباع أكثر بكثير من غيرها من الكتب في معارض الكتب اللبنانية. يقال "ان الغريق يتعلق بحبال الهواء". وحبال الهواء كذب لكن الغريق يحتاجها ليتأمل ألا يموت غرقا. واللبنانيون الذين غالبا ما أشعرتهم الظروف انهم غرقى لا بد سيتمسكون بحبال الهواء حتى لو كانت على شاكلة كذبة "أول نيسان".
وعود اللغة والحياة
بحسب منجد اللغة العربية فإن عبارة "كذّب" تعني: "أخبر عن الشيء بخلاف ما هو مع العلم به". اما معنى "مزح" فهو: "دعب وهزل" وتمازحا اي تداعبا". في اي من الخانتين يمكن ان نضع "كذبات" الناس المتبادلة في اول يوم من ايام شهر نيسان، هل هو كذب ام مزح ام كلاهما معا". "كذبة الاول من نيسان" تحمل معنى الكذب والمزاح في الوقت عينه بحسب المنجد، ولكنها ماذا تعني في شقها الاجتماعي ـ النفسي؟ هل هي وسيلة للتنفيس عن احتقانات عام كامل، ام انها وسيلة لتشريع رغبة نفسية بشرية بالكذب، فيتحول الكذب في ذلك اليوم الى مزاح؟ هذه اسئلة متروكة للتحليل النفسي والاجتماعي، ولكن ما يهمنا من الامر هو ما الذي يجعل من الاول من نيسان يوما" للأكاذيب "البيضاء"،ومن باقي أيام السنة يوما" للأكاذيب "السوداء" فيصير هذا اليوم وكأنه تحويل لكذب أيام السنة الى مزحة، فيما الامر في الاصل يهدف الى إيجاد نهار لـ"الكذب" في عام من "الصدق".
هذا لان اللهو المغفور والذي بلا عواقب يختلف عن اللهو الذي يغير حياة البشر، فيظنون انه حقيقة فيما هو أضغاث أحلام او وعود لا يمكن الوفاء بها، وهذا ما ينطبق على انتظارات أغلب اللبنانيين من سياسييهم، مثلا". وينطبق على أنواع من "الانتصارات" الوهمية، وعلى بيانات وخطب تصدر من هنا وهناك لاسباب قد تكون انتخابية لكن من دون ان يكون لها أي أثر حقيقي أو فعلي في أرض الواقع.
كان يمكن للبنانيين أن يأخذوا كل هذه الامور على محمل "كذبة أول نيسان" وربما هم يفعلون ذلك ولكن هذا يحولهم الى ثلاثة أنواع: ضحايا. مهاجرون. عنيفون.
الضحايا هم الذين يصدقون ان موتهم هو سبيل الى حياة أخرى جديدة.
العنيفون هم إما يرفضون ان يتحولوا الى ضحايا فينبشون أظافرهم للدفاع عن أنفسهم، او الذين يريدون تحويل الجميع الى ضحايا فيجرونهم الى التضحية.
المهاجرون هم الذين يتركون البلاد لكليّ النوعين الاولين من دون أي شعور بالأسى او بالاسف. فتارك البلاد لا بد استنزف كل جهده للبقاء فيها قبل تركها.
هذه حال اللبنانيين سواء كان ما يراد لهم كذبة "بيضاء" أم حقيقية، وسواء كان ذلك في اول نيسان او في الاول من أي شهر من أشهر السنة. لكن رغم ذلك يبقى بصيص أمل للبنانيين كثر أيضا بأن الحياة في لبنان لا زالت تستحق أن تعاش، كما هو الأول من نيسان بصيص أمل بأن الكذب قد لا يؤذي
كذبة نيسان في التاريخ
يقول البعض ان كذبة أول نيسان أصلها الاول عودة حمامة النبي نوح التي أرسلها من فلكه حتى تكتشف البرية واليابسة في المرة الاولى، من دون أن تحمل أي بشارة وكان وقت تحول الفصل من الشتاء الى الربيع. أما في التقويم الغريغوري فقد ربط النهار بعيد cerealia وهي ألهة الفرح لدى الرومان، فيخرج الناس الى الطريق فرحين بإنقلاب الطقس نحو الاعتدال الربيعي ويركبون المقالب المضحكة لبعضهم البعض. أما الهنود فقد أسموه عيد هولي وكان أيضا بمناسبة إنقلاب الطقس. في إنكلترا وفرنسا بدأ الاحتفال بهذا العيد في القرن الثامن عشر. أما في فرنسا فإن الشخص المخدوع كان يطلق عليه إسم "سمكة نيسان". في المكسيك كان عيد جميع المخدوعين يتم في 28 من كانون الاول، وكان الناس يقومون في هذا العيد باستعارة شيء ما من الجيران ولا يعيدونه، فيرسل الى المخدوع المعير باقة من الورد ورسالة تفيد بأنه تعرض للخدعة. ويسمى الشخص الذي شد من أنفه.
الكنيسة الكاثوليكية احتفلت بعيد "الحمار" اي عديم الفهم والتركيز بمعناه المعروف في القرن الثاني عشر. وهذا العيد كان يوم بدء السنة الدينية المقدسة لدى البابليين حيث تقام احتفالات وأفراح بمناسبة مرور فصل الشتاء الذي اعتبر فصل موت الطبيعة والانتقال الى فصل الربيع الذي تعود فيه الحياة الى الطبيعة.
تعدّدت القصص والروايات حول الزمان والمكان الذي انطلقت منه كذبة الاول من نيسان. البعض يقول ان عادة الكذب انطلقت من فرنسا حين قام الملك تشارلز التاسع في العام 1582 بتغيير التقويم الميلادي الذي كان يبدأ في الاول من نيسان الى التقويم الغريغورياني ليبدأ في الاول من كانون الثاني. ففي عام 1562 قدم البابا غريغوريوس التقويم الجديد وصار يحتفل برأس السنة في ليل 31 كانون الاول بعدما كان يحتفل به وفقا للتقويم الجولياني على مدار 8 ايام تبدأ في 25 آذار وتنتهي في 1 نيسان.
الا ان بعض الناس لم يصدقوا هذا التغيير، وتابعوا الاحتفال برأس السنة في الاول من نيسان (وفق احدى الروايات)، وربما يكون السبب ان الخبر لم يصلهم الا بعد مضي بضع سنوات على اقرار التغيير اذ ان الاتصالات حينها كانت بدائية. ويعتقد آخرون ان البعض علم بالتغيير الا انه تعصّب للتقويم القديم واستمر بالاحتفال بالتاريخ المعتاد. الأمر الذي ادى الى تصنيفهم بالحمقى من قبل عامة الناس واصبحوا عرضة للسخرية.
ويربط البعض بين الاول من نيسان وبين عيد "هولي" الهندي حيث يقوم الهندوس من 31 آذار بالكذب وابتداع اعمال ومهام وهمية من اجل اللهو شرط الا يتم الكشف عن حقيقة الكذبة الا مساء اليوم الاول من نيسان.
اما انكلترا فلم تتعرف على هذا اليوم سوى في القرن السابع عشر لتنطلق بعدها الى سكوتلندا ثم الى الجالية الاميركية من خلال الانكليز والفرنسيين. ولا يوجد تاريخ محدّد او رواية واضحة عن الفترة التي وصلت فيه كذبة الاول من نيسان الى العالم العربي .
ومن هنا انتشرت ظاهرة كذبة أول نيسان في العالم واصبح كل بلد يحتفل بها على طريقته. وقد سيطرت الخرافات على هذا اليوم ومنها ان كل رجل يتزوج في ذلك اليوم ستسيطر عليه زوجته، او ان كل من يولد في هذا اليوم سيكون محظوظا في كل شيء إلا في القمار.
تختلف التسميات التي تطلق على ضحايا الاول من نيسان . ففي فرنسا يطلق على الضحية اسم السمكة لانه يتم تعليق سمكة ورقية على ظهر الرافضين للتغيير من دون علمهم. والضحية التي تنطبق عليها هذه الخدعة تعطى لقب سمكة نيسان لان السمك الفتي يكون ساذجا و سهل الاصطياد.
اما الانكليز فيطلقون على اليوم الأول من شهر نيسان يوم جميع المغفلين والحمقى، لما يغفلونه من أكاذيب، فقد يصدقهم من يسمع فيصبح ضحية كذبتهم.
الموضوع منقول من احد المواقع.
593 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع