في مقالتي السابقة عن الأولمبياد، أغفلت عن ذكر فائز حظي بأعلى ما يمكن من التصفيق والتقدير. وتقرر الآن منحه جائزة خاصة. هذا الفائز هو مجموع المتطوعين والمتطوعات الذين بلغ عددهم سبعين ألف شخص.
فعندما أعلنت الشركة المكلفة بالأمن والسلامة عجزها عن تعبئة العدد اللازم من العاملين لهذا الغرض، اضطرت السلطات البريطانية إلى سد الفراغ عن طريق الاستعانة بالجيش. ولكن القيادة هنا أيضا أعربت عن عجزها عن توفير كامل العدد الكافي من الجند. ماذا إذا حصل وهجمت «القاعدة» على بريطانيا والجيش منشغل بالتفرج على المسابقات؟ لم يبق للمسؤولين غير أن يناشدوا الشعب التطوع للقيام بشتى الخدمات المرتبطة بتوفير الراحة والسلامة للمتسابقين والمتفرجين. فاستجاب الجمهور بالألوف من سائر جهات الوطن وشتى قطاعاته. من أطرفها كان عدد من الراهبات. وللانسجام مع الروح الرياضية للحدث خلعن عن أنفسهن جبة الرهبنة ولبسن تنورات كشفت عن سيقانهن. تندرت الصحف بهن فنشرت صورهن.
وبعد الجهود المشكورة التي قدمها المتطوعون شاركوا في الاستعراض النهائي ونالوا من التشجيع والهتاف ما تجاوز ما ناله الأبطال الفائزون.
أكتب هذه المقالة لا للهو والمداعبة وذكر راهبات يكشفن عن سيقانهن، وإنما لأشير لهذه الظاهرة التي نفتقر إليها مع مزيد الأسف. فليس من المألوف أن يتطوع جمهورنا ويقدم خدمة مجانية تساند سلطات الأمن والنظام وتساعد الآخرين. لا، بل يقومون بالعكس فيبذلون قصاراهم غالبا لعرقلة جهود الدولة والتشويش على أعمالها.
التطوع ظاهرة مألوفة بين الغربيين لا في ظروف الحرب فقط بل وفي أوقات السلام أيضا. من الجدير بالذكر أن أشير إلى قرار وزارة الدفاع البريطانية الصادر مؤخرا. فبعد تقليص الميزانية بالنظر للأزمة الاقتصادية، اضطروا إلى تسريح عدد من أفواج الجيش.
وقال المسؤولون إنهم سيعوضون عنها بالاعتماد على جيش من المتطوعين. يحضرون للتدريب بصورة منتظمة ويقفون على استعداد دائم لترك أعمالهم والالتحاق بقطعاتهم وتسلم سلاحهم والمضي لساحات القتال حيثما كانت.
وكما نعرف هذا هو الحال في إسرائيل. فكل مواطن فيها هو جندي احتياط يترك أهله وعمله ويلتحق بالواجب المقرر له مسبقا. وتصدر بذلك إشارة رمزية من الراديو والتلفزيون بما تعني: هيا بكم لواجبكم العسكري. لا يسمعها المواطن إلا ويترك كل شيء ويسرع للنداء.
هناك كثير من الأعمال التي يقوم بها متطوعون مجانيون في المدن الغربية. ولدي نائل يقضي ليلتين أسبوعيا للقيام بدور السامري لإغاثة اليائسين والمنكوبين. وفي شارعنا يقوم نفر من العجائز المتقاعدين ببستنة الحدائق وزرع الورود وسقيها على امتداد الطريق. أليس القيام بمثل هذه الأعمال التطوعية والخيرية أفضل وأمتع من الجلوس في المقاهي وقضاء الوقت بالهذرفة والمشاغبات، وأكثر جلبا للاحترام والتقدير؟
هذه مهمة تتطلب في رأيي إقامة وزارة كاملة تتولى غرس روح التطوع في مواطنينا. وهي نافعة للسلطة لا فقط في توفير الأجور ولكن أيضا في صرف الشباب عن المشاغبات والعبث والجريمة.
311 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع