بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية الألمانية ’ استمر المجتمع الألماني يدفع ضريبتها حتى يومنا هذا , حيث استطاع الأعلام الذي تديره المؤسسات اليهودية , ان يفتعل ويضخم احداثاً ( بعضها وهمي ) ارتكبتها النازية , فكانت دولة الأحتلال الصهيوني في فلسطين ( اسرائيل ) , لقيط تلك الثقافة التي صنعها الأعلام المشبوه .
مثلما دفع المجتمع الألماني جزيـة مكلفة نيابة عن النظام النازي مع ان حزبه الآن منبوذاً داخل الشارع الألماني , يحاول بعض القوميين من القيادات الكوردية , ان يحملوا المجتمع العراقي مسؤولية جرائم ارتكبها النظام البعثي كان العراقيين اول ضحاياها , فالفاشية البعثية وقبل ان تسلط طغيانها على الشعب الكوردي , سحقت اضلاع المجتمع العراقي بكامله , القوميون الأكراد يحاولون ــ مع الأسف ــ استثمار مظلوميتهم بشكل خاطيء ومجحف على حساب مظلومية المكونات العراقية الأخرى .
على اثر مقال بعنوان " الدولة والأقليم ـــ طاسه بطن طاسه ــ طرحت فيه وجهة نظري حول واقع العملية السياسية ورداءة العلاقة بين اطرافها والأثار السلبية لأفتعال الأزمات بين الدولة والأقليم , استلمت من البعض رسائل واتصالات يتهموني فيها بالشوفينية والعنصرية والطائفية والأرتزاق ومعاداة الشعب الكوردي واشياء كريهة اخرى امتدت الى اتهام العراقيين بأنهم شوفينين ( 100 % ) .
ثقافة المتاجرة بالأحقاد والكراهية التي اعتمدتها القيادات الكوردية وحمل رسالتها البعض من مثقفي وسياسيي نخبها , زرعت اسباب الخوف في قلوب بنات وابناء كوردستان من عدو موهوم , وجعلت المواطن الكوردي مذعوراً مستسلماً لرحمة وحماية قيادة الحزبين الرئيسيين .
سألت المرحوم الكاتب والشاعر سامي شورش حيث كنا نسكن معاً في برلين , وكان يسارياً قبل ان ينتمي للحزب الديمقراطي الكوردستاني , ويصبح وزيراً للثقافة ثم عضواً في مجلس النواب عن التحالف الكوردستاني .
لماذا : الحركة الكوردية اكثر نشاطاً وحيوية في كوردستان العراق مقارنة في اكراد تركيا وايران وسوريا ... ؟؟؟ ـــ اجاب في حينه ــ .
لأننا جزء من العراق , ثقافة ووعي وتقاليد ثورية , ولو كان اكراد تركيا هم الذين في العراق واكراد العراق في تركيا ’ لأختلف الصورة تماماً , ولأصبحنا في تركيا مثلما هم عليه اكرادها , واكراد تركيا في العراق هم طليعة الحركة الكوردية ’ المجتمع العراقي اكثر تسامحاً واممية , ومن تعدد المكونات والثقافات وتقاليد التآخي والمحبة ورغية الأندماج والتعايش والتضامن والبناء , تشكلت وترسخت ابرز تقاسيم الشخصية العراقية المتماسكة , وتاريخياً يوجد في الدولة العراقية مسؤولون اكراد على مستويات عالية , بينما يندر ان تجد شرطياً كوردي داخل مؤسسات الدولة التركية والأيرانية والسورية .
اقول هنا واتحمل مسؤولية وجهة نظري :
لو ان المرحوم مصطفى البرزاني , اسس حزبه في تركيا او ايران وسوريا , ومهما حاول او بلغت التضحيات , لما حصل الشعب الكوردي على مثل تلك المكاسب التي يتمتع بها في الجانب العراقي , انها البيئة الأجتماعية والثقافية والسياسية العراقية التي يشترك فيها العربي والكوردي ومكونات المجتمع الأخرى, مثالية من حيث الأنسجام والألفة والمحبة والتضامن والتعايش , فيها كل يتفهم خصوصية الأخر محترماً حقوقه وهويته ومستقبل قضيته , وهذا ما نخشى ان بفسده عتاة التطرف الشوفيني لبعض سياسيي ومثقفي العرب والكورد على حد سواء .
الشوفينية : هويتها واساليب عملها واحدة ظالمة كانت ام مظلومة , ومثلما تفترق تلتقي ايضاً , فالشوفينية العربية والكوردية , التقيتا واتفقتا على اسقاط المشروع الوطني لثورة 14 / تموز / 1958 وتدمير المستقبل العراقي , اختلفت بعد انجاز مؤامرة 08 / شباط / 1963 , فكانت الكارثة الدموية التي تعرض لها الشعب الكوردي بعد اتفاق النظامين الأيراني العراقي عام 1975 , والآن وهي تختلف حول حجم حصتها من الجسد العراقي , تتصالح وتتفق حول تمرير المشروع الأقليمي لأضعاف وسحق الدولة العراقية .
الشوفيني العربي الذي استكثر على الشعب الكوردي , ان يكون رئيس جمهورية العراق كوردياً ويتوعده بعقاب جماعي في اول فرصة كعدو للـه والعروبة !! , هو ذاته الذي استقبلته الشوفينية الكوردية حليفاً في لقاء اربيل حول المشروع الأقليمي في سحب الثقة عن حكومة رئيس الجمهورية فيها كوردي ثم اسقاطها , والشوفيني الكوردي , لا يمنعه القصف التركي لقرى كوردستان العراق واضطهاد اشقائهم هناك , من مد يد الصداقة وتسهيل مهمات التدخل في الشأن العراقي والدخول في حلف رباعي مع تركيا والسعودية وقطر بغية اذلال الدولة العراقية واستباحة السيادة الوطنية , فمن الدسيسة والوقيعة وخذلان الوطن والتنكيل بالشعب تشكلت الهوية التاريخية المشتركة لشوفينيي وعنصريي وطائفيي العرب والكورد .
عندما يتظاهر الشوفيني الكوردي , مثقفاً كان ام سياسياً , متباكياً من مظالم الشوفيني العربي , يصبح مثيراً للأستغراب والسخرية , حيث كلاهما يشكلا وجهان لعملة ( طبخة ) الموروث البعثي , وكلاهما متهمان بأرتكاب جرائم بحق القيم والمباديء والأخلاق واساءات للتقاليد الوطنية الأنسانية , وتاريخ بعضهم ليس انظف من التاريخ البعثي في مجال سلب حقوق الأنسان وتدمير كرامته وتصفيته جسدياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً .
العراق اصبح امام حالة مفجعة ووضع بائس , كون سلطات الأقليم وبعد ان احكمت قبضتها على ارادة ومصير المواطن الكوردي ’ تفرض الآن جزية مجحفة على الشعب العراقي , صيغة مشوهة لمفوهم النظام الأتحادي الفدرالي , وسبباً لتدمير العلاقات الوطنية الأنسانية بين مكونات المجتمع , انها شراكة الغالب والمغلوب التي يتعنجه بها السيد مسعود البرزاني , ضريبة مكلفة , على الدولة العراقية الا تخضع اكثر مما خضعت ولا تدفع اكثر مما دفعت , والحكومة تتحمل مسؤولية اعادة التوازن الوطني بين جميع المكونات ’ لتكون مبادي التسامح والمحبة والتآخي والمساوات نسيج الهوية المشتركة .
في مثل تلك الحالة المثيرة للقلق , على السياسي المخلص والمثقف الوطني , عربياً كان ام كوردياً او اي من المكونات الأخرى , ان يخرج عن متاريس التطرف والتعنصر الطائفي القومي , ويستعيد استقلالية وحرية موقفه وكلمته من قبضة مصنعي الأزمات والمتاجرين بالأحقاد والكراهية وافتعال الخوف من الآخر .
نؤكد للأخوة الأكراد , ان الشوفينية العربية قد فقدت مواقعها في الجنوب والوسط العراقي , وبقاياها ذيول بائسة تثير الغبار في بعض المناطق , اما الشوفينية الكوردية , فلا زالت في كامل عنفوانها , مهوسة بالغرور , فاقدة بصيرتها وشعورها بالمسؤولية ولا زالت تتنفس برئة الأزمنة البعثية , سيتسع انتفاخها حتى ينفجر كارثة مدمرة للمصالح العليا للشعب والوطن , وعلينا ان نفتح فيها ثغرة ليخرج قيح اورامها لتستعيد رشدها , وتلك مهمة الدولة والمجتمع والرأي العام المشترك ونحن جزءً منـه .
واخيراً على الدولة ( والحكومة بشكل خاص ) ان تتحرر من ضعفها وتحترم وظيفتها ودورها ومركزية تمثيلها العراق, ولا تسمح لقردة الأرادات الخارجية والمحلية بالقفز على ظهر الأرادة الوطنية , وان تتخذ من الرأي العام العراقي مرجعية في الحفاظ على دماء الناس وثرواتهم وكرامتهم وسيادة وطنهم .
365 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع