قدر أطفالنا أن يدفعوا ثمن خطايانا.. هن المختونات، القاصرات المرغَمات على الزواج، المتحرَّش بهن. هم المعنَّفون، المعذَّبون، الموؤدون، المجبَرون على السخرة، المنحورون على مذابح الحروب.
الأمثلة كثيرة.. من أين أبدأ؟ من أطفال سوريا الذين مازالوا يُنحَرون ويفجَّرون وتتشتت أشلاؤهم فوق كل هضبة ووادٍ؟ أم من أطفال غزة الذين تفحَّموا قبل أن يتعلَّموا تهجئة أسمائهم؟ أم من أطفال مصر الذين «فُرموا» تحت عجلات قطار، فراح منهم خلال ساعة أكثر مما راح بإعصار امتد لثلاثة أيام وشمل عدة ولايات في أميركا؟
فلنحاول أن نخفف الهمَّ عن قلوبنا قليلا.. لنقل إن تلك كوارث عامة، وحلولها أكبر منا ومن فهمنا، هي سياسات دول وأنظمة وحوادث وحروب. ماذا عن الجرائم الشخصية؟ ماذا عن الطفلة لمى، تلك الوردة ذات السنوات الخمس، التي لم تمت بمرض عضال استحال شفاؤه، ولا بحادث قدري لم تستطع النجاة منه، بل قضت تحت التعذيب، ضرباً، وكيّاً، وحرقاً على يد أبيها (الداعية)؟
نعم داعية.. لا تستغربوا.. كان الأب يظهر على الشاشات ويدعو الناس إلى صلاح الحال، والبر، وفعل الخير، والابتعاد عن المعاصي، ثم يعود إلى بيته لينفّ.س كل أمراضه النفسية وقبحه في جسد الطفلة ذات الأعوام الخمسة، التي لم تكن تملك لا حولا ولا قوة.
لن أسأل عن عذر الرجل فيما فعله بابنته، وماذا يمكن أن تكون تهمة هذه الصغيرة لتستحق عقابا بهذه البشاعة، فتلك الأفعال لا عذر ولا مسوّ.غ لها تحت أي ظرف، لكن المصيبة التي لم أجد لها عذرا هي أن أم لمى بُحّ صوتها وهي تصرخ وتنادي لإنقاذ ابنتها، بل إن المشرف العام على الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، الدكتور خالد الفاخري، صرح بأنه قبل حصول هذه الجريمة بثمانية أشهر خاطبت الجمعية الجهات المختصة، كي يوقفوا التعذيب الذي تتعرّض له لمى. أي ان الأمر لم يكن سرا عائليا، ولم يكن خافياً عن أعين السلطات، فما الذي حصل؟ صعدت روح الطفلة البريئة إلى السماء، ليظل السؤال عالقا: لماذا لم تنقذوا لمى؟ هل هناك ما هو أهم من طفلة بريئة تتعذب؟ هل كون الأب داعية، وضع غشاوة على أعينكم فتغاضيتم عن أفعاله ظنا منكم أن تلك الجرائم لا تصدر عمن أطال اللحية وقصَّر الثوب؟
نامي بأمان يا صغيرة، وليكن موتك، رغم بشاعته، دفعة كي يعاد نقاش مسألة حضانة الأطفال وضمهم لأمهاتهم، الأكثر صبرا عليهم، والأوفر حنانا، وإعادة استخراج ملفات الكثير من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والطفل في دولنا النائمة على ضفاف الألم.
أطفالنا أصبحوا حطب نزاعاتنا السياسية الدينية الاجتماعية.. فأنقذوهم منا... كرمى لله.
*صحفية من الكويت
790 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع