يفتتح الشاعر د. هاتف جنابي ديوان شعره الجديد موعد مع شفرة السكين الصادر عن دار نشر الغاوون بلبنان 2012 ، بعنوان يرسم امامك دائرة مفتوحة لا حدود لها ، قصيدته الاولى الغياب تحمل مدلولات متشابكة بدء من الغياب المادي ( الشيء / الهيئة ) حتى الغياب الميتافيزيقي ( الصورة / اللاشيء ) ، مقابل هذا الغياب عليك البحث عن الاخر ، عن شئ ، بل ربما عن لا شئ .
كل له غيابه ، شعوب غاب عنها منقذها على سبيل المثال فظلت تنتظر ظهوره ، تحلم بمجيئه لينقذها من فقرها ، من الظلم ، من السؤال الابدي لماذا انا موجود .
تطورت قضية الغياب لتصبح ظاهرة لدى العديد من المجتمعات عالجته بطرق مختلفة ، ومن ابسط مظاهر معالجة الغياب في مجتمعنا البكاء والنواح ، فما ان يغيب الشخص اوالشيء في الظلام او في سفر او موت ، تجد المجالس تنعقد لرثائه وبكائه ، اما يوم ميلاده ، او بزوغ نجمه ، فلا اهمية له ، باستثناء القمر الذي حصل على يوم واحد في العام يحتفل ببزوغه هلالا ليصبح عيدا بعد صيام طويل .
( الغياب الذي امتد ابعد من ظله
ما يزال يحدق فينا بعينين نصف مغمضتين
ما كان بهذا المدى
لو كان طريقه سالكا
لو كان ذا ملمح اوتقطيبة فوق الحاجبين
الغياب بلا رائحة
لا ملامح له
وله سطوة آسرة ) من قصيدة الغياب
ولو رغبنا في السؤال عن السطوة التي يمتلكها الغياب ، ومن اين يستقيها الانسان ليعيش في طوقها الآسر ، رغم ما في الغياب من ألم وشقاء ، لتأكد لنا ان من الافضل تجاوزه والبحث عن السعادة بدلا عنه في زوايا الحياة الحافلة بمنطق الوجود والعدم ! ولكن الانسان لا يفتأ ان يلج مفازات المجهول ويحمل على كتفيه صخرة سيزيف عسى ان يصل الى مشارف العدم فينكشف له سرها القاتل ، ولربما حتى اذا حصل عليه قد يفقده مثلما فقد جلجامش عشبة الخلود
( على جبهتي كتبت ُ
غائب
لاتبحثوا عني ) من قصيدة الغياب
هو ذاك هاتف الجنابي الذي نحت في شعره حجر الفلسفة ، يستمد من الغياب مفاتيح الكلمات
لينسج بساطا من القصائد المؤطرة بالمفاهيم المعاصرة للحياة المركبة التي استقاها من وجوده في بنية مجتمع متطور يحتل وسط اوربا ، يفرض على الشاعر عمقا متأًصلا في خلق افكاره التي تتجاوز المفاهيم السطحية للحياة في مجتمعاتنا البدائية التي اصبحت تعيش على هامش الواقع ، او بعبارة اقسى خارج التاريخ .
يبقى هاتف جنابي في شعره باحثا عن مساحة واسعة تستوعب افكاره ومحاولاته التي اصبحت ناضجة لتقف الى جانب كبار شعراء اوربا وليعد من بين الشعراء المجيدين في ما يكتب وينشر ويترجم من والى البولونية التي له فيها دواوين ودراسات متميزة يشار لها في الادب البولوني بالبنان .
في قصيدة اخرى نختار مقطعا منها قد لايغني عن العودة الى الديوان نبحث من جديد عن هاتف جنابي في : كي لاتموت الفراشة في داخلي
( اكتب لكي يكون للشهيق والزفير معنى
وللحياة مغزى
وللحبيبة تمثال يفوق الجبال سموا
اكتب كي لا يذل سائل وتعطش زهرة
كي تكون انت انا )
هاتف جنابي يكتب لنا كي نستطيع الوصول الى عليائه و نكتشف مواطن شعره التي يتجول فيها بهدوء يشبه العاصفة .
مقاطع من الديوان:
*لم يخلق للانسان ذيل
خوفا من اثارة الغبار
*لأهل النار اكثر من امل يلتهب
بينما لا أمل لاهل الجنة
*اكثر الفصول تبذيرا الصيف
واكثر الفصول كرما الربيع
واكثر الفصول بخلا الشتاء
واقل الفصول حياء الخريف
لانه يتعرى دائما
* من يعمل ثقبا
عليه ان يفكر بغلقه
* المرأة كلمة ساحرة لانهاية لها
في معجم الحياة
وعلى الرجل ان يبحث عنها
طول حياته
494 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع